أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

جدل السياسة في ظل الكورونا …الحالة الإسرائيلية كمثال

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
لطالما امتازت الحياة السياسية الاسرائيلية بسخونة عالية بل تصل حد الغليان، فتقاطع السياسية والأحزاب والايديولوجيات الحزبية والإعلام والاقتصاد وتشابكها مع رجال الأموال والأعمال والكارتيلات الكبيرة يولد دائما هذه السخونة ويرفعها الى حد الغليان.
وجودنا نحن الفلسطينيون ضمن هذه المعادلات بغض النظر عن مكانة ودور هذا الوجود، إذ مجرد انه موجود، يخلق هذه الحالة الدائمة من الغليان وبتنا كفلسطينيين في العقدين الأخيرين بارومتر يُقاس فيه درجات هذا الغليان على صعيد الفعلين الفاشي- الشعبوي والعنصري.
في ظل الكورونا وعجز المنظومة الدولية عن مواجهته وتوقعات المسؤولين والخبراء أن يفعل هذا الوباء فعله في السياسة والجغرافية والاقتصاد والسكان، تقوم المؤسسة الاسرائيلية بما تيسر بين يديها من أدوات لمواجهة هذا الوباء لكنها تصطدم برسم جبلتها الصهيونية دائما بوباء آخر يأتيها من عالم السياسة ومفاعيله المختلفة وهو ما يتجلى في الصراع القائم بين أقطاب اليمين المتشدد والاقل تشددا أي بين الليكود وكتلته وأزرق أبيض وكتلته فكلاهما يمين بيدَّ أن يمينيتها تتمايز في عدة قضايا.
العلاقة بين السياسة والكورونا علاقة جذرية بحكم أن هذه الجائحة التي تصيب معظم دول العالم تحتاج مواجهتها إلى تعاضد وتشاور وتبادل خبرات دولي، ولا يتم هذا إلا عبر الدول ومصالح هذه الدول الذي هو جذر السياسة الدولية. وكذلك تنساح اثار الكورونا على الدول بعينها وكل قرار تتخذه هذه الحكومات أي كان هو عمليا قرار سياسي نابع من قوة الدولة ومما تحصلت عليه من نفوذ وسطوة ولذلك نجد أنَّ كافة دول العالم تتخذ الإجراءات التي تراها مناسبة في مواجهة هذا العدو الخفي.
الكورونا في سياق إسرائيلي..
في السياق الإسرائيلي، السياسة والكورونا لهما وجه آخر من أوجه التعامل إنه وجه الجدل القائم على منطق المغالبة والاستفراد، وهو في جوهره وجه آخر لمنطق القبائلية التي تحدث عنها ريفلين في خطابه المشهور عام 2018 في مؤتمر هرتسليا، ويؤكد بُعدُ الشقة القائم بين مكونات هذا المجتمع واستحالة توحده مهما ادلهمت الخطوب، خاصة بعد أن استأثر الليكود ومعه اليمين الديني والصهيوني الديني في الحكم والسيطرة على مفاصل الدولة، فالمناكفات بينهما -أي اليمين المتشدد والأقل تشددا- وصلت حدا يبدو بعيدا ومع ذلك ثمة مؤشرات الى اقتراب تشكيل حكومة طوارئ رغم خلافات حادة بينهما حول حقيبة القضاء حيث يصرُّ أزرق ابيض على استلامها مع حق الفيتو على قرارات حكومية تتعلق بالقضاء مقابل منح نتنياهو السنة الأولى لتولي منصب الحكومة .
رفض الليكود لمطلب ازرق ابيض تبريره غير الُمعلن أن غانتس ومن معه سيعملون على سن قوانين تحول دون استمرار نتنياهو في مزاولة عمله السياسي من جهة وسن قوانين تلاحق الفاسدين من اليمين الديني والإسرائيلي، ووقف زحف اليمين المتشدد في سيطرته على مقدرات الدولة وعلى جهاز القضاء والقضاء ذاته، لذلك قابل الليكود الاربعاء الماضي كتلة ازرق ابيض بطرح مشروعي قانون لضم غور الأردن وشمال البحر الميت وبرية الخليل (صحراء يهودا) في الضفة الغربية المحتلة، تمشيا مع صفقة القرن وهو قانون لا يمكن للكتلة معارضته وفرض عقوبة الإعدام على فلسطينيين وهو قانون لطالما طالب به ليبرمان.
ميكي زوهر رئيس كتلة الليكود في الكنيست الذي قدم المشروعين يوم الاربعاء الماضي، اعتبر ان هذا امتحان لازرق ابيض ولإسرائيل بيتنا، وبرر كل هذا الطرح بأنه كشف لحقيقة الكتلتان الهادفتان لإنهاء الحياة السياسية لنتنياهو من منطلق شخصي ليس أكثر.
الحقيقة أن هذه المناكفة تكشف عن حجم الكراهية بين المكونات الصهيونية من جهة وكيف يُسْتَعمل الفلسطيني كأداة لتبرير هذه الكراهية وهذه الحالة الكاشفة لفاشية المشروع الصهيوني، ومن هم داخل عباءاته المختلفة تضع القائمة المشتركة تحت الطائل الأخلاقي والسياسي في سُبُلْ التعامل مع مثل هذه الاحزاب.
الكورونا هل سينهي سيطرة الفاشية اليمينية؟
وباء الكورونا يكشف حتى هذه اللحظات عن حجم استغلال الليكود للسلطات التي بين يديه رغم انه في حكومة انتقالية تمنعه من اتخاذ إجراءات ذات سقف عال ويضغط باتجاه إلزام كتلة أزرق أبيض للانضمام اليه وفقا لرؤيته وتحت شروطه، وهو ما تجلى بفعل رئيس الكنيست ادلشطاين الذي أوقف عمل الكنيست وأغلق أبوابها يوم الاربعاء المنصرم، منع عمل تشكيل اللجنة المنظمة لعمل الكنيست وانتخاب رئيس جديد للكنيست تقدم به واحد وستون عضوا في الكنيست، مما يعني تمهيد الطريق لمنع نتنياهو من الاستمرار بحياته السياسية.
الليكود في الكنيست يحول دون تفعيل الكنيست ولجانها وفي مقدمتها لجنة الخارجية والامن التي هي برئاسة أزرق أبيض، حيث يرفض رئيسها اشكنازي سياسات نتنياهو القاضية بتفعيل رقابة الكترونية على هواتف المصابين بالكورونا، أو من هم في الحجر الصحي، وفي المقابل يرفض الليكود إقامة لجنة خاصة في الكنيست لمتابعة العمل على مواجهة الوباء وهو ما يعني جعل الكنيست بصفتها الهيئة التشريعية حالة صورية وذلك لإبقاء الأمر بين يدي الليكود في معالجاته للوباء لتحصيل أكبر كم ممكن من النجاحات لتحويلها الى منجز انتخابي اذا ما تمَّ إجراء انتخابات رابعة، ففي حالة فشل المفاوضات وتمّ الإعلان عن انتخابات رابعة فالوحيد المستفيد من هذه الحالة السائلة في السياسة الإسرائيلية هو الليكود كحزب ورئيسه نتنياهو شخصيا.
نحن أمام ثلاثة سيناريوهات في هذا الشأن، شأن تشكيل حكومة: سيناريو المشاركة بين الكتلتين بغض النظر عن التسمية وفقا لتنازلات جوهرية من الطرفين وهو ما لا يمكن لنتنياهو القيام به، أو مشاركة مؤقتة الى حين انتهاء ازمة الوباء، وفقا لطلب غانتس بكامل مكونات الكنيست، مع بعض التشذيبات التي قد تطال إبعاد المشتركة وأحزب دينية متشددة مقابلها عن هذا الائتلاف الواسع وهذا يحمل خطورة كبيرة لحزب الليكود، وتنازلات داخل الكنيست حول عديد الطلبات المتبادلة بين الطرفين، وفي مقدمتها تغيير رئيس الكنيست وسن قانون يمنع عضو كنيست تحت المحاكمة من تشكيل حكومة، أو العودة الى انتخابات رابعة.
الليكود من طرفه كافة الخيارات مفتوحة أمامه لكنه في هذه اللحظات في مرحلة حرجة وكل فشل في معالجته للوباء سيترتب عليه تداعيات سياسية قد تكون كارثية ستعود سلبا بالمطلق عليه وعلى حزبه، لذلك يراهن نتنياهو على حافة خطرة في الخروج من هذه الأزمة بأخف الأضرار وهو ما سيضمن له البقاء ولحزبه السيطرة، وهذا ما يفعله من خلال سياسة الجرعات مع سكان الدولة.
في كل الأحوال سيستمر الليكود بالعمل على نزع شرعية القائمة المشتركة ضمن منطقه الشعبوي والفاشي في العمل السياسي للإبقاء حالة التمايز داخل الصف الصهيوني ولن يتردد في الوقت ذاته في الجلوس مع أعضاء القائمة او مع فريق منهم ولو سرا، إذ المهم في عصر الكورونا ليس فقط أن ينجو الشعب بل وأن ينجو الليكود وزعيمه، ذلكم أن إبعاد نتنياهو عن دفة الحياة السياسية ليست فقط نهاية لشخصه بل ولليمين الاسرائيلي الشعبوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى