أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

جيل الثرثارين لن ينصر القدس والمسجد الأقصى

د. أنس سليمان أحمد
ليس لأننا أصحاب الحق الشرعي الوحيد في القدس والمسجد الأقصى فسنواصل نصرتها ودفع الأذى عنهما في كل الأحوال، بل إذا أخذنا بأسباب نصرتهما متوكلين على الله تعالى فسننصرهما، وإذا تخلينا عن هذه الأسباب وأخلدنا إلى الأرض ورضينا بالفتور ملأ قلوبنا الوهن، فسنتورط في سلسلة هزائم، وسنتسبب بهزيمة القدس والمسجد الأقصى، ولا ينفعنا بعد ذلك التباكي عليهما والتلاوم فيما بيننا والوقوف عند حد الشعارات العنترية فقط، بل لا بد لنا من إعادة النظر في أنفسنا بغية التخلص من الأسباب التي ورطتنا وورطت القدس والمسجد الأقصى في الهزيمة، ثم بغية استجماع أسباب النصر نصرة للقدس والمسجد الأقصى، وإن لم نسلك هذا الطريق وإن كان طويلا وشاقاً وشائكاً فسنبقى نثرثر، ولن نحصد إلا ثمار الثرثارين التي تبدأ بالوهم وتنتهي إلى الوهم، وستبقى القدس والمسجد الأقصى غارقين في الهزيمة حتى يستبدل الله تعالى بجيل الثرثارين جيلاً جاداً راشداً مخلصاً يتخلص من أسباب الهزيمة ويأخذ بأسباب النصر، وهو أمر كائن لا محالة، لأنه وعد الله تعالى ثم لأن تاريخ القدس والمسجد الأقصى ينبئنا بذلك، ولذلك ما كان لصلاح الدين الأيوبي أن ينصر القدس والمسجد الأقصى لو سار على خُطى من سبقه أو عاصره من السلاطين المسلمين الذين أخلدوا إلى الأرض وداهنوا الصليبيين، وتقووا بهم على خيرهم من سلاطين الأرض، وداهنوا الصليبيين، وتقووا بهم على غيرهم من سلاطين نافسوهم على السلطنة والجاه والذهب والنفوذ، بل صمم طوال مسيرته على التخلص من أسباب الهزيمة والأخذ بأسباب النصر، ولما تحقق بذلك ما كان أسهل عليه من نصرة القدس والمسجد الأقصى، ومن المقطوع به أن صلاح الدين الأيوبي لم ينزل من السماء لنصرة القدس والمسجد الأقصى، بل وُلد يننا كأي مولود يولد بيننا، ونما وترعرع وشبّ بيننا كسائر أترابه من أطفالنا، ومن المقطوع به أن نصرته للقدس والمسجد الأقصى لم تقع كخارقة فوق الأسباب وفوق الإرادات والتضحيات، بل كانت ثمرة جهود سنوات طوال سعى فيها لنصرة لصناعة نصرة القدس والمسجد الأقصى، وسهر من أجل ذلك ليله الطويل، وجاد بالتضحيات بلا توقف وانتصر في كثير من محطات صراعه مع الصليبيين، ولكنه في نفس الوقت صبر على الهزيمة في البعض من هذه المحطات وواصل سعيه لصناعة نصرة القدس والمسجد الأقصى، حتى تحقق له ذلك متوكلاً على الله تعالى أولا ثم آخذا بأسباب النصر، فما هي الأسباب التي أخذ بها صلاح الدين حتى انتصر في حطين ثم فتح القدس وحرر المسجد الأقصى؟! حول هذا السؤال الذي انتطح فيه الباحثون يمكن أن نسجل هذه العناوين التي كانت بمثابة الأسباب التي أخذها صلاح الدين:
(لقد استطاع صلاح الدين الأيوبي رحمه الله أن يوحّد الأمة، ويجمعها على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه سلم والجهاد في سبيل الله، وتحرير البلاد الإسلامية).
نتيجة لهذه الجهود أصبحت (الشام ومصر والحجاز واليمن والعراق تحت إمرته وقيادته).
(… حشد لهذه المهمة العلماء والفقهاء والجيوش والألوف من المجاهدين وفي مقدمتهم العلماء والفقهاء يحرضون المقاتلين على القتال).
(كوّن جيشاً برياً قويا، وأنشأ أسطولاً بحريا مصريا، وأنفق عليه أموالاً طائلة).
في معركة حطين، اختار صلاح الدين الرُّماة (وزودهم بالنبال الكافية الكثيرة، فملأ كنائنهم بها، وقد بلغ ما فرّقه على الرماة من نبال أربعمائة جمل، ورصد حمولة سبعين ناقة في ساحة القتال، وميدان المعركة، وجعل هذه النوق المحمّلة بالسهام لمن تنفذ سهامه أن يأخذ منها ما يحتاج ضمانا لإستمرار القتالـ والرمي وعدم التوقف فيه حتى يتنزل النصر بإذن الله).
(… نرى إنتصار صلاح الدين في حطين تتويجاً لمشروع عماد الدين الوحدوي التحرري، فلولا متابعة نور الدين لخُطى والده (أي عماد الدين) في توحيد الشام ثن توحيد مصر مع الشام لما تحقق هذا النصر).
تم النصر في حطين كمقدمة لنصرة القدس والمسجد الأقصى (بفضل الله، ثم جهود التوحيد، التي قامت على عقيدة الإسلام الصحيحة، التي تدعو للوحدة الإسلامية، التي لا تفرّق بين جنس أو لون أو طائفة، وإنما جمعتهم الأخوة في الله، التي لم نفرق بين الأتراك والأكراد، والعرب، والفرس، ولا غيرها من الأمم التي إنضوت تحت راية الإسلام).
(ولقد تفاعلت العوامل التي ساعدت على الوحدة في عهد صلاح الدين مع الزمن والوقت، وخضعت لسنة التدرج، وأعطت ثمارها في معركة حطين.. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها المستعمرون من أجل تمزيق أرجاء العالم الإسلامي فقد نجحوا في تقطيع أراضي المسلمين، لكنهم لم ينجحوا في تمزيق قلوبهم، وظل المسلم محباً للمسلم).
كان صلاح الدين (يسند الأمور إلى أهلها ويشترط على نوّابه، وحكّامه في إدارة الأقاليم، والإقطاعات، معاملة الرعية بالمساواة والإسهام في نفقات الجهاد والإحتفاظ بجيوشهم جاهزة دوماً للقتال).
إن إصرار صلاح الدين على الحكم بما أنزل الله تعالى أثمر (الإستخلاف والتمكين، والأمن والإستقرار، والعز والشرف، والنصر والفتح).
(إن العدل أساس الملك، ولهذا أمر الله رسوله القيام به، فقال تعالى: (وأمرت لأعدل بينكم) – الشورى.. والعدل في الرعية، وإيصال الحقوق إلى أهلها، وإنصاف المظلوم يبعث في الأمة العزة والكرامة.. قال القاضي إبن شداد عن صلاح الدين: لقد كان يجلس للعدل في كل يوم إثنين وخميس في مجلس عام يحضره الفقهاء والقضاة والعلماء ويفتح الباب للمتحاكمين، حتى يصل إليه كل أحد… وكان يفعل ذلك سفرا وحضرا..).
(لم يظهر جيل صلاح الدين من فراغ، وإنما سبقته جهود علمية، وتربوية على أصول منهج أهل السنة والجماعة).
أصبح جيل صلاح الدين تنطبق فيه الكثير من صفات الطائفة المنصورة والتي من أهمها: (أنها على الحق.. والإستقامة في الاعتقاد.. وملازمة ما كنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.. ومجانبة البدع وأهلها، والاستقامة على الجهاد بالنفس والمال.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. واستجماع المقومات التي يستنزل المؤمنون بها نصر الله.. وأنها صابرة.. ولهذا وصف الرسول صلى الله عليه وسلم هؤلا ء القوم بأنهم: (لا يضرهم من كذّبهم ولا من خالفهم، ولا يبالون بمن خالفهم).
حسن الصلة بالله تعالى حيث (كان صلاح الدين كثير العبادة والدعاء، والرجاء في نصر الله وعونه..)
اللجوء إلى الله بعد الإعداد، حيث كان صلاح الدين يناجي ربه وهو ساجد فيقول: (إلهي قد انقطعت أسبابي الأرضية من نصرة دينك، ولم يبق إلا الأخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، لأنت حسبي ونعم الوكيل) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى