معركة الوعي (18).. لم يضيّعوا البوصلة بل خرّبوها!!

حامد اغبارية
إن التعاطي مع قضية الذين “خربوها وقعدوا على تلّها” من يوم أن قرروا الذهاب إلى الكنيست الصهيوني كان وما يزال من منطلق أنه “ليس بعد الكنيست جريمة”، بحق شعبنا وعذاباته وحقوقه وصفحات نضاله. بمعنى أن أخطر وأسوأ فعل سياسي ومبدئي يرتكبه فلسطيني في هذه البلاد هو المشاركة في الكنيست عضوية وتصويتا، وكل سلوك بعد ذلك لا يشكل في الحقيقة مفاجأة ولا صدمة. فكل شيء متوقع أن يحدث هناك. وكل سلوك يمكن أن تتخيله أو يخطر في بالك واردٌ في الحسبان أن يحدث. فلا تتصنّع الصدمة ولا ترفع حاجبيك تعجبا ودهشة عندما تسمع عضو كنيست عربي أو تراه يرقص على أنغام المشروع الصهيوني. هذه قناعاتي التي أؤمن بها، ولا أظن أن “بطولات” الكنيست وعنتريات لجانها، وفتل العضلات على شاشات التلفزيون يمكن أن يغير من هذه القناعة قيد أنملة.
لذلك أستغرب من الذين استغربوا أن يقف عضو الكنيست الدكتور منصور عباس “في عقر دارهم” يشرح إنسانية الإسلام والموقف من الكارثة التي تعرض لها الشعب اليهودي على أيدي النازية الهتلرية، مُبدياً تمام التعاطف مع عذابات هذا الشعب.
لست من الذين ينكرون وقوع تلك الأحداث في ألمانيا النازية وسقوط الضحايا في مشهد دموي غير مسبوق في تاريخ البشرية، إبان الحرب العالمية الثانية، ولست كذلك من الذين ينسون أو يتغافلون أو يتظاهرون بالنسيان أن ضحايا تلك الحرب، التي ما تزال شعوب العالم تعاني من تبعاتها وآثارها حتى هذه اللحظة، لم يكن عددهم ستة ملايين فقط، بل أكثر من 21 مليونا غالبيتهم العظمى من المدنيين الأبرياء. وليس بين الضحايا أبيض وأسود، ولا سيد ولا عبد، ولا رفيع ولا وضيع. كلهم في الوجع الإنساني سواء.
لا أحد يمكنه أن يزاود على إنسانية الإسلام، ورفضه لكل أنواع الاعتداءات على النفس البشرية البريئة الآمنة. وهذا يعرفه كل مخلوق بشري على هذا الكوكب، فمنهم من يعترف إنصافا، ومنهم من يُنكر مكابرة وعداوة وبُغضا. ولكن ليس مطلوبا مني أن أقف كلما “دق الكوز في الجرة” لأبيّن للآخر كمْ أنا لطيف ومتعاطف وكيوت ولايت، وأن “إنسانيتي” غلبت قضيتي، وأنني أترفَّع في لحظةٍ ما عن كون المشروع الصهيوني يدوس على رقبتي صباح مساء بلا رحمة، ويتمنى أن أختفي عن ناظريه. بكلمات أخرى: لن يرضى عني حتى لو أضأت أصابعي العشر له شمعا، كما يقال في المثل الشعبي.
لستُ ملزما أن أقف مثل هذا الموقف، وأنا جزءٌ من شعب ما تزال قضيته ملتهبة، و “بالصدفة البحتة” فإن هذه القضية هي تحديدا – ويا للعجب-نتاج الجريمة التي ارتكبها المشروع الصهيوني في وطني وفي بلدي وفي بيتي وفي أرضي. ذلك المشروع الذي يستدعي كل الدنيا للبكاء على ضحاياه الذين راحوا، مثل ملايين أخرى، ضحية لأطماع ألمانيا النازية.
لو كانت الظروف مختلفة، ولو كانت الجغرافيا مختلفة، ولو كانت التفاصيل مختلفة، ولو لم أسقط أنا كشعب ضحية لأطماع المشروع الصهيوني، لكان الأمر مختلفا، ولربما كنت أنا شخصيا من الذين يكتبون مدافعين عن ضحايا الإجرام النازي، كلِّ ضحاياه، دون تمييز. فديني علمني ألا أميز بين إنسان وإنسان، ولا أعادي شخصا أو جماعة أو شعبا بسبب دين وعقيدة. لكنه علمني أيضا أن أكون شجاعا في الحق، وألا أستخذي، وألا أكون إمّعة، وألا أجامل أحدا في الحق، وألا أحيد عن جادة الصواب.
للأسف أنا فلسطيني مشغول الآن بقضية شعبي، الذي يعاني منذ سبعة عقود ونيف، من ظلم تاريخي وقع عليه، ومن تزوير للتاريخ والجغرافيا والآثار والرواية.
قضية شعب اختُطف وسُرق منه كل شيء.
قضية شعب يصارع الآن في مواجهة الدنيا كلها، في غزة وفي الضفة وفي الشتات، وفي الداخل.
قضية شعب هي قضية الأمة كلها، وما تزال تنتظر الحل العادل، ليس بأكذوبة عدالة الأمم المتحدة، ولا دجل عدالة أمريكا، ولا خديعة عدالة الاتحاد الأوربي ولا زيف عدالة روسيا، ولا مهانة عدالة زرائب العار وحظائر الخيانة من أنظمة البطش العربية، ولكنها عدالة السماء، التي تحسم كل شيء وتضع النقاط على كل الحروف.
لماذا عليّ أن أتجمّل بكل هذه المساحيق وأتباكى على ضحايا النازية، في الوقت الذي يمارس فيه أحفاد ضحايا النازية أوسخ أنواع الممارسات اللاإنسانية ضد أبناء شعبي، قمعا وقتلا وتجويعا وحصارا وسجنا وتضييقا وعنصرية، واعتداءً على مقدساتي وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، هذا عدا تطويع أطراف الدنيا الأربع لخدمة الرواية الصهيونية على حساب الحق الفلسطيني وروايته؟
لست مدينا لأحد ولا أحمل شعورا بالذنب، ولا يجب أن أحمل هذا الشعور، كي أقف مثل هذا الموقف. ولست مسؤولا كشخص وكشعب وكأمّة عما ارتكبته النازية بحق اليهود وبحق غيرهم من شعوب أوروبا، فأنا لم أكن هناك ولم أشارك، لا كفلسطيني ولا كعربي ولا كمسلم، فلماذا عليّ أن أقف وأنا أكاد أذرف الدموع، في الوقت الذي لا أملك حتى أن أُلزم مُضطهِدي بمجرد تخفيف معاناة عجوز تسكن خُربوشا أو خيمة متهالكة في النقب؟
إلى أين تريد أن تصل القائمة المشتركة؟؟
في الحقيقة لا يهمني إلى أين تريد أن تصل، لأنها في الحقيقة عندما وصلت الكنيست فليس بعد الكنيست جريمة. ما يهمني فعلا أن يستيقظ هذا الجزء من شعبنا، الذي مورست عليه اللعبة-الخديعة طوال سبعة عقود، وأن يعيد للبوصلة اتجاهها لصحيح قبل أن يدمرها مشروع الكنيست.
نكتة الموسم السياسية (1):
عضو الكنيست عن المشتركة د. مطانس شحادة يعتبر أن تعيين وزير عربي لشؤون الأقليات في حكومة نتنياهو غانتس، هو إهانة للعرب. ويصرّح بكل قوة وشجاعة!! لن نتعامل مع هذا الوزير!
أليست هذه نكتة الموسم؟
يتساءل شحادة: شو يعني وزير أقليات؟ وهو يعلم الجواب، ويعلم أنه لو أن جانتس شكل الحكومة وتفضل عليهم بوزير لما أعطاهم أكثر من منصب وزير أقليات. وعندها كانوا سيسمونه إنجازا.
ثم السؤال: هل هذا يعني أن شحادة يعتبر نفسه جزءا لا يتجزأ من الحالة الإسرائيلية، بحيث أنه من حقه أن يكون التعامل معه مثل موشيه وعزرا؟
ثم ها أنتم منذ سنوات طويلة تتعاملون مع الوزراء الأصليين من أردان إلى درعي إلى قحلون إلى غيرهم، بل تعاملتم مباشرة مع نتنياهو، فماذا حققتم؟ لا شيء!!
أقول لك يا صديقي: إذا عُيّن وزير للأقليات ستكونون أول من يتعامل معه، لأنه ببساطة سيكون مدخلكم الوحيد للوصول إلى سائر الوزارات… أنت تعرف هذا، كلنا نعرف هذا..
ثم أنت زعلان عشان تعيين وزير أقليات، ومش زعلان عشان كل الوزراء الذين هم ليسوا للأقليات لا يرونك ولا يرونني من نصف سنتمتر؟
نكتة الموسم السياسية (2):
رئاسة مقاطعة رام الله (أدام الله عزها!) تقول إن ضم الضفة سيشعل المنطقة، وإن ردنا سيكون قويا؟ والرئيس يقول: إذا أقدمت إسرائيل على ضم أراض من الضفة سنلغي جميع الاتفاقيات.
عن جدّ هالحكي؟
ودَخْلك هذا الرد قديش راح تكون قوته على سلم ريختر؟
ثم الله يخرب بيت هالاتفاقيات التي كل ما غرد بلبل نتنياهو بتهددوا بإلغائها!
يا ريّس: سيضمّون مناطق من الضفة بمساندة غانتس، ولن تلغوا أية اتفاقية.



