أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الفخار والعار: فتح القسطنطينية واحتلال القدس

الشيخ كمال خطيب
#ذكرى الفخار
اليوم الجمعة 29 أيار هو يوم ذكرى فتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية في العام 1453، حيث قامت جيوش الدولة العثمانية بقيادة السلطان الشاب محمد الفاتح بدكّ أسوار القسطنطينية ورفع راية التوحيد عليها لتتحول إلى إسلامبول عاصمة للدولة العثمانية ومنطلقًا لفتوحات أوروبا وصولًا إلى فيينا عاصمة النمسا.
إن القسطنطينية قد أشغلت دورًا هامًا قبل 350 عامًا من ذلك التاريخ، أي في العام 1099 يوم كانت محطة عبور رئيسية للجيوش الأوروبية الزاحفة لاحتلال القدس فيما عرف بالتاريخ باسم الحملات الصليبية، فكان للقسطنطينية دور الإمداد العسكري والشحن المعنوي لتلك الجيوش، كيف لا وهي مقر البطريرك الأرثوذكسي الذي يوازي البابا في الكنيسة الكاثوليكية والتي كان مقرها في روما.
لقد تحقق ما كانت تتمناه أم محمد الفاتح وشيخه ومربيه “الشيخ شمس الدين أُق” لمّا كانا يقفان مع ذلك الغلام ويريانه أسوار القسطنطينية ويذكّرانه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش” فلعلك يا بني أن تكون ذلك الأمير!!!.
لم تمض إلا فترة قصيرة ويصبح فيها الغلام ابن 23 سنة فقط ليجلس على كرسي الخلافة العثمانية، وليعدّ جيشًا قوامه 250 ألف مقاتل وأسطولًا من 180 سفينة حربية وثمانية عشر مدفعًا يلزم لجر المدفع الواحد مائة ثور، وتزن القذيفة الواحدة التي يطلقها 1200 رطل أي ما يقرب من 500 كيلو غرام من البارود.
إنه محمد الفاتح الشاب المؤمن والقائد المحنك الذي جمع على جيشه قوة الإعداد وقوة العقيدة، فهما العنصران الضروريان لحسم المعركة. فلقد كان رحمه الله يحمل سيفه أمام جنوده قائلًا لهم: “إننا ما حملنا هذه السيوف للمباهاة ولا للزينة، وإنما حملناها لنقاتل في سبيل الله تعالى”. وبعد أن أتمّ الاستعدادات العسكرية فقد استكمل الإعداد المعنوي لمّا استبق المعركة التي كانت قد دارت يوم الثلاثاء، ففي يوم الأحد الذي سبق المعركة فإنه قد أمر جنوده بالصيام وقيام الليل والصلاة والدعاء وقراءة القرآن والإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا قادته العسكريين يوم الإثنين لإلزام جنودهم بمزيد من الإعداد والإلتزام بأخلاق الإسلام في المعركة، وعدم المساس بغير المقاتلين والنساء والأطفال ومن يتعبدون الله في معابدهم.
إنه محمد الفاتح الذي حدّد علامة بدء المعركة بعد ضربات الدف الكبير، ثلاث مرّات ليس إلا بالتكبير يدوّي من كل كتائب الجند لتبدأ المعركة باسم الله لأنها ما كانت إلا لأجل الله تعالى وفي سبيله سبحانه.
ومثلما كانت البداية فإنها كانت النهاية لمّا أكرم الله جيش الفتح بالانتصار الحاسم على جيوش القسطنطينية ودخولها، فما كان من محمد الفاتح إلا أن نزل من على ظهر حصانه وسجد شكرًا لله ثم أخذ التراب وراح يحثو به ويعفّر به رأسه وهو يبكي. وكيف لا يبكي محمد الفاتح وقد تحقق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وفي جيشه “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش”، وكيف لا يبكي محمد الفاتح وهو يرى رايات التوحيد ترفرف على أسوار القسطنطينية ودوي التكبير يتعالى في سمائها.
لم يكن فتح القسطنطينية مرحلة النهاية وإنما كانت هي البداية والتي أكملها سلاطين بني عثمان بعد محمد الفاتح، حيث اندفعت جيوش الفتح الإسلامي نحو بلاد البلقان ونحو وسط أوروبا، ولم تتوقف اندفاعاتها إلا عند أبواب فيينا عاصمة النمسا، وقد تم حصارها مدة ثمانية أشهر. ولم يكن الرجوع وفك الحصار إلا بعد ورود الأخبار عن مؤامرات اسماعيل الصفوي ومعركة “جالديران” الشهيرة التي دارت عام 1514 بين الصفويين الشيعة ضد جيوش الدولة العثمانية واستمرار إشغالها بمعارك وفتن جانبية راحت تنهك الجيش العثماني، الأمر الذي اضطر سلاطين بني عثمان للانسحاب والتراجع عن حصار فيننا دون أن يلغي بقاء بسط سيطرة جيوشها على وسط أوروبا مدة 400 سنة.
عند أسوار القسطنطينية التقت أمنيات أبي أيوب الأنصاري الصحابي الجليل الذي أراد تحقيق نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح القسطنطينية ولكنه مات عند أسوارها الخارجية، فالتقت أمنيات أبي أيوب الأنصاري مع همّة محمد الفاتح ليتحقق ذلك النصر المؤزر، ولتطوى صفحة القسطنطينية البيزنطية إلى الأبد، ولتفتح صفحة اسطنبول الإسلامية عاصمة الدنيا ودرّتها.
إنها ذكرى فتح القسطنطينية نعيش أفياءها اليوم تملؤنا فخرًا ومجدًا في هذا الزمن الأغبر، الزمن الذي تعيش فيه القدس شقيقة اسطنبول أصعب ظروفها وأحلك لياليها وهي ترزح تحت سياط الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.

# ذكرى العار
وإذا كان اليوم الجمعة 29 أيار هو يوم ذكرى فتح القسطنطينية، ذكرى الأمجاد والفخار فإن يوم الجمعة القادم 5 حزيران هو يوم ذكرى احتلال القدس، ذكرى العار والشنار. وإذا كانت القسطنطينية في يوم الفخار قد تشرّفت برايات التوحيد ترفرف في جنباتها معلنة هويتها الإسلامية، فإن القدس في يوم العار قد رفعت فيها الأعلام الإسرائيلية أعلام الاحتلال البغيض.
لقد جلّل الخزي والعار أنظمة وقيادات عربية رفعت راية القومية وتغنّت بشعاراتها البرّاقة والرنّانة، وإذا بها وخلال ستة أيام ترفع رايات الاستسلام وتهزم جيوشها أمام جيش اسرائيل معلنة سقوط سيناء وغزة والقدس والضفة الغربية والجولان تحت قبضة الجيش الاسرائيلي. وعند أسوار القدس دفنت النخوة العربية وشيّعت إلى مثواها الأخير رايات القومية هتف لها ونادى بها يومها جمال عبد الناصر فى مصر وحافظ الأسد وزير الدفاع في سوريا.
إنها القدس الشريف التي استلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفاتيحها من صفرونيوس بطريركها الشهير. وإنها القدس التي طهّرها من الغزو الصليبي الفاتح صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وإذا بأدعياء القومية وتجار الثورية يسلمونها للاحتلال الاسرائيلي من غير قتال، وليصوّبوا بذلك سهمًا غادرًا في ظهر العظماء الذين أعادوا إليها هويتها بدءًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ومرورًا بالفاتح عمر والفاتح صلاح الدين، وانتهاء بالسلطان العثماني سليمان القانوني الذي حصّنها وبنى أسوارها لحمايتها والدفاع عنها.
وإذا كان محمد الفاتح قد عمل على الاستعداد العسكري والإعداد المعنوي، فأعد جيشًا قويًا مسلحًا بأقوى الأسلحة ومسلحًا بالعقيدة والإيمان، فإن أشباه الرجال من رموز الهزيمة قد أعدّوا لها أسلحة كرتونية لم تسمن ولم تغن من كرامة. وكيف وهم الذين صدّعوا رؤوس العرب والمسلمين بصواريخ القاهر والظاهر التي هددوا بأنها ستدمّر إسرائيل، وبطائرات الميج التي تمادوا في إيهام الناس بقدرتها على حسم المعركة لمّا قالوا “الميج تتحدى القدر” وإذا بالميج لم تتحدى طائرات إسرائيل التي دمرتها وهي رابضة في مهاجعها وفي مطاراتها دون أن يكون لها أي فعل يذكر سوى أنها سطّرت صفحة سوداء من صفحات الذلّ والخزي العربي.
وإذا كان جنود فتح القسطنطينية قد قضوا ليالي ما قبل المعركة بالصيام والقيام وقراءة القرآن والدعاء والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن جنود تضييع القدس من أدعياء القومية قد قضوا ليالي ما قبل المعركة، بل في ليلتها الحاسمة في سهرات خمر ورقص ومجون، وهو ما ثبت ما كان عليه عبد الحكيم عامر وزير الدفاع المصري يومها. وإذا كان قادة الفتح الإسلامي لفتح القسطنطينية يقرّبون العلماء ويصطحبونهم في مجالسهم بل وفي معاركهم تقديرًا لأهل العلم والدين ودورهم في رفع الحالة المعنوية الايمانية للجنود وهكذا كان وفعل السلطان محمد الفاتح، فإن قادة المشروع القومي العربي، قادة الهزيمة والعار كانوا قد أعلنوا الحرب على الإسلام وعلّقوا علماءه على المشانق كما فعل جمال عبد الناصر بإعدامه الشهيد سيد قطب مفسر القرآن العظيم شنقًا فقط قبل ثمانية أشهر من يوم أن وقعت هزيمته بل فضيحته يوم 15 حزيران، حيث كان إعدام سيد قطب رحمه الله 29 /8 /1966.
وإذا كان إعلام ومهرّجي المشروع القومي، مشروع العار والهزيمة، مشروع ضياع القدس يبثون المعنويات في جنودهم عبر القول “تقدموا فإن أم كلثوم تنتظركم في تل أبيب” كما كان يردد ذلك أحمد سعيد، فإن دعاة ومشايخ المشروع الإسلامي، مشروع فتح القسطنطينية كانوا يبثون المعنويات في جنود الفتح بالقول “تقدموا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظركم عند الحوض في الجنة”.
إن ذكرى فتح القسطنطينية اليوم، وإن ذكرى احتلال وضياع القدس في يوم الجمعة القادم للذي يوقف كل عاقل على حقيقة أن الإسلام وحده هو مصدر عز الدنيا وفلاح الآخرة كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه” كنا معشر العرب أذلّ قوم فأعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله”. وأما المشاريع المزعومة التي روّجوا لها بديلًا عن الإسلام فإنها كمن ينفخ في رماد ويصرخ في واد، إنهم أدعياء القومية الذين جعلوها مطيّة للتسلط على شعوبهم وإذا بهم يحكمون شعوبهم وفق نظام البلطجة والتشبيح والاستعباد، حتى أخلاق العربي وشهامته ومروءته فليس لهم منها نصيب.
فأي فخار أعظم من أنه في مثل هذا اليوم تتحول كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد. وأي عار أعظم من أنه في مثل يوم الجمعة القريب تحول حائط البراق من المسجد الأقصى إلى حائط مبكاهم لكنيسهم وهيكلهم المزعوم.
ففي ذكرى فتح القسطنطينية فإنه يحدونا الأمل بل اليقين إلى أن زمن غربة القدس لن يطول وأن ليل تسلط الظلم والاحتلال عليها حتمًا سيزول بإذن الله تعالى. أما وأن في الأمة يسري تيار بل روح جديدة لجيل كفر بكل المشاريع ولن تنطلي عليه كل الشعارات البرّاقه والهتافات والأسماء الرنّانه، جيل لن يرضى له منهاجًا غير القرآن ولا قائدًا غير محمد صلى الله عليه وسلم، جيل يعيش للإسلام ويحيا للإسلام، جيل يجدد بإذن الله سيرة العظماء الفاتحين ليخرج الأمة من واقع الذل والهوان الذي عليه إلى واقع العزّ والمجد الذي يجب أن يظل أبد الدهر عليه ولسان حال كل ابن من أبناء هذا الجيل وهذا المشروع يهتف ويقول:

أنا مسلم ولي الفخار فأكرمي يا هذه الدنيا بدين المسلم
وأنا البريء من المذاهب كلها وبغير دين الله لن أترنم
فلتشهد الأيام ما طال المدى أو ضمّ قبري بعد موتي أعظمي
إنّي لغير الله لست بعابدٍ ولغير دستور السما لن أنتمي

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى