أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

على أعتاب رمضان: لهفي عليك يا أقصى!!!

الشيخ كمال خطيب
لعلّنا في مثل هذا اليوم من الأسبوع القادم أن نكون في اليوم الأول من أيام شهر رمضان المبارك، فاللهم يا رب أهلّ علينا هلال رمضان باليمن والإيمان والسلامة والإسلام. اللهم اجعله هلال رشد وخير وفرج على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
سيهلّ علينا هلال رمضان والأمّة بل والبشرية تعيش تحت وقع ضربات فيروس الكورونا يضرب في كل أرجاء الأرض، ليجعل الناس كل الناس يعيشون حالة ترقب للآتي وخوف وتوجس من القادم. إنها البشرية التي لم تكن على الأقل في آخر مائة عام من عمرها لتتوقع أن تعيش هذا الكابوس المرعب من هذا المجهول الذي قلب الموازين رأسًا على عقب في كل نواحي الحياة.
كان من أبرز آثار كورونا علينا نحن المسلمين زيادة على الآلاف من المسلمين ممن قضوا نحبهم بفعل انتقال عدوى الفيروس إليهم سواء منهم من يسكنون في الدول العربية والإسلامية أو من مسلمي المهاجر الذين يسكنون في أوروبا وأمريكا، وكان منهم العشرات الكثيرة من الأطباء الذين أصابتهم عدوى الفيروس خلال تأديتهم الواجب الإنساني والوظيفي في مستشفيات الدول التي يقيمون فيها.
لكن أبرز آثار وانعاكسات فيروس كورونا فإنها تجلّت في قرارات المجامع الفقهية ومجالس الإفتاء والدوائر المختصّة بجواز إغلاق المساجد وتعليق صلاة الجماعة والجمعة حفاظًا على حياة الناس واحتياطًا لمنع تفشي وانتقال الفيروس عبر الازدحامات التي تشهدها المساجد في صلاة الجماعة عمومًا وفي صلاة الجمعة خصوصًا، وهذا من فضل الله علينا والتيسير الذي تتسم به شريعتنا الغرّاء.
لكن هذا لم يكن أمرًا عاديًا ولا سهلًا على من تعلّقت قلوبهم بالمساجد من الشيوخ ومن الشباب الذين يعتبرون المساجد بيوتهم التي يأنسون فيها أكثر مما يأنس أحدهم في بيته الذي فيه أهله وزوجته وأولاده، وهذا من معاني الإيمان الصادق الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم عن أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه وهو “رجل تعلّق قلبه بالمساجد”.

#واشوقاه يا رمضان
لكن السؤال الذي لم يجد له جوابًا ولن يكون، كيف سيكون حال المسلمين وحال عبادتهم لله تعالى في شهر رمضان المبارك الذي لا يفصلنا عنه إلا أسبوعًا واحدًا. صحيح أن الحكم الشرعي والفتاوى الفقهية ستلزمنا وستسعنا الحمد لله تعالى، لكنه الأمل والرجاء والدعاء الذي سيظلّ يلازمنا ألّا يهلّ علينا هلال رمضان إلّا وقد رفع الله عنا البلاء والوباء.
ولأن شهر رمضان هو شهر القرآن وهو شهر القيام وصلاة التراويح، فإن كل مسلم سيشعر بالنقص، لا بل إنها الفاجعة أن يستمر الوباء وتأثيره لدرجة عدم القدرة على أداء صلاة الجماعة في المسجد وأداء صلاة التراويح وصلاة الفجر في المسجد، زيادة على الاعتكاف الذي هو سنة ملازمة لصيام رمضان.
لم تعش الأجيال الإسلامية المعاصرة ظرفًا كهذا الظرف، ولم نقرأ في الكتب أنه وخلال القرون الكثيرة الأخيرة أن تتعطل صلاة الجماعة في رمضان وخاصة في المسجد الأقصى المبارك وشقيقه المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم في طيبة الطيبة.
لكنني أسمح أن أسأل نفسي وكثيرًا من المسلمين هذا السؤال، أيهما أصعب يا ترى أن نُحرم من صلاة الجماعة في المساجد وفي شهر رمضان بفعل الخوف من فيروس كورونا دون أن يمنعنا ذلك على الأقل في الظرف الذي نعيشه من استمرار الاجتماع على موائد الطعام فيها وعليها ما لذّ وطاب، أم أن الأصعب منه ما سبق ومرّ به كثير من المسلمين في السنوات العجاف التي تمر بها الأمة يوم حُرموا من صلاة الجماعة في المساجد لأن مساجدهم كانت قد دُمّرت بفعل قصف الطواغيت والمجرمين في كل أشهر العام وكان يزيد استهدافهم للمساجد في رمضان نكاية وحقدًا كما حصل وما يزال يحصل في سوريا وفي ليبيا وفي اليمن وفي سيناء وفي غزة، لا بل إن مساجدهم كانت تُستهدف في شهر رمضان لضمان قتل أعداد أكبر من الناس من خلال تجمعهم في المساجد، الأمر الذي دعا جهات الإفتاء المختصة لتعليق صلاة الجماعة في بعض الأحيان.
إن هؤلاء المسلمين كانوا يُحرمون من صلاة الجماعة وصلاة التراويح زيادة على أنهم في أغلب الأحيان كانوا لا يجدون ما يأكلونه عند الإفطار بفعل القتل والتهجير واللجوء والتشريد الذي وقع عليهم. نعم إن وباء كورونا هو جائحة لكن آثاره النفسية ليست كآثار من يحرمك صلاة الجماعة وارتياد المساجد، وهو من ذوي القربى أو ممن كانوا يزعمون أنهم أهلك وعشيرتك وأبناء وطنك، وإذا هم السهام الغادرة والكلاب المسعورة التي تنهش لحمك وتنتهك عرضك كما فعل السيسي وبشار وحفتر، وكما يفعل الحوثيون وآل سعود وآل زايد بأهل اليمن.
إنه الشوق إذًا لرمضان ونفحاته، إنه الشوق لرمضان الذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخرة عتق من النار، إنه الشوق للقرآن في رمضان في بيوت الرحمن، إنه الشوق وما يزال فيروس كورونا يحول بيننا وبين أن نبرّده ونطفئ لهيبه، ليظلّ الرجاء بالله سبحانه أن يكتب لنا الأجر والثواب والقبول والمغفرة والعتق من النار، سواء أكرمنا بأن نكون ضيوفه على بيوته في رمضان أو حرمنا من هذه النعمة لحكمة هو يريدها سبحانه فله الحمد على كل حال.
رمضان فاجأت الوجود بدعوة الحق فيها مشرق بسّام
فغدوت تاريخًا مجيدًا للهدى إذ أشرقت بجلالك الأعوام
رمضان واقعنا يجسّد محنة عجزت عن استقصائها الأقلام
رمضان واقعنا يسود وجوده قلق سرت في طيّه آلام

# لهفي عليك يا أقصى
لا شك أنها أمنية كل مسلم بأن يكتب الله عز وجلّ له صلاة في المسجد الأقصى المبارك، وأن ينال شرف وبركة شد الرحال إليه كما قال صلى الله عليه وسلم: “لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا”. ويزداد هذا الشوق لمن أكرمه الله تعالى وشرّفه بأن كتب الله وهيأ له فرصة شد الرحال إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، ويتمنى أن لو نال شرف استكمال شد الرحال إلى المسجد الأقصى.
صحيح أن ظروف تعليق صلاة الجماعة والجمعة في المساجد متشابهة في كل بلاد العرب والمسلمين بل وفي كل أصقاع المعمورة، لكن المسجد الأقصى المبارك يكاد يكون هو المسجد الوحيد الذي مرّ بظروف الإغلاق مرات ومرات وكلها كانت بفعل الاحتلال الإسرائيلي والأسباب والظروف التي كان يفتعلها لتبرير جريمته بإغلاق المسجد الأقصى المبارك.
فكم مرة أغلق المسجد الأقصى المبارك ومنعت صلاة الجمعة والجماعة ولم يُر من يدخل إلى المسجد الأقصى إلّا شرطة الاحتلال ومخابراته كان أشهرها في شهر تموز من العام 2017، حيث استغلّ الاحتلال مقتل ثلاثة من رجال شرطته ليقوم ليس فقط بإغلاق المسجد وإنما حاول نصب بوابات إلكترونية عند مداخله ليتم التحكم بشكل سافر بتلك البوابات، فكانت وقفة الرباط المباركة قرابة أسبوعين والتي أفشلت مشروع نصب البوابات الإلكترونية.
وكم من مرة كان الاحتلال يمنع دخول المصلين إلى المسجد الأقصى إلا لمن هم فوق سن الخمسين. وكم من مرة بل إنه في كل يوم تقوم شرطته بمنع من تريد وفق مزاجها الأمني من الدخول إلى المسجد الأقصى بل والإبعاد عنه.
أليس لسنوات طويلة وأهلنا في الضفة الغربية ومن قطاع غزة يُمنعون من الوصول إلى القدس والمسجد الأقصى المبارك، حتى أن أجيالًا متلاحقة من الشباب لم يعرفوا المسجد الأقصى إلا من خلال الصور ومشاهدة التلفزيون، لأنهم حرموا من الوصول إليه رغم أن بعضهم يسكن على بُعد كيلومترات قليلة منه كحال أهلنا في بيت لحم والخليل ورام الله وغيرها.
إنه المسجد الأقصى المبارك الذي ورغم معاناته وجراحه وحصاره ومشاريع استهدافه من الاحتلال الإسرائيلي سعيًا لهدمه وبناء مشروعهم الأسود الهيكل الثالث المزعوم على أنقاضه، إلا أن المسجد الأقصى كان يأنس بأحبابه ويواسي نفسه بعُمّاره الذين أخذوا على أنفسهم العهد أن يدافعوا عنه وألّا يتركوه وحيدًا.
كانت مشاريع الرباط وشدّ الرحال إليه ومشاريع صلاة الفجر فيه ومشاريع مصاطب العلم وحلقات التدريس وربط الأطفال فيه عبر مشروع صندوق طفل الأقصى، هي بعض ملامح لمبادرات أبناء شعبنا في دعم وتعزيز صمود المسجد الأقصى في وجه الغزاة المحتلين.
ليكون شهر رمضان من كل عام هو الشهر الذي يعيش فيه المسجد الأقصى أسعد أيامه، كيف لا والمسجد الأقصى يشهد صلاة التراويح بعشرات الآلاف كل ليلة تملأ ساحاته، وبصلاة الجمعة التي تزيد على ربع مليون، وليلة القدر التي يحتشد فيها ما لا يقل عن أربعمائة ألف من المسلمين يحيونها في المسجد الأقصى.
ها هو المسجد الأقصى المبارك وبتأثير جائحة كورونا وخشية من انتقال العدوى بين أهلنا فإنه قد تم إغلاقه ولم تقم فيه الجمعة ولا الجماعة لأربعة أسابيع خلت. ولأن هذه الجائحة ما تزال تضرب وبكل عنفوان كافة أصقاع المعمورة، وما يزال كل يوم يسجل إصابات جديدة لأهلنا في الضفة الغربية والقدس الشريف ولأهلنا في الداخل الفلسطيني، الأمر الذي يوحي بإمكانية استمرار هذا الإغلاق في شهر رمضان المبارك.
لهفي عليك يا أقصى وأنت الذي سيحرم أحبابك ومرابطوك ومن يعشقونك من زيارتك ولا تكون أجمل لحظات في أعمارهم إلا سجدة في محرابك وساحاتك وعلى ترابك وتحت زيتونتك.

لهفي عليك يا أقصى وأنت الذي ستغيب عنك موائد الإفطار ولحظات الانتظار لصوت الآذان من مآذنك، يبعث فينا الأمل أنك أنت المسجد الأقصى كنت قبل الاحتلال وستظلّ بعد أن يرحل هذا الاحتلال.
لهفي عليك يا أقصى وأنت تواسي نفسك ولسان حالك تقول لست أنا وحدي بل إنهما شقيقاي ومن هما أكرم مني، المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يجري عليهما ما جرى عليّ.
لهفي عليك يا أقصى وأنت زيادة على فيروس كورونا فإنه فيروس الاحتلال، الأشد والأقسى يقع عليك يا أقصى. ولهفي على شقيقيك المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه وزيادة على فيروس كورونا فإنه فيروس الاستبداد والقهر والاغتصاب يقع عليهما من الحاكم الأرعن محمد بن سلمان وزبانيته.

# أفصح رمضان
بين يدي هذا الألم الذي أصاب البشرية جمعاء من الضيق والكرب والخوف وأعداد الموتى والمصابين، وهو ما أصاب كل الشعوب ونحن منهم، وكل الأديان ونحن منهم.
لكن ولأننا بين يدي موسم الخير والقربات بين يدي شهر القرآن والإحسان، شهر الصلاة والصيام فإنه الألم المضاعف والشعور بالخسارة الفادحة يشعر بها المسلم.
فيا رمضان الخير، هل بعد هذا الألم أمل؟ هل بعد هذه المحنة منحة؟ هل بعد هذا الكرب فرج؟ هل بعد هذا العسر يسر؟
لأننا ما عرفناك يا رمضان إلا شهر الخيرات والبشريات، شهر الأمجاد والانتصارات، فأنت الذي قال عنك شاعرنا:

ها قد أتى شهر الصيام الأكرم بدر يطل بوجهه المتوسم
كم جئت يا شهر الهداية سابقًا والنصر يحمل عزة للمسلم
كم جئت يا شهر السماحة حاملًا بشرى تنير الدرب للمتلعثم
فالفتح يشهد للرسول محمد ولصحبه ذاك الشموخ الأكرم

فلأننا ما عرفناك إلا شهر بركة ورحمة وبشرى فأفصح رمضان، وإن شئت فاهمس في آذاننا وإن شئت فليكن بالتلميح أو بالإشارة. أفصح رمضان ليس عن زوال البلاء والوباء فإننا على يقين أنه سيرحل، ومهما أخذ معه من أرواح، ولكن أفصح رمضان عن بشريات تتوق نفوس المسلمين إلى سماعها بعد عقود وسنوات عجاف عاشتها الأمة من القهر والظلم وتسلط الأعداء وخيانة الأمراء.
أفصح رمضان، وأبرد ببشرياتك قلوبًا قد أظمأها الهمّ والغمّ على مسلمين يعانون من تجبّر الطواغيت، وعن شعوب يقهرها حثالات الأرض تحارب لأنها تقول ربي الله، ولأنها لا تقبل أن تهتف بغير اسم محمد صلى الله عليه وسلم.
أفصح رمضان، وأنا أعلم أنك تعلم بقرب وعد الله تعالى بنصر الإسلام وظهوره على الدين كله، وأنه ستكون لنا دولة ولن تكون لها عاصمة إلا القدس الشريف، نعم القدس الشريف وقد زال عنها هذا الاحتلال إلى الأبد. أفصح رمضان وقل للدنيا كلها أنها وقريبًا إن شاء الله، فإن التوقيت الوحيد الذي ستضبط به عقارب الزمان، ليس توقيت واشنطن ولا موسكو ولا غرينتش بل وليس توقيت مكة المكرمة، وإنما هو توقيت الأقصى والقدس الشريف عاصمة دولة الخلافة الإسلامية القادمة، بل عاصمة الدنيا وإن غدًا لناظره قريب.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا..
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى