أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

سمعت خشخشة خلف الباب

الشيخ كمال خطيب
للملائكة أقلام
اعتاد الناس وفي ظلّ الأنظمة البوليسية القمعية التي تعد على الناس أنفاسهم وترصد تحركاتهم، حيث في الدولة الواحدة ما لا يقل عن عشرة أجهزة مخابرات لكل منهم اختصاصه. وكل هذه الأجهزة ليس لها إلّا هدف واحد وهو التمكين للنظام الحاكم أو الحاكم الفاسد.
اعتاد الناس أن يسمعوا عن المباحث السرية ورجال المخابرات وعملائهم المندسين بين الناس، فأصبح التتبع اليوم بواسطة الحاسوب وجهاز الهاتف حيث أصبحت هي الأسهل لتتبع الناس ومعرفة ما يقولون وماذا يفعلون وماذا يكتبون وبماذا يفكرون.
وبسبب قمع وإرهاب أجهزة المخابرات، فقد درج بين الناس أن يحذّروا بعضهم البعض بعدم الحديث فيما يمكن أن يسبب لهم المتاعب عند الحكومة والنظام الفاسد، فيقول أحدهم للآخر في مبالغة لوصف الحالة البوليسية “انتبه فإن للجدران آذان” أي لعلّ جدران بيتك تسمعك وتشي بك إلى الشرطة وأجهزة المخابرات، فاعرف ماذا تقول وكن على حذر.
سبحان الله، فإذا كانت مقولة “للجدران آذان” فإنها قد تحول بين الإنسان وبين ألّا يقول ما قد يسبب له الندم ودفع الثمن وعقوبة أهل الدنيا، فلماذا لا ننصح ولا نقول لبعضنا البعض “إن للملائكة أقلام” أي انتبه فإن معك ملكين يكتبان كل ما تقول ولا يفارقانك. فإذا كانت الجدران تخبر ملوك الدنيا فإن أقلام الملائكة ستخبر ملك الملوك سبحانه {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد، إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} آية 15-17 سورة ق. وقال سبحانه {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ} آية 11-10 سورة الانفطار.
فإذا كنا ننصح بعضنا بالحذر من مراقبة الناس لنا، فالأولى أن ننصح بعضنا بمراقبة رب الناس سبحانه فيما نقول ونكتب ونفعل، وإذا كان الشاعر قد قال:
وما من كاتب إلا سيفنى ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء يسرّك في القيامة أن تراه
فإنك لن تسأل عمّا تكتبه على صفحات الفيسبوك والواتس أب وتويتر وغيرها فحسب، بل تذكّر أنك يجب أن تعدّ لذلك السؤال جوابًا.

لقد تم حظرك وحذفك
لأن في قوانين شركات الفيسبوك وغيرها نظم ولوائح، لا بد للعضو أن يحافظ عليها وألّا يتجاوزها سواء كانت في قضايا فكرية أو سياسية أو دينية أو أخلاقية. صحيح أن هذه النظم واللوائح قد وضعت وفق مفاهيم وقناعات أصحاب ومدراء شبكة التواصل فيسبوك أو غيرها، وهي بالتالي قد لا تتلاءم بل قد تتعارض مع قناعات ومعتقدات وأخلاق كثيرين، تمامًا كما حصل في الأسابيع الأخيرة من قيام فيسبوك بحظر كثيرين ممن كتبوا ضد الشذوذ الجنسي لا لشيء إلّا لأن شركة فيسبوك تؤمن بحق هؤلاء في ممارسة شذوذهم.
ما أريد قوله إن شركة فيسبوك أو غيرها فإنها تعتمد أسلوب الحظر لصفحة فلان أو علاّن، أو أنها تقوم بحذف منشورة معينة وتلفت انتباه صاحبها أن هذه المنشورة تتعارض ومعايير فيسبوك.
تتفاوت ردود فعل الناس حيث يتم حذفهم أو حظرهم وذلك وفق تعلق أو مقدار ارتباط الشخص بالفيسبوك. فمن الناس من لا يبالي ومنهم من ينزعج ويضجر أو يقدم اعتراضًا أو يوكل محاميًا ويرفع قضية ضد قرار الحظر.
وإن من الأشخاص من يكونون قد انتظموا في ما يسمى مجموعة “groub” على تطبيق الواتس آب, ليفاجأ أحدهم بعد مدة أنه لم يعد بمقدوره المشاركة ضمن هذه المجموعة حيث تم إلغاء مشاركته وحذفه، وعندها فإنه سيغضب أو أنها أسئلة كثيرة يسألها ويطلب جوابًا عن سبب حذفه من المجموعة.
فإذا كنت أخي الحبيب تغضب لأنه تم شطبك وحظرك وحذفك من شبكة الفيسبوك حيث لم يعد لك ذكر هناك، فكيف سيكون حالك وقد اطلّع الله سبحانه على مجموعة المصلين فلا يجدك فيها، وعلى مجموعة الصائمين فلا يجدك بينها، وعلى مجموعة الذاكرين فلا يجد لك ذكرًا هناك، ولا أقول على مجموعة العاملين للإسلام فلست من بينها، وعلى مجموعة المجاهدين في سبيل الله ولو بالكلمة فلا تكون في قائمتها.
بل إنه أقسى من ذلك، فإذا كنت ستحزن وتتألم يوم يتم إخراجك من مجموعة الواتس آب، فكيف سيكون حالك يوم تحذف لا سمح الله من مجموعة أحباب الله وأصفيائه وأوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}. وإذا كنت تحزن وتتألم إذا تم إخراجك وطردك من مجموعة واتس آب، فكيف سيكون حالك لا سمح الله إذا أخرجت وطردت يوم القيامة من موكب وجماعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يسمح لك أن تشرب من حوضه كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: “أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أتَى المَقْبُرَةَ، فقالَ: السَّلامُ علَيْكُم دارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وإنَّا إنْ شاءَ اللَّهُ بكُمْ لاحِقُونَ، ودِدْتُ أنَّا قدْ رَأَيْنا إخْوانَنا قالوا: أوَلَسْنا إخْوانَكَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أنتُمْ أصْحابِي وإخْوانُنا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ فقالوا: كيفَ تَعْرِفُ مَن لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِن أُمَّتِكَ؟ يا رَسولَ اللهِ، فقالَ: أرَأَيْتَ لو أنَّ رَجُلًا له خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ ألا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: فإنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ، وأنا فَرَطُهُمْ علَى الحَوْضِ ألا لَيُذادَنَّ رِجالٌ عن حَوْضِي كما يُذادُ البَعِيرُ الضَّالُّ أُنادِيهِمْ ألا هَلُمَّ فيُقالُ: إنَّهُمْ قدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فأقُولُ سُحْقًا سُحْقًا”.
ليست الطامة ولا المصيبة أن تحذف من المجموعة في تطبيق الواتس آب ولا الكارثة أن يتم حظرك من فيسبوك، وإنما الكارثة والمصيبة أن تطرد عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أن يحب الله أن يراك في مجموعات الطائعين الذاكرين العاملين لنصرة دينه فلا يجدك بينهم، وإنما يجدك مع مجموعة أصحاب الهوى والذنوب والآثام، عند ذلك فلا يسعك ألا أن تقول {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} آية 56 سورة الزمر.
ما دام الله قد أمدّ في عمرك وما زلت تتنفس الهواء، فلا تضيّع لحظه فيها يمكن أن تنتقل من مجموعة العابثين إلى مجموعة العابدين، ومن مجموعة أصحاب الهوى إلى مجموعة أصحاب اليمين، ومن مجموعة حزب الشيطان إلى مجموعة حزب الرحمن سبحانه وتعالى. فهيا يا أخي هيا يا أختي هيا يا كل الأحبة ولتكن مشاركتكم وانضمامكم إلى مجموعة وجماعة ودين محمد صلى الله عليه وسلم، لتضمنوا ألّا يتم طردكم ولا إخراجكم من ملفّه وعن حوضه يوم القيامة، ليكون يومها الندم والأسى والحسرة الأبدية، وقد قال الله في الحديث القدسي الجليل مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم: “وعزتي وجلالي لو استفتح الناس عليّ كل باب، ولو سلكوا إليّ كل سبيل ما دخلوا جنتي حتى يأتوا خلفك يا محمد”.

خشخشة خلف الباب
لقد سهّل وجود وامتلاك الهاتف النقال على الناس ارتكاب الإثم والمعصية فهي ردّة أخلاقية غير مسبوقة، حتى أن المحاكم الشرعية باتت تصرّح أن 90٪ من ملفات الطلاق تعود أسبابها لاستخدامات الهاتف النقال وشبكات التواصل الاجتماعي واستخدام الصور ومحادثات الفيديو، وغير ذلك مما يصح أن يسميها “شبكات التشرذم الاجتماعي” والتي توصل إلى الخيانات الزوجية، وبدورها توصل إلى الطلاق.
يقول الدكتور حسان شمسي باشا: “ليس بين المرء وبين ما يجد من إثم في هاتفه الذكي إلا جدار مراقبة الله، فمن هدم الجدار فقد تجرأ وما أقبح الجرأة على الله، فاجعلوا جوالاتكم شاهدًا لكم لا شاهدًا عليكم.
يقول أحد ممن ابتلي بالنظر إلى الحرام: كنت إذا اختليت بنفسي أدخل إلى المواقع التي تنشر الفاحشة والرذيلة أرى واسمع، فسمعت خشخشة عند الباب فانقطع نفسي وبلغت القلوب الحناجر فأغلقت على الفور هاتفي وأنا أجزم أن أحدًا من أفراد العائلة قد عاد إلى البيت وسمع ما أسمع، فتحت الباب فإذا هي هرّة المنزل على الباب. سبحان الله ارتعدت فرائصه من خشخشة هرّة ونسي أن له ربًا عظيمًا يراقبه ويراه، ونسي قوله سبحانه {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} آية 16 سورة ق.
ولقد قيل: “ليس الخائف من الله من إذا أراد أن يبكى عَصَر عينيه، ولكن الخائف من ترك ما اشتهى من الحرام وهو يقدر عليه”
نعم إن امتلاك الهاتف الجوّال حتى للشباب والفتيات في جيل المراهقة وخبرة هؤلاء التي تفوق خبرة أهاليهم في التعامل معه ومع أسراره وسهولة الوصول إلى كل شيء فيه، فإن صمّام الأمان الوحيد للتقليل من تأثيره السلبي بل الهدّام، فهو ليس إلا غرس القيم الإيمانية ورقابة الله تعالى، واستشعار معية الله في كل ظرف وحين، وأن مع كل منا ملكين موكلين من الله تعالى يكتبان لأحدنا كلّ صغيرة وكبيرة. إنه ليس جدار مراقبة الأهل ولا جدار آخر سوى جدار مراقبة الله، فإذا هدم هذا الجدار فإن الشاب أوالفتاة، الصغير أو الكبير سيتجرأ ويعبر من هذا الجدار إلى الكارثة التي كلنا يعرفها:
وإذا دعيت لريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

يا الله
قال الاستاذ الفاضل الدكتور حسان شمسي باشا: “لا تظن أن الصالحين لا يذنبون؟ لا وألف لا، لكنهم استتروا ولم يجاهروا بالمعصية، واستغفروا ربهم ولم يصروا على ما فعلوا، وأحسنوا بعدما أساؤوا “واتبع السيئة الحسنة تمحها” فاعمل صنيعهم تكن منهم بإذن الله.
وإذا تكالبت عليك الذنوب والمعاصي فقل: يا رب غرّني سترك المرخي عليّ فظلمت نفسي فاغفر لي. وتذكر أن لك ربًا رحيمًا قال عن نفسه {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} آية 32 من سورة النجم. فلا تتردد بالعودة إلى خالقك ومولاك، فمهما تلوثت بالذنوب والخطايا فإن الذي سترك وأنت منغمس تحت سقف المعصية لن يفضحك وأنت تطير إليه تحت جناح التوبة والندم.
فقف على باب مولاك، وناجه وناده وألق خديك على أعتابه وبثّ إليه شكواك، كما فعل الشاعر محمد غالب الأحمدي في قصيدته الرائعة “يا الله” لمّا قال:
أيذكرني وأنساه وليس الحب إلاه
وأدعوه فيسمعني وتُغرِقني عطاياه
إذا ما الذنب عذّبني وأرّقني بليلاه
أناجيه على خجل وأرجوه وأخشاه
وأدعوه ليرحمني فيُدركُني برُحماه
لطيف لا يؤاخذنا وإن نحن عصيناه
رؤوف لا يقاطعنا وإن نحن قطعناه
هو الله، هو الله وما للروح إلّاه

اللهم ربنا لا تعاملنا بما نحن أهله، وعاملنا بما أنت أهله. نحن أهل الذنوب والخطايا وأنت أهل التقوى والمغفرة.
يا من سترت فيما مضى، استرني فيما بقى، ولا تفضحني يوم الحساب. يا من سترت لا تفضح يا ستار، أنت يا رب العالمين.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى