أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة المرأة للبحث عن الذات وبنائها

أمية سليمان جبارين (أم البراء)
خاضت المرأة معركة البحث عن الذات وبناء الذات والتحرر من مدمري شخصيتها وسالبي حقوقها وممتهني كرامتها، خاضت هذه المعركة جنبا إلى جنب مع الرجل في بداية البعثة النبوية في العهد المكي، فأسلمت تتحدى ظلامية الوثنية، وصبرت على العذاب والشدائد مخالفة وثنية أبيها وزوجها وأخيها، وهاجرت في سبيل المبدأ الذي أكرمها من مكة المكرمة إلى الحبشة ثم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وقدمت التضحيات نصرة لذاك المبدأ، فكانت من صفوفها أول شهيدة في الإسلام، وجادت بمالها وصبرت على شظف العيش وجنّدت طلاقة لسانها وفصاحة بيانها لنشر المبدأ الذي اعتنقته في صفوف النساء. ونجحت خلال ذلك ببناء شخصيتها في أبعادها العبادية والتعليمية والاجتماعية والجهادية والسياسية والاقتصادية، ولا شك أنه يطول الحديث عن كل هذه العناوين ولذلك سأكتفي بهذا الإيجاز:
1- في المجال العبادي شهدت المرأة الجمعة والجماعة وصلاة العيدين بل حتى شهدت صلاة الكسوف، وفي ذلك تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (كنّ نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر….)، وكانت تحفظ القرآن الكريم سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك تقول أم هشام بنت حارثة بن النعمان: (ما حفظت- سورة (ق) إلا من في-أي فم – رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وكانت تسارع إلى المسجد إذا ما نودي في المسلمين حضور المسجد لأمر جامع، وفي ذلك تقول فاطمة بنت قيس: (نودي في الناس أن الصلاة جامعة فانطلقت فيمن انطلق من الناس، فكنت في الصف المقدَّم من النساء، وهو المؤخر للرجال).
2- وفي المجال التعليمي حرصت المرأة على حضور مجالس العلم، وعلى تخصيص دروس للنساء لغلبة الرجال على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أن تفوقت المرأة في علوم الحضارة الإسلامية، وبرزت في علم الحديث ومعرفة رواته، وفي ذلك يقول عطاء بن رباح رحمه الله تعالى: (كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيا)، وقال محمد بن شهاب الزهري رحمه الله تعالى عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية رحمها الله تعالى: (وجدتها بحرا لا ينزح) وعن أبي الهيثم، روت كريمة المروزية صحيح البخاري، وقال عنها الحافظ الذهبي: (كانت إذا روت قابلت بأصلها، ولها فهم ومعرفة مع الخير والتعبد، روت الصحيح مرات كثيرة…)، وقد وصّى محدث هراة أبو ذر الهروي- رحمه الله تعالى-طلبته ألا يأخذوا صحيح البخاري إلا عنها، وقال عنها أبو بكر بن منصور السمعاني: (سمعت الوالد يذكر كريمة ويقول: وهل رأي إنسان مثل كريمة). وهذه فاطمة بنت محمد بن أحمد السمرقندي رحمها الله تعالى كانت الفتوى تخرج من بيتها عليها توقيعها وتوقيع أبيها وزوجها، فلما مات أبوها صارت الفتوى تخرج من بيتها بتوقيعها وتوقيع زوجها. وكان السلطان نور الدين زنكي – سلطان حلب – يعرف قدرها ويستفتيها في بعض المسائل ويستشيرها في بعض أمور دولته الداخلية.
3- وفي المجال الاجتماعي أسهمت المرأة في الحياة الاجتماعية في محيطها الخاص وميدانها العام، فقد كانت تفتح بيتها للضيفان مثل أم شريم حيث كانت عظيمة النفقة في سبيل الله ينزل عندها الضيفان، وكانت المرأة تنهض بالرعاية الصحية وفي ذلك تقول أم العلاء: (اشتكى عثمان بن مظعون عندنا فمرَّضته حتى توفي).
4- وفي المجال الجهادي كانت المرأة تغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تخدم القوم، وتسقي العطشى، وتداوي الجرحى، وتنقل القتلى إلى المدينة. وفي ذلك تقول الربيع بنت معوذ: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة، ومن النساء من كانت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها بالشهادة مع أول غزاة للبحر، ويستجيب لها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأم حِرام بنت ملحان رضي الله عنها، فاستشهدت زمان معاوية رضي الله عنه.
5- وعلى الصعيد السياسي برز وعي المرأة بالشأن العام، فقد قدمت مشورتها الراجحة في صلح الحديبيه، ونهضت بموجبات بيعتها: هجرة وموالاة وتحملا للشدائد ونصحا لولاة الأمر.
6- وفي المجال الاقتصادي نهضت المرأة بدور ملموس سعيا لتوفير حياة كريمة، وعونا لزوجها، وإعالة لأسرتها، وبذلا في سبيل الله تعالى، فهذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه يروي لنا أن امرأة من الأنصار هي أول من صنع منبر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وقامت المرأة على رعاية حائط نخلها وفي ذلك يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه: طُلقت خالتي فأرادت أن تجدَّ نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (بلى.. فجدّي نخلك فأنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا).
ومارست المرأة الصناعات المنزلية، حيث ورد في الطبقات الكبرى لإبن سعد: أن امرأة عبد الله بن مسعود وأم ولده كانت امرأة صَناعا، فقالت: يا رسول الله إني امرأة ذات صنعة أبيع منها وليس لي ولا لزوجي ولا لولدي شيء، وسألته عن النفقة عليهم فقال: (لك في ذلك أجر ما أنفقتِ عليهم). وعالجت المرأة بالرقية وفي ذلك يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: (أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل بيت من الأنصار أن يُرقوا من الحُمة والأذن) وهكذا أعادت المرأة صناعة نفسها من جديد بعد مرحلة امتهان لها خلال معركة بحثها عن ذاتها منذ فجر بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيرا مع صعود نجم الحضارة الإسلامية العالمية التي سادت الأرض على مدار قرون زاهية، والتي ستجدد دورها في قادمات الأيام القريبة وإن غدا لناظره قريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى