أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي 17.. لعبة المصالح وما بين السطور في ظل وباء كورونا

حامد اغبارية
لو أن حكومات العالم قررت رفع القيود التي فرضتها بسبب وباء كورونا، وأعلنت أن الموضوع أصبح تحت السيطرة، وأنه في طريقه إلى خط النهاية، فكيف يجب أن ستتصرف أنت كمواطن؟ أو بالأحرى: هل ستصدق تلك الحكومات وتعود سريعا إلى حياتك الطبيعية كما كانت قبل الوباء، أم ستفهم المشهد العبثي بشكل صحيح، وتتأنّى وتتخذ الخطوات الصحيحة التي تحفظ حياتك وحياة من حولك؟
خلاصة القول: ما بعد كورونا ليس كما قبله.. فلا تصدق كل ما يقال وما يمكن أن يقال اليوم وغدا وبعد غد على الشاشات، فأغلبه يحمل إليك كما هائلا من الكذب والدجل والتلاعب بمصائر الشعوب؛ تارة ببث الرعب، وتارة بتحريك العواطف، وتارة ثالثة بلعبة المساعدات المالية (كما فعل نتنياهو على سبيل المثال). وبدلا من ذلك برمِجْ حياتك بأسلوب مختلف، وضع لنفسك قوانين وتعليمات صارمة تمتد لفترة طويلة، فلا أحد يدري ما يخبئه الغيب وما تحيكه عصابات السراديب والغرف المغلقة. اجعل من نفسك “وزارة صحة” حقيقية تحرص فعلا على حياتك، بعيدا عن لعبة المصالح والموازنات الاقتصادية والسياسية وأدوات التحكم التي تمسكُ الدول الكبرى بخيوطها وتحركها كيف تشاء، أو يخيل إليها أنها تحركها كيف تشاء.
لماذا؟
لأنك أنت كإنسان لست وارداً في سلم أولويات تلك الحكومات، التي يصحّ أن نسميها عصابات تتصدر المشهد بمظهر أنيق يبدو في ظاهره نظيفا، لكنه يخفي خلفه كل القاذورات التي يمكن أن تخطر على بال أحدنا.
أنت كفرد، كمواطن، كإنسان، تشكل بالنسبة لهذه العصابات أداةً وليس هدفا. أنت في نظرهم أداة لتحقيق أهدافهم، وهم يتعاملون معك كما يتعامل مُسمّن الخِراف؛ يعلفونه بالطعام والشراب والشهوات والمتعة والمال والرفاهيات الزائفة، ليصنعوا منه تابعا سهل الانقياد، حتى إذا شكلْتَ عقبة في طريق مصالحهم “ذبحوك” على مذبح تلك المصالح. فهم مستعدون للتضحية بكل “الخراف” ليبقوا هم وتبقى خيوط اللعبة في أيديهم. باختصار أنت فقط أداة إنتاج تستغلها فئة قليلة جدا لزيادة أرباحها التي تمنحها القوة للسيطرة، وأنت في نفس الوقت أداة استهلاك للمنتجات التي أنتجتَها بنفسك لصالح تلك العصابات. وعندما تقتضي ضرورات تلك العصابات فإنك تتحول من أداة إنتاج وأداة استهلاك إلى أداة قتل تستخدمها تلك العصابات في حروبها التي تخوضها في بلاد الشعوب الفقيرة، إما للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية، وإما لزيادة أرباحها.
لو تابعتَ ما يدور في أروقة دول الغرب بشكل خاص (ومن بينها المؤسسة الإسرائيلية) هذه الأيام، ووقفتَ تتأمل بعمقٍ النقاشَ والجدلَ حول تخفيف التقييدات مقابل تشديدها، فإنك ستكتشف بسهولة أن المحرك الرئيس الذي يسيطر على هذا النقاش هو المصلحة الاقتصادية والسياسية لتلك الحكومات- العصابات. فالنظام الرأسمالي يتنفس من رئة الاقتصاد، ومصيره ومستقبله مرتبط به بالدرجة الأولى. وهو لا يملك معايير أخلاقية توجهه وتضبط حركته.
وحتى نفهم ما يدور حقيقة فإن علينا أن ندرك أن قلة قليلة من القوى هي التي تسيطر على مقدرات شعوبها ومقدرات الشعوب الأخرى، وأن هذه القلة يمكن تركيزها في ثلاث فئات رئيسية: قوى سياسية، قوى اقتصادية، قوى أمنية- عسكرية. أو بتعريف أقرب إلى الفهم: هي قوى ثلاث مرتبطة معا بمصالح متداخلة لا ينفكّ بعضُها عن بعض. وكل طرف من الأطراف الثلاثة له مصالح يعلب في إطارها، بشرط ألا يضر بمصالح الفئتين الأُخرييْن. هناك شركات كبرى تهيمن على الأسواق العالمية، خاصة أسواق النفط والسلاح، وهناك أجهزة أمنية – عسكرية تهيمن في الغالب على الطبقة السياسية، وهناك الطبقة السياسية التي لا يمكنها أن تصل إلى الحكم أو تستقر فيه دون دعم من القوى الأمنية ومن القوى المسيطرة على أسواق الأسلحة والنفط والأسواق العالمية الأخرى.
ولذلك فإن بقاء هذه الفئات الثلاث واستمرار هيمنتها مرتبط بحبل السرة بالقوة الاقتصادية وتأثيرها داخليا وخارجيا. وقد خاضت تلك العصابات الكبرى حروبا طاحنة عبر العصور من أجل تحقيق هذه المصالح. وفي عصرنا الحاضر- ولنأخذ أمريكا كنموذج فجّ وحقيقي لهذه الحالة- خاضت تلك القوى حروبا في مختلف بقاع الدنيا، وخاصة في منطقة الشرق الإسلامي، الذي يسمونه عندهم الشرق الأوسط، من أجل تحقيق أهداف الفئات الثلاث. فبقاء شركات السلاح منوط بإشعال الحروب في بؤر مختلفة، لأن العمر الافتراضي للأسلحة لا تتجاوز عشر سنوات، فإذا بقيت في المخازن تلِفت، وسببت لتلك الشركات خسائر فادحة، ولهذا لا بد من بيع تلك الأسلحة، ليستمر عمل خطوط الإنتاج، وحتى تباع تلك الأسلحة لا بد من إشعال الحروب. وبقاءُ الطبقة السياسية يحتاج إلى دعم اقتصادي من تلك الشركات، وإلى ترسيخ الحكم وتثبيته من قبل الأجهزة الأمنية (المخابرات والجيش والشرطة) التي هي في الغالب تخضع لسيطرة الشركات الكبرى.
لهذا وجدنا أمريكا مثلا خاضت حربا طاحنة في فيتنام في الستينات، وخاضت حروبا في العراق وأفغانستان، وشاركت وتشارك بقوات عسكرية في منطقتنا، لتبقى مسيطرة على المشهد حفاظا على مصالحها. ولعلّ العين رأت كيف أن وقود تلك الحروب كانت وما تزال إلى هذه اللحظة ليست الجيوش النظامية، وإنما الشعوب العزلاء التي فتكت بها أسلحة الدمار التقليدية وغير التقليدية، وحولتها إلى أشلاء متناثرة وإلى أنهار من الدماء على مذبح المصالح الدنسة.
هذا يعني باختصار شديد أن حياة الإنسان وسلامته وصحته ومستقبله هي آخر ما تفكر به تلك العصابات المتحكمة بمقاليد الأمور. وإذا وجدت هذه العصابات (الأنيقة) نفسها تقف أمام خيارين: إما انهيار اقتصادي، يتبعه انهيار سياسي بالضرورة، وإما التضحية ببضعة ملايين من البشر فإنها لن تتردد وستختار الخيار الثاني.
والتاريخ فيه من الشواهد الكثيرة التي تؤكد هذا.
ولنتذكر جيدا أن الويلات المتحدة الأمريكية قادت بعد أحداث 11 أيلول، ومع الاتحاد الأوروبي، سياسة “عولمة الفقر” في جميع أنحاء العالم، خاصة ما يسمونه “العالم الثالث”، وجعلت هذه السياسة في مقدمة المصالح الغربية التي تمكن تلك القوى من استمرار هيمنتها، وذلك بغطاء عسكري، تحت شعارات زائفة مثل نشر السلام وتحقيق الديمقراطية للشعوب وحمايتها!! فكان أن جعلوا من تلك الشعوب جسرا داميا لنشر الفوضى ولتحقيق مصالح الدول الكبرى وحماية أجنداتها الرأسمالية الخبيثة.
لهذا كله لا ينبغي أن تصدق أن الحكومات التي انكشف عجزها عن مواجهة فيروس كورونا، أو هكذا على الأقل يبدو ظاهر الأمر، تسعى إلى رفاهية المواطن والحفاظ على صحته، كهدف إستراتيجي أول. فإنَّ كل ما نسمعه مما يصلنا عبر التصريحات الإعلامية الصادرة عن قيادات تلك الحكومات بخصوص مستقبل التعامل مع وباء كورونا لا علاقة له بمصلحة الأفراد والشعوب، وإنما علاقته الوحيدة مرتبطة بمصلحة تلك الحكومات واستمرار هيمنتها. وكل ما نسمعه هو عبارة عن صراع قوى داخل تلك الحكومات حول توقيت التحرك المطلوب لإنقاذ الذات السياسية من خلال منع حدوث انهيار اقتصادي متفاقم سيؤدي بالضرورة إلى انهيار المنظومة برمّتها. وتلك القوى تُجري فيما بينها موازنات ومقاربات حول الخسائر البشرية المفترضة، التي يمكن للمجتمع أن يتحملها دون أن تكون لديه ردة فعل سلبية ضد قرارات أولها سياسة وآخرها اقتصاد.
لذلك في حالة الإعلان عن تخفيف التقييدات والتعليمات لا تركض إلى الشارع مباشرة وكأن شيئا لم يحدث.. وعليك الأخذ بكل الاحتياطات وكأن شيئا لم يتغير.
ولا تصدق شيئا مما يتقيأه قادة تلك العصابات ومسؤولوها على شاشات التلفزيون.. لأنهم يتحدثون إليك وعيونهم على مصالحهم العليا، وأنت لست بنداً في مصالحهم تلك إلا بالقدر الذي يستفيدون منك لتحقيق تلك المصالح، ولست واردا في حساباتهم، لأن مصالحهم أولا…
لذلك لتكن حياتك وصحتك أنت أولا.. افهم اللعبة وحجمها، وتعرّف على صانعي هذه اللعبة، لتدرك أنك لست أكثر من خيط من خيوطها. باختصار: عندما تجلس أمام الشاشة وتستمع إلى هؤلاء فابذل جهدا كبيرا لتقرأ ما بين السطور وخلف السطور، وانسَ تماما ما يقال في السطور. وتذكّر: الإعلام بشكل عام هو أيضا جزء من اللعبة وأداة من أدوات تلك القوى.
المفهوم الحقيقي للديمقراطية:
هذه وقفة قصيرة جدا مع أحد مفاهيم الديمقراطية التي صدّعوا رؤوس الناس بها، وهو المفهوم المتعلق بانتخاب الحاكم أو الحكومة أو الممثل في البرلمان.
الكذبة- أوهموا الناس أن من حقهم اختيار الحاكم أو النائب بحرية مطلقة، وبسرية تامة، دون أن يتعرض لضغوط من أي طرف.
الحقيقة- يضعون أمامك أشخاصا هم يقررون هويتهم ثم يقولون لك: اختر ممثلك من بينهم.
أهذه حرية اختيار؟؟؟!!!!!
إنه من إبداعات عصابات الحكم…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى