أخبار رئيسيةمقالات

الاخوان جماعة عصية على الكسر؟..

ما أشبه اليوم في البارحة … أمس ، في خمسينات ستينات وسبعينات القرن الماضي انتشى التيار القومي ، والقومي الماركسي الذي حكم جزء من مشرقنا بالنار والحديد وارتبط بمحور موسكو بالفتك بجماعة الاخوان المسلمين متهما إياهم تارة بالعمل على قتل الزعيم “الخالد” والانقلاب عليه وعلى مكتسبات “الاشتراكية القومية ” وزعزعة “الامن القومي” وتارة بالارتباط بالامبريالية العالمية وثالثة بتسميم الشعوب في أفكار رجعية فسقط من ابرار هذه الجماعة وفقا لبعض الاحصائيات غير الرسمية في مشرقنا اكثر من عشرين الف شهيد في سجون الزبانية وقارب الزعيم الخالد في ستينات القرن الماضي القول ان هذه الجماعة انتهت من الساحة السياسية ، وكذا فعل في ركابه من كانوا يرون فيه الاب الروحي والموجه العظيم ، فكان أن خاض المرجفون والطواغيت من اشياعه حربا ضروسا على تلكم الجماعة انتهت بخروجهم من التاريخ وبقاء هذه الجماعة .
ارهاصات صفقة القرن
كانت حرب الأيام الستة نقطة مفصلية في كشف عواره وتخبطه يوم آثر الاشتراكية على مشروع العروبة الممتد من الإسلام.
في تلكم المرحلة التاريخية انتشرت أفلام الخنا والفجور بل ان بعض الدول اعتبرت المتاجرة بالاعراض والأفلام “الشاذة جزء من مداخيلها القومية ، وانتشر في تلكم السنين العجاف الالحاد والتردي الفكري والأخلاقي والسلوكي لينتهي بنا المطاف في آتون فضيحة ضياع ما تبقى من فلسطين والقدس والاقصى بعد أن تغنت من تغنت وتطاول من تطاول . وها هي الأيام تدور دائرتها لتتحق نظريات المجايلة التاريخية والمزايلة القدرية وتتصدر أثم أغراق الامة مجددا في عار جديد دولا ومعها طوابير من الممثلين والمهرجين والسياسيين والمفكرين والإعلاميين متجنفين الباطل والفسوق والعصيان ووقعت شخصيات دينية في آتون الفتنة “القادمة” لطالما أدعت الوصاية على الإسلام وكادت أن تصادر الإسلام والفهم الإسلامي لصالح فهمهم “الخاص” ، وكأننا أمام أتمام صفقة القرن الجديد لتأكيد حق إسرائيل المطلق على الأرض المقدسة ” التي يرونها هم انفسهم انها جزء من وعد الهي يمتد من الفرات الى النيل” لنعيش بقيت من عمرنا ونرى مملكة إسرائيل الثانية ، فهل الأخوان المسلمين هم حجر العثرة أمام إتمام صفقة القرن هذه ؟… وهل الاخوان المسلمين هم من سيجهظ مشروع الدولة اليهودية “إسرائيل الثالثة”؟. وعليه فلا بد من إزاحة هذا الخطر والى الابد؟.. وهل الاخوان المسلمين بعد أن ادرك الحكام الظلمة ان لا حل لترويض هذه الامة ألا عبر شيطنة هذه الجماعة كما فعل كبار سحرة ستينات القرن الماضي، وبث الفساد والعهر والخنا في صفوفها وإرهاق هذه الامة في حروبات واقتتالات داخلية تعيدهم القهقرى عدد قرون ؟.
وهل من نافلة الأحداث الجارية استغلالها لاحداث إنقلاب لَّما تتضح أبعاده بعد في السعودية يكون جسر عبورها الحرب على الاخوان كلهاية للشعوب لما يحدث في دول مثل السعودية والامارات ؟… وهل كان خلق الأزمة مع قطر تمهيدا لاستقدام ابن سلمان ليكون عرابا في المنطقة الى جوار ابن زايد تمهيدا لتحقيق معادلات سياسية في المنطقة قد تم طبخها في المطابخ الأمريكية تضمن مئوية استعمارية أخرى ومئوية قادمة للدولة الصهيونية “اليهودية الدينية” ولتحقيق هذه الغايات الكبرى كان لا بدَّ بالتضحية بالشعوب وبالمخلصين منها وفي مقدمتهم جماعة الاخوان المسلمين… وهل ارهاصات هذه المرحلة تتطلب الاجهاظ على الاخوان والتطاول على الدين والرموز الدينية والانقلاب على نايف بصفته “التقليدية” أخر الحرس القديم الذي وإن ناصب الاخوان العداء فهو لا يناصب الدين والتدين ذلك ، وتولي أمور الامة ادعياء ؟..وهل تتطلب هذه المرحلة كذلك توسد الشيعة الهلال الخصيب وتمزيق اهل السنة وقتلهم شر قتلة برسم انهم أصحاب المشروع الحقيقي المهدد لاستمرار السيطرة الغربية-الإسرائيلية على المنطقة؟.
بدعة الإرهاب…
تاريخيا تراجعت الأفكار العلمانية القومية والماركسية تماما كما تراجعت العلمانية الليبرالية التي جاء بها المحتل الفرنسي والانجليز الى مشرقنا ابان العهد الاستعماري وتأسيس ما سمي بالدول القطرية التيأورثتنا من بعد ذلك أنظمة الاستبداد والشمولية ومع ان هذه الأنظمة خاضت حربا ضروسا مع جماعة الاخوان المسلمين كتنظيم ومع الإسلام كفكرة طرحها علماء ومفكرو هذه الجماعة ألا أن هذه الأنظمة ادركت انها تدور في دوامة سيدمر مكتسباتهم ابتداء فكان أن لجؤوا الى أساليب الاحتواء تارة والتوقف وبإخراجهم من اوطانهم تارة أخرى.
آنذلك لم تصمد الأفكار الوافدة امام صلابة الفكر الإسلامي ومتانته بل ان مفكرين عمالقة من التيار الإسلامي بشقيه السني والشيعي حللوا الأفكار الماركسية والليبرالية بعمق اكثر من حملتها المشارقة وما كتابات الشهيد محمد باقر الصدر وعماد الدين خليل العراقيين الا غيض من فيض تلكم المرحلة التاريخية.
لقد انتهت خمسينات-ثمانينات القرن الماضي بعلو الفكرة الإسلامية حتى أضحت سمع الدنيا وبصرها وتنبه المستعمر الرابض على صدورنا منذ أن احتل أرضنا وزرع الكيان الصهيوني على ارض فلسطين للصحوة الدينية في المشرق العربي والغرب الافريقي واسيا الوسطى وشرع يتتبع هذه الصحوة وهذه النهضة وتنبهت مجامع الاستشراق الإسرائيلي مبكرا الى الصحوة الدينية ومخاطرها على إسرائيل مستقبلا فكانت أن ابتدع قادتها الفكريين والسياسيين مصطلح الإرهاب الإسلامي بعدئذ كانت قد تلظت في سبعينات القرن الماضي أوروبا من “الإرهاب اليساري”.
لقد استهدف الغرب وأقصد في الغرب المنظومة اللاتينية بمكوناتها الماركسية باختلاف مدارسها والليبرالية باختلاف مدارسها وما انبثق عن الكالفانية الأوروبية “المُحْدَثة “بعد هزات ما بعد الحرب العالمية الثانية جماعة الاخوان المسلمين وكل التيار الإسلامي الذي استمد أفكاره من هذه الجماعة بتيارها العريض ، باعتبارها جماعة تعلن للملأ أنها تريد أعادة الحياة الإسلامية للشعوب المسلمة بالدعوة والموعظة ا والحسنى وتفاخر بشروع استاذيتها الذي يبدأ بالفرد والاسرة والمجتمع والدولة القطرية والشعوب المسلمة والعالمية .
الاخوان تيار تجاوز القطر والاقليم وحقق الاستاذية..
لقد تأثر بهذه الجماعة خلق كثير من الادباء والمفكرين والمثقفين في الوطنين العربي والإسلامي فجماعة الاخوان المسلمين اليوم تتواجد في كافة اقطار المعمورة الا قليل ، ومنها العلماء في مختلف العلوم الإنسانية والعلمية والدقيقة ويكفي القاريء الكريم ان يعرف ان رئيس مصر المنتخب” الممتحن” الدكتور محمد مرسي عالم كبير من العلماء القلائل المختصين في هندسة المعادن والفلزات وله اكتشافات وابداعات كبيرة في مجال تصنيع المعادن والفلزات التي كان لها دور كبير في الدفع الكوني لغزو الفضاء. وهذه الجماعة لم تخرج قط على حاكم عربي او مسلم وعلماء هذه الجماعة يعلمون يقينا انه ظالم ومستبد وغشوم تحسبا وتخوفا على شعوب تلكم البلدان حتى لا يقتل فيها ويفتك بها بحجة الحفاظ على الامن والسلم المجتمعين خاصة وان طوابير من العملاء المستفيدة من هذه الأنظمة ستقف الى جانبها وستجد من الفتاوى والاقوال الدينية بحرا من ذلك. وهو ما دعا الالاف من المتعجلين قطف الثمار ترك هذه الجماعة وتأسيس جماعات جمعت بين منطق التربية والعمل الاخواني والخروج على الحاكم تحت لافتة الجهاد وهو المرفوض عندهم من بابين : باب الشرع والعقل والمصلحة وباب السياسة وأخذ الناس بالحسنى.
من قرأ تاريخ هذه الجمعة بتجرد من مواقف مسبقة فيه سيجد أنها جماعة سعت بقدر ما تستطيع للوصول الى سدة الحكم بالطرق الشرعية التي وضعتها الأنظمة ذاتها وهي تعلم ان ما وضعته هذه الأنظمة يعمل مسبقا على تحجيمها وقصقصتها والنيل منها لكن نظرات القوم كانت ابعد من نظرات مخابرات تلكم الدول الغشوم. وفي الوقت ذاته سيجد القاري أخطاء ارتكبتها هذه الجماعة في عملها السياسي العام وحتى في عملها الشعبوي الطوعي ولكنَّ هذه الأخطاء لا تنقص من مقدارها شيئا فهم بشر يصيبون ويخطأون.. وبفضل سياساتهم وقناعاتهم الشرعية حققوا اختراقا كونيا وتجاوزت هذه الجماعة القطر والاقليم الى التحليق في عالم الاستاذية ، وما يحدث معها اليوم من اهتززات هو ضريبة طبيعية تدفعها الجماعة ثمنا لاستاذيتها التي ستكون مقدمات تكوينية لتحقيق هذه الاستاذية من عالم النظر الى عالم الافاق.
أنَّ هذه الحملة الشعواء التي يشنها مثلث اسرائيل-السعودية-الامارات على الاخوان المسلمين تؤكد مجموعة من الدلالات تحمل في طياتها الخير الكثير لمستقبل قادم على هذه المنطقة بعد أن تنتهي من كشف مستور ما تبقى من أحلاف العرب مع أبناء عمومتهم من يهود الخزر والحميرين فأسرائيل الدولة “الدينية” الغارقة في شعبويات النص التلمودي وشروحاته المختلفة تطمع بقيام هيكلها على ساحات المسجد الأقصى ولا بأس أن تبدأ عمليات الترويض والتطبيع في اعلان حسن نوايا العرب اتجاه إخوانهم اليهود من منحهم حائط البراق ليكون مستقبلا مسمار جحا للولوج الى الساحات المقدسة وتقاسم المسجد الأقصى المبارك ، وهو ما ترفضه جماعة الاخوان المسلمين جملة وتفصيلا وهو ما لم نسمعه من علماء السلاطين في بلدان عرب اليوم.
أمس تأمر على هذه الجماعة الأنظمة الليبرالية والقومية ومن انتحلت الماركسية ومعهم جمع ممن آمن بتلكم الأفكار أو كان مستفيدا فكان عاقبة أمرهم خسرا ، واليوم يتأمر عليها قيادات دول عربية “رعوية” همهم السيطرة والجاه والأبهة وارتضوا الأرتماء بحضن الغرب والعمالة له ولاسرائيل ، ومعهم جيش من المشايخ ممن أمنوا بولاية الحاكم وحرمة الخروج عليه ولو باع الوطن بالتقسيط ، ولو كان طاغوتا وبفصل مطلق للدين عن السياسة وحجره في الزوايا والتكايا ، وهو ما ينافي طبيعة هذا الدين وحملته وعلى أمثال هؤلاء تدور الدوائر .. وما كان ربك نسيا..
صالح لطفي باحث ومحلل سياسي..
Slsaleh273@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى