أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (19): جذور الكذب وتزوير الرواية.. قراءة في كتاب “إرهاب الأقصى: من الفرية إلى الدم” لنداف شرغاي (1-2)

حامد اغبارية
صدر مؤخرا باللغة العبرية كتاب بعنوان “إرهاب الأقصى: من الفرية إلى الدم”، للكاتب والباحث الصهيوني نداف شرغاي، يحاول من خلاله تحميل شعار “الأقصى في خطر” تهمة الإرهاب والتحريض على قتل اليهود!! وفي الكتاب محاولات يائسة لاتهام القرآن الكريم بأنه هو، وفقط هو، الدافع إلى ما يسميه إرهابا.
في القسم الأول من هذا المقال سوف استعرض ملخصا للكتاب، كما ورد في صحيفة “يسرائيل هيوم” اليمينية المتطرفة يوم 19.5.2020، ثم سأناقش في القسم الثاني أهم الفِرى والأضاليل التي وردت في الكتاب، والتي تسعى أولا إلى الطعن في القرآن الكريم، ثم الطعن في حق المسلمين في المسجد الأقصى، ثم البحث عن منفذ لتصوير الذي باعوا ضمائرهم ودينهم بأنهم هم الذين يمثلون الإسلام “المتنور” كما تريده الصهيونية؛ إسلاما خاليا من أي مضمون حقيقي.
وبداية أنبّه إلى إن نداف شرغاي أحد أكبر الكذبة الدجالين المحرضين على الإسلام. ومن هذا المنطلق ستكون مناقشة كتابه الذي هو عبارة عن الجزء الثاني من كتاب سابق له صدر قبل سنوات بعنوان” فرية الأقصى في خطر-صورة الكذب”، والذي شن فيه حملة على الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا، وعلى رئيسها الشيخ رائد صلاح، باعتباره صاحب شعار “الأقصى في خطر”، الذي يزعم أنه ورثه عن المفتي الحاج أمين الحسيني.
يقول شرغاي في كتابه الجديد إن “مؤيدي الإرهاب” الذين أفاقوا من غفلتهم مختلفون فيما بينهم حول السؤال: هل الكراهية هي جزء لا يتجزأ من جذور الإسلام، أم أن المسألة هي عملية استغلال للدين بشكل سيء!
“في يناير 2015 صدمت أقوال عبد الفتاح السيسي (قائد الانقلاب في مصر المختطفة من العسكر/ ح.أ.) علماء الدين المسلمين في احتفال ذكرى المولد النبوي في جامعة الأزهر عندما قال إنه “لا يعقل أن الإيديولوجيا التي قدسناها تكون مصدرا للقلق… لا يعقل أن 1.6 مليار مسلم يقتلون بقية سكان العالم لكي يعيشوا هم”!!
من هذه البداية التي تحمل دلالات كبيرة على الغرض الحقيقي للمؤلف، ينتقل شرغاي إلى الحديث عن أن أقوال السيسي تلك جاءت على خلفية موجات خطيرة مما يسميه الإرهاب الإسلامي العالمي. وفي إسرائيل أيضا وقعت في تلك الأيام أعمال “إرهابية”، على صورة “العمليات الفردية”. ثم يزعم قائلا: من الناحية الفنية هذا صحيح، فقد كانت العمليات فردية، إلا أن نسبة كبيرة من العمليات الفردية التي وقعت بين 2014- 2016 رضع أصحابها الأفكار من قضية المسجد الأقصى، الذي شكل الدافع الرئيس أو على الأقل أحد الدوافع الرئيسية لتنفيذ تلك العمليات، علما أن جميع منفذي العمليات الفردية هم مسلمون، وإن كان قسم منهم غير ملتزمين دينيا.
ويتابع شرغاي: ” لقد خرجوا إلى الشوارع بهدف قتل يهود، لأنه جرى تحريضُهم على أن الأقصى في خطر، وأن “إسرائيل” تنوي هدم الأقصى وتغيير الوضع القائم. وقد آمن هؤلاء أن قتل اليهود سيساهم في عملية تحرير الأقصى من الأسر” ويخلصه من اليهود الذي يدنسون إسلاميته”!! ويضيف: إن فرية (الأقصى في خطر) لم تعد مجرد دعاية كاذبة فحسب، بل تحولت إلى “رحم” لإنتاج الإرهاب”، وتحول الشعار بشكل مباشر إلى مشعل للإرهاب ومنتج ومنفذ له! ثم يقول: هناك كثيرون في القيادة الفلسطينية الوطنية والدينية الذين استخدموا هذا الشعار باستمرار ومنحوه دعما شعبيا”.
ويعتبر شرغاي أن عبد الفتاح السيسي عبّر فيما أشرنا إليها أعلاه عبر عن الإسلام المتنور والأكثر اعتدالا!!، وأصبح معبرا عن أصوات أخرى (قليلة) بين الفلسطينيين وفي العالم العربي والإسلامي الذين شجبوا الإرهاب الفلسطيني عامة وإرهاب الأقصى بشكل خاص، وهؤلاء يمثلون بالنسبة لشرغاي بذور الأمل!!
ويضيف: “قسم من هؤلاء توصلوا إلى قناعة بأن المتطرفين الإسلاميين يستغلون الدين بشكل سيء، ويفسرونه بصورة مشوّهة، بينما رأى آخرون أن هناك تشويها منظما موجودا في الإسلام، وهو تشويه يحض مبدئيا على العنف والإرهاب وسفك الدماء، ولذلك يرون أنه لا بد من تجديد الإسلام. ومنهم من وجد في القرآن شرعية لوجود اليهود في القدس والأقصى، بل منهم من يقدّر الأوتونوميا الدينية!! التي منحتها “إسرائيل” للمسلمين في الأقصى، وقسم آخر منهم ما يزال ملتزما بالقضية الفلسطينية ولكنهم يرفضون الإرهاب كليا. هذه الصوات كما يقول- قوطعت وتعرضت للهجوم، لكن أصحابها ما زالوا يمثلون رمزا للتغيير، ولذلك لابد من التعريف بهم.
ثم يستعرض شرغاي قائمة من أصحاب هذه المواقف، ليتضح أنهم جميعا من الذين لا يعرفون عن الإسلام وحقيقته شيئا، ولا عن قضية المسجد الأقصى وحق المسلمين فيه، اللهم سوى ما يسعى شرغاي إلى الترويج له.
من هؤلاء على سبيل المثال الباحث والكتاب سلمان مصالحة (وهو درزي وليس مسلما كما يقدمه المؤلف)، الحاصل على جائزة رئيس الدولة الإسرائيلية للأدب!! ويقول إن مصالحة قال في 2015 إن جذور الإرهاب موجودة في الإسلام. وقد نشر رأيه في صحيفة “هآرتس”. وقد زعم مصالحة أنه عندما ظهر الإرهاب الإسلامي- كما يسميه- على المسرح العالمي في العقود الأخيرة، خرج مسلمون كثيرون ليقولوا إن هذه الأعمال تسيء إلى الإسلام، وإن “الإرهابيين اختطفوا الإسلام”، ولكن هذه المقولة باطلة في نظر مصالحة، الذي تساءل: مَن الذي خطف الآخر؟ أليس من الممكن الافتراض أن النصوص الإسلامية هي التي اختطفت الإرهابيين وليس العكس؟!!
ومن هؤلاء أيضا العلماني المصري حامد عبد الصمد، وهو ابن إمام مسجد مصري هاجر إلى ألمانيا، ويعتبر القرآن عثرة في طريق تقدم المسلمين. عبد الصمد هذا ألف كتابا بالألمانية بعنوان “جرد الحساب مع محمد”، يعتبر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له مشكلتان أساسيتان مع اليهود: الأولى الحصول على اعتراف منهم بنبوّته، وقضية “منع القتل” التي يؤمن بها اليهود، بمعنى أنه أراد منهم أن يتنازلوا عن عقيدتهم التي تحظر القتل!!!!!
ومن هؤلاء الذين يستعرضهم شرغاي في كتابه، سندرا سلمون، الفلسطينية ابنة رام الله التي كانت مسلمة واعتنقت النصرانية، ويقدمها على أنها من القلائل الذين نجحوا في كسر حاجز الخوف، والتي يقول إنها كانت ابنة لعائلة منتمية إلى حركة فتح وداعمة للإرهاب، حتى أن عمها كان من المقربين من ياسر عرفات. وتزعم، كما يقول شرغاي، أنها “منذ أن كانت صغيرة علموها أن اليهود هم أحفاد القردة والخنازير… وأنهم يجب أن يموتوا، وأن القضية الأهم بالنسبة لنا كانت تحرير المسجد الأقصى وتحرير القدس وتدمير دولة إسرائيل”. ويقول شرغاي إن سندرا (التي كان اسمها السابق فداء) فتحت عينيها على الحقيقة بعد أن بحثت في القرآن وفي قوانين الإسلام، بل درست التوراة أيضا، وهي اليوم تطلب من الفلسطينيين شجب الإرهاب والتوقف عن ترديد هتاف “بالرح بالدم نفديك يا قدس”. مضيفا أنها تشكك في قصة الإسراء المعراج التي يستند إليها المسلمون في تأكيد حقهم في المسجد الأقصى!
ويستند شرغاي إلى أضاليل سندرا تلك التي تزعم، كما يزعم هو، أن الكراهية لإسرائيل ليست نتيجة لصراع جغرافي وإنما “جاء هذا من القرآن ومن الأحاديث النبوية التي تتحدث عن الساعة وكيف أن المسلمين سيقتلون اليهود حتى أن الحجر والشجر سينادي ويقول: “هذا يهودي يختبئ خلفي تعال فاقتله”، وتزعم سندرا، بحسب شرغاي أنها مستعدة لإثبات أن المسلمين يكرهون اليهود لكونهم يهودا وليس بسبب دولة إسرائيل.
ومن هؤلاء شخص باسم وليد شعيبات، وهو فلسطيني من بيت ساحور اعتنق النصرانية، بعد أن كان ناشطا في “الإرهاب” ضمن منظمة التحرير الفلسطينية، كما يقول شرغاي!! وموقف شعيبات كموقف سندرا، وفيه يقول إنه تعلم منذ الطفولة أناشيد تتحدث عن قتل اليهود، وأن أباه وبيئته المسلمة أرادوا منه قتل اليهود والتحول إلى شهيد كي يدخل الجنة”!!
ومن هؤلاء د. رمضان دبس من صور باهر، الذي يعتبر، بحسب شرغاي، مواطنا إسرائيليا، والذي يحذر من خلط الدين بالسياسة خلطا ينتج الإرهاب. ومثله نائل زعبي، وهو مدير مدرسة في إحدى قرى المرج الذي ينقل شرغاي عنه قوله: “إنهم يطعمون جمهورنا أكاذيب. القادة يبيعون الناس أن الأقصى في خطر وأن اليهود يريدون المس به. وهذه أمور مرفوضة بالنسبة لي”!
ومنهم أيضا المحامي جواد بولس، الذي يحذر من استعداد شبان عرب في إسرائيل للموت وقتل الآخرين باسم الدين ورموزه المقدسة، وفي مقدمتها المسجد الأقصى”!!
ومنهم العراقي حميد الشريفي الذي أسس في لندن تنظيم “المسلمون الليبراليون”، وعمل على “تفسير” القرآن تفسيرات تتناسب مع زماننا، كما يقول شرغاي. وقد أجرت صحيفة “مكور ريشون” مقابلة مع شريفي هذا عام 2015، في أوج الأحداث التي وقعت في القدس والأقصى، وعرفت باسم الانتفاضة الثالثة (انتفاضة القدس)، ومما قاله في تلك المقابلة: “أنا أفهم طفلا مسلما في الثالثة عشرة من عمره، الذي يحمل سكينا ويخرج ليطعن اليهود. ولو توفرت لي الفرصة أن أفعل ذلك عندما كنت صغيرا لست متأكدا أنني كنت سأتنازل عنها. عندما تكون في سن صغيرة، يأتي رجال الدين ويقرأون على مسامعك آيات من القرآن. وهذا يكفي كي تتحول إلى قنبلة موقوتة!!
ومن هؤلاء الشخاص الذين يستشهد بهم شرغاي، قاسم حفيظ، البريطاني من أصل باكستاني الذي يقود تنظيم “مسلمون لأجل إسرائيل”!! يقول حفيظ هذا، كما ينقل عنه شرغاي إن الصراع (في فلسطين) هو صراع سياسي على قطعة أرض، لكن الشيخ أمين الحسيني، مفتي القدس في زمن الانتداب (الاحتلال) البريطاني، أدخل العنصر الديني للقضية. لقد كان نازيا رعى الكراهية لسنوات طويلة، وهو الذي أوجد هذه العلاقة القابلة للانفجار بين الدين والسياسة!!
هذا قليل من كثير مما ورد في كتاب نداف شرغاي. وكما هو واضح فإنه مليء بالأضاليل والضلالات والافتراءات والتشويهات وتزوير الحقائق، ويستند في قسم كبير منه إلى مواقف لشخصيات تنازلت منذ زمن عن انتمائها وعن عقيدتها وعن جذورها، وباعت نفسها للشيطان وللحركة الصهيونية، وتحول قسم منهم- بالمال القذر- إلى خادم أمين (ذليل) للمشروع الصهيو – صليبي. وهذا ما سأناقشه إن شاء الله تعالى في القسم الثاني من المقال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى