كان يا ما كان.. في ذكرى استشهاد السيد الرئيس محمد مرسي
الشيخ كمال خطيب
يوم الأربعاء القريب 17/6/2020 ستكون الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الدكتور محمد مرسي، الرئيس الشرعي المنتخب لجمهورية مصر العربية، والذي مات في جلسة المحكمة وأمام القاضي الذي كان يتولى كبر محاكمته وهو المسجون منذ انقلاب 3/7/2013، والذي قام به الدموي ناقض العهد وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي، فكانت هذه الزفرات:
كان يا ما كان، في قديم الزمان، حكام مصر، يلقبون بالفرعون، أشهرهم توت عنخ أمون، وقد حكموا مصر آلاف السنين، كانوا قساة طغاة جبارين، أذلّوا الشعب بالعبودية، وحكموهم بمنطق الألوهية، ما لكم غيري إلٰه، فلتخضع الرقاب ولتسجد الجباه، رغم مضي آلاف السنين، وأصبح ذكرهم من الغابرين، ورغم أن مصر دانت بالمسيحية، وبعدها أصبحت مصر إسلامية، لكن الفرعونية، لم تكن حقبة تاريخية، وإنما هي مرض ووباء، كلّما قيل شُفينا رجع وعمّ البلاء.
قرأنا هذا عن شاور والفاطميين، وعن محمد علي وسلالة الألبانيين، ومثلهم كان جمال عبد الناصر، ما خاض معركة إلا كان هو الخاسر، وكذلك كان السادات، كانت في زمنه أشهر الخيانات، وبعد مقتله جاء حسني مبارك، صديق إسرائيل الهالك، وكل واحد من هؤلاء، كان أشدّ ظلمًا وسفكًا للدماء، فكانت تنتقل إليهم عدوى الفرعونية، ويكون الشعب هو الضحية، مرة باسم الأسرة العليّة، ومرة باسم القومية العربية، والشعب في ذلّ وجوع، وما عليه إلا الخنوع، مرة للروس عملاء، ومرة لأمريكا أذلاء، ضيّعوا غزة وسيناء، وأعلنوا الحرب على أهل الدين والشرفاء.
وتحت طائلة القهر والجوع، وسفك الدماء وسيل الدموع، ومع القمع وانعدام الحريات، لم تجد نفعًا، المطالب والتوسلات، حتى كانت نهاية العام ألفين وعشرة، وإذا بها أخبار الثورة، من تونس تأتي البشائر، بعد حرق بوعزيزي أول ثائر، إنها تونس الخضراء، تجري في شوارعها الدماء، فما كان يوم 14 يناير، إلّا وزين العابدين في السماء حائر، إلى أين يا ترى أطير، كيف سيكون المصير، وإلى مصر وصلت نسائم الربيع، وإلى الشوارع خرجت الجموع، الشعب يريد إسقاط النظام، إنه مختصر الكلام، ورغم الجيش والمخابرات، ورغم البنادق والدبابات، دهس وقتل، اعتقال وسحل، لكنها الجموع مثل الطوفان، تجمّعت في الميدان، إنه ميدان التحرير، فيه سنقرر المصير.
ومن كل الأحزاب والحركات، والطوائف والديانات، إنه نفس المطلب، على مبارك أن يذهب، في الميدان صلّوا وقاموا، وفيه استيقظوا وناموا، وظلّ مبارك على أمل، خاصة ليلة معركة الجمل، يوم نزل إلى الشوارع البلطجية، دفاعًا عن مبارك والحرامية، فعلوا بالناس الأفاعيل، وتحرك الإعلام للتضليل، لكن الشباب الثائر، ظلّ صامدًا وصابرًا، ومضت ليالي وأيام، وكأن ما يجري أضغاث أحلام، وقد حاول عمرو سليمان، وزير المخابرات الخوّان، أن يلعب لعبة حقيرة لكن حبالها كانت قصيرة، وكان يوم 11 فبراير، فيه انتصر الشعب الثائر، وخُلع حسني مبارك، ومضى إلى أسفل المدارك، وحزن عليه الإسرائيليون، ومما سيجري في مصر متخوّفون.
ومضت أشهر عديدة، والجيش يتولى القيادة، ثم أعلنت انتخابات للبرلمان، ففاز وتقدم فيها الإخوان، ثم كانت جولة لانتخاب الرئيس، تحالف فيها جنود إبليس، والعالم كله يترقب، من مشرقه إلى المغرب، فاز فيها محمد مرسي بالأكثرية، متقدمًا على أحمد شفيق من رموز البلطجية.
لم يكد أحد يصدق، أن أحلام الثورة تتحقق، واختار الشعب رئيسه، فلا انقلاب ولا وراثة، إنه الرئيس المؤمن الأمين، من جماعة الإخوان المسلمين، وما هي إلا مدة وجيزة، إلّا وحرب على غزة، أرض البطولة والعزة، قامت بها إسرائيل، تفعل ببطشتها الأفاعيل.

وفي أرض الشام، كانت الثورة تطالب برحيل النظام، فكانت مواقفه الجريئة، لن نسكت عن الجرائم الدنيئة، وإلى غزة أرسل رئيس الوزراء، وبكل شموخ وإباء، وفتح الحدود والمعابر، لكل داخل ومغادر، وكان يتمنى ويقول، سنصلي في مسرى الرسول، ووقف إلى جانب أهل سوريا الأبرار، ضد القاتل المجرم بشار، كل هذا والعالم يتطلع، كيف سيخطط ويصنع، إنها مصر الجديدة، بقيادتها الرشيدة، أمريكا في ذهول، قلقة على إسرائيل، وإسرائيل تضرب أخماسًا بأسداس، محمد مرسي حليفٌ لحماس، وجن جنون آل سعود، ليس أقل من جنون اليهود، وتظافرت الخطط والجهود، كي ترجع مصر إلى الماضي وتعود.
ولم تكتمل سنة واحدة 3/7/2013 إلّا ومؤامرة متكاملة الأركان، ليفشلوا مرسي في الامتحان، قتلوا الجنود في رمضان، وقالوا إن القتلة من داعش أو حماس، وبدأت تحتبس الأنفاس، افتعلوا أزمة الغاز والبنزين، والخبز ومواد التموين، ليجعلوا الشعب المسكين، يثور على حكم الإخوان المسلمين، وتطاول على السيد الرئيس، كل صحفي خسيس، من أحمد موسى حتى لميس “الحديدي”، ومع أنهم الثعالب والأعداء، إلًا أنه كان يتعامل معهم كالأبناء.
وخلال هذا الصخب، أصبحت ترى مصر العجب، أدعياء القومية، يتحالفون مع البلطجية، وتحركت المخابرات العالمية، وبتمويل الإمارات والسعودية، ولمعرفتهم بذلك الخسيس، الذي نصّبه الرئيس، وزيرًا للدفاع، وإن كان من سقط المتاع، نسي أنه قد أقسم على القرآن، ألّا يكون ناكثًا ولا خوّان، ولأنه حاقد على الإخوان، فإن عكس ما أقسم عليه كان.
وسيّروا المظاهرات والحشود، في ذلك اليوم الموعود “30/6″، وطالبوا الرئيس أن يرحل، وعن موقعه يتنازل، وبينما الرئيس الصادق، لا يماري ولا ينافق، يحذّر من سرقة الثورة، فتدور على مصر الدائرة، زعموا أنهم ثلاثين مليونًا، بإسقاط الرئيس يطالبون، مقدموا البرامج والمخرجون، الممثلون والرقّاصون، الحثالات والتافهون، العلمانيون والسلفيون.
وجاءت ليلة الثالث من تموز،”3/7″، وفي اجتماع أعدّ بعناية، كان مشهد الحضور يلخص الحكاية، بابا الكنيسة وشيخ الأزهر، ظهير أيمن وظهير أيسر، وأعلن السيسي الانقلاب، وأقسم برب الأرباب، إنه بالرئاسة غير طامع، وعن مصالح مصر سيدافع، واعتقل الغادرون الرئيس، اللواء محمد أحمد زكي الخسيس، قائد الحرس الجمهوري، تنفيذًا لأوامر السيسي، وبدأ حملة الاعتقالات، حملات تتلوها حملات، مستشارون ووزراء، قيادات وعلماء، فالقائمة معدّة بعناية، من البداية إلى النهاية.
وهاجم البلطجية المقرّات، ونهبوا المراكز والمستشفيات، أحرقوا دور الإخوان، وحتى مراكز تحفيظ القرآن، اعتدوا على الأملاك والحرمات، إنه فعل البلطجية والعصابات.
واعتصمت جموع المصريين، في الشوارع والميادين، في ميدان النهضة ورابعة، ترفض الإنقلاب وتعلن المبايعة، وكان شهر رمضان شهر الصيام والقرآن، وامتلأ الميدان بالجموع، وعن عودة مرسي لا رجوع، وأصبحت ليالي رابعة مشهودة، العيون تدمع والأيادي إلى السماء ممدودة، والكل ينادي ويجهر، فليسقط حكم العسكر.
وما انقضت أيام العيد، وبدأ التهديد والوعيد، “وجاء يوم 14/8/2013″، إنه يوم المجزرة والمحرقة، في ميدان وجامع رابعة، قنص وقتل، ضرب وسحل، جرافات ونيران، في كل أرجاء الميدان، صراخ وعويل، جراح وتقتيل، من الأسطح والطائرات، بنادق ورشاشات، شيوخ وأطفال، نساء ورجال، وكل هذا بالبث المباشر، بأمر المجرم الغادر، وبعد أن ارتكبوا المجزرة، ولا يُنسى مشهد المجنزرة، تجرف الجثث المتفحمة، في يوم الملحمة، فذهبوا إلى المسجد، ليس فيه الراكع ولا الساجد، وإنما فيه الجريح والشهيد، والشيخ والقعيد، فأشعلوا في المسجد النار، يا للخزي ويا للعار، لا يشبه محرقة رابعة بالإخوان، إلا محرقة اليهود على أيدي الألمان، تلك النازية الهتلرية، وهذه الدموية السيساويه، وامتلأت بالشهداء المقابر، وازدحمت السجون والعنابر، آلاف الشهداء، وعشرات آلاف الشرفاء، عذاب وزنازين، لجماعة الإخوان المسلمين، ومن معهم من المصريين، الشرفاء الوطنيين، وتخرج الفتاوى والبيانات، من الأحزاب والجماعات، برهامي وعلي جمعة وعمرو خالد، يباركون جريمة الأخ القائد.
وأعلن السّفاح عن انتخابات، صدّقها التافهون والإمّعات، بل وشارك فيها من كانوا يومًا قيادات، أعطوا للسيسي شرعية، باسم الحرية والديمقراطية، وإذا بهم خلف القضبان، أبو الفتوح وسامي عنان، وصدق المصطفى العدنان، كما تدين تدان.
وخلال هذا كان المصريون، على الخوف والقلق يعيشون، في السجون وفي الخارج مهجّرون، وآل سعود للرز يدفعون، لدعم الانقلابي الفرعون، بينما الرئيس مرسي في الزنازين، يُمنع عنه الأطباء والمحامين، ومع أنه كان يعاني الضغط والسكر، ولم يشفق على حاله العسكر، تهم باطلة، وافتراءات سافلة، مرة بالاختلاس، ومرة بالتخابر مع حماس، وكان مؤلمًا إلى حد الغثيان، أن يحاكمه قاضي الصبيان، يوجه إليه الاتهامات، ويستدل على كلامه بالآيات، ولم يكن يعرف ذلك الجاهل، أن الرئيس للقرآن حامل، وأنه يحفظ عن ظهر غيب، بلا تلعثم ولا ريب، فكان صوته كالأسد يدوّي، أنا الرئيس الشرعي.
ست سنوات انقضت، ومن عمر الرئيس مضت، حُرم المصريون من فضله، ومن إخلاصه وعدله، بينما السيسي يفتري ويكذب، ويلاحق الشعب ويعذّب، حتى كان عصر ذلك اليوم الحزين، بكت فيه الملايين، إنه يوم 17 حزيران، يوم الدموع والأحزان، يوم جاء الخبر العاجل، على الشاشات ومواقع التواصل، محمد مرسي مات، محمد مرسي مات.
وقع الخبر مثل البركان، هزّ الأركان والوجدان، الكل في ذهول، هل الخبر معقول، حتى خرج الإعلان الرسمي، نعم لقد مات مرسي، فبين الحزن والدموع، والبكاء والخشوع، على فقدان بطل، كان للأمة أمل، لم يبك على مرسي المصريون، بل كل العرب والمسلمون، وخاصة السوريون والفلسطينيون، وزاد من الأسى والألم، ذلك القرار الظالم، أن لا تكون للرئيس جنازة رسمية، ولا حتى شعبية، وأن يدفن في العتمة، بلا أقارب ولا صحبة، ولم يشيّعه إلا الزوجة والأبناء، ويحيط بهم الجنود الجبناء، لا بأس ولا حَزَن، فمثله شيّع البنّا حسن، وكذلك المرشد الحاصف، محمد مهدي عاكف، صبرًا صبرًا معشر الإخوان، إنها الطريق إلى الجنان.
لم يصلّ على مرسي أبناء دعوته، ولا أقاربه وأهل قريته، وإنما صلى عليه أهل الدين والإيمان، من الشيشان وحتى كيب تاون، ومن شرق الأرض إلى المغرب، إنها صلاة الغائب على أغلى الحبايب، على الرئيس العفيف، صلّوا في الأقصى الشريف، وإذا كانت لمرسي الدعوات، فإنها على السيسي اللعنات، في الحياة وبعد الممات، أن يجعله الله عبرة وآية، وأن يصبح الموت عنده غاية، يتمناه فلا يجده، يتمنى لو أن أمه لم تلده.
لم تمض إلا أسابيع قليلة، على تلك الحادثة الجليلة، فبعد موت الوالد، وإذا به يموت الولد، لم تجفّ من الحاجّة نجلاء الدموع، إلا والموت يرجع بخشوع، ليأخذ الإبن عبد الله، ويلحق الإبن أباه، صبرًا آل مرسي، رغم البلاء والمآسي، صبرًا ففي الجنة الميعاد، في ضيافة رب العباد.
ويأبى الله إلا أن يفضح عبد اسرائيل، فبعد موت مرسي بقليل، يموت حسني مبارك، فينعيه بلحة وفي الجنازة يشارك، جنازة عسكرية، رسمية وشعبية، وينعيه حكام إسرائيل، فهو الخادم والعميل.
إذا كان مرسي قد رحل، ومات ميتة البطل، فإنها الثقة واليقين، بالله رب العالمين، أن بركان الغضب قادم، وأن الشعب لن يساوم، فلا بد للثورة أن تعود، والحق بمصر أن يسود، إنها مصر الكنانة، لن تخون الأمانة، وإذا كان أردوغان الرئيس، لم ينس عدنان مندريس، الرئيس الذي أعدمه العسكر، لأنه أعاد الأذان وكّبر، فأقام له صرحًا ومسجد، ليرفع ذكره ويمجّد.
لا لن يطول الزمان، وتغيب عن مصر الغربان، وتغني في مصر البلابل، ويزهر الروض وتتمايل السنابل، وستعود إلى مصر العدالة، بعد الظلم والسفالة، ويأتي من لمرسي ينتصر، وبسيرة مرسي يفتخر، وسيقود مصر الشرفاء، الأبطال الأوفياء.
وفي ميدان التحرير، سيدوّي ويعلو التكبير، إنهم أبناء دعوتك، أبناء شعبك، إياك ينادون، وباسمك يهتفون، أرقد قرير العين يا أبا أحمد، فقد عدنا والعود أحمد.
وإن غدًا لناظره قريب…
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا…
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون



