أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

مشاركة المرأة في العمل العام

أمية سليمان جبارين (أم البراء)
شرع الإسلام للمرأة الحق في المشاركة في العمل العام، سواء كان وظيفيا أو سياسيا أو نحوه، وفي ذلك يقول الله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) -التوبة (71). فقد حددت هذه الآية كما هو واضح، العلاقة بين الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات، وهذه العلاقة تقوم على مبدأ (بعضهم أولياء بعض) أي أن الرجال والنساء يتناصرون ويتعاضدون لتحقيق المصلحة التي تحفظ الأمن والأمان والاستقرار للفرد سواء كان رجلا أو امرأة، وللبيت والمجتمع والأمة، كما أن هذه العلاقة تقوم على مبدأ (يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، وهو دور الرجال والنساء وليس دور الرجال فقط، مما يفتح للمرأة المجال القيام بدور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومما يتيح لها أن تتخذ الوسائل الشرعية والتدابير الشرعية التي لا بد منها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن هذه العلاقة تقوم على مبدأ (ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله) فالنساء مكلفات كما الرجال بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله، وما دامت المرأة مكلفة بإقامة الصلاة، فلها أن تشهد الجمعَ والجماعات وصلاة العيد كما الرجال، وما دامت المرأة مكلفة بإيتاء الزكاة فلها أن تنمَّي مالها حتى يبلغ نصاب الزكاة، ولا يمكن لها أن تنَمِّي هذا المال إلا إذا استثمرته في سوق الأعمال والتجارة والاقتصاد، وما دامت المرأة مكلفة بطاعة الله ورسوله بهذا المعنى الواسع فلها أن تشغل شتى المناصب التي تعينها على طاعة الله ورسوله، ولذلك (للمرأة أن تباشر سائر الوظائف المشروعة بحد ذاتها، ولها ممارسة الأعمال المباحة في أصلها سواء كانت صناعة أو تجارة أو زراعة أو فيما يتصل بواجباتها الدعوية ورسالتها الحضارية التي تتفق ومصالح الأمة وترعى همومها) عندما تتزاحم عليها المتطلبات الأسرية والاجتماعية.
ولذلك نافست المرأة الرجل في مجال العمل العام والحياة السياسية على مدار التاريخ الإسلامي وما شهد من نهضة علمية وحضارية وأدبية ونحوها، وها أنا أسجل بعض الأمثلة:
1. هذه نفيسة بنت أمير المؤمنين (الحسن بن زيد بن سبط النبي صلى الله عليه وسلم السيد الحسن بن علي رضي عنهما كانت تذهب إلى المسجد النبوي وتسمع إلى شيوخه وتتلقى الحديث والفقه من علمائه، حتى حصلت على لقب ” نفيسة العلم”. ويذكر القرماني في تاريخه أن السيدة نفيسة- رضي الله عنها- قادت ثورة الناس على ابن طولون لمّا استغاثوا بها من ظلمه، ولما علمت بمرور موكبه خرجت إليه، فلما رآها نزل عن فرسه، فأعطته الرقعة التي كتبتها وفيها: (ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخولتم ففسقتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفّاذة غير مخطئة لا سيما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوعتموها، وأجساد عريتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم اعملوا ما شئتم فإنّا إلى الله متظلمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) يقول القرماني: فعدل من بعدها ابن طولون لوقته وهكذا قادت المرأة الثورة على الظالمين عندما كان لا بد منها.
2. يروي ابن هشام عن ابن إسحاق (أنه لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج (أي الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة) أتى أبا بكر فخرجا من خَوْخَةٍ لأبي بكر في ظهر بيته، ثم عمدا إلى غار بثور (جبل أسفل مكة) فدخلاه … وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما) وهكذا انخرطت المرأة في العمل السري السياسي.
3. تحكي السيدة أسماء بنت أبي بكر: (لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجتُ إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنتَ أبي بكر؟ قلت: لا أدري والله أين أبي. قالت فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي) وهكذا صمدت المرأة في وجه المطاردة والتعذيب.
4. روى أبو بلج يحيى بن أبي سليم قال: (رأيت سمراء بنت نهيل وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وسلم، عليها درع غليظ وخمار غليظ ….. تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر) وهذا الأثر دلالة من دلالات تولي المرأة السلطة التنفيذية او الشرطة أو ما تسمى في التراث الفقهي الإسلامي (الحسبة).
5. رُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولىَّ الشفاء امرأة من قومه السوق.
6. جاء في تاريخ المنتظم لابن الجوزي: (وفي هذه السنة أمرت السيدة أم المقتدر قهرمانة لها تعرف ب (ثمل) ان تجلس بالتربة التي بنتها بالرصافة للمظالم وتنظر في رقاع الناس في كل جمعة).
7. تقول شهيدة الإسلام السيدة بنان الطنطاوي -رحمها الله تعالى: (المرأة المسلمة كانت موجودة في بيعة العقبة الثانية، التي مهدت لهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمرأة المسلمة بادرت مع الرجل المسلم إلى الهجرة بالفعل، وعندما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالخروج إلى المدينة، وحملت مع الرجل المسلم نصيبها من الخطر والألم والمشقة كما رأينا في مثال أم سلمة رضي الله عنها. والمرأة المسلمة كانت أهلا لتؤتمن على سر هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث لم يعلم بهذا السر إلا بضعة أشخاص منهم عائشة وأسماء… والمرأة المسلمة قد أسهمت في مخطط هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي إنجاح هذه الهجرة، وفي حَمل تبعاتها في مالها ونفسها كما رأينا في مثال أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما..).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى