أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

وفود بالآلاف في بيت عزاء الراحل عبد الحكيم مفيد..واجماع وطني على قامته القيادية الوحدوية

 طه اغبارية

لم تتسع قرية مصمص وساحاتها لاستضافة المعزين وضيوف الراحل الكبير والقيادي في الداخل الفلسطيني عبد الحكيم مفيد، فقررت العائلة إقامة بيت العزاء في “السوق البلدي” بمدينة أم الفحم، حيث تقاطرت الوفود والآلاف المؤلفة، منذ مساء الاثنين وحتى أمس الخميس، إلى بيت العزاء، رغم اختتامه بصورة رسمية الأربعاء، في حين زارت وفود نسائية بالآلاف أيضا، منزل والد المرحوم في قرية مصمص، لتقديم واجب العزاء للسيدة “أم عمر” زوجة المرحوم عبد الحكيم مفيد.

وفي السوق البلدي، الذي اكتظ بالحضور على مدار الأيام الماضية، توافد المعزون من مختلف البلدات العربية في النقب والمثلث والجليل والمدن الساحلية والمدن المختلطة والقدس المحتلة والضفة والغربية، جاؤوا لتقديم واجب العزاء بالراحل الكبير وقد شكّلت المشاركة الجماهيرية الحاشدة وكلمات المعزين، إجماعا وطنيا على قامة عبد الحكيم مفيد باعتباره رمزا وحدويا عابرا للأحزاب واختلافاتها رغم اعتزازه- رحمه الله- بانتمائه إلى التيار الإسلامي وكونه عضوا قياديا في الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا.

وتحوّل بيت العزاء إلى منصة تأبين واحتفاء بالراحل الكبير ومسيرته الدعوية والإعلامية والسياسية والاجتماعية والثقافية، التي ملأت أرجاء الوطن وتركت بصمات خالدة في مختلف المجالات.

وتحدث عن عبد الحكيم مفيد ودوره القيادي، قياديو كافة القوى السياسية والنواب العرب، وأكاديميون ومثقفون وأئمة مساجد ودعاة ورؤساء سلطات محلية عربية، كما تحدث ممثلون عن وفود من القدس المحتلة ومنظمة التحرير الفلسطينية.

في السوق البلدي، كان أبناء عائلة حكيم وأهالي بلده مصمص، يعملون على مدار الساعة من أجل إفادة ضيوف “أبي عمر” والقيام بالواجب، وأخلى الأهل من مصمص وأم الفحم، مقاعدهم في العديد من المرات، للوفود القادمة للتعزية.

هذا واصطف أفراد عائلة المرحوم وأهالي البلدة يتقبلون العزاء وكان من بينهم الشيخ كمال خطيب، والذي ظهر حزينا طيلة أيام تقبل العزاء، ولم يتمالك دموعه في أكثر من موقف، فحكيم كان رجل المهمات الصعبة في مسيرة العمل الإسلامي ونجح في كل تكليف أوكل إليه، وفقدانه ترك فراغا كبيرا في أوساط التيار الإسلامي في الداخل الفلسطيني.

“الرجل الوحدوي، المبدع في كل مجال، صاحب المواهب المتعددة، باني الجسور مع الآخرين، المرح صاحب الطلّة والابتسامة المميزة، الإنسان، والمثقف والداعية الإسلامي”، كل هذه الصفات وغيرها كانت محور حديث المتداخلين في بيت عزاء المرحوم عبد الحكيم مفيد، فحتى من اختلف معه جذريا في الفكر والسياسة، سجّل حكيم لديهم بصمات حب وعرفان.

إلى بيت العزاء وصلت برقية تعزية الشيخ رائد صلاح، نقلها المحامي خالد زبارقة وتلاها على الحضور وتطرق إلى تفاصيل زيارته للشيخ رائد وثقل المهمة التي أخذها على عاتقه بإبلاغه بوفاة عبد الحكيم مفيد.

وفي واحدة من المحطات الكثيرة التي تحدث فيها أحباب الراحل، ذكر الشاب والناشط والأكاديمي محمد احمد سليمان من البعينة، والدموع تنهمر من عينيه، كيف كان الراحل بمثابة والده الفكري والروحي، وتحدث عن تجربة المرحوم الإعلامية مع جده (جد محمد) اللاجئ من قرية لوبية المهجرة، إلى مخيم اليرموك في سوريا ثم الآن في القاهرة، وهو الشيخ محمود صمادي، ونقل محمد برقية تعزية لعائلة المرحوم مسجلة بصوته.

السيد محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة، والذي تحدث في بيت العزاء وخلال جنازة المرحوم، لم يتمالك نفسه هو الآخر، حيث روى سيرته مع عبد الحكيم والعلاقة الأخوية التي جمعتهما رغم الاختلاف.

هذا واختمم بيت العزاء الأربعاء، بكلمات مؤثرة للشيخ كمال خطيب، والشيخ ابراهيم مفيد، شقيق الراحل، واستهلت مراسم الختمة بتلاوة عطرة من الذكر الحكيم تلاها الشيخ يوسف الباز إمام المسجد الكبير في مدينة اللد.

الشيخ كمال خطيب يتحدث عن الراحل بكلمات مؤثرة

وقال الشيخ كمال في كلمته: “اتيتم في هذا الظرف من الطقس المبارك ان شاء الله، بواكير مطر الشتاء، ليكون مجيئكم تعبيرا عن تقدير واعتراف بقدر هذا الراحل عنا جميعا الاستاذ عبد الحكيم “أبو عمر” ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )، كثيرة هي المناقب والصفات والمزايا والخلال التي تحدث بها المتحدثون في الأيام التي خلت، وإن كنا نعرف بعضا منها وغاب عنا البعض من هذه الصفات والطباع والخلال الخيرة فيه، إلا أننا على يقين أن كلها معلومة عند الله جل جلاله وهو وحده القادر على أن يكافئ ويجزي بالخير ونسأله سبحانه وتعالى أن يكون جزاءه للأخ عبد الحكيم ليس إلا الجنة وليس إلا الفردوس الأعلى منها”.

وأكد خطيب أن “الإنسان عندما تحين ساعة رحيله لا يبقى منه إلا العمل الصالح مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم، إذا مات ابن آدم شيعه ثلاثة، رجع منهم اثنان وبقي معه واحد، شيّعه ماله وشيّعه أهله، وشيّعه عمله، أما الأهل فيرجعون يهيلون عليه التراب ويرجعون، واما المال فيترك أصلا لأنه يخرج إلى قبره بهذا الثوب الأبيض الذي لا جيب فيه، ولكن الواحد الذي يشيعه ليس إلا عمله ويرحل معه”.

وقال “عبد الحكيم جمع بين الإيمان والعمل لأنه فهم الفهم الصحيح لقناعاته الدينية التي ترجمها لسلوك عبر خدمته لأهله ووطنه، نعتز انه كان عضوا في المكتب السياسي بالحركة الاسلامية المحظورة، وكان سكرتيرا لتحرير صحيفتها التي حظرت وعبد الحكيم الذي حظر، لك الشرف يا عبد الحكيم أن تلقى الله عز وجل إن شاء الله بأنك تنتمي إلى الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا”.

ولفت إلى أن مصطلح “الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا” يحمل تعبيرا مهما في أن الحظر الإسرائيلي للحركة الإسلامية، لا يعني حظر القناعات والمشروع الإسلامي في نفوس أبنائه.

وقال: “إن المشروع الإسلامي كان قبل إسرائيل وسيبقى بعد إسرائيل وقبل نتنياهو وبعد نتنياهو وقبل المشروع الصهيوني وسيظل بعد المشروع الصهيوني إن شاء الله تعالى، وهذه هي قناعات الراحل عبد الحكيم مفيد وقناعات كل قيادات العمل الإسلامي وفي مقدمتهم الشيخ رائد صلاح الذي يحاكم إسرائيليا”.

وأضاف: “عبد الحكيم آمن بهذه الفكرة وكتب عنها ونظر لها ودافع عنها ودعا إليها واعتز بها، لذلك أنا حزنت فعلا وكثر هم من حزنوا بأن قلم عبد الحكيم لن يسيل حبرا بعد اليوم، لن يسيل بمقالات تعبر عن رؤية واضحة وقوية، وتعبر عن فهم للمشروع الإسلامي وإخلاص عميق للمشروع الوطني لأن عبد الحكيم هكذا فهم انتماءه وهويته”.

وذكر مثالين عن مواقف عبد الحكيم النبيلة التي تعكس شخصيته وعمق إيمانها قائلا: “اليوم جاء اخوة من شفاعمرو، وأحدهم عضو بلدية شفاعمرو، هو الأخ زهير كركبي، وهو مسيحي الديانة، شيوعي الانتماء الحزبي، وحدّث قائلا: “سمع عبد الحكيم أن أمي مريضة فجاء لزيارتها، وكان على ما يبدو متأخرا عن أداء إحدى الصلوات، فطلب، بدعابة “هل تسمحون لنا يا أصحاب الدار في أن أصلي عندكم” فقام وصلى، وبعد ان غادر بيتنا عبّرت والدتي عن سعادتها بأن عبد الحكيم لم يجد حرجا في طلب الصلاة في بيتهما كما فرحت لأن صلاة أقيمت في البيت””.

وتحدث الشيخ كمال عن موقف آخر للأستاذ الراحل عبد الحكيم مفيد، حين جاء 4 أشقاء إلى بيت العزاء من قرية ميسر، وانتموا إلى الحركة الإسلامية المحظورة، وقالوا للشيخ كمال “إنهم بعد الحظر تراجعوا قليلا في خدمة المشروع الإسلامي، لكنهم بعد وفاة عبد الحكيم وما غرسه فيهم بأفكاره، يعاهدون الله على المضي بنشاط مرة أخرى في نصرة المشروع الإسلامي”.

وتطرق الشيخ كمال خطيب، إلى اهتمام عبد الحكيم مفيد رغم انشغالاته بأهل بيتيه، وحرصه على أن تحفظ ابنتاه مريم ورجاء القرآن الكريم، وحرصه على إحاطة عائلته بالتربية الإسلامية”.

ونوّه إلى ما قام به المحامي خالد زبارقة والهمة التي حملها لإبلاغ الشيخ رائد صلاح في سجنه بوفاة المرحوم عبد الحكيم وقال الشيخ كمال: “من معرفتنا للشيخ رائد ومدى الحب الذي حمله للمرحوم لا شك أنه عاش في سجنه ليلة حزينة، يوم عرف بوفاة حكيم”.

وتطرق خطيب إلى رده على سؤال لإحدى الصحفيات حين سألته “توفي عبد الحكيم الآن فماذا سيحدث الآن على صعيد الفراغ الذي تركه” يقول: “ابتسمت  وقلت لها يا أختي مات محمد صلى الله عليه وسلم ولم يتوقف مشروع الدين، فكل الحب والتقدير لعبد الحكيم، ولكن من قال إن الأفكار والمشاريع تتوقف والرسالات تتوقف بموت أفراد، عبد الحكيم حمل الراية نعم لكنه سلّم الراية إلى أجيال آمنت واقتنعت وسارت على طريق عبد الحكيم الذي سار على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

وقال الشيخ كمال: “يا عبد الحكيم يا أبا عمر، نم قرير العين، مرتاح نم مرتاحا مطمئنا إلى أن الدرب الذي سرت عليه لا يمكن أبدا أن يتوقف، والراية التي حملتها لن تنكس والاهداف التي سعيت إليها سنبلغها بإذن الله، يا عبد الحكيم لك مكانة مرموقة والله، ولكن من أنا ومن أنت حتى إذا متنا توقف هذا المشروع، أبدا لا، هذا المشروع قد آتى أكله ويوشك إن شاء الله ان يقترب يوم حصاده، رغم كل ما يحيط في واقعنا الفلسطيني الصعب وواقعنا العربي الاصعب وواقعنا الاسلامي الأكثر صعوبة وواقعنا الإنساني المنكوس ولكن مشاريع الشعوب حتما ستنتصر”.

وعاهد خطيب الراحل في المضي على طريقه في العمل من أجل وحدة مركبات الداخل الفلسطيني، ثم ختم كلمته بدعاء للراحل أن يتغمده الله بواسع رحمته ويدخله فسيح جناته.

الشيخ ابراهم مفيد: أخي الذي لم نعرف الكثير عن عطائه

ثم تحدث الشيخ إبراهيم مفيد، شقيق الراحل عبد الحكيم مفيد، وشكر الحضور جميعا على قدومهم للتعزية بالمرحوم، وتطرق إلى حكيم الأخ والإبن والصديق، والعلاقة المميزة التي ربطته بوالده فقال الشيخ ابراهيم “ستتعبنا برحيلك يا أخي يا واصل الرحم، أيها المبادر لكل زياراتنا العائلية والمناسبات، يا حبيبي أثبت انك الرجل الخفي، حيث فوجئنا بما كنت تقوم به من مهمات، فأنت لم تكن تتحدث عن مشاريعك وما تقوم به كثيرا، كنت سفيرا لنا في كل مكان، كنت سفيرا للحركة الإسلامية وللداخل الفلسطيني”.

وأضاف: “في الأيام الأخيرة كنت دائم الحديث عن ضرورة زيارتنا لبعض الأرحام، وكنت تتحدث عن نيتك بتسفير أبي إلى اسطنبول، رغم انك بادرت مؤخرا إلى مرافقته إلى البحر الميت، أحببت أن تكون معطاء في كل مكان من بلادنا، أحببت الخليل وعكا وغزة، يا صاحب الثوابت لقد جمعت بين كل اجزاء وطننا الغالي، وها هم أهل غزة يقيمون مأتما لأجلك، لقد كنت كنزا يا عبد الحكيم لم نكتشفه إلا بعد موتك”.

وأكد الشيخ ابراهيم ان عائلة الراحل تعاهد أحبابه وإخوانه في كل مكان أن تبقي على الوصل والمودة معهم.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى