أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

لا بد من الوحدة الراشدة لنصرة القدس والمسجد الأقصى

د. أنس سليمان أحمد
أدرك صلاح الدين الأيوبي ببصيرته الفقهية والجهادية أن قوته المطلوبة لفتح القدس والمسجد الأقصى لن تتحقق إلا بما يلي:
مواصلة موالاة خليفة المسلمين لأنه (مصدر الشرعية الروحية لجميع المسلمين، فكان يواليه بالكتب تباعاً بمختلف المواقف يفسّرها أحيانا، ويتهم خصومه أحياناً أخرى، ويستأذن ثالثة، ويستشير رابعة دون انقطاع).
(بالتلاحم بينه وبين الجماهير الإسلامية من خلال أعماله، وجهاده، وبوقوفه بالدفاع عن مطالب الجماهير المتمثلة في حماية دينها، وعقيدتها والتصدي للغزاة).
إقامة جبهة إسلامية موحدة تضم على أقل تقدير الشام ومصر والجزيرة واليمن وجانبا من العراق والمغرب.
صناعة وحدة متينة وموقف واحد وإرادة واحدة ومصير واحد بين الشام ومصر بحيث يكملان بعضهما في مواجهة الصليبيين أو أي عدو رديف لهم بغية فتح القدس والمسجد الأقصى.
إقامة جبهة من العلماء والفقهاء ورجالات الصوفية الراشدين الصادقين ودفعهم للمساهمة في فتح القدس وتحرير المسجد الأقصى علما وعبادة وسلوكاً وجهاداً ودعاء وتضحية.
تجديد روح الإيمان بالله وتوحيده وعبادته في واقع جماهير المسلمين بعامة وحثّهم على إخلاص الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين.
عدم مواجهة الصليبيين المواجهة الحاسمة والفاصلة إلا بعد أن يتحقق إحراز النقاط الستة الأولى وإن احتاج الأمر إلى بعض الوقت.
لذلك فقد قضى صلاح الدين في إقامة الجبهة الإسلامية الموحدة في مواصفاتها المطلوبة وفق النقاط الستة اثنتي عشرة سنة، ولله ثم للتاريخ نؤكد أن صلاح الدين لم يبدأ بصناعة هذه الجبهة الإسلامية الموحدة من الصفر، بل تابع جهود أستاذه نور الدين زنكي الذي سعى طوال حياته لصناعة الجبهة الإسلامية الموحدة وفق النقاط الستة حتى توفاه الله تعالى، فأكمل صلاح الدين صناعة هذه الجبهة الإسلامية الموحدة من حيث انتهى أستاذه نور الدين زنكي مما يعني أن مشروع نصرة القدس والمسجد الأقصى قد يحتاج إلى أكثر من جيل وإلى أكثر من قائد، ويجب تكمّل هذه الأجيال والقيادات بعضها بعضا. وهذا درس لكل محب للقدس والمسجد الأقصى أن نصرتهما لن تتحقق في يوم وليلة ولا بد لها من الإيمان العميق والعمل المتواصل والصبر الجميل، ولا بد من توسيع قاعدة نصرة القدس والمسجد الأقصى حتى تشمل قاعدة الأهل المقدسيين، وقاعدة الأهل في الداخل الفلسطيني، وقاعدة كل شعبنا الفلسطيني وعالنا العربي وأمتنا الإسلامية.
ولا بد من بناء جبهة نصرة القدس والمسجد الأقصى إسلامية عروبية فلسطينية تقوم وحدتها ( على الإيمان، والولاء لله ولرسوله، والذين آمنوا، والبراءة من أعداء الله ورسوله والمؤمنين) ولا بد من النهوض بهذه الجبهة(علميا وشرعياً وجهاديا) وعلى هذه الخطوات سار صلاح الدين الأيوبي فبعد أن بنى هذه الجبهة الإسلامية الموحدة التي تجاوزت فواصل الدم والعرق واللون والنسب واللغة، وبعد أن نهض بها علميا وشرعيا وجهاديا (أقام الحدود، والقصاص والتعزير وقضى على الظلم والفساد) وهيأ (الأمة الموحدة للجهاد في الشام ومصر والحجاز والعراق واليمن) بعد ذلك كله ولّى وجهه نحو فتح القدس وتحرير المسجد الأقصى. وقد كان صلاح الدين وفيا في كل هذه النجاحات لأستاذه نور الدين زنكي، حيث كان يقول في نور الدين: (هذا هو الحق، وكل ما نحن فيه من عدل، فمنه تعلمناه) ولذلك إن من المقطوع به أن هذه الخارطة الإسلامية العروبية الفلسطينية ما دامت مفككة مفرقة تنهشها سكاكين (سايكس-بيكو) وما بعد سايس- بيكو فلن تقوى على نصرة القدس والمسجد الأقصى، وما دامت شعوب هذه الخارطة تفتقر إلى الحرية بسبب ظلم حكامها فلن تستطيع أن تحقق الحرية للقدس والمسجد الأقصى، وما دامت عاجزة عن رفع الظلم عن نفسها فلن تنجح برفع الظلم عن القدس والمسجد الأقصى، وما دامت محرومة من الاستقلال الحقيقي فلن تفلح بمنح القدس والمسجد الأقصى الاستقلال الحقيقي.
ولقد لخص عماد الدين الكاتب تكامل الدور الذي قام به نور الدين وصلاح الدين بقوله: (فهما جددا الإسلام بعد دروسه، وشيدا بنيان التوحيد بعد طموسه) وقال فيهما أبو شامة: ( فلله درهما من ملكين، قد تعاقبا على حسن السيرة، وجميل السريرة، وهما حنفي وشافعي، شفى الله بهما كل عيّ، نور الدين أصل ذلك الخير كله، مهّد الأمور بعدله، وهيبته في جميع بلاده، مع شدة الفتق واتساع الخرق، وفتح من البلاد ما أستعين به على مداومة الجهاد، فهان على من بعده على الحقيقة سلوك تلك الطريقة، لكن صلاح الدين أكثر جهادا وأعمّ بلاداً، صبر وصابر ورابط وثابر، وذخر الله له من الفتوح أنفسه، وهو فتح الأرض المقدسة، فرضي الله عنهما) .
مما يؤكد لكل محب للقدس والمسجد الأقصى أن الطريق إليهما ليست قصيرة، ولا مفروشة بالورود، ولكن مهما كان فيها من عقبات وإن طالت، يمكن تخطيها بتوفيق الله تعالى والوصول إلى القدس والمسجد الأقصى. فبعد أن كان المسلمون عند بدء الحروب الصليبية مفككين، وبعد أن كانوا دولا متنازعة، وإمارات متحاربة، نجح نور الدين وصلاح الدين ببعث المسلمين من جيدي وتوحيدهم، وأكدا لنا (أن توحيد الأمة لا يقف عند أمنية الناس والشعوب، ولا عند رغبتهم فيها) بل لا بد من ميلاد (حُكّام مخلصين مؤمنين موحّدين يرغبون من كل قلوبهم بتوحيد الأمة) ولا بد من (جهود عمل مضنية من هؤلاء الحكام) ولا بد من لجم (دعاة الانفصال والتمزق والتفرقة وبغير هذا لا يقوم توحيد ولا وحدة). ولذلك فقد تبنى كل من نور الدين وصلاح الدين إستراتيجية واضحة لا هوادة فيها: (إما الاستجابة للوحدة، وإما العزل عن الحكم والأمارة) !! ثم ( ها هو ذا التاريخ يعيد نفسه، فالمسلمون ليسوا أمة واحدة، وليس لهم دولة واحدة تحكمهم، وتدبر أمور حياتهم، ولكنهم فرق تفرقوا شذر مذر، قد آلت الأحوال بهم إلى أسوأ مما كانت عليه الحروب الصليبية التي نتحدث عنها، وأصبحت بالدهم نهبة لأعدائهم، وخيراتهم، وليست لهم، بل وفُرضت عليهم مناهج الأعداء وقوانينهم، وها هي القدس والمسجد الأقصى يستغيثان، ولذلك لا بد من تحويل مطلب الوحدة الراشدة المبصرة في مظهرها وجوهرها إلى مطلب شعبي عام على صعيد الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني كمقدمة لا بد منها لنصرة القدس والمسجد الأقصى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى