أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

من جذور الصراع على القدس والمسجد الاقصى

د. أنس سليمان أحمد
لا بد من التأكيد أنه من أجل نصرة القدس والمسجد الاقصى لا بد من الوعي بتاريخهما، ولا بد من توظيف هذا الوعي (في تغيير الواقع، واستشراف المستقبل، ولذلك يستحيل التقدم وينعدم النهوض عند الذين لا يفقهون ولا يتعرفون على سنن الله وقوانينه وعبره وعظاته من خلال التاريخ) وبات مقطوعا به أن (أية أمة تريد أن تنهض من كبوتها لا بد أن تحرك ذاكرتها التاريخية لتستخلص منها الدروس والعبر والسنن في حاضرها وتستشرف مستقبلها) ولا يخفى على أحد اليوم أن القدس والمسجد الأقصى يرزحان تحت الاحتلال الاسرائيلي، وهي ليست نهاية الطريق، فقد سبق وأن وقعا تحت قبضة الاحتلال الصليبي، وطالت مدة ذاك الاحتلال حتى قاربت على القرن من الزمان ثم اندثر ذاك الاحتلال وانتصرت الامة الاسلامية للقدس والمسجد الاقصى، مما يعني أن حالة القدس والمسجد الاقصى ليست حالة ميؤوسا منها، وكذلك حالة الأمة الاسلامية ليست حالة ميؤوسا منها، ولا بد لهذه الأمة الاسلامية أن تتحقق في ذاتها (النية المخلصة، والإيمان الصادق، والالتزام المسؤول، والذكاء الواعي واستيعاب فقه السنن، والنهوض، وقوانين الحضارات، وبناء الدول) وعندها ستجدد عهد الانتصار للقدس والمسجد الاقصى بإذن الله تعالى.
مرت مرحلة على القدس والمسجد الأقصى عانت فيها الأمة الإسلامية من ويلات المشروع الصليبي والمشروع الباطني، أما المشروع الباطني فقد تزعمته الدولة الفاطمية بمصر، وسامت الأمة الاسلامية سوء العذاب حيث تميزت أيامها التي طالت قرابة القرنين باستباحة (التسلط والجور، وتحريم الإفتاء على مذهب الإمام مالك، وإبطال بعض السنن المتواترة والمشهورة، ومنع التجمعات، و إتلاف مصنفات أهل السنة، ومنع علماء أهل السنة من التدريس، وعطلوا الشرائع، وأسقطوا الفرائض، وإجبار الناس على الفطر قبل رؤية الهلال، وإزالة آثار خلفاء السنة، ودخول خيولهم المساجد) (أنظر كتاب: صلاح الدين الأيوبي- د. علي الصلابي) إلى جانب ذلك فقد سامت الدولة الفاطمية القدس والمسجد الأقصى سوء الخيانة. وأما المشروع الصليبي فقد (تصالح المؤرخون على إطلاق مصطلح الحملات الصليبية على الحركة الاستعمارية الصليبية التي ولدت في هذه الفترة، والتي اتخذت شكل هجوم مسلح على بلاد المسلمين في الشام والعراق والأناضول، ومصر وتونس لاستئصال شأفة الإسلام والمسلمين والقضاء عليهم واسترجاع بيت المقدس) ومن الضروري أن نعلم أن جذور هذه الحركة الاستعمارية الصليبية التي امتدت بين عامي (488-690هـ / 1095- 1291م) نابعة من (الاوضاع الدينية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية التي سرت في غرب اوروبا في القرن الحادي عشر، واتخذت من الدين وقوداً لتحقيق أهدافها) (أنظر كتاب: صلاح الدين الأيوبي- د. علي الصلابي). ومن الضروري أن نعلم أن هذه الحركة الاستعمارية الصليبية هي استمرار لدور البيزنطيين في محاربة الاسلام حيث بدأ دورهم منذ العام الخامس للهجرة عندما حاولوا وأد المشروع الإسلامي منذ العهد النبوي، ثم واصلوا سعيهم لوأد المشروع الإسلامي في الأندلس حتى تمكنوا من إسقاط آخر كيان إسلامي هناك، مملكة غرناطة عام 897هـ واستطاعوا بأساليبهم (التي تجاوزت القيم الإنسانية فضلا عن الدينية على تدمير الوجود الإسلامي في الأندلس، وإزالته من الخارطة الإسبانية ودمج الجماعات الإسلامية قسرا بالمجتمع النصراني دينا وثقافة وسلوكا) (أنظر كتاب: صلاح الدين الأيوبي- د. علي الصلابي). ثم كانت الحركة الصليبية التي امتدت بين عامي (488-690هـ/1095-1291م) والتي هدفت إلى أمرين: الأمر الأول: استئصال شأفة الإسلام والمسلمين، والأمر الثاني: احتلال القدس والمسجد الأقصى، ثم لا تزال روح هذه الحركة الاستعمارية الصليبية تغذي طبيعة تعامل أوروبا بشقيها الشرقي والغربي وأمريكا مع الأمة الاسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني، ومع قضية المسجد الأقصى والقدس، حيث تواصل سعي أوروبا بشقيها إلى إسقاط الخلافة الاسلامية العثمانية والتوغل بجيوشها في عمق أوطان المسلمين والعرب، فتمكنت مؤقتاً من إسقاط الخلافة الإسلامية العثمانية، وتمكنت مؤقتا من الحيلولة دون عودة الخلافة الإسلامية وعودة وحدة الأمة الاسلامية والعالم العربي، وفرضت سطوة استعمارها على أوطان المسلمين والعرب، ثم منحت بريطانيا وعد بلفور للحركة الصهيونية، وحرصت روسيا وسائر الدول الشيوعية في أوروبا الشرقية على بناء القوة العسكرية والقدرات العسكرية للمؤسسة الاسرائيلية في بدايات نشأتها، ثم واصلت أمريكا رعاية المؤسسة الاسرائيلية حتى الآن، ومنذ عام 1291م حتى هذا العام لا زلنا نقف على تصريحات ومواقف تؤكد لنا استمرار تغلغل الحركة الاستعمارية الصليبية في أوروبا بشقيها وفي أمريكا، مما يعني أن هذا المعسكر بكلتا قارتيه لا يزال يسعى إلى استئصال المشروع الإسلامي كمشروع حضاري بديل عن الرأسمالية والشيوعية، ولايزال يسعى إلى وأد أية فرصة لتجديد دور الخلافة الإسلامية، وإلى نزع القدس والمسجد الأقصى من السيادة الإسلامية العروبية الفلسطينية، فهذا (غلادستون) الذي شغل منصب رئيس وزراء بريطانيا ذات يوم قال: (بصراحة أمام مجلس العموم البريطاني وهو يمسك بالمصحف الشريف: ما دام هذا في عقول المصريين، وقلوبهم، فلن نقدر عليهم أبدا) وهذا القائد البريطاني (اللنبي) عندما دخل القدس في مطلع القرن التاسع عشر وهو لا يملك إخفاء صليبيته: (الآن انتهت الحروب الصليبية) وهذا القائد الفرنسي (غورو) عندما دخل سوريا بقوة احتلال العسكري لم يستطع كتمان مشاعره الصليبية، بل ( ذهب إلى قبر صلاح الدين في دمشق، وقال عند القبر: ها نحن عدنا يا صلاح الدين) وهذا جورج بوش الأب عندما وقف يحرض الجيش الأمريكي على غزو العراق قال: (أنتم مقبلون على حرب صليبية) وهذا جورج بوش الابن عاد على نفس هذه الجملة مرتين عندما وقف يحرض على تدمير العراق، وهذه أوروبا بشقيها وأمريكا دعمت كل الانقلابات المضادة للربيع العربي، لأنها رأت بنجاح الربيع العربي فرصة لنجاح المشروع الإسلامي، فكان أن دعمت انقلاب حفتر على الشرعية الليبية، ودعمت انقلاب السيسي على الشرعية المصرية، وكان أن ألقى بوتين بكل ثقله لدعم الطاغية بشار على حساب تدمير سوريا وترك الشعب السوري ما بين شهيد وجريح ولاجئ وأسير ومحاصر، وتم دعم الحوثيين على حساب الشرعية اليمنية، ودس بعض الدول العربية أنفها في اليمن لتدمير مقومات المشروع الاسلامي الذي كان متمثلا بحزب الإصلاح فيها، ثم ها هو ترامب ينقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ويعلن عن القدس عاصمة موحدة بشرقها وغربها للمؤسسة الاسرائيلية ويعلن عن صفقتة الكارثية. فقصة الصراع على فلسطين التاريخية بعامة وعلى القدس والمسجد الأقصى بخاصة لم تبدأ منذ 1967م ولا منذ عام 1948م، ولا منذ قرار التقسيم، ولا منذ وعد بلفور، ولا منذ الحركة الصليبية الاستعمارية، بل بدأت جذورها منذ أن حشد البيزنطيون عددهم وعدتهم لوأد المشروع الإسلامي الفتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإن فقه حقيقة جذور هذا الصراع على القدس والمسجد الأقصى وحقيقة الخطر الذي تهددهما ولا يزال يتهددهما من المشروع الباطني تارة أو من المشروع الصليبي تارة ثانية أو من المشروع الصليبي الصهيوني تارة ثالثة، إن فقه حقيقة جذور هذا الصراع هي ضرورة لا بد منها بغية تجديد استراتيجية نصرة القدس والمسجد الأقصى، ثم إن الذي يدرس أسباب انتصار القدس والمسجد الاقصى في محطات الصراع السابقة يوقن أنهما سينتصران في محطة الصراع الآنية، ويوقن مدى (أهمية العلماء الربانيين في إيقاظ الأمة، وتربية الجيل على عقيدة الإسلام الصحيحة، وتحرير الولاء لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ووحدة الأمة، ووضوح الراية الإسلامية للمعركة، ووجود استراتيجية بعيدة المدى، وكوادر علمية تحيط بالواقع علما، وأهمية توبة الأمة، وعودتها إلى الله عز وجل، وبعدها عن المعاصي..) (أنظر كتاب: صلاح الدين الأيوبي- د. علي الصلابي) ولذلك فإن الانتصار في حطين الذي كان المقدمة الأولى لتحرير القدس والمسجد الأقصى من الصليبيين، لم يتحقق من فراغ، بل إن أسباب ذاك الانتصار كانت: (التعامل مع السنن، کسنة الإعداد والأخذ بالأسباب، وسنة التدرج، وبعد نظر صلاح الدين وحنكته السياسية، وإخلاصه العظيم لله، وتطبيق شرع الله في دولته، وبركات ذلك، كالاستحلاف، والتمكين والأمن والاستقرار والعز والشرف والنصر والفتح، وأثر العدل في تحقيق الانتصارات وإعداد جيل مقاتل، فيه صفات جيل التمكين، وحسن الصلة بالله، واللجوء إليه بعد الإعداد، ونجاح العمل الاستخباري) (أنظر كتاب: صلاح الدين الأيوبي- د. علي الصلابي) ثم إن الذي يدرس شخصية صلاح الدين الأيوبي الذي أكرمه الله بنصر حطين ثم تحرير القدس والمسجد الاقصى يجد أن صلاح الدين لم يكن شخصية سياسية عسكرية فقط، بل يقف على شخص له رصيده المبارك من (.. تقواه، وعبادته، وعدله وشجاعته وكرمه واهتمامه وحلمه ومحافظته على أسباب المروءة وصبره واحتسابه ووفائه…) ولذلك لن يصلح حال القدس والمسجد الاقصى اليوم إلا بما صلح به حالهما في الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى