أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

“مرسي” و”برلمان الثورة”.. ومضة من التاريخ!

محمد جمال حشمت- نائب في البرلمان المصري قبل الانقلاب
لا شك أن ارتباط برلمان ما بعد ثورة يناير 2011 بالثورة وما تلاها من أحداث تمت قبل انقلاب العسكر في تموز/ يوليو عام 2013 لهو تعبير صادق عن الآمال التي عُقدت من أجل مستقبل أفضل لمصر وحياة أكرم لشعبها ورغبة شعبية منقطعة النظير لإحداث تغيير حقيقي في مصر بعد دهور من الظلم، والاستبداد، وغياب كرامة الإنسان المصري، والتفريط في ثوابت وثروات الوطن.
كذلك كانت الانتخابات الرئاسية تحمل مساحة كبيرة من الحريات من حيث الترشيح والدعاية والتصويت والفرز والنتيجة رغم ما شاب تلك المراحل من تدخلات كانت بصفة أساسية من قيادات العسكر الذين اختل توازنهم لفترة من تسارع الأحداث التي لم يكن أحد يحلم بحدوثها في مصر.
فكما كان انتخاب الرئيس الشهيد بإذن الله محمد مرسي مفاجأة وتعبيرا عن التغيير كان برلمان الثورة أيضا مُعبّرا عن هذا التغيير الذي اتخذ شكل سوابق برلمانية لم يمر بها البرلمان المصري في تاريخه منذ نشأته!
عند انعقاد مجلس الشعب، الذي لم يستمر سوى 6 أشهر قبل حله بقرار من سلطة استثنائية، وقبيل إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة، إلا أنه قدم سوابق برلمانية في الإجراءات لم تحدث من قبل، وقد كنت مراقبا وشريكا في حياة برلمانية منذ عام 1990 حتى دخلت البرلمان في 2000 وأُخرجت منه بمؤامرة حكومية أشرفت عليها وزارة الداخلية بشكل مباشر بعد عامين من النشاط، وكذلك تم تزوير الانتخابات بشكل فج في 2005 تحت إشراف مؤسسة الرئاسة وقتها ثم كنت عضوا مُنتخبا في انتخابات برلمان الثورة عام 2011 في مجلس الشعب ثم عضوا مُعيّنا في مجلس الشورى عام 2012 بعد أن حل العسكر مجلس الشعب، واستطيع أن أقرر أن هناك سوابق لم تكن لتحدث تحت قبة البرلمان لولا ثورة يناير منها: حضور وزراء الوزارات السيادية التي لم يكن أحد منهم يحضر جلسات البرلمان، إلا لو كان هناك مخطط مطلوب تنفيذه في الجلسة. ومنها رفض الموازنة التي تقدمت بها الحكومة بشكل علني، وطلب استقالة رئيس الوزراء الذي أعقبه التهديد بالحل ثم الحل. ومنها منح المعارضة مساحة في الحوار الدائر لم تتح في مجالس “مبارك” التي عشتها ولا من قبله حتى اشتكى أعضاء الأغلبية من اقتطاع حقهم لصالح المعارضة.
وقد تبخر ذلك كله وغيرها الكثير الكثير، بعد الانقلاب ووجدنا أن كل اهتمام برلمان الانقلاب – الذي تم اختيار أعضائه بمعرفة المخابرات الحربية والأمن الوطني – هو السعي لتمكين الانقلابيين من السيطرة على مفاصل البلاد وقهر العباد وبيع أرض الدولة والتفريط في ثروات البلاد، كما حدث من تيران وصنافير وأرض مشروع نيوم وسيناء ورفح والغاز وأخيرا نهر النيل.
فشتان بين رئيس مُنتخب بإرادة شعبية ينشغل بحماية شعبه والحفاظ على كرامتهم والعمل على رفع قدرتهم لمقاومة الفقر والتهميش الذي عاشه المصريين منذ عشرات، بل مئات السنين، وبين رئيس يدعم نفسه وحاشيته!
لقد كان للرئيس مرسي موقفا واضحا من الفساد والاستبداد، وحاول جاهدا بذل الجهد لضبط الأمن مع وزارة للداخلية صرّح ضباطها أنهم في إجازة لمدة أربع سنوات، ورغم ذلك اجتهد كثيرا في محاولة لضبط التهريب من المواد البترولية والتموينية والمواد المخدرة وحالات الاختطاف.
كما حاول الرئيس من خلال زياراته المتعددة أن ينفتح على العالم، ويحفظ لمصر مكانتها وسط الأمم ويؤمن مستقبل أفضل لوطنه وشعبه باتفاقات واستثمارات ضخمة فزار السعودية واتفق معها على خط ائتمان لتمويل الصادرات غير السعودية لمصر بقيم 750 مليون دولار واتفاقية لتمويل 3 مشروعات في مجال الصوامع، وتجديد أدوات الري والشرب بقيمة 230 مليون، لكن حكامها فضلوا دفع المليارات للإطاحة بالدكتور مرسي فيما بعد!.
الحقيقة أن الكلام عن المجهود الذي بُذل في مصر بعد الثورة من كافة القوى المحبة لمصر والمشاركة في الثورة وما بعدها من مؤسسات، وفي مقدمة ذلك البرلمان والرئاسة ليحتاج إلى مجلدات تذكر وتحلل وتقيم، ولا يستطيع أحد أن يدعي بأن كل ما تم كان هو الأمثل، لكنه كان اجتهاد من تصدر وعجز نتيجة التخاذل ورفض مد يد العون من القوى السياسية ونظام بيروقراطي عميق رسخه العسكر طوال أكثر من 65 عاما، لقد كانت محاولة وسعى صادق لتستطيع مصر أن تتجاوز هذه المرحلة الصعبة من التحول الديمقراطي في هذا الوقت.
لقد اجتهد الرئيس مرسى ومَن حوله ومَن شاركه في ترسيخ هذه التغيرات الجذرية على أرض مصر. ربما كان هناك تقصير في التصور أو الأداء، لكنه ومَن معه أبدا لم يخونوا أو يفرطوا أو يستسلموا لعدو داخلي أو خارجي، بل لقد دفع ثمن صموده ورفضه التسليم للخونة الذين أعانوا مغتصب السلطة في مصر ومَن معه ودفع حياته ثمنا لذلك.
سيبقى الدكتور محمد مرسي -رحمه الله وغفر له وتقبله في الشهداء والصالحين -رمزا لأمل المصريين في حياة كريمة، سيظل أيقونة الكفاح والصمود أمام المفسدين، وسيبقى أروع وأنقى وأعظم من تولى إدارة مصر خلقا وعلما وسلوكا ورغبة في الإصلاح الحقيقي. وقد شعرت الملايين بذلك لكن بعد أن فقدناه ولعل هذا الشعور يستمر في التنامي حتى يحين وقت نفهم فيه معاني كلماته في الخطاب الأخير، وهو يحذر من سرقة الثورة والتفريط في الشرعية والحفاظ على أبناء وبنات مصر الذين هم مستقبل هذه البلاد إن شاء الله.
رحم الله فقيد مصر والأمة وغفر له ورزقه جنات النعيم، وألهم أهله ومحبيه الثبات والصبر، وجمعنا به في مستقر رحمته غير مفرطين ولا مستسلمين اللهم آمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى