أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

احذروا الغفلة يا جيل التغيير

صحيفة المدينة
يا جيل التغيير احذروا أن تكونوا من الغافلين عن الاستعداد للقاء الموت، ومن الغافلين عن الاستعداد لزيارة القبر، ومن الغافلين عن الاستعداد للقاء الله تعالى، ودونكم تاريخ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، هل استثنى الموت منهم أحد، وهل تخلد منهم أحد وظل في دار دنياه ولم يزر قبره، وهل خلد منهم أحد في قبره أبد الآبدين ولم يقف بين يدي الله تعالى؟ لا نظن انكم تجهلون الاجابة عن أي سؤال من هذه الاسئلة، فكلكم تعلمون علم اليقين انهم كلهم ماتوا، وكلهم زاروا القبر، وكلهم وقفوا بين يدي الله تعالى، إلا من أمد الله تعالى في عمره كعيسى بن مريم عليه السلام لحكمة أرادها الله تعالى، ومع ذلك سيموت، وسيزور القبر، وسيقف بين يدي الله تعالى، ولذلك فإن المطلوب يا جيل التغيير ليس التصديق بهذه اليقينيات فقط، بل المطلوب منكم أن تضبطوا خواطركم ونواياكم وأقوالكم واعمالكم ومواقفكم وآثاركم وفق هذه اليقينيات، وإلا فإن التصديق العقلي بهذه اليقينيات دون التحقق بها كضابط لسيرة حياة كل واحد منكم لن ينفعكم كثيرا، وإن ما اخشاه عليكم أن تقروا بهذه اليقينيات إقرارا عقليا فقط، وأن تسلكوا في حياتكم سلوك الغافل عنها، كأن أحدكم لا يستعد للقاء الموت، ولا لزيارة القبر، ولا للقاء الله تعالى، وعندها قد تجنون ندامات وندامات بلا حدود، أدناها أنكم قد تصابون بداء الغفلة أو بداء قسوة القلب أو بداء سلاطة اللسان أو بداء الميل إلى الدنيا أو بداء تعثر الاخلاص أو بداء الحرص والشح والتردد في الموقف التضحية واعوذ بالله تعالى ان تصابوا بأي داء من هذه المهلكات، وحتى تظلوا في مأمن من هذه المهلكات أحيوا هذه اليقينيات في سيرة حياتكم، فلا تناموا أو تستيقظوا، ولا تقولوا أو تسكتوا، ولا تستقروا أو تسافروا، ولا تصلوا أو تصوموا أو تحجوا او تزكوا، ولا تعملوا من عمل ولو كان إماطة الاذى عن الطريق، ولا تقرأوا القرآن أو تذكروا الله تعالى او تدعوه، ولا تذنبوا أو تتوبوا، إلا وهذه اليقينيات حية في عقولكم وقلوبكم ومشاعركم، وإلا وهي تقول لكم دائما: استعدوا للقاء الموت وزيارة القبر ولقاء الله تعالى، وعندها ستتدفق سيرة كل منكم بالإخلاص والتوبة والتقوى والخشية والتواضع، ولكم في سيرة العاملين الصادقين والعلماء العاملين خير مثال على ذلك:
1. روي أن أبا أبكر الصديق رضي الله عنه مر على طائر واقع على شجر فقال: (طوبى لك يا طائر، تطير فتقع على الشجر، وتأكل من الثمر، وليس عليك حساب ولا عذاب، يا ليتني كنت مثلك، والله، لوددت أنى شجرة إلى جانب الطريق، مر علي بعير فأخذني فلاكني، ثم أزدردني، ثم اخرجني بعرا، ولم أك بشرا).
2. قال ابن عمر: (ولما حضرت الوفاة عمر… غشي عليه، فأخذت رأسه فرفعته في حجري، فقال: ضع رأسي في الأرض لعل الله يرحمني، فمسح خديه بالتراب وقال: ويل لعمر، ويل لأمه، إن لم يغفر له، فقلت: وهل حجري والأرض إلا سواء يا ابتاه؟ فقال ضع رأسي بالأرض – لا أم لك كما آمرك، فإذا قضيت فأسرعوا بي إلى حفرتي، فإنما هو خير تقدموني إليه أو شر تضعونه عن رقابكم. ثم بكى، فقيل: ما يبكيك؟ قال: خبر السماء، لا أدري إلى جنة ينطلق بي أو إلى نار).
3. روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما رجع من صفين دخل أوائل الكوفة، فإذا هو بقبر، فقال: (قبر من هذا؟ قالوا: قبر خباب بن الأرت، فوقف عليه وقال: رحم الله خبابا، أسلم راغبا، وهاجر طائعا، وعاش مجاهدا، ابتلي في جسمه أحوالا، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا. ثم مضى، فإذا قبور، فجاء حتى وقف عليها فقال: السلام عليكم أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، انتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وبكم عما قليل لاحقون، اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم، طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي عن الله تعالى) ثم قال: (يا أهل القبور، أما الأزواج فقد نكحت، واما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت. هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه وقال: أما إنهم لو تكلموا لقالوا: وجدنا أن خير الزاد التقوى).
4. لما حضرت عمر بن عبد العزيز الوفاة قال: (اللهم، إنك أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، وانعمت علي فأفضلت، فإن عفوت فقد مننت، وإن عاقبت فما ظلمت، إلا أني أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله) ثم قضى رحمه الله تعالى.
5. سمع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رجلا يقول: يا ليتني كنت من أصحاب اليمين، فقال ابن مسعود: (يا ليتني إذا مت لم ابعث).
6. قال عمران بن حصين رضي الله عنه: (لوددت أني رماد تسفيني الرياح في يوم عاصف).
7. قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (يا ليتني كنت شجرة، تعضد وتؤكل ثمرتي، ولم أك بشرا).
8. لما حضرت هشام بن عبد الملك الوفاة، نظر إلى أهله يبكون حوله فقال: (جاء لكم هشام بالدنيا، وجدتم عليه بالبكاء، وترك لكم ما جمع، وتركتم عليه ما حمل! ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له!).
9. دخل على المأمون في مرضه الذي مات فيه، فإذا هو قد أمر أن يفرش له جل الدابة، ويبسط عليه الرماد، وهو راقد عليه يتمرغ وهو يقول: (يا من لا يزول ملكه، ارحم من يزول ملكه).
10. لما ثقل عبد الله الملك بن مروان: رأى غسالا يلوي بيده ثوبا، فقال: (وددت أني كنت غسالا لا أعيش إلا بما أكتسبه يوما فيوما، فبلغ ذلك أبا حازم فقال: الحمد لله الذي جعلهم يتمنون عند الموت ما نحن فيه، ولا نتمنى عنده ما هم فيه).
11. قال محمد بن ابي العتاهية: آخر شعر قال أبي في مرضه الذي توفي فيه:
إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني
ومالي حيلة إلا رجائي وعفوك إن عفوت وحسن ظني
فكم من زلة لي في البرايا وانت علي ذو فضل ومن
أجن بزهرة الدنيا جنونا واقطع طول عمري بالتمني
وبين يدي ميقات عظيم كأني قد دعيت له كأني
ولو أنى صدقت الزهد فيها قلبت لأهلها ظهر المجن
يظن الناس بي خيرا وإني لشر الناس أن لم تعف عني
ما أحراكم يا جيل التغيير أن تتدبروا كل هذه المواقف، وعندما ستتذوقون معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم، إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ونفس لا تشبع، وقلب لا يخشع، وعين لا تدمع) رواه مسلم وعساكم عندها أن تتخلصوا مما أنتم فيه من عثرات اللسان والجنان والجوارح وما تخفي الصدور، وعساكم عندها ان تغيروا ما بأنفسكم، وإذا ما غيرتم ما بأنفسكم، فما أسهل عليكم ان تغيروا ما بأنفس الآخرين، وإلا فإنه لا يقود الناس اعمى، بل يقود الناس بصير، ولكم مني خالص الدعاء سلفا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى