أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

لا تسقط رجولتك

الشيخ كمال خطيب
ليست الرجولة هي عكس الأنوثة ولا الرجولة تعني الذكورة، وإنما الرجولة هي الشهامة والأخلاق والمواقف البطولية والإنسانية، وهي ثمرة حكمة العقل وطهارة القلب ونظافة اليد. والرجولة لا تشترى بالمال ولا تحصّل بالكلام، وإنما هي سلوك وأفعال، ولقد قيل: لا تحدثني عن الرجولة ولكن دعني أراها فيك!!!
كانت امرأة عجوز تمشي في جانب الطريق وإذا بشاب يصدمها بدراجة يقودها بسرعة. سقطت المرأة العجوز أرضًا وهو كذاك، أما هي فقد راحت تلملم ثيابها وتحاول النهوض، بينما هو أخذ يضحك عليها وقام وركب درّاجته ومضى!!!
نادته المرأة العجوز بصوت عال قائلة: شيا بني لقد سقط منك شيء فارجع!!! عاد الشاب مسرعًا وأخذ ينظر إلى المكان الذي صدم فيه العجوز فلم يجد شيئًا، فقالت له: يا بني، لأنك لم تجد شيئًا قد سقط، وإنما سقطت رجولتك ولن تجدها أبدًا.
كثيرون هم الذين يتصرّفون تصرفات ويسلكون سلوكيات لا يأبهون بها لمشاعر الآخرين وظروفهم وكأن شيئًا بالنسبة لهم لم يكن، بينما هم في الحقيقة قد تركوا في نفوس الآخرين جرحًا لا يندمل، وحزنًا لا تمحوه الأيام. هل هناك أعظم من أن تعيش همًا وتعيش ضائقة، فتذهب إلى من تفشي له سرّك وتحكي له همّك لعله يساعدك ويخفف عنك ويواسيك، وإذا به يضحك منك ساخرًا بل ولعله يحدّث الناس بما حدثته به. وهل أعظم من أن تضيق بك الأحوال فتذهب إلى أخ أو صديق لا نشك للحظة أنه سيخيّب أملك وأنت تعلم أن بمقدوره الاستجابة لطلبك وإذا به يردك خائبًا فترجع وقد اسودت الدنيا في وجهك وتكاد تبكي وتخنقك العبرات وأنت تقول:

مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علام تبكي الفتاة
قالت وكيف لا أبكي وأهلي جميعًا دون خلق الله ماتوا

إنها الرجولة، ليس أنها سقطت وإنما تمرّغت في وحل موت الضمير وغياب الإنسانية.
تقول إحدى الفتيات: وكم من شباب أسقطوا رجولتهم على مرأى من الناس من خلال سلوكيات رعناء وتحرش وبذاءات يظنون أنها رجولة، وأنا فتاة لا أنحني لالتقاط شيء سقط من عيني، ولو انحنى عند قدمي فلن أنحني لالتقاطه والزواج به.

ترفّع عن سفاهة الأنذال
لقد جاء الفيسبوك ليختصر المسافات ويكشف المستور، فما أسهل أن ينقر أحدهم على لوحة الأحرف ليكتب نصًا فيه يهمز ويلمز أو يصرّح في إساءته إليك أو يشتمك لتشتمه أو ينال منك ليحظى بشرف الانتباه إليه. إنه وبمجرد الالتفات إليه والردّ عليه فإنه بذلك يحقق انجازًا ويجد نفسه التائهة الضائعة في عالم الأنا وعالم الحسد. فإياك إياك أن تسقط رجولتك بالالتفات لهؤلاء. نعم إن من هؤلاء من ذاق يومًا طعم الأخوة ومن شرب من حليب الدعوة، ومن كان على هامش هامش الحياة والمجتمع فرفعه الله لكنه ما صان هذه النعمة.
إن أخوة يوسف لمّا تحدثوا عن أخيهم الذي احتجز في مصر، فإنهم قالوا لأبيهم يعقوب {يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} آية 81 سورة يوسف. لقد انخرست ألسنتهم أن يقولوا “إن أخانا” وما أخرسها إلا الحسد وعبادة الأنا. فإذا كان هذا حال أخوة النسب والدم فما بالك بأخوة الدعوة، بل ماذا سيكون موقف المناكف الحزبي أو صاحب منهج حياة يخالف منهجك اختلافًا جذريًا،فإياك إياك ومناكفة هؤلاء لأنهم في الحقيقة يتمنون منك ذلك ليجدوا في التفاتك إليهم إنجازًا، فإياك أن تسقط رجولتك وتذكر ما قاله الإمام الشافعي :

يُخاطِبُني السَفيهُ بِكُلِّ قُبحٍ فَأَكرَهُ أَن أَكونَ لَهُ مُجيبا
يَزيدُ سَفاهَةً فَأَزيدُ حِلماً كَعودٍ زادَهُ الإِحراقُ طيبا

وقال كذلك:

إِذا نَطَقَ السَفيهُ فَلا تَجِبهُ فَخَيرٌ مِن إِجابَتِهِ السُكوتُ
فَإِن كَلَّمتَهُ فَرَّجتَ عَنهُ وَإِن خَلَّيتَهُ كَمَداً يَموتُ

وقال كذلك رحمه الله:

إِذا سَبَّني نَذلٌ تَزايَدتُ رِفعَةً وَما العَيبُ إِلّا أَن أَكونَ مُسابِبُه
وَلَو لَم تَكُن نَفسي عَلَيَّ عَزيزَةً لَمَكَنتُها مِن كُلِّ نَذلٍ تُحارِبُه

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إذا سمعت الكلمة تؤذيك فطأطأ لها حتى تتخطاك”. إن عمر رضي الله عنه لم يكن جبانًا فيخاف المواجهة والرد، ولكنه يقصد بذلك سفاهة السفهاء وهذا الموقف منه هو وفق منطق الشاعر لمّا قال:

لو كل كلب عوى ألقمته حجرًا لأصبح الصخر مثقالًا بدينار

فلا تسقط رجولتك وأنت تجاري من يظنون أنفسهم أبطال الفيسبوك وعمالقة الشاشات الزرقاء وهم في الحقيقة ليسوا إلا من يبحث عمّن يلتفت إليه ليجد نفسه أوهم من الذباب الذي يقتات من المستنقعات الفكرية والسياسية الآسنة لأسيادهم الذين أطلقوهم.

امرأة تسبني بصوت رجل
كان ذلك قبل أذان الظهر بدقائق من أحد أيام صيف 2005 حين رنّ هاتفي الجوال، وقد تبين أن مصدر الإتصال مجهول فلم يظهر رقم المتصل على الشاشة، ومع ذلك فلقد رددت بالسلام والتحية كعادتي وإذا بردّ السلام يأتي من الطرف الآخر سيلًا من الشتائم والسُباب بألفاظ نابية سوقية تنضح بالسفالة والرذيلة، ثم أغلق الهاتف وانقطع الإتصال. أما أنا فقد أفقت من ذهولي على صوت المؤذن ينادي لصلاة الظهر. من هذا يا ترى، ولماذا وما السبب؟ تمالكت نفسي من هول المفاجأة ومن بذاءة لسان المتصل وذهبت إلى المسجد لأداء صلاة الظهر، ولمّا رجعت من الصلاة تبيّن أنه عاود الإتصال ثانية وقد ردّت عليه ابنتي حيث أسمعها نفس الكلمات وقد نسيت أن أنبه أهل البيت بعدم الرد في غيبتي لأنني لم أتوقع أن يعيد الاتصال.
وهكذا أصبح بين المرة والمرة يتصل ويسب ويشتم ببذاءات وأنا أمنّي نفسي بأن المتصل مخطئ ولست أنا المقصود، وأنه خطأ في الرقم الذي يتصل به حتى قطع المتصل الشك باليقين لمّا راح يسميني باسمي الشخصي.
ولمّا أنه بات لم يتوقف عن فعله المشين فقد صممت على معرفة من يكون مهما كان الثمن، وفعلًا فقد استعنت بصاحب خبرة في مجال الاتصالات، وبعد جولة من المتابعة فقد عرف الأخ الخبير رقم الهاتف ومن يكون صاحبه، لتكون المفاجأة الصاعقة أن المتصل لم يكن إلا امرأة هي صاحبة الهاتف والتي كانت تعتمد وتتقن استخدام التقنيات الحديثة المستخدمة في شبكات الهواتف والتي بمقدورها التلاعب وتحويل صوت المرأة إلى رجل وكذلك العكس، وفعلًا وبعد استدعاء المرأة بأساليب فيها بعض المراوغة ورغم محاولتها الإنكار بل والتظاهر والإدعاء بأننا نسيء إليها باتهامنا لها إلا أنها جاءت ذليلة باكية تطلب المسامحة والستر.
وكان الغريب أنني لمّا سألتها وأنا في حيرة وذهول عن سبب اختيارها لتلك الشتائم التي يخجل أن يتكلم بها رجل لرجل وأن الإنسان السويّ فإن هذه الألفاظ لا تعرف إلى لسانه سبيلًا. فكان جوابها الصاعق أنها أرادت وضعي في امتحان، هل أنا ألتزم بما أدعوا الناس إليه واكتب عنه من حسن الخلق أم أنني سأنساق إلى أسلوبها وأرد عليها بالمثل لأكون عند ذلك من الذين يقولون ما لا يفعلون، فأكون قد سقطت في الامتحان، وأن الإمتحان ليس إلا أن أسقط رجولتي، وأتحدث بنفس الأسلوب الذي تحدثت به.
صحيح أنني قد سامحت وعفوت ولم أحدث زوجها ولا والدها بعد أن وعدت بالاستقامة وأبدت الأسف والندم والتوبة إلى الله تعالى.

عملاء وعلماء قد أسقطوا رجولتهم
الذين وقعوا في شباك الشاباك وحظوا بلقب العار والشنار “العملاء” هم من الذين أسقطوا رجولتهم عند أقدام مشغلهم، إنهم الذين خانوا شعبهم وخانوا عائلاتهم وخانوا ضمائرهم وخانوا دينهم من أجل فتات يلقى إليهم من أعدائهم. إنهم بعد إذ يقوموا بالمهام القذرة التي يكلّفون بها، وبعد إذ تحترق أوراقهم وتتناقل الألسن ذكر أسمائهم ولا يعودون يصلحون لشيء فإنهم ينقلون إلى مزابل الإحتلال حيث يسكنهم في ظروف لا تزيد أبدًا عن ظرف أي إنسان آخر إن لم يكن أسوأ. ولقد سمعت أحدهم قبل مدة يتحدث في الإذاعة الإسرائيلية العبرية يبكي سوء أحواله ويطالب من أسقطوه عند أقدامهم أن يلتفتوا إليه وقد خسر أهله وتطلقت منه زوجته وضاع أبناؤه في أتون مستنقعات المخدرات والرذيلة.
ومثل العملاء فإنهم العلماء من شيوخ السلاطين وعلماء البلاط عند الملوك والرؤساء، ممن سولت لهم أنفسهم أن يسترزقوا بدينهم، إنهم الذين يصدرون الفتاوى والأحكام لإرضاء أصحاب الجلالة والفخامة مع علمهم أنهم يعصون ذا الجلال والإكرام الله سبحانه وتعالى.
إنهم علماء السوء الذين ارتضوا لانفسهم أن يسقطوا رجولتهم ويدنسوا عمائمهم وتتلوى ألسنتهم بلحن القول {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} من أجل لعاع الدنيا الفاني. إنهم رضوا أن يسقطوا رجولتهم عند أعتاب الطواغيت، فكانوا شرّ العملاء وقد كان بمقدورهم أن يكونوا خير العلماء يقف الملوك عند أعتابهم وعلى أبوابهم وقد كساهم الله المهابة والوقار.
والمحزن بل المخزي أن هؤلاء لا يستلهمون العبر ولا يتعلمون الدروس من أمثال هؤلاء فنجدهم في كل زمان ينضمون إلى قائمة العار والشنار من علماء السلاطين يزدحم بهم القاع لأنهم لا يطيقون العيش في القمم، وما أمثال عائض القرني والسديس وعمرو خالد وبرهامي وعلي جمعة والهباش وأحمد حسون وغيرهم إلا نماذج حيّة نراهم ونسمعهم كل يوم كيف يسقطون رجولتهم عند أعتاب الطواغيت، إنهم علماء أسقطوا رجولتهم عند أقدام عملاء.

سقط السجان وارتفع مرسي
ظن ذلك الضابط السجّان أن الفرصة قد حانت لإسقاط رجولة الرئيس الشهيد محمد مرسي عندما طلب منه أن يحضر له مصحفًا، وإذا بذلك الضابط يحاول ابتزاز وإذلال الرئيس الشهيد بإصراره على أن يحضر له مصحفًا، وإن كان هذا حق طبيعي في كل سجون الدنيا بعدم منع الكتب السماوية أن توضع بين يديّ السجناء على اختلاف مللهم ونحلهم.
إنه ظن أنها الفرصة الذهبية ليتوسل له الرئيس مرسي ويسقط رجولته بالتذلل للحصول على المصحف الشريف.
ولأن الرئيس الشهيد فهم بذكائه وفراسة إيمانه كيف يفكر ذلك السجّان الذي سبق وسقطت رجولته عند أقدام السيسي، وإذا بالرئيس الشهيد يقول مبتسمًا: “أيها السجّان إنني أحفظ القرآن الكريم كتاب الله غيبًا منذ أربعين سنة في رأسي وقلبي وإنما أردت فقط أن ألمسه”.

لا تسقط رجولتك ولكن ارفع رأسك
ما أجملها أبيات الشعر قالها شاعرنا يقارن فيها بين تاريخ العزّ والمجد كانت عليه أمتنا، وبين واقع الذلّ والهوان التي آلت إليه، بين ماضي الأمة لم تطأطأ الرأس إلا لله رب العالمين، وبين واقع مؤلم فيه سقطت رجولة أبنائها، ولكن أين؟ لقد قالها أبيات شعر مخاطبًا هلال شهر محرم من بداية عام هجري جديد:
ماذا سيروي في غدًا أحفادنا عنا أجبنا يا هلال محرم
أنت الذي شهد الجدود ومجدهم وشهدتنا والمجد جد محطم
سيقال لو أن المؤرخ منصف هذه الشعوب لمحمد لا تنتمي
رضيت من الإسلام ظاهر لفظه ومن العروبة لهجة المتكلم
وهي التي جنحت لأجنحة الكرى والدهر لم يفتأ عدو النوم
كنا سنام الكون كنا هامة واليوم صرنا منه دون المنسم
صرنا عبيد المال باسم حضارة حمقاء لا تؤمن بغير الدرهم
صرنا عبيد الغيد أقصى همنا لو تحت أقدام الغواني نرتمي
حتى جعلنا الغانيات كواكبًا ومباذل الأخلاق رمز تقدم
وإذا استذلت أمة شهواتها جمدت فلم تنهض ولم تتقدم
هذي ليالينا وتلك حياتنا أوهام عرس في حقيقة مأتم

فإياك أن تسقط رجولتك يا مسلم، وارفع رأسك وقل للدنيا كل الدنيا:

أنا مسلم ولي الفخار فأكرمي يا هذه الدنيا بدين المسلم
وأنا البريء من المذاهب كلها وبغير دين الله لن أترنم
فلتشهد الأيام ما طال المدى أو ضمّ قبري بعد موتي أعظمي
إنّي لغير الله لست بعابدٍ ولغير دستور السما لن أنتمي

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى