حتى يكون رمضان المبارك شهر خيرات لا شهر كورونا
صحيفة المدينة
لا أحد يتمنى الداء، ولا أحد يرضى لنفسه أن يقف متفرجا على الداء وهو ينخر جسده، ولا أحد يفرح إذا أصاب الداء غيره ولوكان هذا الغير عدوه، بل نحن مطالبون أن نأخذ بأسباب الوقاية كلها حتى لا يصيبنا الداء أصلا، ونحن مطالبون إذا ما أصابنا الداء أن نتداوى، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تداووا عباد الله فإن لكل داء دواء)، ونحن مطالبون أن نحفظ على أنفسنا صحة الدين والدنيا، وصحة القلب والجسد، وصحة الفرد والمجتمع، وصحة البيت والمسجد والمدرسة، إذا ما دهمتنا جائحة كجائحة الكورونا التي رمتنا بدائها على صعيد عالمي ومحلي منذ بضعة أشهر، وها هو رمضان المبارك قد هلّ علينا بحمد الله تعالى، وحتى يكون رمضان المبارك شهر خيرات لا شهر كورونا فإنني أسجلّ هذه الملاحظات عساها أن تلقى آذانا صاغية:
لقد فعل خيرا المجلس الإسلامي للإفتاء عندما دعا الأهل مؤقتا للصلاة في بيوتهم سواء كانت الصلاة صلاة جماعة أو جمعة أو تراويح أو صلاة عيد الفطر، ولذلك نتمنى على الأهل الانضباط بهذا التوجيه الراشد الذي صدر عن هذا المجلس الكريم.
إلى جانب ذلك فإننا نتمنى على المجلس الإسلامي للإفتاء وهو خير عنوان لأمور ديننا أن يبين لنا الحد الضروري المطلوب للحفاظ على رمزيات شعائرنا العبادية، وأقصد بذلك أن نحافظ دائما على رفع الأذان وأن نحافظ على صلاة الجمعة والجماعة والتراويح والعيد بحدها الأدنى الذي لا يتحول إلى ضده، وأن تقوم هذه الصلوات على الإمام والمؤذن فقط، إلى جانب ضرورة التزام سائر الأهل بأداء الصلوات في بيوتهم.
نتمنى على الأهل ألا يكون البديل عن إيقاف الصلوات في المسجد مؤقتا هو السهر ليلا واللهو نهارا، بل المطلوب أن يحرص الوالدان في كل بيت أن يؤدوا صلاة الجماعة والتراويح والعيد في بيوتهم مع أبناء بيتهم فقط.
نتمنى على الأهل أن يحافظوا في رمضان على نظام التباعد الاجتماعي إذا لا يعقل أن تتوقف الصلوات في المساجد، وفي المقابل نقيم السهرات والولائم والاحتفالات التي ضمّت أكثر من خمسين نفرا كما حدث ذلك في بعض بلداتنا مع شديد الأسف.
رمضان هو رمضان وله خصائصه المباركة التي ينتظرها الجميع منّا ويحرصون عليها، فيا حبذا لو قمنا بها بالحد الضروري على قاعدة (لا إفراط ولا تفريط) فلا بأس أن نزين مداخل بيوتنا احتفاء بقدوم رمضان المبارك ولكن بدون إسراف ومبالغة، ولا بأس أن نحرص على حلويات رمضان المبارك كالقطايف والكنافة ولكن أن نعدّها في بيوتنا فقط، ولا بأس أن نعدّ في ختام رمضان المبارك كعك العيد ومعمول العيد ولكن أن نعدّها في بيوتنا فقط، ولا بأس أن نحرص على التزاور في رمضان المبارك وعلى صلة الرحم فيه وعلى طبخة رمضان فيه ولكن بواسطة الهاتف فقط أو مواقع التواصل فقط، وهو واجب علينا وليس من باب الهوى، وها هو القرآن الكريم يقول لنا: (ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة) وهذا يعني أننا مطالبون اجتناب ما قد يهدد سلامة الفرد والبيت والمجتمع وفق ما يجمع علينا صحة الدين والدنيا والقلب والبدن، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لنا: (لا ضرر ولا ضرار)، فلا يجوز لنا على ضوء هذا الحديث الشريف أن نجلب الضرر على أنفسنا أو على غيرنا، وإلا من أهمل عن سبق إصرار وجلب الضرر على نفسه أو على غيره فهو مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنحذر وننتبه.
لا عذر لبعض الأهل أن يستعدوا منذ الآن لإقامة الافطارات الرمضانية التي قد تضم العشرات من أبنائهم وأحفادهم وأن يجتمعوا على مائدة رمضانية واحدة، ففي ذلك مخالفة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الظرف الاستثنائي الذي نعيش فيه، وفي ذلك التسريع بنشر جائحة الكورونا، ولا يعقل أن نصوم رمضان استجابة للهدي القرآني الذي يقول لنا: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) وأن نخالف في نفس الوقت روح القرآن الكريم.
نتمنى على التجار على اختلاف تجارتهم أن يتذكروا أن شهر رمضان هو شهر الرحمة، والمطلوب أن نتراحم فيه، بعيدا عن رفع الأسعار واحتكار السلع بما يخالف مبدأ التراحم الرمضاني مع الدعاء لكل تجارنا أن يبارك الله تعالى في تجارتهم وأن تعود عليهم بالربح الحلال.
نتمنى على كل أهلنا أن نستقبل رمضان بتجديد إيماننا، ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جددوا إيمانكم، قالوا كيف نجدد إيماننا يا رسول الله، قال: قولوا لا إله إلا الله، وأن نستقبل رمضان باستحضار التوبة النصوح والتنافس في الطاعات والتواصل مع القرآن الكريم والإكثار من الدعاء والاستغفار والصدقات.
نتمنى على الأهل التعجيل بإخراج الزكاة وصدقة الفطر في الأيام الأولى من رمضان المبارك، حتى ندعم بذلك دور لجان الزكاة المحلية ولجنة الزكاة القطرية التي تواجه الآن جائحة اجتماعية يتهدد فيها كثيرا من بيوتنا الفقر والجوع إلى جانب جائحة الكورونا.
نتمنى على شبابنا بخاصة أن يتجنبوا في رمضان المبارك مظاهر التسكع في الشوارع والتجوال في سياراتهم حتى ساعات الليل الأخيرة والجرأة على رفع صوت مسجلات سياراتهم إلى حد مزعج يفسد على كل أهلنا صفاء رمضان المبارك، وهي فرصة لشبابنا أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا، وأن يتوبوا إلى الله تعالى، وأن يستعدوا للقاء الله تعالى، ومن يدري لعل ما ينتظرنا بعد جائحة الكورونا هو أشد من الكورونا، فبئس حياة الغفلة والتلهي والمعاصي بعيدا عن طاعة الله تعالى، فاليوم الكورونا، وغدا لعل هناك ما هو أخطر منها.
نتمنى على أهل العلم الشرعي وعلى الدعاة وأئمة المساجد أن يتواصلوا مع كل أهلنا ولكن بواسطة الهاتف فقط أو مواقع التواصل فقط، وأن يسألوهم عن أحوالهم، وأن يدعوهم للتوبة إلى الله تعالى، ففي ذلك إيناس لكل الأهل وإشعار لهم أننا ما نسيناهم وما هم بمعزولين ولا محاصرين، وإن هناك عيونا تسهر على راحتهم.
هو رمضان المبارك، وهي فرصة أن يصطلح كل رجل منّا أو امرأة مع الله تعالى، وهي فرصة أن يصطلح الخصماء فينا، وأن تتآلف قلوبهم وأن تتصافح أنفسهم، وأن يطهّروا صدورهم من أي حقد أو شقاق أو نزع إلى الشر والأذى، وما أروع أن نحيي رمضان بلا جائحة الكورونا وجائحة العنف.
تقبل الله تعالى منّا ومنكم الصيام وكل عام وأنتم بخير.



