أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

إحرصوا على شعرة معاوية يا جيل التغيير

صحيفة المدينة
(الحكمة ضالّة المؤمن) يا جيل التغيير، فحري بكم ان تقفوا على تجارب غيركم وأن تستفيدوا منها، سواء كانت هذه التجارب في الماضي أو في الحاضر، والعاقل من اتعظ بتجربة غيره، ولأنكم عقلاء فاحرصوا على الاتعاظ بهذه التجارب، وقد تجدون في ختام كل تجربة منها موقفا مؤثرا، أو قولا مأثورا، أو خاتمة مثيرة، أو درسا لا ينسى، أو توجيها مفيدا، أو حلا لبعض ما تواجهون من مشاكل، سيّما وأنكم تسيرون في طريق تغيير لا في طريق تقليد، والتغيير يحتاج إلى الحراك الدائم، والمواجهة الدائمة مع كل ما هو مرفوض ومطلوب تغييره، ويحتاج إلى ضرورة العمل الدائم والمتابعة الدائمة لهذا العمل الدائم، والتقييم الدائم لهذه المتابعة الدائمة واستخلاص العبر الدائم من هذا التقييم الدائم، ولا شك أن دراسة تجارب الآخرين والنظر فيها سيساعدكم يا جيل التغيير على التحقق بمبدأ (سدّدوا وقاربوا)، وسيساعدكم على تقريب المسافات، واختصار الزمن والرؤية الثاقبة للأحداث، والإعداد الأقرب إلى الصواب، ولنأخذ مثالا على أهمية دراسة تجارب الآخرين في قول الخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: (إني لأضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إذا مدّوها خليتها وإذا خلوها مددتها)، ففي هذا القول الذي يعبر فيه الخليفة معاوية رضي الله عنه عن زبدة تجربته في إدارة شؤون الرعية وفي ضبط السياسة الشرعية، في هذا القول نجد الدعوة إلى التزود الدائم بالحلم في المعاملة مع الناس، فالحلم أساس هذه المعاملة وما سواه من أداوت هي أداوت استثنائية تقدر بقدرها، وإن زادت على قدرها تنقلب إلى مثلبة، فأداة السيف التي هي تعبير عن القوة ليست هي الأصل بل هي ضرورة وإلا إذا نفع السوط الذي هو تعبير عن الزجر بدلا من السيف فليكن السوط، والسوط كذلك ليس هو الأصل بل هو ضرورة وإلا إذا نفع اللسان الذي هو تعبير عن النهي والنصيحة والموعظة بدلا من السوط فليكن اللسان، واللسان كذلك ليس هو الأصل بل هو ضرورة، وأمّا الأصل فهو مبدأ الحلم، وهو الذي عناه الخليفة معاوية رضي الله عنه عندما قال: (… ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إذا مدّوها خليتها وإذا خلوها مددتها).
فكم أنتم بحاجة أن تقفوا عند هذا القول ودلالاته، يا جيل التغيير، وكم أنتم بحاجة أن تعلموا أن منصب (السلطان) الحقيقي الذي يملك القدرة على التغيير وفق مبدأ (الحلم) وإلا وفق مبدأ (اللسان) وإلا وفق مبدأ (السوط)، وإلا وفق مبدأ (السيف)، إن هذا المنصب غائب عنا اليوم، ولكن بإمكانكم أن تستعيضوا عنه اليوم بمنصب (السلطان) الأدبي فقط، الذي يملك القدرة على التغيير وفق مبدأ (الحلم)، وإلا وفق مبدأ (اللسان) فقط، وهذا يحتاج منكم أن تحرصوا على شعرة الخليفة معاوية رضي الله عنه مع الناس، أشد ممّا حرص عليها الخلفية معاوية رضي الله عنه في زمانه، سيّما وأن زمان الخليفة معاوية رضي الله عنه، كان زمان التابعين، وأمّا زمانكم فهو كما تعلمون زمان الملك الجبري الذي استبيح في كل حرام ومنكر وظلم وخيانة وفساد، وبات الحر فيه كالقابض على الجمر، وبات فيه الحليم حيرانا، وبات فيه المؤمن كالشاة الجرباء، ومع ذلك المطلوب منكم الثبات في هذا الزمان يا جيل التغيير، ثم السعي للتغيير وفق مبدأ (الحلم) وإلا وفق مبدأ (اللسان) فقط، وما يدور في فلكمه كالقلم والصحيفة والكتاب ومواقع التواصل إلى أن يشاء الله تعالى، والمطلوب منكم أن تبنوا مع الناس الموجوعين الذين هم جماهير مجتمعنا في الداخل الفلسطيني معسكر خير يقف في وجه ظلم المؤسسة الإسرائيلية، وفي وجه أبواق التدجين والأسرلة والأمركة، وفي وجه سحرة الإعلام ومرتزقته، وفي وجه المجاهرات والمجاهرين بالتخلي عن الثوابت واستباحة الفوضى الجنسية والشذوذ الجنسي، والتحول الجنسي، وفي وجه المتسكعين على أبواب صناديق الدعم الصهيونية الأمريكية وأخواتها، وفي وجه المهرولين نحو التطبيع مع المشروع الصهيوني ومكوناته ومركباته ومقولاته وغاياته، وفي وجه الغارقين في مستنقع التنكر للذات والهوية والانتماء، وفي وجه المصفقين لبيع قضية فلسطين في عمقها العقدي والقومي والوطني والتاريخي والحضاري بالتقسيط، وفي وجه الصامتين عن تهويد القدس والمسجد الأقصى وتهويد سائر مقدساتنا التاريخية، وفي وجه حاشية التنازل المعيب عن حق عودة اللاجئين والمهجّرين، وفي وجه المتأففين الرافضين لحمل أعباء ملف الشهداء وأسرى الحرية ومطاردي النقب، وفي وجه من باتوا يستسهلون إعلان الطلاق التجريدي بين ألسنتهم واللغة العربية، ولكن أنتم مطالبون أن تقوموا بهذا الدور يا جيل التغيير بلا خلل ولا كلل ولا ملل، متوكلين على الله تعالى لا تخافون إلا الله تعالى، ولا ترجون إلا الله تعالى، ولا تأخذكم في الله تعالى لومة لائم، وأعدوا لهذا الدور القلب التقي، والعزم الفتي والسير الذكي، والصبر الأبي، والتفاؤل الندي، والخلق الصفي، والتبسم البهي، واعلموا أن ما أصابكم ما كان ليخطئكم، وما أخطأكم ما كان ليصيبكم، ولو ان كل أهل الأرض اجتمعوا لينفعوكم ما كانوا لينفعوكم إلا بما كتب الله تعالى لكم، ولو اجتمعوا أن يضروكم ما كانوا ليضروكم إلا بما كتب الله تعالى عليكم، فسيروا على بركة الله تعالى ولا تغفلوا عن تفقد لطيف أمور سيركم، اتكالا على نظركم في جسيمها فقط (فإن للطيف موقعا ينتفع به، وقد آتى الله تعالى ملك الدنيا سليمان ابن داوود عليهما السلام، ثم تفقد الطير فقال: مالي لا أرى الهدهد؟ ولأن التهاون باليسير أساس الوقوع في الكثير قد قال الشاعر:
لا تحقرن سبيبا كم جرّ شرا سبيب).
وحسبكم يا جيل التغيير أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (إن هذا الأمر لا يصلح له إلا اللين في غير ضعف، والقوة في غير عنف).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى