أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

احذر زوال مشروعك يا جيل التغيير

صحيفة المدينة
إن الله تعالى لا يجامل أحدا من خلقه، وبالذات من شاء الله تعالى له أن يكون حاكما على شعبه، فمن حكم واستجمع أسباب دوام الحكم وفي مقدمتها العدل واجتناب المعاصي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الطاعات، حفظ الله تعالى حكمه، وأي حاكم عمل بخلاف ذلك، سلبه الله تعالى ملكه وإن كان مؤمنا، وقد صدق من قال: (إن السلطان الكافر الحافظ لشرائط السياسة الاصطلاحية أبقى واقوى من السلطان المؤمن العدل في نفسه، المضيع للسياسة النبوية العدلية)، وعلى هذا الأساس اعلموا يا جيل التغيير أن الاستهانة بترك الذنوب والتهاون بأداء الطاعات والغفلة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ستأتي على سيركم من قواعده وستنقضه حجرا حجرا، ولن ينفعكم أن تقولوا: نحن حملة المشروع الإسلامي، لأن الله تعالى لا يجامل أحدا حتى لو كان من حملة المشروع الإسلامي، وبالذات أن الله تعالى لا يجامل حملة المشروع الإسلامي وسيعجل لهم العقوبة، وقد يمهل غيرهم، لأن من يعلم ليس كمن لا يعلم، وذنب العالم ليس كذنب الجاهل، وذنب حملة المشروع الإسلامي ليس كذنب غيرهم، فتنبهوا جيدا يا جيل التغيير إلى هذه النصيحة وإن كانت مرة، وهل الدواء إلا مر، تنبهوا إليها واحفظوها إني لكم ناصح أمين، وأسأل الله تعالى أن تحبوا الناصحين وإن أبكوكم، لا أن تطربوا لمن يجاملكم من الخلق وإن أضحككم، وسيروا على قاعدة (أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك) فاضبطوا انفسكم، واضبطوا سيركم، واضبطوا تغييركم، وإلا ضاع كل شيء، إن ولغتم في أسباب ضياع الملك وأهله، ولكم في هذه الرواية ألف عبرة: قال عبد الله بن مروان- ومروان هذا: هو المعروف بمروان الحمار، وهو آخر ملوك بني أمية، قتل في أرض مصر في كورة بوصير: (لما زال ملكنا وهربت إلى أرض النوبة فيمن تبعني من أصحابي، فسمع ملك النوبة بخبري فجاءني، فقعد على الأرض، ولم يقعد على فراش افترشته، فقلت له: ألا تقعد على ثيابنا؟ قال: لا، قلت: ولم؟ قال لأني ملك، وحق على كل ملك أن يتواضع لأمر الله سبحانه إذا رفعه. ثم قال لي: لمَ تشربون الخمر وهي محرمة عليكم؟ ولم تطؤون الزرع بدوابكم والفساد محرم عليكم؟ ولم تستعملون الذهب والفضة وتلبسون الديباج والحرير وهو محرم عليكم؟ فقلت زال عنا الملك فقل أنصارنا، فانتصرنا بقوم من العجم دخلوا ديننا، ولنا عبيد وأتباع فعلوا ذلك على كره منا. فأطرق مليا يقلب كفيه وينكت في الأرض، ثم قال: ليس كما ذكرت، بل أنتم قوم استحللتم ما حرم الله عليكم، وظلمتم فيما ملكتم، فسلبكم الله تعالى العز بذنوبكم، ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها، وأخاف أن يحل بكم العذاب وانتم ببلدي فيصيبني معكم!! وإنما الضيافة ثلاثة أيام، فتزودوا ما احتجتم إليه وارتحلواعن بلدي. فتزودنا وارتحلنا) وما أحرانا أن نتدبر في هذه الرواية فهي تجسد معنى سلب الله تعالى لحكم قوم وملكهم إذا ولغوا في أسباب ذلك حتى لو كانوا مسلمين، بل حتى لو أقاموا خلافة إسلامية!! ومما يؤكد معنى هذه الرواية قول أبي جعفر المنصور الخلفية العباسي: (ما زال أمر بني أمية مستقيما حتى أفضى أمرهم إلى أبنائهم المترفين، فكانت همتهم من عظيم شأن الملك وجلال قدره قصد الشهوات، وإيثار اللذات، والدخول في معاصي الله تعالى ومساخطه، جهلا منهم باستدراج الله تعالى، وأمنا لمكره، فسلبهم الله العز، ونقل عنهم النعمة)!! فاعتبروا يا جيل التغيير من رواية مروان الحمار، ومن قول أبي جعفر المنصور، فإن العاقل من اتعظ بغيره، والجاهل من عجز من الاتعاظ بغيره و بنفسه، ولأنكم أخذتم على عاتقكم حمل أمانة التغيير، والتغيير لن يتحقق إلا بالمشروع الإسلامي، فالمطلوب منكم ألا تكونوا عقلاء فقط، بل أعقل العقلاء، وحتى تكونوا من أعقل العقلاء حري بكم أن تتعظوا بغيركم وإلا إن غفلتم عن ذلك، فقد ظلمتم أنفسكم ثم ظلمتم الجماهير التي علقت آمالها فيكم، ولعل ذلك ما قصده الإمام الشافعي بقوله: (أظلم الناس لنفسه: اللئيم، إذا ارتفع جفا أقاربه، وأنكر معارفه، واستخف بالأشراف، وتكبر على ذوي الفضل) فالحذر الحذر يا جيل التغيير أن تظلموا أنفسكم، ظلما يمحق بركة سيركم في الدنيا ويحبط جهد مشروعكم التغييري بغية انقاذ أمتكم والنهوض بها، فظلوا جيل التغيير في بداية سيركم، وظلوا جيل التغيير في منتصف طريقكم، وظلوا جيل التغيير في أوج نجاحكم، كي تحيوا وتموتوا وأنتم جيل التغيير الذي أكرمه الله تعالى بالحفظ لأنه حفظ الله تعالى، والذي أكرمه الله تعالى بالنصر، لأنه نصر الله تعالى، والذي أكرمه الله تعالى بالرفعة لأنه تواضع لله تعالى، والذي أكرمه الله تعالى بالتغيير لأنه غير ما في نفسه، والذي أكرمه الله تعالى بالتوفيق، لأنه ملأ الحياة عدلا وطاعات ومعروفا وطهرها من الذنوب والمنكرات. ولما احيط بمروان الجعدي – وهو مروان الحمار آخر ملوك بني أمية- قال: يا لهفاه على دولة ما نصرت، وكف ما ظفرت، ونعمة ما شكرت. فقال له خادمه بسيل – وكان من أولاد أشراف الروم: من أغفل الصغير حتى يكبر، والقليل حتى يكثر، والخفي حتى يظهر، أصابه مثل هذا)، وسئل بعض العلماء: ما الذي أذهب ملك بني مروان – أي بني أمية – ؟ قال : تحاسد الأكفاء، وانقطاع الأخبار، وذلك أن يزيد بن عمر كان يحب أن يضع من نصر بن سيار فكان لا يمده بالرجال، ولا يرفع إلى السلطان ما يرد عليه من أخبار خراسان، فلما رأى ذلك نصر بن سيار قال:
أرى خلل الرماد وميض نار فيوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب أولها كلام
فقلت تجاهلا يا ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام
فيا جيل التغيير انتبه ولا تنم، فقد انتهى وقت النوم، وتقدم ولا تتعثر فأنت المطلوب على كل المحاور، ولا تسترخص ثمن التغيير فلا بد دون الشهد من إبر النحل، ولا تستكثر ما قدمت لأنك إن اعتدت خوض المنايا فأهون ما تمر به الوحول، وأعلم أن الله تعالى إن كان معك فلن يضرك غيره، وإن لم يكن معك فلن ينفعك غيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى