أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

“المجتمع العصامي” ما بين “هبة القدس والأقصى” وجائحة “الكورونا”

عبد الإله معلواني
كما يعلم الجميع فقد وقعت هبة القدس والأقصى في عام 2000 وها هي جائحة الكورونا تجتاح العالم في مطلع عام 2020 وكل المحللين المبصرين يؤكدون أن ويلات هذه الجائحة لن تقف عن حد تفشي وباء الكورونا في كل العالم، ولا عند تزايد عدد الإصابات التي أوشكت أن ان تتخطى المليونين، ولا عن حد تزايد عدد الوفيات التي قد تتجاوز نصف المليون خلال الأيام القادمة، بل أن ويلات هذه الجائحة أشد من ذلك، فهي جائحة قد تتسبب بأزمة اقتصادية عالمية خانقة وقد تقود هذه الأزمة المالية الخانقة الى تنافس مسعور بين الدول على موارد الغذاء والدواء الى حد أنها قد تجر الى حرب عالمية ثالثة، بالذات بين أقطاب الاقتصاد العالمي أمريكا والصين، وقد يجر كل ذلك الى مجاعة عالمية سيصل صداها الى مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، وقد يرافق ذلك ارتفاع نسبة البطالة وانسداد الأفق الاقتصادي أمام ملايين العائلات في العالم بما في ذلك عائلات في الداخل الفلسطيني، وقد يدفع ذلك البعض وهو تحت ضغط الفقر والجوع أن يلتجأ الى السوق السوداء والقروض الربوية، الأمر الذي قد يجر الى كارثة اجتماعية قد تتسبب بتفاقم آفة العنف وانتشار ظاهرة السرقة والانحلال الاخلاقي، الى جانب احتمال وقوع مجتمعنا في الداخل الفلسطيني تحت صدمة انكشاف مخططات صفقة القرن التي لا تزال غير معلنة او غير مطبقة ثم محاولة المؤسسة الاسرائيلية وبعض القوى الاقليمية العربية والاجنبية الى فرض تطبيقها على مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، وهذا يعني أن كل هذه الويلات قد تجتمع مرة واحدة على مجتمعنا في الداخل الفلسطيني وستكون بمثابة جائحة أشد من جائحة الكورونا فما هو الحل؟!
بداية أؤكد أنه لا يجوز لنا أن نقف موقف المتفرج المتألم فقط، بل نحن مطالبون أن نقدر لهذا الأمر قَدرَه منذ الآن، بدليل أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عندما تحدث للصحابة رضي الله عنهم عن ويلات الدجال التي ستعم العالم سأله الصحابة رضي الله عنهم: ماذا نفعل يا رسول الله؟! فقال لهم: “اقدروا له قدره” أي اجتهدوا بأخذ التدابير اللازمة كي تقدروا بها على مواجهة ويلات الدجال متوكلين على الله تعالى!! الأمر الذي يقول لنا إننا مطالبون منذ الآن ان نتخذ التدابير اللازمة كي نقدر بها على مواجهة ويلات الكورونا التي باتت على أبواب بيوتنا!!
وللتذكير فقط أقول عندما وقعت هبة القدس والأقصى في عام 2000 فقد أطلقت الحركة الاسلامية التي تم حظرها إسرائيليا في أواخر عام 2015 اطلقت مشروعها الذي اختارت له اسم “المجتمع العصامي” مباشرة بعد وقوع هبة القدس والأقصى ولن أعاود الحديث عن هذا المشروع، ولكن أنصح الجميع بالعودة الى كل المقالات التي كانت قد نشرتها صحيفة صوت الحق والحرية في حينه بعنوان (نحو مجتمع عصامي) والتي تحدثت عن ماهية المقصود بمصطلح “المجتمع العصامي” وعن ماهية أهدافه وعن ماهية سبل تحقيقه، كما وأنصح بالعودة الى ما كتبه الشيخ رائد صلاح عن هذا المشروع “المجتمع العصامي” في كتابه “اضاءات على مواقف ومفاهيم الحركة الاسلامية المحظورة إسرائيليا”، وفي كتابه “إضاءات على تاريخ بيانات الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا” وفي كتابه إضاءات على تاريخ مراسلات الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا” حيث أن الذي يعود الى هذه المراجع سواء كانت صحيفة صوت الحق والحرية أو سلسلة تلك الكتب التي كتبها الشيخ رائد صلاح سيجد أن الحركة الاسلامية سعت قبل حظرها اسرائيليا الى تحقيق مقولاتها عن “المجتمع العصامي” كي تكون واقعا ملموسا معاشا في مسيرة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، وقد أرادت من ذلك الشيء الكثير الذي يمكن أن أوجزه بناء على تلك المراجع بما يلي:
1. إحياء قيم التكافل الاسلامية كرافعة للمجتمع العصامي مثل الزكاة وصدقة الفطر والصدقة الجارية والوصية والميراث وكفارة اليمين وكفالة الأيتام وحفظ النعمة والوقف.
2. الدعوة إلى إحياء الكثير من مفاهيم الاقتصاد الاسلامي كرافعة للمجتمع العصامي مثل إحياء شركات المضاربة والمفاوضة وشركات العنان ذات المفاهيم الاقتصادية العميقة التي تحتاج من الواحد منا أن يعود إلى كتب تراث الفقه الاسلامي حتى يتعرف عليها.
3.محاولة إقامة بنك اسلامي (لا ربوي بطبيعة الحال).
4. إنشاء مؤسسة تنمية اقتصادية لدعم المشاريع الاقتصادية الصغيرة الفلسطيني، وتشجيع الإنتاج الأهلي في كل شيء.
5.الدعوة الى إنشاء مؤسسات أهلية عامة وليست محلية ذات أهداف مختلفة للوصول بمجتمعنا في الداخل الفلسطيني نحو التعليم الأهلي، ونحو الخدمات الصحية الأهلية، إلى جانب الاقتصاد الأهلي.
6.العمل على حسن الجمع الواعي والمبصر بين ما لدينا من أرض وخبرات علمية وقدرات مالية لبلورة مشاريع مستدامة الوجود والعطاء في كافة مناحي حياتنا في الداخل الفلسطيني.
7. الحذر من التعامل مع صناديق دعم ملغومة سواء كانت عربية أو أجنبية وسواء كانت صهيونية اوروبية أو صهيونية أمريكية او صهيونية كندية، لأن “اللقمة إذا كانت من الفأس كانت الفكرة من الراس”، ولذلك لا بد من الاعتماد على أنفسنا حتى تكون افكارنا من رؤوسنا، والا إذا اعتمدنا في مسيرتنا على صناديق الدعم الملغومة فسنجد أنفسنا وكلاء لأجندة هذه الصناديق ان عاجلا او آجلا.
8. إحياء قيمة زكاة الوقت ومبدأ التطوع لأجل التطوع وإقامة معسكرات العمل ومعسكرات الوقف ومعسكرات التواصل لمواصلة إعمار مسيرة مجتمعنا في النقب والمثلث والجليل والساحل.
9. بناء حاضنة شعبية تعد بعشرات الآلاف لدعم مشروع المجتمع العصامي بالوقت والمال والجهد والآليات والخبرات العليمة والقدرات المهنية والاعلامية والمؤسساتية.
10. الحفاظ على عصامية المؤسسات، وعصامية المشاريع، وعصامية الدعم، وعصامية التفكير والخطاب والمواقف وخاصة عصامية المواقف السياسية نعم هكذا باختصار كانت فحوى مشروع المجتمع العصامي ومنهج العمل لتحقيقه واقعا ملموسا، وعلى ضوء ذلك سارت الحركة الاسلامية منذ عام 2000 حتى أواخر عام 2015 الذي شهد حظرها اسرائيليا، وقد قطعت هذه الحركة خلال هذه المدة الزمنية خطوات جادة وعميقة بهدوء وبعيدا عن الضوضاء، ونجحت نجاحات كثيرة وباهرة ولغة الأرقام التي نجدها في المراجع التي كنت قد أشرت اليها في هذه المقالة تؤكد ذلك، ثم قامت المؤسسة الاسرائيلية بحظر الحركة الاسلامية ، ولعل مشروع المجتمع العصامي كان هو الدافع الاساس لحظر الحركة الاسلامية، ولكن وإن قامت المؤسسة الاسرائيلية بحظر الحركة الاسلامية كتنظيم له ما له من لوائح عمل إدارية إلا أن المؤسسة الاسرائيلية لا يمكنها أن تحظر القيم الاسلامية ومفاهيم الاقتصاد الاسلامي التي قام عليها مشروع المجتمع العصامي فهي مفاهيم القرآن والسنة والفقه الاسلامي، وكم هو جميل أن نتعلم من تجربة الحركة الاسلامية المحظورة اسرائيليا في سعيها للوصول الى مجتمع عصامي، سيما ونحن الآن في عين عاصفة جائحة الكورونا وسنعيش غدا في عين عاصفة ويلات آثار جائحة الكورونا الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية والنفسية والسياسية، لذلك فأنني أدعو كل الأهل بعامة وكل أبناء المشروع الاسلامي بخاصة في الداخل الفلسطيني الى ما يلي:
1. تجديد وتنشيط لجان الزكاة والصدقات المحلية الى جانب لجنة الزكاة والصدقات القطرية والحرص على تحويل دورها من دور موسمي الى دور يومي مستديم.
2. تجديد وتنشيط لجان حفظ النعمة المحلية والسعي الى اقامة لجنة حفظ نعمة قطرية تعملان جنبا الى جنب طوال الوقت.
3. الحرص على دعم المشاريع الصحية الأهلية أينما كانت والحرص على تطوير دورها وتقوية إمكانياتها، وزيادة عددها.
4. دفع أصحاب رؤوس الاموال فينا الى استثمار أموالهم وعدم تركها مكدسة في البنوك، ولعل من اهم ما نحتاج اليه استثمار هذه الاموال في دعم الصناعة الأهلية والخدمات الصحية الأهلية، وعدم الوقوف عند حد الاستيراد من الصين وغيرها.
5. إعادة تنشيط دور لجان افشاء السلام المحلية ولجان الإصلاح المحلية ولجان التحكيم المحلية وصناعة تعاون فيما بينها.
6.بعد تقديم التحية والتقدير لمجلس الاسلامي للإفتاء فنحن ننتظر منه دورا كبيرا في مرحلة ويلات آثار الكورونا كما كان له دوره الكبير بعد أن انتشر هذا الداء.
7. توعية الأهل في الداخل الفلسطيني وتشجيعهم للعودة الفورية الى ما تبقى لهم من ارض بهدف زراعتها وتحويلها الى مصدر غذائي ذاتي بقدر المستطاع.
8.تشجيع الأهل في الداخل الفلسطيني للعودة النشطة بوعي واحتراف لتربية ما تيسر من المواشي والدواجن والحمام والنحل.
9. تشجيع الاهل في الداخل الفلسطيني للعودة الى مطبخ الطعام البيتي والخبز البيتي والحلويات البيتية وتقليص الاعتماد الدائم على المطاعم والمخابز ومحلات الحلويات والبيتسا والوجبات السريعة.
10. تشجيع الأهل في الداخل الفلسطيني الى إفشاء ثقافة الزهد والتقشف والاقتصاد في النفقة والاقتلاع عن الإسراف والتبذير واللهاث وراء الكماليات والبذخ المزيف.
11.بث روح التفاؤل والصمود والصبر والتكافل الاجتماعي وحب التطوع والعطاء وإحياء قيم حسن الجوار وتوقير الكبار والرحمة بالصغار وبر الوالدين وإكرام الزوجة.
12. وقبل كل شيء تجديد الايمان واستحضار التوبة الدائمة والإكثار من الطاعات والصدقات والأدعية والأذكار.
13. عدم الغفلة ما بعد مرحلة جائحة الكورونا فلعل ما هو قادم بعدها وبعد آثارها أشد علينا جميعا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى