أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (15).. لسنا إمّعات… ولن ننسى

حامد اغبارية
(1)
في عصر العولمة الذي أرادت قوى الشر العالمي من خلاله السيطرة على مقدرات الشعوب في الأرض، حوّلوا هذا الكوكب إلى قرية صغيرة، يمكنك أن ترى فيها كل شيء، وتعرف كل شيء، وتسمع كل شيء، أو هكذا يخيّل إليك. وفي الحقيقة أنت لا ترى أي شيء ولا تعرف إي شيء ولا تسمع أي شيء، إلا ما يريده أصحاب مشروع العولمة أن تراه وتعرفه وتسمعه.
ثم إذا بهذه “القرية الصغيرة” التي يحيط بها سياج العولمة بإحكام من كل جانب، حتى ظن القوم أنهم قادرون عليها، تتحول إلى بؤرة موبوءة بفيروس مجهريّ أظهر عجز تلك القوى عن إنقاذ نفسها. وإذا بها هشة كالقشة. وإذا بها عاجزة عن مواجهة مخلوق صغير، رغم ما أوتوا من أموال و”قدرات” علمية، وسطوة وجبروت. ألم يقولوا كما قال قارون، إنما أوتيته على علم عندي؟ فليرونا ما يدّعون!
لماذا؟
لأن تلك القوى لم تفكر يوما في مصلحة شعوب الأرض، وإنما وضعت الخطط للسيطرة على شعوب الأرض، وجعلت تلك الشعوب وقودا لنار جشعها وشهوة سيطرتها، فعاثت في الأرض فسادا وإفسادا، وأشعلت نار الحروب الدامية في كل مكان ليتسنى لها ملء خزائنها بأموال السلاح الذي تبيعه في بؤر الفتن التي تشعلها، وكلما خمدت زادتها اشتعالا لتزداد هي ثراء وفُحشا.
ثم إذا بها تشكو ضعف قوتها أمام ذلك الفيروس الذي أطاح بمجدها الموهوم وقوّتها الكاذبة، فلا تجد ما يكفي من أجهز طبية لإنقاذ الأرواح التي أنهكتها بالرفاهية الكاذبة التي صنعتها قوى الشر العالمية. وإذا بها عاجزة عن توفير حتى تلك الكمامات البسيطة التي تستخدم لمرة واحدة. وإذا بأمريكا، التي يزعم الزاعمون أنها أكبر قوى على كوكب الأرض، ليس عندها ما يكفي من أجهزة التنفس التي تحتاجها المستشفيات لإنقاذ المصابين بالفيروس. يا الله! أمريكا لا تملك ما يكفي من أجهزة التنفس الاصطناعي!! ولا تملك ما يكفي من أسرّة، ولا تملك ما يكفي من مستشفيات…!!!
أيها السادة، إنها أمريكا التي ما تركت بقعة خضراء على الأرض إلا أحرقتها بنار شرورها.
وإنها بريطانيا، تلك الامبراطورية التي قيل عنها ذات يوم إنها لا تغرب عليها الشمس، ها هي تستنجد وتستجدي، وتقف عاجزة لا تدري يمينها من شمالها.
وإنها فرنسا التي أرادت ذات يوم أن تحكم الدنيا، فاستعمرت الشعوب واستعبدت العباد، فإذا هي لا تملك اليوم من أمرها شيئا.
وإنها إيطاليا التي استباحت ذات يوم كل شيء، وسفكت دماء كل شيء يتحرك، فإذا هي اليوم تبكي دما.
وإنها إسبانيا التي بنت أمجادها على دماء الأبرياء ذات عصر مضى، فإذا هي اليوم تستسلم لقدرها.
وإنها المؤسسة الإسرائيلية التي فعلت الأفاعيل بالشعب الفلسطيني، فإذا هي تحشر نفسها داخل ذاتها، ولا تقدر على التقاط أنفاسها رعبا، وتبدو عاجزة عن الحركة، وهي التي كانت منتفشة كالطاووس، تطال يدها كل شيء، وتدمر كل شيء، فإذا هي أوهن من بيت العنكبوت، يهدد الانهيار جهازها الطبي والاقتصادي الذي كانت تفاخر به، وتسوّقه على أنه من الأفضل على مستوى العالم.
ترى الرعب والقلق والخوف من المجهول في عيون كبرائها وهم يخاطبون الناس، محاولين إخفاءه عبثا، ولكنه يفضحهم مع كل إطلالة لرئيس وزرائهم أو وزير صحتهم أو أي مسؤول فيهم.
إنها قوى كانت توهم الدنيا أنها قد أحكمت السيطرة على جهات الأرض الأربع، فإذا هي تتهاوى كحجارة الدومينو.
إنها الكاشفة، إنها الفاضحة، إنها الدرس الذي يجب أن يستفاد منه، ولكن أنى للحمقى أن يفقهوا ما يجري؟
كان الإنسان في نظرهم لا شيء، بل كان جسرا يدوسون عليه للوصول إلى القمة، فلم يجدوا في تلك القمة إلا السراب.

(2)
ولأننا لسنا إمَّعات فإننا كما قلنا طوال الوقت، فإننا نقول الآن كذلك: قد وصلتم إلى الحافّة. سرتم خلف سراب، فجاءكم من يوقف زحفكم فوق جثث ضحاياكم.
ولأننا لسنا إمعات فإن انشغال الدنيا اليوم بهذا الوباء، أو بالأحرى إشغال العالم به، لا يمكن أن ينسينا الواقع.
لا يمكن أن ننسى أن المسجد الأقصى لا يزال يقبع تحت الاحتلال، وهو اليوم في خطر أكبر مما مضى.
لا يمكن أن ننسى أن لقوى الشر صنائع من العملاء على صورة حكام عرب وأنظمة فاشية لا تزال تبطش بشعوبها، بل لا تزال تمارس عهر الكذب على شعوبها، حتى فيما يتعلق بذلك الوباء الفاتك.
لا يمكن أن ننسى جرائم بشار الأسد في أرض الشام، ولا جرائم إيران في بلاد العرب والمسلمين، ولا جرائم السيسي في مصر الكنانة، ولا جرائم حفتر ضد شعبه في ليبيا عمر المختار، ولا جرائم المعمَّمين في العراق، ولا جرائم الحوثيين وحظيرة آل سعود وزريبة أبناء زايد في اليمن.
لا يمكن أن ننسى جرائم بوتين في سوريا، وفي الشيشان.
لا يمكن أن ننسى جرائم الصرب في البوسنة والهرتسك.
لا يمكن أن ننسى جرائم الصين في تركستان الشرقية.
لا يمكن أن ننسى جرائم السّيخ ضد المسلمين في الهند.
لا يمكن أن ننسى جرائم ميانمار ضد مسلمي الروهينجيا.
لا يمكن أن ننسى جرائم قوى الشر مجتمعة في أفريقيا؛ في الصومال وفي مالي وفي نيجيريا وغيرها.
لا يمكن أن ننسى الظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني.
لا يمكن أن ننسى كل هذا بحجة أن جائحة كورونا تحتاج إلى تكاتف العالم. شعوبا وحكومات!!
لا يا سادة الشر، يا معسكر الباطل! أنتم مسؤولون عن كل شيء، وأنتم وحدكم تتحملون المسؤولية.
أيها الكذابون؛ ذات يوم خدعتم الناس، تحت راية الأمم المتحدة بشعار الإنسانية، فذبحتم الإنسانية باسمها، فتفضلوا وأنقذوا الإنسانية من جرائمكم قبل أن تنقذوها من وباءٍ اللهُ تعالى قادرٌ أن يزيحه بقدرته وعفوه وكرمه دون حول منكم ولا قوة، أيها العاجزون عن حكّ أنوفكم الآن.
أيها الكذابون، ذات يوم خدعتم الشعوب بشعارات براقة، حول الحرية والسلام العالمي والاقتصاد الحر، فتفصلوا الآن وأرونا قدراتكم أمام ذلك المخلوق الصغير الصغير الذي أدخلكم في الجحور.
أيها الفجرة، قد أفسدتم كل شيء، حتى الإنسانية أفسدتموها، وأفرغتموها من معانيها، وها هو إفسادكم يرتدّ عليكم في نحوركم.
نعم، إنها والله كاشفة فاضحة.
أما والله إن شعوب الأرض التي طحنتم لحمها وعظمها على مدار قرنين من الزمن، ستراكم جهارا نهارا وأنتم تزحفون على أربع، تستجدون، ثم لا تجدون من ينجدكم.
أما والله إن شعوب الأرض المظلومة، التي سفكتم دماءها، وانتهكتم أعراضها، ونهبتم خيراتها، وأفسدتم مجتمعاتها ستنهض مرة واحدة، وستدوس بأقدامها الحافية على أمجادكم وثرواتكم وبطشكم وجبروتكم، ثم لا يكون لكم من بعدها حبلٌ من الله ولا من الناس، ولن تجدوا لكم من دون الله نصيرا ولا وليا، ولا حتى من يقطر في حلوقكم قطرة ماء.
أما والله إنه ستكون بعد هذا كله انفراجة، سيكون يُسرٌ بعد عُسر، وستعود الدنيا كما أرادها الله، خالية من شروركم، نظيفة من رجسكم، يُنشر فيها العدل والسلام الحقيقي. وعندها لن تنفعكم أموالكم ولا ما حشدتم من أسباب البطش من أسلحة وجيوش وعملاء سفلة.
ثم ستُغلبون… ثم لا تقوم لكم بعدها قائمة… أيها العاجزون عن احتواء فيروس مجهري.
نعم، إنها جائحة كورونا التي جاءت لتطهير الأرض من جائحتكم، بعد أن تعرّيكم وتكشف حقيقتكم وتفضح عجزكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى