أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

عذاب المسجد الأقصى وأكنافه أخطر على الظلم الإسرائيلي من الكورونا

د. أنس سليمان أحمد
بدأت تكثر الأصوات الصهيونية القلقة التي بدأت تبوح بمشاعرها مبدية خوفها على مصير المشروع الصهيوني، فها هو رون بن يشاي كبير الخبراء العسكريين الإسرائيليين كتب مقالة في صحيفة (يديعوت أحرونوت) حذّر فيها من نشوب حرب أهلية في المجتمع الإسرائيلي، وأشار في تلك المقالة إلى أن “الطريق تبدو أقصر مما نتصور إلى اندلاع الحرب الأهلية بين اليهود، وكل من يشكك بهذه الفرضية المرعبة سيتفاجأ بتحققها عما قريب على أرض الواقع..”! وهذه صحيفة (معاريف) نشرت مقالة مشتركة لكل من مئير بن شاحر وعوزي ديّان قالا فيها محذرين: “.. في هذه اللحظة يدخل إلى الساحة الجيل الثالث، فزعماء إسرائيل والمجتمع اليوم هم الأبناء والأحفاد للآباء المؤسسين الذين عرفوا كيف يعقدون التسويات القيمة من أجل وجود إسرائيل، مثل إتفاق التعويضات، والوضع الراهن في شؤون الدين والدولة، وسمحت تلك التسويات رغم احتقارها من جانب التيارات المختلفة باستمرار الوجود المشترك… بالنسبة للجيل الثالث فإن الدولة هي حقيقة قائمة ويأخذونها كأمر مسلم به، ولا يخافون على وجودها، وإلى جانب ذلك يحمل الأحفاد أحلام وإحباط آبائهم…” ثم قالا في هذه المقالة محذرين: ” …الفترة القريبة القادمة لا تسمح للأوهام، فكورونا يهدد الأساسين: الصحة والرزق، ونحن نفهم اليوم جميعا أن أزمة كورونا ستستمر، وستتسبب بأزمة اقتصادية، وبتعميق الاستقطاب الاجتماعي، لدرجة الخطر الحقيقي على مواصلة وجود إسرائيل مثلما نعرفها”!! ولكن غاب عن كل هؤلاء الخبراء الإسرائيليين الثلاثة أن الأخطر من اندلاع حرب أهلية في المجتمع الإسرائيلي، ومن انتقال مصير المؤسسة الإسرائيلية إلى جيل ثالث لا يخاف على وجودها، ومن كورونا التي تهدد الصحة والرزق في المجتمع الإسرائيلي، غاب عنهم أن الأخطر من كل ذلك هو مواصلة المؤسسة الإسرائيلية استباحة الظلم، لدرجة أنه بات المقوم الأساس في وجودها وكسيرتها وخطابها ومواقفها!!
وحول استفحال ظلم المؤسسة الإسرائيلية يقول الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في مقالة نشرها موقع (ميدل إيست آي) البريطاني: “بالمقارنة، وطبقا لأرقام صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يوجد في ألمانيا 29.2 سرير عناية مركزة لكل 100 ألف شخص، وفي بلجيكا 22، وفي إيطاليا 12.5 وفي فرنسا 11.6 وفي بريطانيا 6.5. أما غزة ففيها 2 لكل مائة ألف”!!
لماذا كل ذلك؟! بسبب الحصار الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على غزة – براً وبحرا وجوا- منذ عام 2006م ولا يزال. ثم يقول هيرست في مقالته: “في حزيران/ يونيو من عام 2018، قتل الجنود الإسرائيليون 195 فلسطيني وجرحوا ما يقرب من 29 ألف إنسان خلال مسيرات العودة الكبرى.”!! وهل هناك أبشع من ظلم يمنع وصول الدواء؟! وهل هناك أبشع من ظلم يستبيح لنفسه تدمير كل مقومات الرعاية الصحية حتى يصبح المحاصر- كبيرا أو صغيرا أو رضيعا- عرضة للهلاك في كل لحظة؟! وحول هذا التدمير الممنهج الذي لا يزال يمارسه ظلم الإسرائيلي في غزة يقول هيرست في مقالته: “.. قال خبراء الأمم المتحدة إن الرعاية الصحية في عزة وصلت نقطة الانكسار…خلال الحرب في عام 2014، استهدف الإسرائيليون بالقصف المستشفيات ذاتها، مثل مستشفى الأقصى في دير البلح ومستشفى الوفاء في الشجاعية. واستهدفوا بنيرانهم كذلك سيارات الإسعاف”!! ثم نتيجة لهذا الظلم الإسرائيلي الممنهج، فقد بالغ هذا الظلم الإسرائيلي في وسائل قمعه ففي الوقت الذي دمّر فيه المستشفيات وسيارات الإسعاف في غزة، وفي الوقت الذي منع فيه إدخال الدواء وأسّرة العناية المركزة إلى غزة فقد منع مرضى غزة الذي استفحل مرضهم من السفر من أجل العلاج الطبي خارج غزة، وحول ذلك يقول هيرست في مقالته: “.. لقد وثّق مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة 25658 حالة لفلسطينيين تقدموا للحصول على تصاريح للسفر من أجل العلاج الطبي خارج غزة في 2018. من كل ذلك العدد، عطل الإسرائيليون أو رفضوا مباشرة التعامل مع 9832 من الطلبات، أي ما نسبته 38 بالمائة من الحالات”.
وكل هذه الشواهد التي أوردها هيرست في مقالته لا تعني إلا شيئاً واحداً مفاده أن الظلم الإسرائيلي يسبب الموت في غزة إما بواسطة القتل وإما بواسطة تدمير مقومات الرعاية الصحية في غزة وإما بواسطة منع الدواء والأدوات الطبية وإما بواسطة حصار المرضى ومنعهم من الخروج من غزة طلباً للعلاج، وهل هذا إلا إصدار حكم بالموت السريع أو البطيء على غزة التي يفوق عدد سكانها اليوم المليونين!! وهذا يعني أن غزة اليوم تضم أكثر من مليونيّ مظلوم باتت حياتهم مهددة بالخطر في كل لحظة ، وهم يدعون الله تعالى أن ينتقم لهم من الظلم الإسرائيلي، وما أخطر دعوات المظلومين على الظالمين سيما إذا كانت بليل، فإنها سرعان ما تتحول إلى سهام ليل لا تخطئ الظالمين ولو بعد حين، وسيما إذا خرجت هذه الدعوات من مظلومين معذبين محاصرين جائعين يتهددهم وباء الكورونا كما بات يتهدد كل أهل الأرض بما في ذلك المشروع الصهيوني وكل رعاياه، مع التأكيد أن عذاب هؤلاء المحاصرين في غزة والضفة الغربية والقدس المباركة والداخل الفلسطيني بات أخطر على الظلم الإسرائيلي من كل جائحة الكورونا، فما من دولة ظلمت إلا وكتبت على نفسها الهلاك المحتوم ولو بعد حين، وفي ذلك يقول تعالى: ((وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا)) وهذا يعني أن لدولة الظلم موعدا ستهلك فيه لا محالة وكلما استفحل ظلمها اقترب موعد إهلاكها؟! فكيف ساسة دولة الظلم المترفون فيها الذين لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكرا، والذين لا يترددون أن يلغوا في الفساد والغش والرشوة، فإن ذلك سيعجل من زوال دولة الظلم، وفي ذلك يقول الله تعالى: ((وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا)). وكيف إذا استباحت دولة الظلم لنفسها أن تظلم وأن ترتكب أظلم الظلم، فإنها إذا غرقت في ذلك فإنها قد دّقت مسامير نعشها بيديها، وأما ما هو أظلم الظلم؟ فهو كما قال تعالى: ((ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم)). أليس هو الظلم الإسرائيلي الذي دمّر أكثر من ألف ومائتي مسجد عشية نكبة فلسطين؟! ثم أليس هو الظلم الإسرائيلي الذي انتهك حرمة ما تبقى من مساجد بعد عشية نكبة فلسطين وأحالها إلى ملاهٍ ليلية ومطاعم وحظائر لتربية المواشي؟! ثم أليس هو الظلم الإسرائيلي الذي لم يترك وسيلة ظلم إلا وأوقعها على المسجد الأقصى؟! ثم أليس هو الظلم الإسرائيلي الذي جمع بين الظلم والاحتلال والافساد؟! وفي الوقت الذي أكتب فيه هذه المقالة فإني على يقين أن إهلاك دول الظلم هو سنة ربانية ولو بعد حين، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته”!! فهذه الأيام التي دخلنا فيها هي أيام ” زلازل وبلايا” وهي أيام مفاجآت، ستنتهي يوم أن تنتهي بخلافة إسلامية على منهاج النبوة ستملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلما وجورا، وستكون عاصمتها القدس المباركة، وأنا على يقين أن كل ما أوردته في السطور أعلاه لا يعفي المظلومين من ضرورة السعي الدائم إلى الانعتاق من الظلم مهما طالت وكثرت استحقاقات ذلك، لأن غفلة المظلومين المطلقة قد تطيل عمر الظالمين مهما اشتد ظلمهم، فالمطلوب من المظلومين كراهية الظلم أولاً، ثم رفضه ثانياً، ثم السعي الدائم للانعتاق منه ثالثا، ثم تبني خطاب التفاؤل المؤكد حتمية زوال الظلم والظالمين رابعا، ثم عدم التشبه بسلوك الظالمين لأن تشبه المظلومين بهم يجعلهم منهم ويؤخر زوال الظالمين، ثم عدم الانزلاق المعيب واستبدال ظالمين بظالمين حتى لو كانوا من بني جلدة المظلومين، مع التأكيد أن المطلوب من المظلومين في كل هذه المراحل هو التواصي بالحق والصبر وحسن الفهم وإخلاص العمل والتجرد من الأنا واستحضار التوبة ودوام الاستعداد للقاء الله تعالى ودوام التقرب إلى الله تعالى بالطاعات والدعاء مخلصين له الدين لو كره الظالمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى