أخبار رئيسيةأخبار عاجلةمقالات

أيها المطبعون: اسرائيل جاءت إلينا وأنتم تهرولون إلى اسرائيل

الشيخ كمال خطيب

يوم الجمعة الأخير 15 أيار كان يوم الذكرى الثانية والسبعين للنكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني في العام 1948، النكبة التي بسببها هُجّر أكثر من مليون فلسطيني سكنوا مخيمات اللجوء في لبنان وسوريا والأردن ومصر، تلك النكبة التي فيها هدّمت وهُجّر سكان 539 قرية ومدينة فلسطينية من أقصى النقب جنوبًا وحتى أقصى الجليل شمالًا، تلك النكبة التي وقعت بسبب تخاذل جيوش وأنظمة سبع دول عربية تظاهرت بالقتال دفاعًا عن فلسطين، تلك النكبة التي وقعت بسبب موقف دولي منافق لا بل مجرم وقد أراد أن يكفّر عن جريمته الفعلية أو بسكوته عن المقتلة والمحرقة التي أوقعوها باليهود في أوروبا عمومًا وفي ألمانيا خصوصًا، فكان تكفيرهم عن جريمتهم بالنكبة التي أوقعوها باليهود في بلادهم بأن مكّنوا أو دعموا اليهود بارتكاب نكبة بحق شعبنا في وطننا،حيث لم يبق في فلسطين التي قامت عليها إسرائيل في يوم ذكرى نكبتنا 15 أيار إلا 154 ألف فلسطيني، هم اليوم قد أصبح مقدارهم السكاني 1.6 مليون فلسطيني.

شعبنا الفلسطيني الذي رفع راية الجهاد والكفاح ضد المستعمر البريطاني الذي أعطى وعد بلفور ثم أكمل عطاءه بالانحياز السافر خلال فترة احتلاله لفلسطين عبر الدعم المباشر بكافة نواحي الدعم للعصابات الصهيونية، ثم تشجيع الهجرة إلى فلسطين عبر المنافذ البرية والبحرية التي كان وحده يتحكم بها. شعبنا الفلسطيني الذي حرّك المظاهرات الشعبية ضد وعد بلفور ثم انتقل إلى الفعل الجهادي عبر ثورة البراق لحماية المسجد الأقصى من عبث العصابات الصهيونية في العام 1929، وقد سقط مئات الشهداء، ثم أكمل مسيرته عبر ثورة 1936 التي قادها الشهيد عز الدين القسام، ثم أكمل مسيرة العطاء في الدفاع عن أرضه ووطنه بما قدّمه في العام 1948 الشهيد البطل عبد القادر الحسيني وعشرات من أمثاله من أبطال فلسطين وقادتها الذين استشهدوا، حيث الإجماع أنه لولا خيانة وتخاذل الجيوش النظامية العربية لكان الحال غير الحال. شعبنا الفلسطيني الذي ورغم الشتات والتهجير والمنافي إلا أنه أطلقت ثورته في العام 1965 وبقيت مسيرة الشهداء لا تتوقف، لا في معركة الكرامة ولا في غزة ولا في الضفة الغربية دفاعًا عن هوية هذه الأرض. ثم كانت تضحيات شعبنا في الداخل في يوم الأرض عام 1976، ثم كانت الانتفاضة الأولى عام 1987 ثم الثانية في العام 2000 وبينهما كانت المجازر ترتكب في المسجد الأقصى في 1990 وسقوط 22 شهيدًا في المسجد الأقصى، وفي العام 1996 يوم هبّت ثورة النفق الذي أعلن نتنياهو عن افتتاحه تحت المسجد الأقصى المبارك، فكانت الهبّة المباركة والتي سقط فيها 106 شهداء.

ثم كيف لشعبنا ألّا يكتب بماء الذهب صفحات تاريخ عطائه وجهاده في مقارعة المحتل الصهيوني حيث استشهد في عام 2004 كل من الشهيد أحمد ياسين والشهيد عبد العزيز الرنتيسي والشهيد ياسر عرفات، وسبقهم الشهيد أبو علي مصطفى في العام 2001 ولحقهم كوكبة مباركة من القادة الشهداء.

صحيح أنه قد ظهر تيّار فلسطيني قد أنهكه مشوار الدفاع عن الوطن، فراح يلهث خلف سراب سلام موهوم فكانت أوسلو في العام 1993 وما أعقبها من اتفاقيات التنسيق الأمني المشبوهة، حتى أن هذا التيار الفلسطيني وإن كانت الدول تتعامل معه أنه الممثل لشعبنا الفلسطيني إلا أنه في عيون أبناء شعبنا بات اليوم عنوان التفريط والتخاذل، بل إنه التشكيك يصل إلى حد اليقين في الأمانة الوطنية عند بعض هؤلاء.

وفي موازاة هذا التنسيق الأمني من الداخل فإنها حملة التطبيع من الخارج حيث تقودها عدة دول عربية تسعى لخلق واقع شعبي تقبل إقامة علاقات رسمية وعلى كافة المستويات بين هذه الدول و بين اسرائيل. ومع أن علاقات سرية الكل يعلم بوجودها لكنه يراد اليوم إطلاق تلك العلاقات لتصبح علنية ورسمية.

وفي موازاة هذا التوجه السياسي الرسمي الذي ما عاد يخفى على أحد ولم يعد أصحابه يخجلون به، فإن هؤلاء أنفسهم قد أطلقوا العنان وغضّوا الطرف بل شجّعوا تيارًا تطبيعيًا راحت تظهر معالمه عبر منصات التواصل الإجتماعي أو عبر أفلام ومسلسلات لها رسائل لا تخفى على عاقل كحال مسلسل “أم هارون”، لا بل إنها الزيارات التي قامت بها شخصيات مثل أنور عشقي جنرال الاستخبارات السعودي والمدعو محمد مسعود الذي زار المسجد الأقصى، وصحفيون خليجيون زاروا الدولة العبرية تحت غطاء وفود إعلامية، وكتلك الزيارة المشهورة التي قام بها الشيخ محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي إلى النصب التذكارية للمحرقة النازية تضامنًا مع اليهود في رسالة واضحة إلى أصدقائه الجدد في تل أبيب.

لم يكن لعاقل أن يصدّق أن يرجع هؤلاء دون أن يتم اعتقالهم إذا كانوا عملوا بغير رضى وسياسة دولهم، لكن هذا لم يحدث لا بل حدث ما١ةة١ هو أفظع منه لمّا أصبحنا نسمع من يشكك في قدسية المسجد الأقصى المبارك بأن مسجدًا في أوغندا هو أكثر منه بركة لأننا أصبحنا نسمع ونرى من يقود حملات للطعن بهوية الشعب الفلسطيني، وأنه قد خان قضيته وباع أرضه وقد وصل إلى حد إعلان حملات تحت عنوان “فلسطين ليست قضيتي”.

أنا أعلم أن من يقف خلف هذه الحملات والمشاركين فيها لا يجدي معهم النقاش ولا يُصغون لصوت المنطق ولا للمنطق التاريخي، ولن يذعنوا للأدلة الدامغة التي تسفّه آراءهم، لا لشيء إلا لأن هؤلاء تحركهم أنظمة مخابرات وأذرع أمنية لها دوافع سياسية زيادة عن كون هؤلاء مأجورون ويعملون ضمن مجموعات ذباب مدفوعة الأجر يحركهم الممول متى شاء وعلى من شاء. وإن هؤلاء لا يمثّلون أصالة وجوهر التيار الجارف من شعوبنا وأخوتنا هناك الذين نعلم مقدار حبهم وعطائهم وارتباطهم بهذه القضية وهذه الأرض.

لقد ضحكت كثيرًا لسذاجة بل تفاهة هؤلاء وهم يعيّروننا وهم ينشرون صورنا مقرونة بعبارات سوقية وبذيئة لأننا نحمل لافتات مكتوبة باللغة العبرية خلال إحدى مظاهرات أبناء شعبنا في الداخل التي نظمتها لجنة المتابعة العليا أمام مكتب رئيس حكومة إسرائيل، إنهم يعتبرون حملنا لهذه اللافتات بأننا سقطنا في مشروع التهويد. إن هؤلاء لا يعلمون أننا نتعلم اللغة العبرية من الصف الثاني الإبتدائي وحتى نهاية التوجيهي، ولا يعلمون أننا نتعلم في الجامعات الإسرائيلية وباللغة العبرية لأنه لا جامعات عندنا بفعل سياسات الظلم الإسرائيلية، ولا يعلمون أن من بيننا من يتقنون العبرية أكثر من العربية بل أكثر من بعض اليهود أنفسهم، فأين العيب يا هؤلاء السطحيون من ذباب التطبيع.

لا بل إن البعض منهم يعيّروننا أننا نحمل جواز السفر الإسرائيلي والجنسية الإسرائيلية لدرجة أنّهم ولغبائهم يتساءلون “كيف يعني تكون فلسطيني وتحمل جواز إسرائيلي؟ “. ليس أنهم جاهلون بالتاريخ والجغرافيا والسياسة، ولا يعرفون أن نكبة وقد وقعت علينا، وأنه قد تم احتلال أرضنا، وأننا أبناء وأحفاد 154 ألف بطل وبطلة صمدوا وصبروا وذاقوا الأمرّين من الحكم العسكري، حيث كان يراد تهجيرهم ليلحقوا بمن سبق وهًجّر من أهلهم.

أيها الذباب القذر إن إسرائيل هي التي جاءت إلينا واحتلت أرضنا أما أنتم فإنكم من جاء ويجيء مهرولًا مطبعًا مع إسرائيل. يا هؤلاء إن جواز السفر والجنسية الإسرائيلية بالنسبة لنا فإننا نحملها قهرًا وهي ليست فخرًا.

لا بل إن البعض من ذباب محمد بن سلمان وبن زايد والسيسي يتهمونني أنا شخصيًا كمال خطيب أنني من أشد المتحمسين لانتخابات الكنيست الإسرائيلي، بل ويستدلون على ذلك أن لي “ابنة عم” هي عضو في الكنيست الإسرائيلي. إنهم لو سألوا طفلًا صغيرًا من أبناء الداخل الفلسطيني لقال لهم إن كمال خطيب هو من أشد المعارضين للمشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني، وأنه لم يصوّت ولم يشارك فى أي انتخابات من يوم ولدته أمه. أما وأن “ابنة عمه” هي عضو في الكنيست المقصود السيدة إيمان خطيب ظانين أن كل من اسم عائلته خطيب فإنهم أقارب، مع العلم أن عائلة خطيب موجودة في كل الدول العربية بل ولعل في كل قرية فلسطينية فيها عائلة تحمل هذا الإسم دون أن يكون لهذه العوائل أي صلة قربى، وبالتالي فإن السيدة إيمان خطيب هي ليست ابنة عمي، دون أن يلغي وجود أقارب فعلًا شاركوا في انتخابات الكنيست الصهيوني حيث قناعات هؤلاء تختلف مع قناعاتي.

لست في معرض الدفاع عن شخصي وإن كان ذلك فقط للتمثيل على حقيقة الجهل الذي يلف هؤلاء من مرتزقة وذباب أنظمة التطبيع.

يكفينا شرفًا واعتزازًا أننا أبناء الحركة الإسلامية التي حظرتها اسرائيل يوم 17/11/2015 بقرار ظالم وأخرجونا عن قانونهم الظالم عقابًا لنا على موقفنا من المسجد الأقصى ووقوفنا في خط الدفاع الأول عنه. لأجل الأقصى حوربنا وعوقبنا وسُجنا ومُنعنا من السفر خارج الوطن، ومُنعنا من دخول القدس، بل وحُرمنا من الوظائف، بل وأُغلقت مؤسساتنا وحُظرت حركتنا، واعتُبرت تنظيمًا إرهابيًا خارجًا عن القانون.
هذا المسجد الأقصى الذي لأجله نحن نحارب، فإنكم يا ذباب التطبيع رحتم تشككون بحقنا فيه، بل تقوّل بعضكم أن الأقصى الحقيقي ليس في القدس الشريف وأن هذا المسجد هو فعلًا مكان هيكل اليهود {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا} آية 5 سورة الكهف.

لقد سبقكم يا ذباب التطبيع ذبابة كبيرة، وذلك قبل أكثر من خمسة عشر عامًا واسمه الدكتور “عائض الردادي”، وقد كتب في صحيفة الجزيرة السعودية مقالة تحت عنوان “اضربوهم بالنعال” يقصد فلسطينيي الداخل الصامدين الثابتين، معللًا تحريضه بأن هؤلاء عملاء لليهود وعيون على أبناء شعبهم في الضفة الغربية وأنهم باعوا أرضهم لليهود. إن تلك الذبابة الكبيرة لم تكن تعلم أن بقاءنا في أرضنا وصمودنا عليها وأن رفضنا لمصادرة أراضينا في الجليل والنقب وفي الساحل الفلسطيني والمثلث هو السبب في سقوط أبناء شعبنا شهداء يوم الأرض وفي هبّة الأقصى وفي هبّة الروحة وفي هبّة أم السحالي وغيرها وغيرها.
صحيح وللحق أنني وبعد إذ كتبت ردًا على هذه الذبابة الكبيرة “عائض الردادي” وأرسلنا توضيحًا لإدارة صحيفة الجزيرة فإنه قد تم الإعتذار عن ذلك المقال من قبل إدارة الصحيفة، لكن يبدو أن ذلك الذبابة قد باضت ذبابًا كثيرًا راح يتكاثر في مستنقعات التطبيع الإسرائيلية التي انتشرت في عهد محمد بن سلمان وابن زايد والسيسي.

إن ذباب التطبيع هذا يحوم ويرتع كثيرًا في صفحة “افيخاي أدرعي” الناطق باسم جيش الاحتلال الاسرائيلي بالعربية، ويكتبون له هناك كلمات التمجيد والثناء، ومن صفحته فإنهم يتزوّدون بصور وفيديوهات لشبان فلسطينيين وعرب يخدمون في الجيش الإسرائيلي ويلبسون بزّته، ليستشهد ذباب التطبيع عبر هذه الصور أن الفلسطينيين عملاء وأنهم يخدمون في الجيش الإسرائيلي وأنهم باعوا قضيتهم.

إن هذا الذباب المندفع نحو مستنقع التطبيع لا يعلم ويتجاهل أن وجود هؤلاء بيننا هو تمامًا مثل وجود هذا الذباب بين أبناء شعوب الجزيرة العربية، فالطيور على أشكالها تقع ولا حاجة لأضيف أكثر من أن هؤلاء المجندين هم قلّة ليس لها أي تعريف في الأرقام الحسابية قياسًا بتعداد أبناء شعبنا، زيادة أنهم في تناقص مستمر، وزيادة أكثر إنني شخصيًا وكثيرين غيري لا نتردد بالتأكيد على أن مقتل هؤلاء وهم في خدمة جيش الاحتلال فإن معنى ذلك أننا لا نصلي عليهم صلاة الجنازة ولا نتردد في ذلك.

نحن أيها الذباب قطعان المطبّعين المتهافتين مثل الفراش على البريق الخادع للمشروع الصهيوني، نحن لم نتهوّد ولم نتأسرل، نحن نعتز ونفاخر أن كل مشاريع مسخ هويتنا دينيًا وثقافيًا وفكريًا فشلت وتحطمت على صخرة انتمائنا العقائدي وارتباطنا الوطني. فنحن مسلمون، عرب، فلسطينيون نعيش على أرضنا في وطننا وطن الآباء والأجداد الذي احتلته إسرائيل.

وإذا سأل سائل منكم بحسن نية أو بسوء نية هل إذا قامت دولة فلسطين في الضفة الغربية وغزة “مع قناعتي أنها لن تكون في ظل سلطة التنسيق الأمني والتطبيع الذي تمارسه السلطة الفلسطينية” فهل سنترك نحن أرضنا في النقب أو المثلث أو الجليل أو الساحل ونرحل للسكن في “دولة فلسطين” ونحمل جواز سفرها؟ إن الجواب لهؤلاء، لا وألف لا بل ومليون لا، فنحن نعتبر الجليل وطننا ونابلس والضفة وطننا، ونحن نعتبر الساحل وطننا مثلما أن ساحل غزة وطننا، فأهلنا هناك يسكنون في جزء الوطن ذلك ونحن نسكن ونحافظ على هوية الوطن في جزء الوطن الذي ولدنا فيه وعشنا فيه ولن ندفن إلا فيه.

نعم نحن هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون، هنا باقون ما بقي المسجد الأقصى وقبة الصخرة بل قل صخرة القبة، نحن هنا باقون على العهد باقون حتى يحين يوم العودة بإذن الله تعالى، لا نفرط ولا نساوم. فهل أدركتم الفارق بيننا وبينكم يا ذباب مستنقعات التطبيع الفاسدة، فنحن كنا هنا واسرائيل هي جاءت الينا، وأما أنتم فكنتم هناك وجئتم إلى إسرائيل مطبّعين مهرولين لاهثين أذلاء مهزومين.
ألا لا نامت أعين الجبناء.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى