أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأدب ولغةمحليات

اللجون.. استعصت على الاحتلال وقاومت وهي محاصرة

ساهر غزاوي
وضعت العصابات الصهيونية قرية اللجون نُصب أعينها، وكانت هدفا للواء “غولاني” تحديدا الذي هاجم الجيوب التي فاتت الأولية الأخرى، أو التي كانت لم تحتل ولم تتعرض للتطهير العرقي في العملية التي جرت في منطقة حيفا في شباط/ فبراير بعد لسبب أو لأخر. وكان هدف هذا اللواء السيطرة على المساحة ما بين اللجون وأم الزينات تعني أن الناحية الغربية لمرج ابن عامر ووداي الملح، وهو الوادي الذي يفضي إلى المرج انطلاقا من الطريق الساحلي، أصبحت كلها في أيد يهودية. ففي يوم 30 أيار/ مايو 1948 دمرت القرية على يد العصابات الصهيونية المسلحة، وارتقى منها 21 شهيداً دفاعاً عن قريتهم وتم تهجير سكانها، واستقر معظمهم في أم الفحم لقربها. ولم يتبق من القرية، اليوم، سوى القليل من آثارها. وفي العام 1949 أنشأت الحكومة الإسرائيلية فوق أراضيها كيبوتس “مجيدو”.
تقع قرية اللجون التي هي من قرى أم الفحم، وكانت تتبع لمحافظة جنين، في الطرف الجنوبي الغربي من مرج بن عامر، وكيلومترا واحدا جنوب ما تبقى من المدينة الكنعانية مجيدو، وترتفع 165 مترا عن سطح البحر. سميت بهذا الاسم نسبة لمعسكر فيلق روماني أقيم في موقع القرية، وأطلق عليه اسم “ليغيو”. وللقرية تاريخ حافل حيث أقيمت كمعسكر للجيش الروماني في القرن الثاني للميلاد، وعرفت باسم (ليجو) من ليجون أيفيلق. وتحولت خلال القرن الثالث للميلاد إلى مدينة وحملت اسم “مكسيمان” أو مكسيميانوبوليس، وبقيت حاملة هذا الاسم خلال الفترة البيزنطية. كما حملت اسم “كفار عُتناي” لكونها حداً فاصلاً بين منطقتي السامرة والجليل، ولاحقا اعتبرت حداً فاصلاً بين جُندي فلسطين والأردن في فترة الحكم الإسلامي.
كانت اللجون أثناء الحكم العباسي عاصمة لمنطقة فرعية وصغيرة، وقعت في اللجون عدة معارك ومواجهات على مر التاريخ كان من أشهرها تلك التي وقعت بين الحمدانيين والإخشيديين في سنة 945م. ووقعت اللجون بيد الفرنجة أثناء حملاتهم على فلسطين وباقي المناطق المحيطة، وتمكن صلاح الدين الأيوبي من استرجاعها في 1187م. وإبان الحكم المملوكي كانت بمثابة محطة مهمة على الطريق البريدي، وخلال الحكم العثماني كانت عاصمة للمنطقة التي كانت تحمل اسمها. بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، خضعت اللجون وكل فلسطين تحت إدارة الانتداب البريطاني.
وورد ذكر اللجون في مؤلفات الرحالة والجغرافيين المسلمين أمثال ابن فقيه (903م)، والمقدسي (985م). كتب ابن فقيه عنها: “ومدينة اللجون فيها صخرة عظيمة مدورة خارج المدينة. وعلى الصخرة زعموا أنها مسجد إبراهيم، يخرج من تحت الصخرة ماء كثير، وذكروا أن إبراهيم ضرب بعصاه هذه الصخرة فخرج منها ماء يتسع فيه أهل المدينة ورساتيقهم إلى يومنا هذا” وأشار إليها المقدسي في كتابه “أحسن التقاسيم” لأنها مدينة على رأس حد فلسطين في الجباب. وبأنها مدينة واسعة ورحبة وفيها ينابيع عذبة للغاية.
أما صاحب موسوعة (بلادنا فلسطين)، مصطفى الدباغ فقد ذكر أن قرية اللجون تكثر فيها الينابيع الجارية والعيون حيث يستقي منها الناس ويروون بساتينهم ومزروعاتهم من مياهها. ومن هذه العيون “عين خليل” في “الخربة التحتا” وبالقرب منها “عين الست ليلى” وغيرها. كما أن أراضي هذه القرية هي قسم من أراضي قرية أم الفحم التي كان ينزلها سكانها في المواسم الزراعية، وبعد الانتهاء منها كان المزارعون يعودون إلى منازلهم في أم الفحم، الا أنهم اضطروا بعدئذ للإقامة في اللجون لكثرة مزروعاتهم وغلاتهم فيها. وقد كان عددهم في سنة 1922م 417 شخاً بلغوا في عام 1931م (857) شخصاً-مسلمون يهوديان و26 مسيحيا. وفي نهاية عام 1940 قُدروا بـ (1103) أشخاص وهم من أم الفحم.
تأسست في اللجون مدرسة للحكومة في 11-12-1937 ضمت في 1-7-1944 (83) طالبا يعلمهم معلمان. وفيها 180 رجلاً يلمون بالقراءة والكتابة. وكان في القرية مسجدين، مسجد إبراهيم الخليل أنشأه حسن السعد وهو من وجهاء أم الفحم. أقامه على نفقته الخاصة في موقع يعرف بـ “خربة ظهر الدار”. ويعرف المسجد أيضا باسم “مسجد دار الخليل أبو إبراهيم”. ومسجد المحاميد: أقامته حمولة المحاميد في الخربة القبلية. وهو مبني من الحجارة البيض. ومقام ست ليلى، وهو قائم في عقد. واعتبرها أهالي القرية مجاهدة. وأطلق اسمها على عين الماء (عين الست ليلى) قرب طاحونة دار الحداد. ومقبرة القرية وتقع في قطعة أرض. ومركز رعاية صحية وسوق طواحين صغيرة لخدمة أهالي القرية والقرى القريبة، ومدرسة وست طواحين للحبوب وعدة دكاكين وشركة باصات حملت اسم “شركة باصات اللجون”. وامتلك مؤسسو الشركة سبعة باصات. ووفرت هذه الشركة خدمات نقل لأهالي القرية باتجاه أم الفحم وجنين وحيفا واستفاد أهالي قرى مجاورة من الشركة وخدماتها. واعتمد الأهالي في معيشتهم على زراعة الحبوب وشجر الزيتون والحمضيات والمواشي.
ومن عائلات اللجون: محاجنة ومحاميد وإغبارية وجبارين، أي العائلات ذاتها التي تقطن أم الفحم وقراها.

احتلال اللجون
نظراً لموقعها الاستراتيجي للاستفادة منه، عملت العصابات الصهيونية بشتى الوسائل للسيطرة على قرية اللجون، حيث وضعت الخطط العسكرية وجندت القوات للسيطرة عليها خلال الاشهر التي سبقت اعلان “النكبة” في 15-5-1948. واستمرت العصابات الصهيونية بتقدمها نحو قرية اللجون، ولم يمض يوم 13-4-1948، حتى قامت هذه قوات هذه العصابات ويُقدر عددها بحوالي ألف جندي بفرض طوق وحصار حول القرية محاصرة بذلك قوات القاوقجي التي لجأت اليها، وجاء “دب الصوت” إلى أم الفحم، فهب الأهالي والثوار للمساعدة والعون، ووصلوا خلف القوات اليهودية وفرضوا الطوق عليها، مما اضطرهم للانسحاب على جناح السرعة، وهكذا خلص الفحماويون قوات القاوقجي من الطوق” وخلصوا قريتهم من أول محاولة احتلال.
ومع فشل الهجوم العربي على “مشمار هعيمق” وانسحاب قوات القاوقجي والثوار العرب إلى اللجون، ومع سقوط واحتلال القرى العربية في المرج والروحة وخاصة قرى عرب التركمان وقرية الكفرين، وقفت قرية اللجون حصنا مستعصيا أمام القوات اليهودية، وتجمع فيها ثوار المنطقة بأسرهم، ومنها كانوا ينطلقون في محاولاتهم لاسترداد القرى العربية. غير أن القيادة اليهودية لم تتخل أو تتنازل عن حلمها في احتلال اللجون ذات الموقع الاستراتيجي الهام بشكل عام ومركز البوليس الذي كان قائما (ولا يزال “سجن مجيدو”) على أرض أم الفحم (ارض الجلايم) والذي يقع على مفترق طرق هام يربط بين أطراف البلاد جميعها شمالها بجنوبها وشرقها بغربها.
صمود القرية واهلها وقلة القوات اليهودية المهاجمة دعت قيادتهم إلى تأجيل الهجوم على اللجون حتى اواخر شهر ايار 1948. ومع خروج قوات القاوقجي وعدم انتشار القوات العراقية بشكل واسع، استغلت القوات الصهيونية الفرصة، وبدأت ليلة 30 أيار 1948 هجومها على القرية بقيادة الضابط الشاب “نتان ايل” (هيرشكوبتس) (21عاما) بعد أن حاصرتها من ثلاث جهات مبقية على الجهة المشرفة على قرية زلفة المجاورة مفتوحة بهدف دفع الاهالي الى الهرب منها باتجاه ام الفحم او جنين. وفي هذا السياق، ذكرت بعض المصادر أن اللجون احتلت على يد العصابات الصهيونية خلال عملية “جدعون” التي قامت بها الكتيبة الرابعة من لواء جولاني. ولم يكن احتلالها إلا بعد مقاومة شديدة من الأهالي المناضلين الفلسطينيين والعرب. وارتكب المحتلون مجزرة بحق أهالي البلدة ذهب ضحيتها 21 شهيداً، وكان هذا من أسباب ترحيل وتهجير السكان. وبعد ذلك مباشرة قامت القوات الصهيونية بهدم عدد من مباني القرية منعا من عودة الأهالي.
وبحسب ما تذكره الرواية الإسرائيلية الرسمية فإن اللجون احتلت قبل الأول من حزيران/ يونيو 1948 بوقت قصير، عقب (تطهير) وادي بيسان، وقبل الهجوم الإسرائيلي (الفاشل) على جنين. ففي تلك الفترة، كان لواء “غولاني” قد استولى على بضع قرى مجاورة لجنين، ومنها اللجون التي دخلتها القوات الإسرائيلية فجر 30 أيار\ مايو. استنادا الى تقرير صحافي نشرته (نيويورك تايمز) فقد تقدمت طوابير إسرائيلية عدة نحو منطقة المثلث، يومها، واستولت على جملة قرى شمالي جنين. ومن الجائز أن تكون الكتيبة الرابعة من لواء غولاني طردت سكان القرية فورا، وذلك تماشيا مع عادتها خلال عملياتها السابقة. ذكرت (نيويورك تايمز) أن 12 شخصا قتلوا وأن آخرين جرحوا. وأضافت الصحيفة أن اللجون احتلت لاحقا، في 17 نيسان\ أبريل، بعد مرور اثني عشر يوما على انطلاق الهجوم من هذه القرية على “مشمار هعيمك”.
وجاء في رواية (نيويورك تايمز) أن (اللجون هي أهم المواقع التي استولى عليها اليهود، الذين ذهب بهم هجومهم الى احتلال عشر قرى جنوبي مشمار هعيمق وشرقيها). وأضاف التقرير أن الهاغاناه أجلت النساء والأولاد عن القرية، ونسفت 27 مبنى في اللجون والقرى المجاورة. في أوائل أيلول \سبتمبر، خلال الهدنة الثانية، حدد مسؤول من الأمم المتحدة خط الهدنة الدائمة في المنطقة باللجون، وذلك استنادا الى تقارير صحافية. وقد أقيمت منطقة عرضها نحو 450 مترا على كلا جانبي الخط، وسمح للعرب واليهود فيها بأن يجنوا غلالهم.

“ما في عتاد ما في عتاد”
الحاج محمد عبد القادر صالح محاجنة (أبو جابر) كان عمره 26 سنة عندما تزوج في اللجون يقول: كنت طالبا ناجحا في المدرسة وعندما أنهيت الصف الرابع وهو الصف الأخير في المدرسة، قال لي والدي: أريدك أن تكمل دراستك. فقلت له: لا أريد، فأنا أريد أن أصبح مزارعا”. وفعلاً عملت في أرض اللجون التي كانت تعطي الخيرات وعاشت منها أم الفحم والعريش والشبع والخليل، وكانت مصدر رزق لكل أهالي أم الفحم، فلم تكن هناك بطالة، لأن الكل يعملون في الأرض، فهي واسعة جدا تمتد حتى العفولة تقريباً. وحتى عندما كانت مجاعة في زمن تركيا لم يشعر بذلك أهالي اللجون لأن المحصول كان وافراً لشدة خصوبة الأرض”.
ويتابع أبو جابر: “كانت في القرية أربع عائلات تسكن في أربع حارات: المحاجنة، الإغبارية، الجبارين، والمحاميد، لكنهم كانوا إخواناً لا يفرقهم شيء، فمصيرهم كان واحدا. وفي عام 1936 كان الثوار يأتون إلى البلدة ويناومون فيها، وفي اليوم الثاني يأتي الإنجليز ويعيثون فساداً، وأذكر أنه في عام 1948 جاء إلى المنطقة القاوقجي وجيشه وقصفوا مستوطنة “مشمار هعيمك، وحسبنا أنهم دمروها، لكن عندما ذهبنا إلى هناك لنرى ما حصل، لم نشاهد أية إصابة في المستوطنة، وأرجعنا الإنجليز. وعندما أطلق اليهود النار هرب جيش القاوقجي إلى اللجون وهم يقولون: “ما في عتاد ما في عتاد”.
ويضيف: “قبل خروج الناس من اللجون كان اليهود يطلقون النار على القرية، فخاف الناس وأخذوا يعودون إلى أم الفحم، وعندما خرجت من اللجون عائداً إلى أم الفحم كان اليهود يطلقون الرصاص عليّ كزخ المطر، لكني لم أصب بأي أذى بإذن الله. وعدت إلى أم الفحم، وأعلن في حينه عن هدنة، فعدت إلى أرضنا في اللجون ووجدت فيها قتيلين، وعندما رآني جنود اليهود قالوا لي: “عودوا إلى بلدكم. ولما كنا نسمع ونعرف أن اليهود يقتلون الشباب في كل قرية يحتلونها، فقد خفنا وبقينا في أم الفحم”.
حاول اليهود أن نوقع لهم على بيع الأرض، فبعد قيام دولتهم أرسلوا في طلبي إلى المحكمة المركزية في حيفا، وهناك سألت المدعي: لماذا طلبتموني؟ فقال: لنعطيك تعويضاً على أرض اللجون. فقلت له: هل قدمت لك طلبا بذلك؟ قال: فيها بلاط، نعطيك عليه أموالاً. فقلت: لا أوافق على قبض أي قرش. وعدت إلى البيت، وحتى يومنا هذا لا أوافق على التنازل عن شبر من الأرض التي جبلنا ترابها بعرقنا”.

“لا تأخذوا معكم شيئا لأنكم ستعودون”
أما الحاج محمد مصطفى العبد الحسن جبارين (أبو عمر) فيقول عن خروج الناس من اللجون: “راح الجيش إلى “أبو شوشة” ثم عاد، وقالوا لنا: “البلاد بيعت، فمن استطاع الخروج فليخرج من القرية”، وفي نفس الوقت سمعنا أنه في 15 أيار ستدخل سبعة جيوش عربية تحت إمرة قائد واحد، وقالوا لنا: لا تأخذوا معكم شيئا لأنكم ستعودون. لكننا لم نر جيوشا عربية، بل أعلن قيام دولة إسرائيل، وقبل أن يحتل اليهود اللجون احتلوا المركز وتل المسلم (جبل بجانب اللجون) ثم أعلنت الهدنة لمدة 15 يوما، لكن اليهود نقضوا العهد، واحتلوا ظهر دار “أبو سعادة”، وكانوا يطلقون النار على كل راع أو أي انسان يخرج لقضاء حاجة معينة، وكانوا يتعمدون إرهابه وتخويفه ليهرب. وقد قُتل حينها ثلاثة أشخاص من بينهم امرأة. وخرج الناس من القرية ولم يستطيعوا العودة”.
يقول أبو عمر: “طلب اليهود من كبار السن من اللجون، الذين يسكنون في أم الفحم، الحضور إلى مركز اللجون، وكان من بينهم أبي وعمي، وباتوا تلك الليلة في مركز اللجون، وخلال مكوثهم هناك قال القائد: غداً سنتحل أم الفحم، فلا تخرجوا منها. وعندما سألوه: ما هو مصير من كان عسكريا؟ قال: من قتل يهوديا فليخرج، ومن لم يقتل فليبق في البلد. وخلال هذا الحديث سمع أهالي القرية الموجودون في المركز أصوات تفجيرات، فقيل لهم إنها أصوات تدريبات عسكرية، لكن الحقيقة كانت غير ذلك، ففي تلك الساعة كان اليهود ينسفون بيوت اللجون عن بكرة أبيها، ولم يبق منها إلا الذكريات الالمية وقصص نحدثها لأولدانا وأحفادنا، لكن تبقى في النفس أمينة، وهي أن أبني فيها بيتا قبل وفاتي تقر به عياني”.

المصادر
—————-
1 -مصطفى الدباغ، موسوعة بلادنا فلسطين، جزء3، ص 173،172.
2-موسوعة المقدسات في فلسطين، مؤسسة الأقصى للوقف والتراث، قضاء جنين، ص 418-421.
3-وليد الخالدي، كي لا ننسى (1997). مؤسسة الدراسات الفلسطينية‎ ص 56-60
3-إيلان بابه، التطهير العرقي، (2012)، ص 150.
4-سمير أبو الهيجاء، أنا من هنا ولي ذكريات، (2013)، ص 167-173.
5-الموسوعة الفلسطينية. اللجون (26 أغسطس، 2015).
6-بلدتنا. (13 مايو 2012). في ذكرى النكبة: معركة سقوط قرية اللجون الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى