أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

آثار الصدام بين المجتمع العصامي والمجتمع التبعي

صحيفة المدينة
عودة إلى ما قبل عام 2015 وهو العام الذي حظرت فيه المؤسسة الإسرائيلية الحركة الإسلامية، عودة إلى ما قبل هذا العام نجد أن الحركة الإسلامية قبل حظرها كانت قد رفعت لواء مشروع (المجتمع العصامي)، وسعت إلى تطبيق هذا المشروع على أرض الواقع، وكانت قد أقامت حاضنة شعبية حولها في الداخل الفلسطيني، وكان أتباع تلك الحاضنة يعدّون بعشرات الآلاف، ما بين رجال ونساء، وما بين عاملين ومتعلمين وطلاب جامعيين، وما بين أهل اختصاص في الإعلام والفن والأدب والحقوق والطب والهندسة والاقتصاد وسائر المهن الحرة، ثم أقامت تلك الحاضنة الشعبية أكثر من ثلاثين مؤسسة أهلية ذات اهتمامات مختلفة سعت في مجمل دورها إلى حمل هموم ملف القدس والمسجد الأقصى المباركين، وملف الأوقاف والمقدسات في الداخل الفلسطيني، وملف الطلاب الجامعيين وسائر الطلاب من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية، وملف الشباب، وملف المرأة، وملف الأرض وحق العودة وحق المهجّرين والشهداء وأسرى الحرية، وملف معاناة الأهل في النقب والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة) والقرى مسلوبة الاعتراف، وملف الإغاثة والأيتام والمرضى والكادحين والفقراء والأسر المستورة، وملف الإعلام والفن والأدب والمسرح والإنتاج السينمائي، وملف الدعوة والتربية وصناعة الوعي والتمسك بالثوابت، وملف العمل على بناء اقتصاد أهلي مستديم النمو وإن كان بطيئا، وإلى جانب ذلك حرصت تلك الحركة على إقامة حاضنة شعبية إسلامية عربية على هيئة عشرات المؤسسات الأهلية التي تأسست في عشرات الدول المسلمة والعربية، حيث حرصت تلك المؤسسات الإسلامية العربية الأهلية على دعم كل مشاريع الحاضنة الشعبية المحلية في الداخل الفلسطيني، ودعم ما أفرزت من مؤسسات أهلية ودعم كل مشاريع تلك المؤسسات ماليا وإعلاميا ومعنويا وجماهيريا. وظلت تلك الحركة حريصة على تقوية العلاقة ما بين الحاضنة الشعبية الإسلامية العربية ومؤسساتها الأهلية من جهة والحاضنة الشعبية المحلية ومؤسساتها الأهلية من جهة ثانية، وظلت تلك الحركة حريصة على استدامة تلك العلاقة بين تلك الحاضنتين، وظلت حريصة على اجتناب تلقي أية مساعدات مالية من الحاضنة الشعبية الإسلامية العربية ومؤسساتها الأهلية، بل ظلت علاقة المساعدات المالية بين تلك الحاضنتين ومؤسسات تلك الحاضنتين الأهلية، وظلت علاقة المساعدات المالية رسمية عبر أرقام حسابات في البنوك، وظلت شفافة وعلنية لا غموض فيها ولا أسرار، وظلت منضبطة ومراقبة من قبل مجموعة من مدققي الحسابات، وظلت تقدم التقارير الرسمية عن عملها عبر تلك المجموعة من مدققي الحسابات إلى الدوائر الرسمية، واستمر نهج عملها وفق هذه الأصول قرابة العشرين عاما.
وخلال هذه الأعوام نجحت الحاضنة الشعبية المحلية ومؤسساتها ببناء المدارس الأهلية والمشافي والمراكز الثقافية، ونجحت بتحقيق كل الأهداف المختلفة التي رسمتها لنفسها، والتي أشرنا إليها على عجالة في بداية هذه المقالة، لدرجة أنه كان ينتفع نصف مليون من شعبنا الفلسطيني كل عام من خدمات هذه الحاضنة الشعبية المحلية ومؤسساتها، على صعيد الأهل في الداخل الفلسطيني والقدس وغزة والضفة الغربية!!
ثم مع مرور الأيام بدأت تتبلور شيئا فشيئا وببطء نام ومستديم ملامح مشروع (المجتمع العصامي)، فقد بات واضحا أن بناء المدارس الأهلية يعني الوصول إلى التعليم الأهلي أي التعليم العصامي البعيد عن سطوة أجهزة الأمن الإسرائيلية وإدخال أنفها في التعليم، وقد بات واضحا أن بناء المشافي الأهلية يعني الوصول إلى خدمات صحية أهلية أي خدمات صحية عصامية بعيدة عن احتكار وتلاعب بعض المؤسسات الصحية الإسرائيلية، وقد بات واضحا أن إقامة مؤسسات اقتصادية أهلية، كما كانت عليه مؤسسة إعمار على سبيل المثال، كان يعني السعي إلى اقتصاد أهلي أي اقتصاد عصامي بعيد عن استغلال الأهل في لقمة طعامهم ومصدر عملهم كما درجت على ذلك المخابرات الإسرائيلية، وقد بات واضحا أن إقامة مؤسسات إغاثية أهلية كان يعني أداء الدور الصافي للإغاثة الأهلية لكل محتاج، أي الإغاثة العصامية المتحررة من أدوات الخنق والحصار التي لا يزال يتباهى بها الاحتلال الإسرائيلي، وقد بات واضحا أن إقامة مؤسسات إعلام أهلية كان يعني إقامة المنبر الإعلامي الأهلي أي المنبر الإعلامي العصامي المتحرر من أجندة صناديق الدعم الصهيونية الأمريكية وغيرها، وقد بات واضحا أن إقامة مؤسسات أهلية نسائية كان يعني صناعة دور نسائي أهلي متمسك بالثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية أي صناعة دور نسائي عصامي متحرر من لوثة الدعوة إلى الشذوذ الجنسي وإباحة الزنا التي تفرضها سلفا كل صناديق الدعم الصهيونية الأمريكية على الجمعيات النسوية المدعومة.. إلخ، وفي المجمل فقد بات واضحا أن إقامة مؤسسات أهلية متعددة الأهداف ومتكاملة الأدوار في خدمة مجتمعنا وشعبنا كانت تعني الحفاظ على عصامية هويتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، وعلى عصامية ثوابت هذه الهوية وقيمها وولائها وخطابها ومواقفها، وكانت تعني الحفاظ على عصامية خطابنا السياسي وقرارنا السياسي ومواقفنا السياسية، أي ان مشروع المجتمع العصامي كان يعني عصامية الثوابت الدينية والوطنية والقومية أو قل عصامية القيم الاجتماعية والسياسية والإعلامية والأدبية والفنية في كافة ميادينها وتجلياتها.
ثم إلى جانب ما ذكر أعلاه من الضروري أن نؤكد انه في مقابل تبلور ملامح مشروع المجتمع العصامي في الداخل الفلسطيني فقد بدأت تتبلور ملامح مشروع المجتمع التبعي في الداخل الفلسطيني، وإذا قاد مشروع المجتمع العصامي إلى عصامية القيم الاجتماعية والسياسية والإعلامية والأدبية والفنية، فإن مشروع المجتمع التبعي بات يقود الى تبعية كل هذه القيم بدون استثناء، وتبعيتها تحديدا إلى صناديق الدعم الصهيونية الأمريكية، وبات واضحا أن كل الجمعيات والأحزاب والقوائم الانتخابية للسلطات المحلية أو الكنيستية التي سمحت لنفسها في تلقي الدعم المالي من صناديق الدعم الصهيونية الأمريكية فقد تورطت- من حيث تعلم أولا تعلم، ومن حيث تقصد أو لا تقصد- في مشروع المجتمع التبعي المناقض والمصادم لمشروع المجتمع العصامي، وهكذا بدأت جماهيرنا الكادحة في الداخل الفلسطيني تعيش في مرحلة تناقض وصدام بين مشروع المجتمع العصامي ومشروع المجتمع التبعي، وفي الوقت الذي بدأت فيه الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليا تقود مشروع المجتمع العصامي فقد احتشدت كل الجمعيات والأحزاب والقوائم الانتخابية التي سمحت لنفسها أن تتلقى دعما ماليا من صناديق دعم صهيونية أمريكية احتشدت في قائمة واحدة باسم (القائمة المشتركة)، وهذا يعني سلفا أن إقامة (القائمة المشتركة) كان مطلب صناديق الدعم الصهيونية الأمريكية وغيرها، أو نال رضاها على الأقل، ولذلك واصلت دعم (القائمة المشتركة) بملايين الدولارات الأمريكية منذ عام 2015 فصاعدا، وواصلت دعم الجمعيات والصحف التي دارت في فلك (القائمة المشتركة).
وهكذا تنازع جماهيرنا الكادحة في الداخل الفلسطيني مشروعان مشروع المجتمع العصامي في مقابل مشروع المجتمع التبعي، وكان من ميزات المشهد ما يلي:
حافظ مشروع المجتمع العصامي على عصامية قراره السياسي وواصل رفض الانخراط في لعبة الكنيست، وفي المقابل واصل مشروع المجتمع التبعي الانخراط في لعبة الكنيست باسم (القائمة المشتركة) لأنه لا يملك أصلا قرارا سياسيا عصاميا يخوله رفض الانخراط في هذه اللعبة.
واصل مشروع المجتمع العصامي رفض تنفيذ أية أجندة لصناديق الدعم الصهيونية الأمريكية لأنه رفض أصلا تلقي دعم مالي منها، وفي المقابل واصل مشروع المجتمع التبعي التماهي مع أجندة هذه الصناديق، وهكذا قام بتقديم القضايا المطلبية على القضايا الوطنية، وهكذا تم فك الارتباط بين جماهيرنا الكادحة في الداخل الفلسطيني، وبين سائر شعبنا الفلسطيني في القدس وغزة والضفة الغربية والشتات وكأننا نحن شعب وهم شعب آخر، وتمت صياغة العربي الإسرائيلي، وتمت التوصية بغانتس رئيسا للحكومة، وتم إعلان الاستعداد لانخراط القائمة المشتركة في ائتلاف حكومي مع غانتس والحبل على الجرار.
واصلت الجمعيات النسائية الملتزمة بمشروع المجتمع العصامي التمسك بالثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية، وفي المقابل لم تتردد الكثير من الجمعيات النسوية الملتزمة بمشروع المجتمع التبعي، أن تدعو علانية إلى الشذوذ الجنسي وإباحة الزنا، والسخرية من فضيلة شرف العائلة.
كانت ولا تزال المؤسسة الإسرائيلية تطارد جمعيات وقيادات في مشروع المجتمع العصامي بهدف تغييب دورهم، وها هي مواصلة اعتقال الشيخ رائد صلاح خير مثال على ذلك.
كانت الاستطلاعات التي أجرتها بعض المراكز البحثية قبل عام 2015 تؤكد وجود النسبة الأعلى من جماهيرنا الكادحة كانت تدعم الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليا والتي كانت ترعى مشروع المجتمع العصامي.
ليس سرا أن المؤسسة الإسرائيلية كانت مطلعة على نتائج تلك الاستطلاعات، وهذا ما دفع المؤسسة الإسرائيلية إلى حظر الحركة الإسلامية في أواخر 2015.
وهكذا ظل مشروع المجتمع التبعي لوحده، وبات من السهل عليه الاستفراد بخطابه ومواقفه بجماهيرنا الكادحة، وهكذا باتت (القائمة المشتركة) وكأنها في سباق خيل، ولكن من فرس واحد فقط، أي أن النتيجة محسومة سلفا.
وهكذا كان التزامن ما بين حظر الحركة الإسلامية وإقامة (القائمة المشتركة)، وهذا ما يعني أن صناديق الدعم الصهيونية الأمريكية التي دعمت إقامة (القائمة المشتركة) هي التي دعمت في نفس الوقت حظر الحركة الإسلامية إسرائيليا، وهذا يعني أن حظر الحركة الإسلامية لم يكن إسرائيليا فقط!!
وهذا يعني أن مشروع المجتمع العصامي كان أحد الأسباب الأساس إلى جانب ملف القدس والمسجد الأقصى التي دفعت من تآمروا على حظر الحركة الإسلامية إسرائيليا أن يعلنوا عن حظرها، وكان المطلوب من وراء حظرها إيصال جماهيرنا الكادحة في الداخل الفلسطيني إلى ما هي عليه الآن بعد مرحلة (القائمة المشتركة).
ولكن ليست هذه نهاية الطريق فإن جماهيرنا الكادحة سيبقى يشدها الحنين إلى ثوابتها الدينية والوطنية والقومية، ولن يطول الزمان حتى تقلب الطاولة على رؤوس من حاولوا أن يستدرجوها نحو الأسرلة والأمركة وأن تسير في ركب المجتمع التبعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى