رد الاعتبار الحق للمرأة
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
كانت المرأة تُعد من سقط المتاع عند اليونان، وسلعة تُباع وتُشترى في الأسواق، ولا حق لها في ميراث، ولا حرية لها في اختيار، أما عند الهنود فكانت المرأة تُحْرم من حق الحياة بعد موت زوجها، فكانت تُحرق معه بعد موته وهي حية في موقد واحد، وأما عند رجال الدين اليهود فقد ادّعوا أن التوراة تعتبر المرأة لعنة لغوايتها آدم عليه السلام، وأما عند رجال الدين في الكنيسة الغربية فقد ادّعوا أن المرأة مصدر البلاء، ومنزع الشقاء، وأحبولة الشيطان، ودنس الفضيلة لدرجة أن مجمع (ماكون) خلص إلى أن المرأة خلوُ من الروح الناجية من عذاب جهنم إلا أم المسيح عليه السلام.
وأما عند العرب قبل الإسلام فقد كانوا يتشاءمون من ولادة الأنثى، ويتوارون خجلا إذا بُشر أحدهم بها، وكان بعض العرب يقوم بوأدها وهي حية خوف العار والفقر، وكان البعض الآخر منهم يحرمها من حقها في الميراث، وهكذا لم تنل المرأة قبل بعثة رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عناية إنسانية رشيدة، وحقوقا قانونية منصفة، ومكانه اجتماعية مرموقة. فجاءت بعثة رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تحريرا للمرأة، كما كانت تحريرا للعبيد، وكما كانت تحريرا لكل الناس من عبادة ما دون الله تعالى، فغدت المرأة وفق ما أمر به القرآن الكريم والسنة النبوية (شقيقة الرجل، وأحق الناس بحسن صحبته أُماً، وبابه إلى الجنة بنتاً، ومناط خيريته زوجة)، وهكذا رد القرآن الكريم والسنة النبوية للمرأة اعتبارها الحق مؤكدين أن المرأة (كائن مكرَّم، وشريكة الرجل في مهمة الاستحلاف وإعمار الأرض بالخيرات رِفداً، وبالصالحات أعمالا، وبالطاعات تسابقا، وبالجزاء مثوبة) ومؤكدين كذلك أن الرجل والمرأة، (سواء في وحدة الأصل الإنساني ومردِّ الخلق إلى مَنزعه الأول، إذ كلاهما من نسل آدم، ومن نفس واحدة) ونجد ذلك في قوله تعالى: (يا أيها الناس أتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)-النساء.
ولذلك فقد جعل القرآن الكريم المرأة في موضع التكريم الإلهي مع الرجل، ونجد ذلك في قوله الله تعالى: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) -الأسراء.
ومن الواضح أن مصطلح (بني آدم) في هذه الآية يشمل الرجال والنساء، وهكذا جعل القرآن الكريم تكريم المرأة إلى جانب تكريم الرجل ولا يجوز الفصل بينهما أو تجاهل تكريم المرأة أو تكريم الرجل.
وفي الوقت الذي جعل فيه القرآن الكريم تكريم الرجل والمرأة في موضع واحد وواضح، فقد جعل المرأة صنوَ الرجل في استقلال المسؤولية وتحمل التكاليف وتلقي المثوبة، ونجد ذلك في قول الله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظلمون نقيرا)-النساء-١٢٤- فوفق هذه الآية القرآنية، فإن المرأة صنوَ الرجل في تحملها تبعة أعمالها، تماما كما أن الرجل يتحمل تبعة أعماله، وشرط قبول العمل عند المرأة هو نفس شرط قبول العمل عند الرجل وهو الإيمان، وجزاء المرأة على عملها الصالح النابع من الأيمان هو كجزاء الرجل على عمله الصالح النابع من الأيمان وهو دخول الجنة، والتأكيد القرآني في هذه الآية على رفع الظلم عن المرأة والرجل هو تأكيد واضح في ختام هذه الآية لا ريب فيه، وهكذا فإن (الأصل في خطاب الشارع أنه موجه لكليهما – للرجل والمرأة – بدءا من تقرير الكرامة وانتهاء بالمسؤولية الجنائية إلا ما اسْتُثني َ بقيد بيِّن بناء على مقتضيات الفطرة في التمييز بينهما) وإلا فإن ما سوى هذا الاستثناء فإن خطاب الشارع موجه للمرأة كما هو موجه للرجل في تقرير الكرامة وفي تقرير المسؤولية الجنائية، ونجد ذلك في قول الله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)-البقرة:٢٨٨- أي أن المرأة لها مثل الذي عليها بالمعروف كما أن الرجل له مثل الذي عليه بالمعروف، ويبقى ختام تقرير الكرامة والمسؤولية الجنائية للرجل والمرأة هو نفس الختام وهو قول الله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)-الزلزلة- ٨-، سواء كان هذا العامل رجلا أو امرأة.
ويؤكد كل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال) هكذا بهذا الإيجاز القاطع الذي لا غموض فيه (والشقيق مثل النظير، مما يؤكد الأصل في إثبات المساواة في الحقوق والواجبات).
وقبل أن أخوض في تفصيلات هذه المقدمة في مقالات أخرى إن شاء الله تعالى فإنني أؤكد سلفا أن اختلاف التكوين بين الرجل والمرأة ليس نقيصة في المرأة ولا عيبا فيها لأن هذا الاختلاف بينهما في التكوين (يفضي إلى تكامل الأدوار وتوزيع المهمات في تناغم وتناسق (والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، وما خلق الذكر والأنثى، إن سعيكم لشتى) -الليل-فإذا كان الليل والنهار يشتركان في جنس الزمن ولكل منهما مهمة، فالمرأة والرجل متسقان في جنس الأنسان، ولكل منهما دور منوط به في تعاضد وتناصر.



