أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

أيها العلماء.. أيها المخترعون.. لقد سبقكم إليها محمد صلى الله عليه وسلم

الشيخ كمال خطيب
منذ أن بدأت تقرع آذاننا قبل ثلاثة أشهر تقريبًا كلمة “كورونا”، ومنذ أن تجاوزنا مرحلة السخرية والنكتة والدعابة في التعامل مع هذا المصطلح خاصه يوم أن كان ما يزال صداه يتردد داخل حدود الصين فقط، لكن منذ أن أصبح الحديث عنه وباء عالميًا، وبدأ يطرق باب أغلب دول العالم بل بات الخوف من وصوله ليقرع باب كل بيت من بيوتنا، وإذا بالدنيا تستيقظ على واقع جديد بل لعلّ التاريخ سيكتب عن البشرية ما قبل كورونا وما بعد كورونا.
أقول منذ بداية ظهور هذا الوباء وحتى الآن، وبغض النظر عن التفسير العلمي لهذا الفيروس وعن آمال اكتشاف لقاح ضدّه، فإنه الاجماع على وسيلتين يمكن من خلال استخدامهما المساهمة في تخفيف حدة انتشار هذا الوباء. أما الأولى فإنها النظافة الشخصية، وأما الثانية فإنها العزل أو الحجر الصحي.
ولأننا مسلمون ونعتز بهذا الدين الذي جاءنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحق لنا أن نفاخر الدنيا في نصوص هذا الدين التي حثّت على هذين السلوكيين في مواجهة الأوبئة والأمراض أمرنا بهما من لم يتعلم في أعرق الجامعات ولا هو خرّيج أشهر المختبرات الطبية العالمية، وإنما هو الذي علّمه ربه سبحانه {وما ينطِقُ عَنِ الهَوَى، إنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحَى} آية 3+4 سورة النجم.
فكيف كان هدي وتعاليم الإسلام في المحافظة على النظافة واستمرار الغسل وقاية من الأمراض، وكيف كان الهدي الشريف في مواجهة الأمراض المعدية عبر تطبيق وفرض الحجر الصحي للأشخاص والأماكن الموبوءة.

# النظافة من الإيمان
فلقد كرّم الإسلام البدن، فجعل طهارته التامة أساسًا لا بد منه لكل صلاة، وجعل الصلاة واجبة خمس مرات في اليوم، وكلّف المسلم أن يغسل جسمه كله غسلًا جيدًا، وتلك هي الطهارة الكاملة، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} آية 6 سورة المائدة.
يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه خلق المسلم: “ولن يتخذ الإلزام بالتطهر طريقة ألصق وأقوم من هذه التى شرع الإسلام، لأنها تجعل المرء يعاود الغسل والوضوء ولو كان نظيفًا، وهي من قبل تنفي عن الأمة المسلمة أي أثر من آثار القذارة والاتّساخ”.
إن المسلم إذا توضأ خمس مرات في اليوم فإنها بإذن الله من أسباب النظافة وسلامة الجسد من الأدران والأمراض. ولقد قرأت فيما كتب في الآونة الأخيرة عن فيروس الكورونا، والذي يدخل إلى الجسد عن طريق الأنف أو الفم فإنه يكون هناك بين 3-4 ساعات لحين تمكنه من الاستقرار في مجرى التنفس وفي الرئتين وبداية آثاره السلبية، فإن الوضوء خمس مرات في اليوم حيث لا تزيد الفترة بين الوضوئين والصلاتين على هذه المدة فإنه ومع استنشاق الماء في الأنف ثم نثره، ومع المضمضة والغرغرة للماء في الفم ثم إلقاءه فإنه ضمان نظافة الأنف والفم بإذن الله.
وليس هذا وحسب بل إن الاسلام قد أوجب النظافة للطعام قبله ومن الطعام وفضلاته بعده، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده”، وإن كان العلماء قد أجمعوا على أن غسل اليدين يكفي وتسد مسد الوضوء كاملًا.
لا بل إن تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم قد أرشدت إلى تلك الفضلات غير الظاهرة التي قد تكون في الفم وبين الأسنان فيجب تنظيف الفم والتخلص منها، قال صلى الله عليه وسلم:” تخللوا فإنه نظافة، والنظافة تدعو إلى الإيمان والإيمان مع صاحبه في الجنة”. أما التخلل في الوضوء فإنه المضمضة والاستنشاق وبين الأصابع. أما التخلل في الطعام فإنه إزالة ما بين الأسنان، قال صلى الله عليه وسلم: “وأنه ليس أشد على الملكين من أن يريا بين أسنان صاحبهما طعامًا وهو قائم يصلي”. وقال صلى الله عليه وسلم:” تسوّكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى لقد خشيت أن يفرض عليّ وعلى أمتي”.
وليس هذا فحسب بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال احتياطًا وتحرزًا في النظافة: “إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا فإنه لا يدري أين باتت يده”. وقد أمر صلى الله عليه وسلم بالنظافة العامة وليس فقط في الجسد، بل إنه في البيت وفي الشارع فلقد قال صلى الله عليه وسلم: “نظّفوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود”.
وما أجمل ما قاله الشاعر الثائر أنس الدغيم ابن سوريا الجريحة عن تعاليم الإسلام في النظافة كوسيلة من وسائل الوقاية من فيروس الكورونا:

الناس جلّ الناس لا يدرونا أن النظافة تدفع الكورونا
إن النظافة رأس كل وقاية وبها يرى إيماننا مقرونا

نعم، أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد قرن النظافة بالإيمان لمّا قال “النظافة من الإيمان”.

# مسلمون وبكل فخر
ولأن فيروس الكورونا هو فيروس معدي ويسهل انتقاله وتفشيه بين الناس، فإن خطره يصبح خطرًا داهمًا وهذا ما نراه من سرعة انتشاره حتى تم التعاطي معه في منظمة الصحة العالمية أنه وباء، وهو ما يعرف في الفقه الإسلامي ب “الجائحة” أي هي التي تجتاح وتعبر الحدود والمناطق وتعم البلاد والعباد.
ولقد كان الهدي النبوي الشريف حازمًا في التعامل مع الأمراض المعدية وكيفية مواجهتها والحد من انتشارها، وإذا كنا نسمع اليوم إلى حد الذهول مصطلح “الحجر الصحي” يتردد على ألسن الأطباء والإعلاميين والسياسيين وفي كل المجالات كمحاولة لوقف اجتياح الكورونا للمجتمعات فإن الإسلام ومنذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علّمنا هذه الوسيلة الوقائية الناجحة والناجعة.
يقول الدكتور محمد الغزالي في كتابه خلق المسلم وفي فصل النظافة والتجمل والصحة ص 167: “وقد وضع الإسلام قواعد الحجر الصحي، فإذا ظهر مرض معدٍ في بلد ما ضرب حوله حصارًا شديدًا، فمنع الدخول فيه والخروج منه، وذلك حتى تنكمش رقعة الداء في أضيق نطاق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إذا سمعتم بالطاعون ظهر بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها”. وقد واسى الإسلام سكان البلد الموبوءة وحبّب إليهم المكث فيه، فإن الرغبة في النجاة تزيّن للكثير أن يفرّ منه خلسة” وتلك الرغبة في إحراز السلامة الشخصية تعرض البلاد جملة لخطر جارف، ولهذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من عبد يكون في بلد فيه الطاعون فيمكث فيه لا يخرج صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد”.
لقد عزز الإسلام أسلوب العزل الصحي وسيلة من وسائل مواجهة المرض المعدي والوباء سريع الانتشار، وهذا ما نراه اليوم من خلال الإجراءات الصارمة والقاسية التي تتعامل بها الدول التي تفشى فيها وباء الكورونا سواء من خلال الحجر الصحي على المريض نفسه خشية أن ينتقل المرض إلى غيره، أو عبر منع التواصل بين منطقة وأخرى في الدولة الواحدة حيث وصل إلى حد استخدام قوات الجيش وقوانين الطوارئ العسكرية لضمان ضبط هذا العزل أو ما وصل إليه الحال من خلال إغلاق الدول حدودها مع الدول المجاورة برًا وبحرًا وجوًا.
لقد تمثلت دلالات العزل الصحي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يوردنّ ممرض على مصحّ”. أي لا يدخل ولا يختلط مريض بسليم خشية أن يعديه، وقال صلى الله عليه وسلم: “فر من المجذوم فرارك من الأسد”. ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن إلى عظيم ثواب من يحافظ على الحجر الصحي في البلد الموبوء فلا يخرج منه، فإن هو مات فإن له أجر شهيد، فإنه في المقابل فقد بيّن صلى الله عليه وسلم أن من يفر من البلد الذي فيه وباء ليفرّ بنفسه وينجو بذاته مع علمه أنه يمكن أن يكون سببًا في نقل العدوى فإنه صلى الله عليه وسلم قد شبّه ذلك الشخص واعتبره مثل الفرار من الزحف وهو من الكبائر والذنوب العظمى التي نهى الإسلام عنها.
وربما يحاول بعض المغامرين والمستهترين وما أكثرهم في أيامنا هذه بعدم الإلتزام في توصيات الحجر الصحي محتجًا بأن هذا من ضعف اليقين، وأنه هروب من القضاء المحتوم، وأن الخوف من العدوى هو ضعف إيمان وهروب من قدر الله!!!
وإن الجواب على عنتريات هؤلاء المزعومة وادعائهم الإيمان الزائد، هو في قصة وموقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم أراد الذهاب إلى بلاد الشام وقد انتشر فيها الطاعون المشهور طاعون عمواس.
فقد ورد في السيرة: ” قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الشام فلقيه قوم بينهم أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه، فأخبروه بأن الأرض سقيمة أي” موبوءة” وكان قد أصابها طاعون عمواس، فاستشار عمر القوم فأشار عليه بعضهم بالرجوع، وأشار البعض الآخر بأن يكمل المسير.
وبعد تردد وتفكير قال: بل نرجع. فقال له أبو عبيدة: أفرارًا من قدر الله؟! قال عمر: نعم فرار من قدر الله إلى قدر الله، وكان ممن أشار عليه بالرجوع أحد ممن سمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها”.
نعم إن الأخذ بالأسباب واجب، وهو من القدر كما قال عمر رضي الله عنه، فإذا كان المرض قدر فإن الشفاء قدر، وإذا كان الداء قدر فإن الدواء قدر، وإن الإحتياط والإحتراز والأخذ بالأسباب ليس فرارًا من القدر ولا هو ضعف إيمان، وإنما هو الفهم السليم للإسلام والفهم الصحيح لعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر.
هذا هو الإسلام، هذا هو ديننا، هذا هو كتابنا، هذا هو رسولنا فأكرم وأنعم به من دين ومن كتاب ومن رسول صلى الله عليه وسلم.

أنا مسلم ولي الفخر فأكرمي يا هذه الدنيا بدين المسلم
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى