أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (24).. الذيــــن قالــــوا “لا”! (3)

حامد اغبارية
مدخل
قليلون هم الذين قالوا “لا”! لكنّهم على قلّتهم فرضوا بمواقفهم الثابتة معادلةً جعلت الذين أرادوهم أن يقولوا “نعم” يُجيّشون لهم جيوشا مدججة بكل أنواع السلاح العسكري والاقتصادي والإعلامي والثقافي، سعيا إلى الشيطنة والتشويه والملاحقة والبطش والاجتثاث، فما ازداد الموقف إلا صلابة، وما ازداد المشهد إلا وضوحا، وما ازداد الذين رفضوا السير في الركب إلا عنفوانا، وما ازداد الذين راودوهم عن مواقفهم إلا فشلا، حتى أصبح العالم وقد انقسم إلى فُسطاطين لا ثالث لهما، اللهم إلا من “فُسَيْطِطِ” المنافقين الذين ربطوا مصائرهم بمن يظنون- مخطئين- أنه غالبٌ في كل الأحوال.
في هذه السلسلة التي قد تستغرق صفحات كثيرة، محاولةٌ لفتح البصائر على حقيقة الصراع الدائر بين الذين قالوا “لا”، وبين الذين يريدون فرض أجندتهم على أهل الأرض جميعا، أو بالأحرى فتح البصائر على حقيقة الحرب التي يشنها فسطاط الشيطان على الذين استقر في نفوسهم قول “لا” في كل الأحوال كذلك.
هذا ليس لغزا من الألغاز، ولا هي طلاسم يصعُب فهمُ كنهها. إنه حديثٌ عن أهل الحق القابضين على الجمر في زمن السنين الخداعة التي يُصدّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. إنه حديثٌ عن الذين لم تفارقهم شجاعة المؤمنين ورباطة جأش المرابطين على الثغور، رغم ما يبدو للرائي من ضعف قوّتهم وقلة حيلتهم وهوانهم على الناس وتخلي الأقربين عنهم.
هو حديثٌ عن تركيا، وعن ماليزيا، وعن الإخوان المسلمين، وعن الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا، وعن غزة قاهرة الغزاة، وعن العراق ما قبل 2003، وعن العلماء الربانيين الذين رفضوا السير في ركب السلطان، وعن صفحات أخرى مشرقة في بلاد المسلمين التي استهدفها فسطاط الشرّ طوال عقود.

حظر الحركة الإسلامية ومعادلة تغيير الواقع
يكفي سبب واحد في جملة واحدة، بل في كلمة واحدة، يمكن من خلاله تفسير إقدام حكومة نتنياهو على حظر الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني برئاسة الشيخ رائد صلاح عام 2015.
لقد كانت الحركة الإسلامية التيار الوحيد من بين جميع التيارات السياسية الفاعلة في الداخل التي قالت “لا” كبيرة للمؤسسة الإسرائيلية، بكل ما في كلمة “لا” من معنى. هذا في الوقت الذي انتهجت سائر التيارات سياسة قول “نعم” تارة، والسير بين النقاط تارة أخرى، والقبول بالأمر الواقع على مضض تارة ثالثة، أو القبول به برضا وعن قناعة إيديولوجية تارة رابعة.
نستثني من التيارات السياسية الأخرى حركة أبناء البلد، في شِقَّها الذي رفض التحالف مع حزب التجمع ورفض الانخراط في لعبة السياسة الإسرائيلية انخراطا تاما. غير أن الفرق في تعاطي السلطة الإسرائيلية مع الحركة الإسلامية ومع حركة أبناء البلد كان مختلفا لأسباب موضوعية. فقد شكلت الحركة الإسلامية؛ ذلك التنظيم الضخم المؤسساتي الذي له إنجازات كبيرة حقيقية على الأرض، مصدر تأثير مباشر على سلوك الأفراد، وعلى المشهد السياسي برمّته، الأمر الذي قضّ مضجع المؤسسة الإسرائيلية التي كانت طوال أكثر من 20 سنة تبحث عن وسيلة للتخلص من هذا “الكابوس”، حتى جاءت اللحظة التي يئست فيها من العثور على وسيلة قانونية، كما يئست من جرّ الحركة إلى ملعبها، فاتجهت إلى سياسة “كسر العظم” من خلال استخدام أنظمة الطوارئ لحظرها.
قوة التأثير والتغيير هذه التي تميزت بها الحركة الإسلامية لم تكن موجودة لدى حركة أبناء البلد، ذلك التنظيم الصغير ذي الإيديولوجية الراديكالية. لذلك جاء التعاطي مع الحالتين مختلفا. وربما نجد تفسيرا آخر يتعلق أيضا بالخلفية الإيديولوجية. فبينما يتسم تنظيم أبناء البلد بخلفية ذات أبعاد ماركسية علمانية، فإن الحركةَ إسلاميةٌ بامتياز. ولعله من نافلة القول أن نُذكّر بأن الإسلام كمشروع نهضوي ذي قدرات وآليات تغيير تقف وراءها أهداف استعادة أمجاد الأمة، وعلاقة ذلك بالصراع على فلسطين ذي الخلفية الدينية البحتة بين المشروع الصهيوني- الصليبي وبين المشروع الإسلامي جعلت من مشروع الحركة الإسلامية مصدر قلق للمؤسسة الإسرائيلية أكثر من أي تنظيم آخر، خاصة وأن المشروع الإسلامي يملك عناصر النجاح وتحقيق الأهداف أكثر من أي تنظيم آخر.
غير أن اختيار الحركة الإسلامية للموقف الرافض للسير في منظومة لعبة السياسة الإسرائيلية يحتاج إلى تفصيل. فهناك عشرات الأسباب التي تندرج تحت عنوان “لا”، والتي يمكن اعتبارها دافعا لقرار الحظر.
لقد قالت الحركة الإسلامية “لا” لكل شيء يخالف المنهج والهوية والانتماء. لكنها لم تكتف بقول “لا”، بل عملت على تحقيق البديل، بخلاف حركة أبناء البلد (مثلا)، التي قالت “لا” غالبا، لكنها لم تقدم بديلا حقيقيا -لا من حيث الحجم ولا من حيث النوع- له آثار على أرض الواقع يمكنه أن يسبب مصدر قلق لمتخذي القرار في السلطة الإسرائيلية.
لقد تعاطت الحركة الإسلامية مع ملف نكبة فلسطين وتداعياته من منظور مختلف عن سائر التيارات السياسية ذات الطابع العلماني، واعتبرت أن الواقع الذي فرضته الحركة الصهيونية بإنزال النكبة على الشعب الفلسطيني، كجزء من إنزال النكبة على الأمة، ليس قدرا لا يمكن تغييره وفي التالي يجدر القبول به والتعايش معه، وإنما هو واقع طارئ فرضه اختلال موازين القوى، وأن استنهاض الأمة وتمكينها من وسائل تغيير هذا الواقع هو السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله إعادة توجيه البوصلة وترجيح الكفة لصالح الأمة. ولهذا اختارت هذا الطريق مع ما فيه من عثرات وعقبات ومشقة وتحديات وأثمان يمكن أن تُدفع على مستوى الأفراد وعلى مستوى التنظيم. وقد أصبح هذا المشهد (مشهد دفع الأثمان) واقعا نعيشه على الحقيقة. وهو بالمناسبة لم ينته بعدُ. فمعركة الإرادات ما تزال مستمرة ولن تتوقف.
ولقد رأت الحركة الإسلامية أن هناك قوتين تقودان المجتمع الفلسطيني في الداخل إلى طريق نهايته الهاوية: الأحزاب العلمانية الفاعلة في المجتمع الفلسطيني في الداخل، والمؤسسة الإسرائيلية. ثم جاء الشق الجنوبي في الحركة الإسلامية ليزيد المشهد اضطرابا، من خلال قرار خوض انتخابات الكنيست الصهيوني وما تبع ذلك من انخراط في لعبة السياسة الإسرائيلية. ولذلك عملت الحركة الإسلامية بشقها الشمالي طوال أكثر من عقدين على جذب المجتمع إلى المنهج- الطريق الذي رأت أنه الوحيد الكفيل بتغيير الواقع وإنقاذ هذا المجتمع من سوء المصير وعاقبة السوء. ونجحت الحركة في تشكيل معادلة جديدة لم تعهدها المؤسسة الإسرائيلية من أي تيار أو تنظيم منذ 1948. فكان لا بد من التعامل معها بطريقة مختلفة! فقد كانت المؤسسة الإسرائيلية، التي هي الثمرة الأولى من ثمرات المشروع الصهيوني، قد رسمت سياسة خاصة للتعامل مع من بقي من أهل فلسطين في وطنهم، تتضمن وضع آليات للسيطرة عليهم وإبقائهم تحت المجهر، من خلال وسائل عديدة، على رأسها جرّهم إلى لعبة السياسة الإسرائيلية بشروطها هي لا بشروطهم هم. وقد نجحت في ذلك نجاحا تاما، حتى جاءت الحركة الإسلامية وبدأت تعمل (تحديدا منذ الانشقاق عام 1996) على تعطيل هذه السياسة من خلال معادلة: “لا” للعب حسب الشروط الإسرائيلية و “نعم” لبديل حقيقي عملي ممكن ناجز يحظى بقبول ودعم وتأييد نصف المجتمع في الداخل على الأقل، بمستويات مختلفة. فكان لا بد من التعامل معها بأسلوب مختلف قاد في نهاية المطاف إلى الحظر، لكن الحظر ليس هو نهاية الطريق، وهذا ما تدركه السلطات الإسرائيلية وهذا ما يقلقها.
في رأيي المتواضع فإن السبب الأكبر المباشر الذي دفع إلى حظر الحركة هو تحقيق هذه المعادلة بحذافيرها، من خلال رفض لعبة الكنيست من ناحية، بما تمثله هذه اللعبة من تلوث بالأسرلة، ومن خلال رفض كل المساومات التي مارستها المخابرات وقادة سياسيون إسرائيليون مع قيادات الحركة على امتداد سنوات طويلة، ومن خلال تنفيذ مشروع المجتمع العصامي الذي رفعت رايته.
كان مشروع المجتمع العصامي إذاً هو السبب الأول والأكبر والمباشر. وعندما نقول المجتمع العصامي فإننا نعني به صناعة ما سماه قادة الحركة “الحاضنة الشعبية” التي تشكل الرافعة للنهوض بالمشروع وتحويله من فكرة مبدعة إلى منهج حياة. وقد اعتبرت المؤسسة الإسرائيلية أن خطورة هذا المشروع تكمن في أنه أكبر من كونه يخص أبناء المشروع الإسلامي، بل يعود بالفائدة على جميع فئات المجتمع الفلسطيني في الداخل، بمن فيهم المسلمين والمسيحيين والدروز.
ما الذي شمله مشروع المجتمع العصامي حتى قض مضجع الحكومة الإسرائيلية؟
إقامة مؤسسات أهلية تعمل على خدمة المجتمع في مختلف التخصصات والمجالات: الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية والجامعية والرياضية، ومؤسسات تهتم بالطفولة والأمومة وشؤون المرأة والأسرة، ومؤسسات إعلامية ذات بصمات مؤثرة ومُغيّرة ومشكّلة لرأي عام مختلف يقود إلى تحقيق التغيير، ومؤسسات في مجال الفن الإبداعي المسرحي والإنشادي والسينمائي والتوثيقي، ومؤسسات تُعنى بالأبحاث والدراسات، ومؤسسات تعنى بالإنتاج الأدبي بمختلف مجالاته، ومؤسسات تُعنى بالأوقاف الإسلامية والمسيحية، ومؤسسات تُعنى بملف القدس والمسجد الأقصى المبارك، ومؤسسات تُعنى بالعمل السياسي، ومؤسسات تُعنى بالعمل الإغاثي الذي ترك أثره الكبير من خلال إغاثة الأهل في الضفة والقطاع وإغاثة المسلمين في شتى مناطق الأزمات الدامية مثل الشيشان والبوسنة وسوريا، وغير ذلك من المؤسسات في مجالات لم يسبق لأي تنظيم أن خاضها وحقق فيها إنجازات بهذه الضخامة، مع ضمان الاستمرارية والتطور الدائم في الأداء وحجم العمل ونوعيته وتنوّعه.
تنظيم العمل الطلابي في الجامعات من خلال مؤسسة تتابع هموم الطلاب الجامعيين وقضايا التعليم العالي، مع دعم مسيرة التعليم الأكاديمية بهدف تخريج كفاءات علمية ومهنية ذات وزن وقدرة على خدمة المجتمع في الطريق إلى تغييره.
الاهتمام بتنشئة جيل ذي ثقافة إسلامية واعية تحمل الهمّ الجمَعي، من خلال إنشاء مؤسسات تُعني بالتربية الإسلامية والقرآنية، كمؤسسة “حراء” على سبيل المثال، والمعسكرات التربوية وبرامج التثقيف الاجتماعي والسياسي والديني. وعندما نقول “الهمّ الجمعي” فإن هذا يعني توجيه ضربة لمشروع الفردانية الذي حرصت المؤسسة الإسرائيلية على فرضه على المجتمع الفلسطيني في الداخل من خلال منهاج التعليم والإعلام وغير ذلك من الوسائل.
العمل على توفير مصادر تمويل ذاتية محلية خالصة لتمويل مشروعات المجتمع العصامي، وبذلك تتحرر هذه المؤسسات من التبعية لمصادر التمويل الأجنبية والإسرائيلية وأجنداتها المشبوهة، خاصة المتعلقة بالتوجهات السياسية والأخلاقية والقضايا المتعلقة بالأسرة الفلسطينية، وعلى رأسها قضايا المرأة.
الاهتمام بالامتداد الفلسطيني والعربي والإسلامي من خلال خلق قنوات تواصل مع هذه الدوائر لتشكل حاضنة وسندا معنويا وفكريا وهويّاتيا لمشروع المجتمع العصامي. وكانت المعادلة تقول: بدلا من الاستناد إلى المؤسسة الإسرائيلية التي نهبت كل شيء منا ثم راحت تعلف لنا الفتات مقابل الانخراط في الأسرلة، فإن لنا امتدادنا الطبيعي الفلسطيني والعربي والإسلامي الذي هو العنوان الصحيح والأصيل للانتماء.
وكان من القضايا والملفات التي يمكن إدراجها ضمن مشروع المجتمع العصامي ملف القدس والأقصى الذي أحيته الحركة الإسلامية ليس فقط في نفوس أوساط أبناء الداخل الفلسطيني، وليس فقط في نفوس أوساط أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والشتات، وليس فقط في نفوس أوساط العرب في المنطقة العربية، وإنما في كافة مجتمعات العالم الإسلامي، بعد أن كاد هذ الملف يغيب عن المشهد تماما. وسيسجل التاريخ ذات يوم فضل مشروع المجتمع العصامي في هذه القضية بالذات. ولم تكتف الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا بالتنظير الإعلامي والخطاب الحماس فيما يخص هذا الملف، بل قدمت نموذجا عمليا كانت له آثار وتأثيرات هائلة على وعي الأمة وعلاقتها بهذه القضية وتفاعلها معها، في مشهد لم يسجل التاريخ مثله منذ نجاح مؤامرة إسقاط الخلافة الإسلامية مطلع القرن الماضي.
إن قائمة إنجازات المجتمع العصامي وآثار هذه انجازات وتأثيراتها طويلة ومتشعبة، وهي كلها كانت تحمل رسالة واحدة: “لا” للانخراط في لعبة السياسة الإسرائيلية، و “لا” لمشروع الأسرلة، و “لا” للعبة الكنيست المذلّة والتي ثبت علميا، كما أثبت الواقع، أنها مجرد وسيلة لإبقاء مجتمع الداخل الفلسطيني تحت السيطرة، وإلا فإنها وهمٌ من الأوهام التي يحلم بها من أرادوا تسويقها على أنها وسيلة لتحقيق إنجازات تصب في صالح الفرد والمجتمع حاضرا ومستقبلا. وهي تحمل في ذات الوقت رسالة “نعم” لتحقيق الذات من خلال مجهودات ذاتية معهما كانت متواضعة، ولكنها تبقى ذات أثر عميق ستمضي سنوات طويلة حتى يُدرَك حجم تأثيرها وأهميتها، ومن ثم حجم الخسارة في تعطيل هذا المشروع من خلال حظر الحركة الإسلامية التي رفعت لواء هذا المشروع.
من أجل هذا كله وغيره الكثير استُهدف مشروع العمل الإسلامي من خلال محاولة ضرب تنظيم الحركة الإسلامية، بدءا من التحريض الإعلامي على لسان القيادات السياسية والعسكرية والحزبية والفكرية الإسرائيلية على مدار 20 سنة، مرورا بالملاحقات السياسية ومحاولات التشويه والشيطنة والتضييق والاعتقالات والمحاكمات وإغلاق المؤسسات تباعا وصولا إلى مرحلة الحظر الكلي ثم الاتهام بممارسة الإرهاب، بعد أن أقرَّ الكنيست الصهيوني قانون ما يسمى بمنع الإرهاب عام 2016، بعد بضعة أشهر من حظر الحركة، وهو القانون الذي أطلقتُ عليه اسم “قانون الحركة الإسلامية”. ولعلنا نذكر جميعا ما تضمنته تصريحات تلك القيادات، والتي كنت تقرأ فيها ذلك الرعب الخفي من المشروع الإسلامي، الذي ألمحتْ تلك التصريحات إلى “خطورته” على المشروع الصهيوني. ومن تلك التصريحات على سبيل المثال لا الحصر، تصريحٌ ضمَّنه موشيه آرنس، وزير الأمن الإسرائيلي الأسبق، في مقال له في صحيفة “هآرتس” العبرية نُشر قبل نحو سنتين من الحظر، والذي حرّض فيه على الحركة الإسلامية، وقال مما قاله إن هذه الحركة تملك قدرات وأدوات لإدارة دولة ولذلك يجب الحذر منها والعمل على وقف مشروعها. وقد صبّت كافة التصريحات من الجانب الإسرائيلي في هذا الاتجاه بمستويات مختلفة، حتى أن بعضها دعا صراحة إلى حظرها وإخراجها عن القانون. فهل كان مشروعها مخالفا للقانون؟ لم يجرؤ أحدٌ أن يقول هذا لأنها في الحقيقة لم تخالف القانون في أي عمل من أعمالها، ولذلك كانت الوسيلة الوحيدة استهدافَها من خلال أنظمة الطوارئ التي هي فوق كل قانون وفوق أي اعتبار. وإن تطبيق هذه الأنظمة يحمل دلالات كثيرة منها: ضعف السلطة الإسرائيلية في مواجهة تنظيم شعبي له إنجازات، وعجزها عن مواجهته بالوسائل العادية إلى درجة اللجوء إلى سياسة “كسر العظم”. ومن هذه الدلالات أيضا أن الحركة الإسلامية قلبت في نهجها طاولة الأسرلة التي كانت تنفّذ بهدوء، وخلطت أوراق المؤسسة الإسرائيلية. لماذا؟ لأنها قالت “لا” لكل شيء يمكن أن يلوّث الهوية والانتماء والمشروع. ولم يكن قرار الحظر معزولا عن المشهد الإقليمي والعالمي، بل هو جزء منه وحلقة من حلقاته. فهل انتهت القضية؟ بالتأكيد لم تنتهِ، بل لها ما بعدها. فهذا المشروع الرباني هو من قدر الله، كما أن حظره جزء من قدر الله، والذين حاربوه هم أيضا من قدر الله، وإن المشروع الذي قال “لا” للتعبية والأسرلة والخضوع والخنوع وتمييع القضايا ستكون يده هي العليا، بقدرٍ من الله ووعدٍ منه, فانتظروا إنا معكم منتظرون. (يتبع).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى