أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (27).. الذيــــن قالــــوا “لا”! (6)

حامد اغبارية

مدخل
قليلون هم الذين قالوا “لا”! لكنّهم على قلّتهم فرضوا بمواقفهم الثابتة معادلةً جعلت الذين أرادوهم أن يقولوا “نعم” يُجيّشون لهم جيوشا مدججة بكل أنواع السلاح العسكري والاقتصادي والإعلامي والثقافي، سعيا إلى الشيطنة والتشويه والملاحقة والبطش والاجتثاث، فما ازداد الموقف إلا صلابة، وما ازداد المشهد إلا وضوحا، وما ازداد الذين رفضوا السير في الركب إلا عنفوانا، وما ازداد الذين راودوهم عن مواقفهم إلا فشلا، حتى أصبح العالم وقد انقسم إلى فُسطاطين لا ثالث لهما، اللهم إلا من “فُسَيْطِطِ” المنافقين الذين ربطوا مصائرهم بمن يظنون- مخطئين- أنه غالبٌ في كل الأحوال.
في هذه السلسلة التي قد تستغرق صفحات كثيرة، محاولةٌ لفتح البصائر على حقيقة الصراع الدائر بين الذين قالوا “لا”، وبين الذين يريدون فرض أجندتهم على أهل الأرض جميعا، أو بالأحرى فتح البصائر على حقيقة الحرب التي يشنها فسطاط الشيطان على الذين استقر في نفوسهم قول “لا” في كل الأحوال كذلك.
هذا ليس لغزا من الألغاز، ولا هي طلاسم يصعُب فهمُ كنهها. إنه حديثٌ عن أهل الحق القابضين على الجمر في زمن السنين الخداعة التي يُصدّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. إنه حديثٌ عن الذين لم تفارقهم شجاعة المؤمنين ورباطة جأش المرابطين على الثغور، رغم ما يبدو للرائي من ضعف قوّتهم وقلة حيلتهم وهوانهم على الناس وتخلي الأقربين عنهم.
هو حديثٌ عن تركيا، وعن ماليزيا، وعن الإخوان المسلمين، وعن الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا، وعن غزة قاهرة الغزاة، وعن العراق ما قبل 2003، وعن العلماء الربانيين الذين رفضوا السير في ركب السلطان، وعن صفحات أخرى مشرقة في بلاد المسلمين التي استهدفها فسطاط الشرّ طوال عقود.

دمروا العراق لأنه قال “لا” لكنّه سينهض
ما الذي دفع الولايات المتحدة، ومعها عصابات إجرام من 30 دولة بينها أنظمة عربية تدور في الفلك الأميركي – الصهيوني، إلى شن حرب على العراق وتدميره دمارا شاملا؟
لم يكن السبب وجود أسلحة دمار شامل في العراق كما زعموا عشية الحرب في نيسان 2003، وإنما كان السبب أن العراق في عهد الرئيس الشهيد صدام حسين خرج عن النص وقال “لا” للغرب وللصهيونية وللماسونية العالمية.
لقد عملوا على تدمير العراق لأنه ملك إرادته الحرة، ولم يخضع ولم يرف له جفن من عربدات واشنطن وبريطانيا وتل أبيب، وواصل طريقه في بناء دولة شهدت قفزات من التطور العسكري والعمراني والاقتصادي بصورة شكلت قلقا لأعداء الأمة. صحيح أن صدام حسين لم يكن خليفة المسلمين، ولم يكن الحكم في العراق ذا طابع إسلامي في عهده، وكان بعثيا علمانيا، شدد قبضته الحديدية على الإسلاميين في فترات متعاقبة، إلا أن وجود عراق قوي يملك كل مقومات الدولة العصرية ذات الاقتصاد القوي، والإرادة الكاملة إلى الحد الذي جعلها تقصف تل أبيب بالصواريخ من مسافة 650 كم لأول مرة في تاريخ الصراع، ما أصاب أعداء العراق وأعداء الأمة بالهستيريا، خاصة بسبب التخوف من انتقال الحكم ذات يوم إلى أيدي إسلاميين يقودون إلى توحيد الأمة في لحظة ما. وهذا في الحقيقة هو السبب الخفي الرئيس الذي وقف ولا يزال يقف وراء كل ما يصدر عن الغرب الصليبي وعن الصهيونية من مواقف وسياسات. وقد ثبت هذا بالدليل العملي عقب ثورات الربيع العربي.
لم يكن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل. وكان يكفي – في الظروف الطبيعية- إعلان العراق أنه لا يمتلك تلك الأسلحة، وكذلك الاكتفاء بتقارير اللجان الدولية التي فتشت عن ذلك الوهم ولم تعثر على شيء. بل إن خارجية واشنطن نفسها صرحت في سبتمبر 2003 أنه لم يُعثر على أسلحة دمار شامل في العراق، فلماذا واصلت ارتكاب جريمتها إذاً؟ لقد عبر عن ذلك جورج بوش الابن حين قال في مؤتمر صحافي إن الحرب الصليبية على العراق بدأت. وهذه هي حقيقة المسألة، أو بتعبير أكثر دقة: هذا هو أحد جوانب الحقيقة. لقد كان الهدف تدمير العراق ضمن هدف استراتيجي للصليبية وللصهيونية العالمية والمؤسسة الإسرائيلية التي حرّضت الدنيا كلها على العراق ليس لأنه يحكمها “دكتاتور”، وليس لأن ذلك “الدكتاتور” ضرب الأكراد بالكيماوي كما زعموا، بل لأن العراق رفض أن يلحق بركب واشنطن وتل أبيب، ولم يخضع ولم يرضخ ولم يتردد في التعبير عن إرادته الحرة.
في سبتمبر 2016 صرح الرئيس الأمريكي السابق براك أوباما أن التدخل في العراق كان أحد أسباب ظهور تنظيم داعش. وهو نفس ما قاله مجرم الحرب توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا إبان الحرب الكونية على العراق، حيث أدلى بتصريح مشابه في 2015.
في أكتوبر 2019 قال الرئيس الأمريكي ترامب: “لقد خضنا حربا باطلة في العراق، والتدخل والتوغل في الشرق الأوسط هو أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة. لقد اتُّخذ ذلك القرار بذريعة باطلة دُحِضت لاحقا بخصوص أسلحة الدمار الشامل في العراق”.
وفي ذات السياق صرح بروفسور أندرو باكيفتش؛ أستاذ العلاقات الدولية والتاريخ في جامعة بوسطن أن الولايات المتحدة لم تحقق نصرا عسكريا في العراق، ولم تنجز أهدافها الاستراتيجية من حرب كلفتها آلاف القتلى والجرحى وخلفت مئات آلاف القتل والجرحى العراقيين.
في تموز 2018 اعترف المجرم توني بلير في مقابلته الشهيرة مع سي إن إن بكل موبقاته في العراق، ومنها قضية تلفيق وجود أسلحة الدمار الشامل. ومما قاله إن الحرب على العراق جاءت عقب التغيير في سياسات أمريكا بعد أحداث 11 أيلول 2001.
في حزيران 2020 صرح رئيس أمريكا الحالي ترامب بأن كولن باول، وزير خارجية بوش الابن إبان الحرب على العراق، جرّ أمريكا إلى حروب كارثية في الشرق الأوسط، مضيفا أنه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل في العراق تبرر تلك الحرب، وكل هؤلاء كانوا يعرفون هذه الحقيقة.
لقد كان الهدف تدمير العراق وتسليم رقبة الشعب العراقي للعصابات التي ما تزال تلغ في دمائه إلى هذه اللحظة.. نقطة. وقد فعلوا.
أرادوا تدمير العراق لأن العراق في زمن صدام حسين قال “لا” للجهل والتخلف والسير في ذيل قافلة الأمم والحضارة البشرية والسعي إلى نيل رضا تل أبيب.
في عهد صدام حسين كان في العراق آلاف العلماء المتخصصين في مختلف مجالات العلوم الكونية، ومن بينها العلوم الحساسة التي ظنت أمريكا وتل أبيب أنه ليس من حق العرب والمسلمين أن يسجلوا فيها أسماءهم، وأن هذا المجال محجوز للغرب ولتل أبيب وسائر الأعضاء في نادي فسطاط الشر العالمي!! وكلنا نعلم ونذكر قصة مسلسل اغتيالات علماء عراقيين، واختفاء آثار آخرين، وقد وصل العدد إلى نحو 500 عالم عراقي.
في عهد صدام حسين كان العراق الدولة العربية الوحيدة التي تجرأت على قصف تل أبيب بالصواريخ من مسافة تزيد على 680 كم. فهل كانت واشنطن وتل أبيب ستسكتان على هذا؟ كان لا بد من تلقين العراق درسا لا تنساه سائر أنظمة العار العربية. وقد كنا شهودا على أنظمة “نخّت” ورفعت الراية البيضاء مثل ليبيا القذافي، ناهيك عن أنظمة ارتعدت فرائصها وفعلت فعلتها “بملابسها الداخلية” وسلمت قياد أمرها للسيد الأمريكي وللصهيونية. ونحن اليوم شهود على آثار ونتائج هذا الاستخذاء والاستسلام.
في عهد صدام حسين كان العراق المناصر رقم واحد للقضية الفلسطينية دون شروط ودون تحفظ، وأنفق من أمواله على الشعب الفلسطيني ما لم تفعله كل أنظمة العار مجتمعة منذ عام النكبة.
في عهد صدام حسين رفع العراق شعار “نفط العرب للعرب”. وقد مارس العراق هذا الشعار واقعا، وحرم الدول المعادية من الحصول على نقطة بترول واحدة من نفط العراق. وربما كان هذا أحد أسباب العداء الدموي الذي مارسته دول نفطية أخرى كالسعودية والكويت ضد العراق. فقد أمم صدام حسين الثروة النفطية العراقية تأميما تاما، ولم يلتفت إلى أحد.
حقق العراق في عهد صدام نموا اقتصاديا كبيرا، حتى وصل سعر الدينار العراقي 3 دولارات أمريكية خضراء. فهل كان يمكن أن تسكت واشنطن على هذا؟!
في السنوات الأولى من عهد صدام، وتحديدا في العام 1973 تمكن العراق من تطهير البلاد من جميع شبكات التجسس، ومن بينها شبكات صهيونية، بحسب ما أكدته الوثائق العراقية. وكان عدد الشبكات التي ضبطت يزيد على 550 شبكة، حتى قيل إن الحصول على المعلومات عما يحدث داخل العراق أصبح شبه مستحيل.
في عهد صدام حسين حقق العراق قفزات هائلة في مجال العمران والتعليم والبنى التحتية والزراعة والصناعات الخفيفة والثقيلة لدرجة أقلقت الغرب، الذي كان يدرك أن هذه الإنجازات من شأنها أن تضع العراق في مقدمة دول العالم على المستوى الاقتصادي والعلمي والعسكري. هذا وغيره مما يندرج تحت قول “لا”، كان سببا في استهداف العراق وتدميره. وما أشبه ذلك المشهد بالمشهد التركي في عهد الرئيس أردوغان. غير أن صدام سلك طريقا مختلفا، حين وقع في فخ واشنطن، واستُدرج إلى غزو الكويت، فخانه ذكاؤه وحنكته في فهم ألاعيب السياسة الدولية وحقيقة أهدافها الساعية إلى تقويض أية قوة يمكن أن تعيد للأمة مجدها التليد.
نعم، لقد نجحوا في تدمير العراق، ولكن العراق سينهض ذات يوم، بعد أن ينفض عن كاهله أوساخ الخيانة وقاذورات المتآمرين، وعندها لن تتمكن أية قوة في العالم أن تزعم بأنها تمكنت من إعادة العراق إلى القرن الخامس عشر. (يتبع).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى