أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

من تداعيات استشهاد مرسي

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
في هذه الأيام يكون قد مرَّ عام على استشهاد الرئيس المنتخب محمد مرسي سنة كاملة (استشهد في سجون الطاغية السيسي يوم 17-6-2019)، وبعد أيام قليلة (3/7/2020) يكون قد مرَّ سبع سنوات على الانقلاب العسكري عليه وعلى التجربة الديموقراطية الوحيدة في مصر منذ دخول محمد علي باشا الديار المصرية، وتأسيس مصر الحديثة (حكم مصر بين سنوات 1805و1848 واستمرت سلالته في حكم مصر حتى عام 1952).
الكثير من العرب مصابُ هذه الأيام بحُمى الإحباط بعد الردة التي قامت بها دول عربية في مقدمتها السعودية والامارات وبدعم خفي غربي -إسرائيلي على الربيع العربي عموما، وعلى التجربة المصرية ووأدها في مهدها بدموية لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر السياسي الحديث، لكنَّ عمليات الخروج من طور الفتنة السلطوية الممتدة عدد عقود إلى رِحاب التحرر والحرية وتداول السلطة يحتاج أيضا عدد سنين إن لم يكن عُقود، ولقد كان من أقدار الحق مع الخلق في هذه المسألة أن تكون جماعة الإخوان المسلمين، وعديد الحركات السياسية الشبابية، في مقدمة التدافع مع الباطل، وأن يكون معهم والى جانبهم جماعات إسلامية وغير إسلامية، كلٌّ قد خطَّ طريقه في مواجهة الطغاة والاستبداد، والعبرة دائما وأبدا في خواتيم هذا التدافع حيث ظهور الصلاح على الفساد، والى حين وصولنا إلى هذه اللحظة فإن المسيرة طويلة وتداعياتها كثيرة وجباياتها بالقطع مؤلمة.
قوافل الشهداء..
الشهيد محمد مرسي هو واحد ممن التحقوا بقوافل الشهداء في هذه المرحلة من التدافع، لكن ما ميزه أنه تولى منصبا سياسيا واختار حزبه ومن خلفه جماعته التدافع السياسي السلمي، ليكون ما كان من نتيجة، توقعها الكثير من المحللين والدارسين لسنن التدافع في منطقتنا، بيدَّ أنَّ ما يميز الشهيد مرسي في هذه الحالة تحديدا كونه شكل الرمزية الأخلاقية لمسألتي التدافع والمغالبة، إذ وفقا لما قاله وزير العدل المصري السابق احمد مكي، للجزيرة مباشر ليلة الأربعاء الماضي، فقد رفض الرجل إسالة قطرة دم واحدة من محاصري القصر الجمهوري- وأنا انصح كل قارئ العودة لهذه المقابلة لأهميتها التاريخية في الكشف عن قوة الرجل وكياسته وعميق فهمه وحرصه على مستقبل مصر والشعب المصري- وبهذا يكون الشهيد محمد مرسي، عثمان هذه المرحلة من التاريخ، وشاهد حقِّ على أنه يمثل حزبا وجماعة ليست السلطة هدفها بل الصالح العام المصري والعربي والإسلامي، والخروج من طور الاستبداد والتخلف المرتبط بهما إلى طور الانفتاح والتعددية والنمو الحضاري.
لقد شكل مرسي بشخصيته السياسية، والتي وفقا لمقابلة مكي، تحتاج إلى رصد دقيق ممن رافقوه، ليكتب عنها المثال الذي سيؤسس لمعاني العدالة والحرية والتحرر والعيش الكريم واحترام حقوق الانسان، وتحقيق الحياة والمعيشة الكريمة للفرد المصري وللأسرة المصرية، وإذا كانت الحركات الإسلامية قد اجتهدت كلٌّ وفقا لقناعاتها في إزاحة الاستبداد والطغاة العرب ولم تنجح في هذه المرحلة، فمن المهم أن ندرك انهم قد حركوا مياه الاستبداد الراكدة منذ عدد عقود بل قرون، ومن الظلم تحميل هذه الحركات والجماعات ما لا تحتمل، ومن قاس هذه الحركات على مقاسات الرسل فقد ذهبا شططا.
في هذا السياق تحديدا، ثمة مهمة تنتظر الباحثين المنصفين في سبر أغوار هذه المرحلة، ومن وقف وراء الانقلاب، خاصة من غير العسكر ومن يدور في فلكهم، إذ معرفة التضاريس الحضارية والمدنية والأخلاقية التي رافقت الربيع العربي المصري تحديدا وما اعتروه من أحداث تمتاز أهميتها، لتأسيس قراءات موضوعية للمجتمع المصري وجدوى استعداده للمرحلة القادمة التي بات العلمانيون وخاصة الليبرالية الملحدة والفاجرة تراهن بفضل المال الخليجي والنفاق الصوفي “القبوري”-السلفي “الجامي” على تصدرها.
لماذا لم تتوقف الحملات على مرسي؟
منذ أن تولى مرسي الرئاسة وإلى هذه اللحظات لم يتوقف إعلام “البيادة المصري” ومن يدور في فلكهم من دعاة الردة السياسية المعاصرة من مختلف المشارب السياسية التي افتضح أمرها للعامة والخاصة، لم يتوقفوا في الهجوم على الشهيد مرسي ووصمه بأرذل الأوصاف السياسية والقيادية، ونعجب من تورط بعض الإسلاميين في هذه الهجمة بحسن نية أو بغيرها، وهو دالُّ على عدم استيعاب هذا الفريق من الناس الدور الذي يقوم به إعلام الطغاة والمستبدين في حَرفِ الناس عن مقاصد حياتهم العليا وجعلهم يدورون في فلك اللقمة والفرج.
ثلاثة أسباب تقف خلف هذه الحرب الشعواء: الخوف من تحوله إلى رمز للحرية والتحرر من الاستبداد والطغيان والظلم، والخوف من تحوله إلى مثال يحتذى به وبسيرته وبمواقفه ومن ثم السير وراء جماعات تطالب بالحق والعدالة والعدل والحرية والعيش الكريم، الحيلولة دون تكرار التجربة الديموقراطية التي جاءت بالإسلاميين.
أحد الاهداف المركزية للنظم الشمولية عموما وللانقلابيين في مصر تحديدا البقاء في السلطة مهما كان الثمن الذي تستجوبه هذه القضية، خاصة وان هؤلاء الانقلابيون ومن معهم من بيادات المصالح يتمتعون بحماية قوى دولية وعالمية. وأضيف إلى ذلك ثلاثة أسباب أخرى تتعلق مباشرة بإسرائيل وبالحفاظ على تقسيمات سايكس بيكو: الحفاظ أصل وجودها، واستمرار تمددها الاستعماري في المنطقة تحت لافتات سياسية مختلفة يشارك فيها أنظمة تدور في الفلك الأمريكي-الاوروبي، وبقاء احتلالها واستعمارها المباشر للشعب الفلسطيني. وبناء على ذلك قلبت هذه الأنظمة ظهر المجن للقضية الفلسطينية برمتها، وفي هذا فألُّ حسنْ.
من أجل ذلك شاركت هذه الأنظمة بإبادة شعوب سعت للتحرر من الطغاة كما في سوريا واليمن وليبيا، وسحقت جماعات كما في مصر وبلدان الخليج العربي والسعودية، فمثال مرسي هاجس يعيشه الطغاة ويبذلون المليارات للحيلولة دون تجدده وعودته، ويمدهم في هذا الغي الصليبية الدولية والصهيونية العالمية ومن يدور في فلكهم من العرب، خاصة القوى العلمانية الليبرالية وقوى الجيش والعسكر والمخابرات، إذ لا تزال مصالح القوى الاستعمارية العالمية موجودة في منطقتنا والسيطرة عليها جزء من علوها وضمان لبقاء إسرائيل الاستعمارية كوكيل للصليبية الدولية العالمية بمشروعها الكنسي الألفي.
لا تزال تصدر الأبحاث والدراسات تترا حول الانقلاب وتداعياته وتقييم سنة من حكم رئيس منتخب رفض أن يعيش في القصر الجمهوري وخالط الناس همومهم وآمالهم، سنة كانت مليئة بالأعمال والمنجزات، تماما كما كانت مليئة بالتحديات والمؤامرات، وسيأتي ذلك اليوم الذي تؤسس فيه مباحث ودراسات لما بعد الفترة المُّرسِية وما بعدها، نظير دراسات الكولونيالية وما بعدها، برسم أنها شكلت المرحلة الفارقة الأولى في تدافع الأمة العربية ومن خلفها الأمة الإسلامية مع زُمَرِ الطغاة وجيوشهم ومن يدور في فلكهم من إعلام القذارة، ففي الزمن السائل يكون زخم الاحداث والمعلومات والمعطيات هائلا يحتاج رصده وتحليله وإخراج القمح من كثير الزوان إلى جهود جبارة، ويكون من المهمات العِظام، لكنه مهم لفهم تلكم اللحظات ولفهم الحاضر والمستقبل وتحديد البوصلة اتجاه المستقبل، فمن ملك ناصية تحليل تاريخه بإنصاف وموضوعية ملكَ سُبل قراءة راهنه السياسي والاجتماعي، كما ملك رؤية واضحة المعالم للمستقبل، وواضح أن الطغمة العلمانية المصرية كان همها الأساس أن لا يستمر حكم رجل إسلامي يملك من أدوات العلم ما لا يملكه كثير من الرؤساء، ويملك من الشجاعة أن يضع النقاط على الحروف مع دول عظمى كالولايات المتحدة وملك الجرأة أن يوقف إسرائيل في حربها على القطاع، ويهدد بشار الأسد لوقف مجازره، حقدها على الاسلام تجلى في الانقلاب والمذابح الذي تلته.
إنهم قومُّ لا ييأسون..
الباطل ممثلا بدول الردة والدولة العميقة لا ييأس، فهو في سعي دائم للحفاظ على منجزاته ومكتسباته، ومن ثمّ فهو دائم التفكير في كيفية ديمومته على السلطة والدوس على رقاب العبادْ، وملفت للنظر أنه منذ الانقلاب العسكري في مصر وما تلاه من تداعيات سياسية -عسكرية في المنطقة، تتعزز مكانة هذه النظم الفاشية بوسيلتين: وسيلة الإغراء والتفكيك والتفتيت، ووسيلة البطش والتنكيل والمؤامرات وقد باتت هذه الأنظمة تستعين بجموع من العلمانيين وجموع من العلماء المحسوبين على التيار الصوفي القبوري والتيار السلفي الجامي، ليشترك العلماني والملحد ورجال الدين والقوميين الناصريين بمنع الشعوب من التحرر وبحرب إبادة على الجماعات الاسلامية (أنظر فتاوى الصوفي القبوري علي جمعة بشأن الاخوان وفتاوى علماء السلفية الجامية بشأن الإخوان وفتاوى الملاحدة المصريين والليبراليين كذلك بشأن الإخوان).
سأتناول بعضا من معالم الوسيلة الأولى باعتبارها بُعدا ثاويا من تلكم الابعاد التي ظهرت بعد الانقلاب في مصر، وتعاظم ظهورها عن قصد وسوء نية مبيتة للامة العربية، باعتبارها أداة من أدوات إعادة السيطرة على الشعوب التي تململت ووجدت فرصتها التاريخية تتجلى في شخص الشهيد محمد مرسي، أقول بشخصه باعتباره ابنا للطبقات المسحوقة من جهة، وممثلا لتطلعاتها من جهة أخرى، وباعتباره قادم من الريف المصري المُحافظ وباعتباره الشخص الجامع بين الأصالة والتجديد من غير إفراط ولا تفريط.
هذا البعد يتمظهر بالحرب الشعواء على الدين وبمحاولة إظهار وإبراز نفور الأجيال الشابة عن الدين والتدين والتقاليد والقيم المُحَافِظة مفتحة لهؤلاء الابواب والمصارع في أجهزة الاعلام وصفحات التواصل الاجتماعي خاصة في ظل الثورة الرقمية.
تتجلى هذه الهجمة عبر آلاف المواقع والمنتديات وصفحات التواصل ومراكز الابحاث والمعاهد، حيث يتم إظهار هذه القضايا كتحولات جارية متسارعة في هذا الزمن الرقمي، برسم أن ما حدث في مصر من انقلاب وما تبعه من تداعيات مأساوية في سوريا واليمن وليبيا، هو بسبب المجموعات المتدينة التي أخذت البلاد شططا وأوردتها المهالك التي يعيشون، فالمتدينون يتحملون وحدهم مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلدان التي ذكرت وفي مقدمتها مصر، وليس الانقلابيون ومن معهم وقد رافق هذه الموجة من الحرب على الدين، موجة من الإلحاد العلني وقد هلل لها عديد الفضائيات العربية ونفخ في كيرها عديد الاعلاميين تحت مسمى التعددية والانفتاح، والتحولات الجارية بين الشباب، ويلاحظ كل متابع لهذه الموجة أنها ركزت على قضية المرأة وتحررها من كل قيد ووصم الإسلام بالتخلف والحرب على المقدس الأساس فيه: الالوهية، القرآن، السنة والرسول صلى الله عليه وسلم.
هذه الموجة الإلحادية المدعومة عالميا، واجهتها مجموعات إسلامية دفعتها لئن تَخنِس تارة وتتقوى بالدولة الفاشية تارة أخرى وتتصدع اركانها بفضل غثائيتها.
هذه المجموعات بعدئذ تكشفت حقيقتها يوما بعد يوم، تذبل شيئا فشيئا وقد كان لاستشهاد مرسي دورا كبيرا في افتضاحها بعدئذ نادت بإبادة الإخوان المسلمين، ونادت بالتحلل والهوس الجنسي، وتعتبر شهادة الليبرالية أميرة طاهر التي عاشت مع هذه المجموعات الدليل الحي على تراجع وافتضاح امر هذه المجموعات ففي مقالة كتبتها لعربي بوست في 3/12/2018 تحت عنوان “لماذا فشل علمانيو مصر في تقديم مشروع بديل للمشروع الإسلامي؟” ولأنَّ المقالة طويلة اقتطف منها بعضا يكشف حقيقة الملاحدة: ” ….بدأت أرى بأمّ عيني المستوى الثقافي الضحل لهؤلاء الأفراد، وتفكك وتشرذم رؤاهم، وكونهم لا يحملون مشروعاً حقيقياً للمجتمع ولا حلولاً ﻷي مشكلة، فماذا بعد العلمانية؟ ماذا بعد تفريغ الصدور من العقيدة؟ لا شيء. الليبرالية عندهم تتلخص في إقناع النساء بخلع الحجاب وارتداء الفساتين القصيرة والمشاعية الجنسية، دون الاهتمام بليبرالية الاقتصاد وتحريره من تسلط الحكومة، ودون الاهتمام بجوانب حياتهن المادية الملموسة من تعليم وعمل ومساواة في الفرص والأجور، ولا بقضايا الزواج والطلاق والحضانة، فهذه القضايا ليست جذابة ولا تلفت الانتباه. أكثر ما أتذكره من تلك الفترة كان ناشطة سورية اسمها رندة، ولا أذكر لقبها، كتبت تدوينة بعنوان “لماذا أنا ملحدة”، وتدوينة أخرى بعنوان “اليوم العالمي لفض غشاء البكارة”، متجاهلة أن المشاعية الجنسية هي بوابة اضمحلال كل حضارة، وفي الدول الاستهلاكية والنامية تنتهي بالنساء إلى الدعارة، بفعل انغلاق السوق وقلة فرص العمل الشريف. كان مستواهم الفلسفي ضعيفاً للغاية، وكتاباتهم ضحلة ولا يرقى معظمها لمقال في جريدة صفراء، ورأيت بنفسي كيف يبترون الأفكار الاجتماعية والفنية المُستقاة من تجارب الغرب من سياقها الزمني والتاريخي هناك، ومحاولة تطبيقها عنوة على مجتمعنا الذي لم يمر بنفس الصراعات اللاهوتية التنويرية والثورات البلشفية والحروب النازية الفاشية والحرب الباردة، وينطلق من منطلقات ثقافية مغايرة تماماً، بحثاً عن بعض الشهرة الرخيصة تحت ادعاء التجديد والتنوير، وركزوا كل اهتمامهم على المرأة وتجاهلوا قضايا الماسكولانية ( الماسكولانية تعني الرجولية/ الذكورية، سيطرة الرجل) تماماً، ركّزوا على تعرية جسد المرأة وتسليعه للمشاع بدلاً من “سجن الزواج” والحصرية، لدرجة ارتفاع الأصوات مطالبة بعودة بيوت البغاء”…. هكذا يكون الشهيد مرسي قد عرى بعد مماته هذه المجموعات التي تريد تدمير الأمة وكشفت عن مواقفها دون مواربة من الدين والمجتمع والحياة ليتأسس واقع مستجد يتخلص من القاذورات التي علقت به ويتقدم نحو تحرير الارض والانسان وتجديد العمران.
سيذكر التاريخ أن دم عثمان هذا العصر لم يذهب هدرا، وأن كل نقطة من دمه الزكية شكلت محورا من محاور هدم اللات المعاصرة وكل أصنام وأوثان الفاشية العربية المعاصرة على اختلاف مشاربها وعقائدها، ومهدت الطريق نحو التحرير والتحرر وتحقيق العدالة والحق والحرية والمساواة، ونحو الخروج من شرنقة الاستبداد والشمولية إلى فضاءات التعددية السياسية والأيديولوجية.
الشهيد محمد مرسي العياط ومعه الآلاف من قوافل شهداء الربيع العربي من مدنيين وغير مدنيين، هم جسر العبور نحو الحرية والخلاص من العبودية لتحقيق العالمية الاسلامية الثانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى