أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

رمضانيات: كن مثل مسروق ولا تكن مثل طه حسين

الشيخ كمال خطيب

# كن من الرعيل الأول
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: “خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حار، حتى أن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحرّ وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحه” رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى على سريّة في البحر فبينما هم كذلك قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة إذا هاتف فوقهم يهتف: يا أهل السفينة!! قفوا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه فقال أبو موسى: أخبرنا إن كنت مخبرًا، قال: إن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف سقاه الله يوم العطش، قال: فكان أبو موسى يتوخى اليوم الشديد الحر الذي يكاد الانسان ينسلخ فيه حرًا فيصومه” حديث حسن رواه ابن عباس كما في الترغيب والترهيب رقم 974.
كان الحسن البصري يسمي أهل الصيام في أيام الحرّ بـ”الرعيل الأول” لأنهم بذلك يتقدمون صفوف الأتقياء الأنقياء بهذه القربى والطاعة لله تعالى. فعن الحسن البصري رحمه الله أنه عُرض عليه يومًا طعام فقال: إني صائم، فقيل له: في هذا الحرّ الشديد؟ قال: “أحب أن أكون من الرعيل الأول”.
وها هو عامر بن قيس وقد انتقل للإقامة من البصرة إلى بلاد الشام وكان عليها معاوية رضي الله عنه، فبعث إليه معاوية يقول له: إن كانت لك حاجة نقضيها، فأنت ضيفنا وعالمنا فقال: لا حاجة لي. لكن معاوية عاد وأرسل إليه من يلحّ عليه إن كانت له حاجة فيقضيها له، فقال عامر: إن حاجتي إليك أن تردّ عليّ حرّ البصرة لعلّ الصوم أن يشتدّ عليّ شيئًا لأنه يخفّ عليّ في بلادكم”.
يقصد أن طقس بلاد الشام كان مريحًا ولطيفًا فيسهل الصيام فيه وليس كحرّ العراق وخاصة منطقة البصرة حيث الحرّ الشديد، فإنه يتلذذ أكثر بالصيام في الحرّ الشديد لما فيه من أجر وثواب.

# الحجاج والأعرابي الراعي
خرج الحجاج يومًا إلى الصحراء، فلمّا حان وقت طعامه قال: اطلبوا من يتغدى معي، فكان لا يحب أن يأكل وحده وإنما أن يكون معه ضيوف، فخرجوا ورجعوا بأعرابي كان يرعى نوقًا له. سلّم الأعرابي وجلس، فقال له الحجاج هلّم أيها الأعرابي.
فقال الأعرابي: دعاني من هو أكرم منك فأجبته.
قال الحجاج: ومن هذا الذي هو أكرم مني.
قال الأعرابي: دعاني الله إلى الصوم، فأنا صائم.
قال الحجاج: وصوم في مثل هذا اليوم الحارّ؟!
قال الأعرابي: صمت هذا اليوم ليوم أشد منه حرًا.
قال الحجاج: أفطر اليوم وصم غدًا.
قال الأعرابي: ويضمن لي الأمير أن أعيش إلى غدٍ؟
قال الحجاج: ليس ذاك لي.
قال الأعرابي: فكيف تسألني عاجلًا بآجل ليس إليه سبيل؟!
قال الحجاج: ولكن طعامنا طيّب فلا يفوتك.
فقال الأعرابي: والله ما طيّبه خبّازك ولا طبّاخك.
قال الحجاج: فمن طيّبه إذن؟!
قال الأعرابي: طيّبه العافية.
قال الحجاج: تالله ما رأيت مثل ما رأيت اليوم من هذا الأعرابي.

# يا مسروق القلب
قال ابن مسعود رضي الله عنه: “أطلب قلبك في ثلاث مواطن: عند سماع القرآن، وفي مجالس الذكر، وفي أوقات الخلوة. فإن لم تجده في هذه المواطن فَسلِ الله أن يمنّ عليك بقلب فإنه لا قلب لك”.
فإذا كان قلبك قد سرقه منك الشيطان فغرِقت في بحر الدموع والمعاصي والآثام حتى أنك لا تقرأ القرآن وإذا قرأت لا تخشع، وحتى أن لسانك قليل الذكر لله تعالى، وحتى أنك تتجرأ على الله بمعصيته في خلواتك، فإن كنت كذلك فإن الإمام مسروق يدلك كيف تستعيد قلبك وإيمانك المسروق. فعن الإمام الشعبي قال: “غُشي على مسروق في يوم صائف وهو صائم، أي أنه أغشي عليه ودخل في غيبوبة، فقالت له ابنته بعد صحوته: أفطر يا أبت وأشفق على نفسك. فقال لها: ما أردت بي يا ابنتي؟ قالت: أردت الرفق بك. فقال مسروق: يا بُنيتي إنما أطلب الرفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة”.
فإن لم ينجح مسروق بموعظته في أن يستعيد لك قلبك المسروق فلعلّ حسين بن رستم الأيلي أن يفعلها. فاستمع إليه يوم دخل على قوم وهو صائم، فقالوا له أفطر. فقال: إني وعدت الله وعدًا وأنا أكره أن أخلف الله ما وعدته”.
فيا مسروق القلب أيها الشاب العاصي كم مرة وعدت الله أن تتوب، وكم مرة قلت في رمضان القريب سأتوب وما تبت، وفي رمضان سأصوم وأصلي وما فعلت، فكم مرة وعدت الله فأخلفت. فها هو رمضان قد بدأ فأوعد ربك وخذ عهدًا على نفسك ألّا تخلف الوعد هذه المرة، فلعلك بذلك أن تستعيد قلبك المسروق.

# أربعة آلاف ختمة في رمضان
إنه عبد الله بن إدريس، الرجل الصالح الذي كان يحتضر وكانت ابنته واقفة عند رأسه وقد أخذ يشهق شهقات الموت، بينما ابنته تبكي، فكانت لحظات أنطق الله بها لسانه، فقال لابنته وهو ينظر إليها: لا تبكي يا ابنتي فوالله إني ختمت القرآن وأنا صائم في هذا المكان أربعة آلاف ختمة استعدادًا لهذه اللحظة، فلا تبكي على أبيك يا ابنتي. يا ابنتي ألم أعلّمك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “الصيام والقرآن ليشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام أي ربي إني منعته الطعام والشهوة فشفّعني فيه، ويقول القرآن أي رب منعته النوم بالليل فشفّعني فيه، فيشفعان”.
وإنه ذاك الرجل الصالح الذي دخل على صديق له وهو يحتضر، فراح يؤمله ويرجّيه بربه خيرًا، فانتبه الرجل الذي يحتضر وقال لصديقه” وكيف لا أرجوه وأنا الذي صمت له ثمانين رمضان”.
إنه يقصد أنه مطمئن إلى زاده الذي تزوّد به، وأنه الذي قضى عمره كله في طاعته سبحانه حتى أنه مرّ عليه في حياته ثمانون رمضان كان قد صامها كلها لله تعالى. فإذا كان هو فعل ذلك لأجل الله، فإنه على ثقة أن الله سبحانه هو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، وأنه بذلك الصيام وتلك القربات فإنه سيدخله في رحمته ويدخله جنته.

# لا تكن مثل طه حسين
كم هم مساكين وأشقياء أولئك الذين يحرمون نعمة صيام رمضان، وحتى إذا صاموا فإنهم لا ينالهم من صيامهم إلا الجوع والعطش.
كم من المسلمين من يفعلون لجهلهم فعل غير المسلمين، فإذا اقترب رمضان سبقوه بأيام طعام وشراب يسمونها “أيام توديع الطعام والشراب”. وليت الأمر يتوقف عند ذلك، فإن البعض يتجاوز حدود ذلك إلى حد ارتكاب المعاصي والآثام وشرب المحرمات بدعوى أنه سيحرم منها في رمضان وقت سمع أحدهم يقول:
إذا العشرون من شعبان ولّت فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار فإن الوقت ضاق على الصغار

أي أنه يقول لأصدقاء السوء إن رمضان قد اقترب فاشرب خمرك ليلًا ونهارًا وبأكواب كبيرة وليست صغيرة، لأن في رمضان لن تجد مبتغاك.

وإن شقيًا آخر قد نصحه أحدهم بالصيام فصام، ولكنه عاد وندم على ذلك وأقسم ألّا يصوم رمضان في حياته أبدًا فقال:
دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ولا صمت شهرًا بعده آخر الدهر
فكان أن أصابه داء الصرع فكان يصرع في اليوم أكثر من مرة فمات قبل أن يدركه رمضان القادم الذي أقسم ألّا يصومه.
بل إنه طه حسين الذي فتن بالغرب وأخلاقه رغم أنه كان حافظًا للقرآن في صغره وقد تخرّج من الأزهر وكان بارعًا باللغة العربية لغة القرآن، حتى أنه سمي “عميد الأدب العربي”. فقد وصل به الأمر ليس فقط بالمجاهرة بالإفطار في رمضان وإنما وصل حد قوله:
لو أن لي بالناس حكمًا نافذًا ألزمت بالافطار كل الناس
أي لو كان الحكم بيدي لأصدرت القوانين والأحكام التي تلزم الناس بالإفطار وعدم صوم رمضان.
وإن كنا قرأنا أنه قد تاب عن أفكاره هذه في آخر حياته واستقام أمره رحمه الله تعالى.
فيا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيّره أيضًا شهر عصيان
واتل القرآن وسبح فيه مجتهدًا فإنه شهر تسبيح وقرآن
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى