أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

في ذكرى الإسراء والمعراج.. لبّيك يا حبيبي لبّيك

الشيخ كمال خطيب
مساء غد السبت 22/آذار وفق 27/رجب وهي ليلة الإسراء والمعراج، الليلة التي أكرم الله بها وفادة رسوله وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم بتلك الرحلة الأرضية من مكة المكرمة إلى القدس الشريف، ومن القدس إلى السماوات العلا ثم العودة إلى مكة {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} آية 1 سورة الإسراء.
لقد جاءت رحلة الإسراء والمعراج بعد أحزان وأشجان توالت وتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن أبرزها تلك التي وقعت خلال عام واحد سمي عام الحزن. فكانت وفاة الزوجة خديجة رضي الله عنها، ثم موت العم أبو طالب صاحب القلب الحاني والصدر الحامي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كانت رحلته إلى الطائف حين كان يحاول صلى الله عليه وسلم ويُمنّي نفسه بإبلاغ ثقيف الإسلام لعلّ باستجابتهم تعويضًا عن الصدود الذي لاقاه من أهله وعشيرته قريش في مكة المكرمة.
لم يكن الله جل جلاله ليترك حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم يناله الأذى ويسيل الدم من وجنتيه الشريفتين، ثم يجأر بالدعاء والبكاء إلى الله يقول له “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وربنا….”. فلكأني بالله جلّ جلاله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم -لبيك لبيك يا حبيبي يا محمد، فإذا كان أهل الأرض قد أهانوك فتعال إلى أهل السماء ليكرموك، وإذا كان أهل الأرض قد أغلقوا في وجهك الأبواب فتعال إلى السماوات لتفتح لك فيها كل الأبواب، وإذا كان أهل الأرض أصمّوا آذانهم عن سماع كلامك فتعال إلى سدرة المنتهى، تعال قريبًا من العرش ليسمعك رب السماوات والأرض {ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى} آية 8-10 سورة النجم.
ومع كثرة المدن والعواصم والحواضر يومها لكن اختيار الله سبحانه أن تكون بداية الرحلة ونهايتها من مكة المكرمة مرورًا بالقدس الشريف دون سواها من بقاع الأرض للذي يحمل دلالات ومعاني كثيرة، وكيف لا وفي مكة المسجد الحرام أول بيت بني لله في الأرض، وفي القدس الشريف المسجد الأقصى وهو ثاني مسجد بنى لله في الأرض بعد المسجد الحرام بأربعين سنة، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله أي المساجد بني في الأرض أول؟ قال المسجد الحرام. قيل: ثم أي يا رسول الله؟ قال المسجد الأقصى وبينهما أربعون عامًا”.

# أسرجوا قناديل الأقصى
إنه المسجد الأقصى المبارك الذي ومنذ الفتح العمري المبارك الذي كان بعد ليلة الإسراء والمعراج بخمسة عشر عامًا، فإنه قد وقع تحت الاحتلال الصليبي تسعين عامًا 1099-1187، وحرره الفاتح صلاح الدين الأيوبي ليلة الإسراء والمعراج، ثم عاد المسجد الأقصى ليقع تحت الاحتلال الصهيوني، وما يزال بانتظار صلاح الدين جديد يكسر قيده ويحرره من دنس الاحتلال الصهيوني البغيض.
إنه المسجد الأقصى المبارك الذي علم النبي صلى الله عليه وسلم بما علّمه ربه سبحانه أنه سيعيش سنوات من القهر والذل والخذلان، وهو الذي قال: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة”. وقال صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال: في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
ولأن المسجد الأقصى في تلك المكانة وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها كما قال صلى الله وسلم: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا”، ولأن رسول الله كذلك بما علّمه ربه أنه قد يأتي على المسجد الأقصى زمان لا يستطيع كل المسلمين الوصول إليه فدلّهم صلى الله عليه وسلم على ما يتوجب عليهم فعله في حديث ميمونة رضي الله عنها قالت: “يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس. قال: أرض المحشر والمنشر، أئتوه فصلّوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه. قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمّل إليه؟ قال: فتهدي إليه زيتًا يسرج فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه”.
ولمن ما يزال يظن أن عدم القدرة للوصول وشد الرحال إلى المسجد الأقصى فإنه يسد مسدها صدقة مالية تساهم في الحفاظ على المسجد الأقصى وصيانته وإشعال مصابيح وقناديل الإضاءه فيه فإنه الفهم الخاطئ والمحدود.
إن المسجد الأقصى المبارك، وإن كان يحتاج إلى هذا إلا أنه يحتاج إلى ما هو أهم منه، إنه يحتاج لمن يشعل الهمم ويوقد نيران الشوق ويوقظ من غفلتهم كل المسلمين لحقيقة ما يجري في المسجد الأقصى وضرورة العزم على تخليصه مما هو فيه.
نعم إن المرحلة لا تتطلب إسراج وإشعال القناديل، وإنما إشعال الهمم والعزائم، والقدح على زناد الغيرة والشهامة كما فعل ذلك صلاح الدين يوم قال “إني أستحي من الله أن أبتسم وما يزال المسجد الأقصى بيد الصليبيين”. وإن إشعال الهمم والعزائم هي مهمة ووظيفة الآباء والعلماء والخطباء والدعاة والصحفيين والمسرحيين والمنشدين والمعلمين، وكل من له نافذة يتواصل بها مع قطاع أيًا كان من أبناء الأمة.

# كيف أهدوا للأقصى زيتًا
فها هو المرحوم الدكتور يوسف العظم ابن الأردن الشقيق الذي جعل عطاءه الشعري وما جادت به قريحته وسال به قلمه، فقد جعله جلّه في نصرة القدس والمسجد الأقصى، وهو الشاعر صاحب الدواوين الشعرية الكثيرة حتى أنه عُرف باسم شاعر الأقصى، وهو الذي قال:
إنما الأقصى عقيدة، أين من يحمي حدوده
منح البغي حماه، لطريد وطريدة
فمتى نرجع عهد المجد، كي نلقى وليده
ونصون العهد في أعناقنا، حتى نعيده
شامخ الجبهة يرنو، كي يرى في الجمع صيده
إنما الأقصى عقيدة، ليتني كنت شهيده

وها هو الشيخ الفاضل أحمد القطان ابن الكويت والذي ومنذ ثمانينات القرن الماضي فإنه قد أسمى منبره الذي يخطب فيه في مسجده “منبر الدفاع عن المسجد الأقصى” وهو جزاه الله خيرًا من أشهر من تنبهوا مبكرًا من علماء الأمة والدعاة والخطباء لحقيقة المخاطر التي يتعرض لها المسجد الأقصى المبارك، فسخّر منبر مسجده للتحذير من هذه المخاطر ولشحذ الهمم من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك بل من أجل تحريره وكسر قيوده.
وها هم الأخوة المسلمون في جنوب أفريقيا وقد زرناهم قبل خمسة عشر سنة وتحديدًا في العام 2006 و2010، وكانت لنا زيارة رتّبها لنا مضيفنا المرحوم الشيخ “إحسان هندركس” رحمه الله في مدينة كيب تاون إلى مسجد أسموه “مسجد القدس”. وكان في المسجد نشاط أسبوعي هو الصيام كل يوم خميس والافطار الجماعي في المسجد تحت عنوان “حتى تحرير القدس والأقصى”.
إن مسجد القدس في كيب تاون ليس كمسجد القدس صيدا في جنوب لبنان الذي اتخذه خطيبه ماهر حمود شعارًا ولافتة للتمجيد بالقتلة بشار وقادة المليشيات الطائفية الذين قتلوا وشردوا الشعب السوري من قادة ما يسمى فيلق القدس.
وإنها وبكل فخر الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني، والتي منذ عام 1996 رفعت شعار وصرخة “الأقصى في خطر” لتحذير الأمة من حقيقة ما يجري في القدس والأقصى، ولشحذ الهمم وإيقاد العزائم. لم يكن ذلك شعارًا ولا هتافًا، بل كان مشروعًا متكاملًا عبر مؤسسات وجهود مباركة عملت لخدمة ونصرة المسجد الأقصى مثل مسيرة البيارق ومصاطب العلم وصندوق طفل الأقصى ومسلمات من أجل الأقصى وغيرها وغيرها، وكان هذا من الأسباب الرئيسية لغضب وجنون المؤسسة الإسرائيلية على الحركة الإسلامية وإعلان حظرها وإخراجها عن القانون يوم 17/11/2015. ومن تداعيات ذلك استمرار وملاحقة أبناء المشروع الإسلامي، والحكم الظالم على الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية بالزج به في السجن الظالم بدءًا من يوم الأربعاء 25/3/2020 لقضاء محكومية ظالمة لمدة ثمانية عشر شهرًا.

# القدس عاصمتنا والأقصى مسجدنا
إنه وبمثل اعتقادنا الجازم بلا ريب ولا شك أن الله جل جلاله واحد لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الشمس تشرق من الشرق وتغيب من الغرب، فإنه الاعتقاد الجازم واليقيني بلا ريب ولا شك أن المسجد الأقصى المبارك هو مسجدنا وهو لنا نحن المسلمين وحدنا، وليس لأحد من الخلق حق ولو في ذرة تراب واحدة فيه لا لليهود ولا لغيرهم، وأنه سيظل مسجدنا ولن يكون يومًا هيكلًا ولا معبدًا. وبنفس الاعتقاد واليقين فإنه يقيننا بأن القدس ستعود يومًا، ليس عاصمة للدولة الفلسطينية وحسب بل عاصمة دولة الخلافة الإسلامية الراشدة القادمة، وكيف لا نعتقد ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا ذلك في حديث أبي حوالة الأزدي رضي الله عنه لمّا قال: “وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي أو على هامتي ثم قال: يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك”.
وإنه وبمثل ثقة عماد الدين زنكي أنه سيحرر الأقصى من الصليبيين، ولأجل ذلك أمر ببناء منبر يقدّم للأقصى هدية في يوم تحريره، وإنه بمثل ثقه الشيخ شمس الدين أق الذي كان يروي للغلام محمد الفاتح حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لتفتحن عليكم القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش”، وكان يقول له لعلك تكون أنت الأمير الذي سيقود الجيش الذي يفتح القسطنطينية، وكان ما قاله رغم أن القسطنطينية يومها صاحبة الحصون والقلاع وتحميها الجيوش الجرارة، وكيف لا وهي عاصمة الدولة البيزنطية كانت تحكم نصف الدنيا يومها.
بل إنه وبمثل ثقة ويقين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحفر الخندق لحماية المدينة من حصار الكفار والمنافقين واليهود لها، إلا أنه وفي أتون الحصار كان يكبّر صلى الله عليه وسلم وهو يحفر الخندق ويقول: الله أكبر لتفتحن عليكم قصور كسرى، لتفتحن عليكم قصور هرقل، لتفتحن عليكم قصور اليمن، وكان ما قاله صلى الله عليه وسلم.
إنه من مدرسة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم نتعلم اليقين والثقة والأمل بأن القدس تعود لنا وأن الأقصى لن يكون لغيرنا.

# المسجدان الشقيقان الأسيران
إنهما المسجدان الشقيقان جمعتهما آية الإسراء، المسجد الحرام والمسجد الأقصى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
وإذا كان المسجد الحرام يومها قد عبدت في جنباته الأصنام، وقد تحكمت فيه قيادات مكة الجاهلية، وإذا كان المسجد الأقصى يومها قد وقع تحت الاحتلال الروماني، فإن المسجدين الشقيقين اليوم في حالة حزن وأسى، كيف لا وكل منهما أسير. نعم إن المسجد الأقصى أسير بيد الاحتلال الصهيوني، وإن المسجد الحرام أسير تحت حكم آل سعود يتخذون منه ومن خدمته وسيلة لتثبيت حكمهم وصلت إلى درجة ألا ينتصر المسجد الحرام لأخيه المسجد الأقصى، وبدل أن يكون منبر المسجد الحرام هو المنبر الأقوى في تحريك الأمة لتحرير المسجد الأقصى فإن المسجد الحرام أصبح المنبر الأقوى للإشادة وتمجيد وتثبيت حكم آل سعود بما هم عليه من علاقات وتواصل بات مفضوحًا مع من يحتلون المسجد الأقصى المبارك، أقصد حكام إسرائيل من قادة المشروع الصهيوني.
لسان حال المسجد الأقصى والمسجد الحرام يتناجيان يبثان الهموم لبعضهما البعض كما صوّر ذلك أحد الحجاج الفلسطينيين في شعره بعد زيارته للمسجد الحرام ولكأنه يحمل منه رسالة لأخيه المسجد الأقصى المبارك:
أما أنا فالبيت أرخى ستره فوقي أسرّ إليّ بالسر الدفين
سلم على الأقصى وقبِّل صخره بلّغه شوقي والتحسر والحنين
بلغه أني ضارع متبتل والمسجد النبوي يشكو من سنين
حدّثه أنّا كلنا في أسرنا ما زال فينا الغاصبون الحاقدون
بلغ رسالتنا لكل المسلمين فلعلهم يستيقظون ويعملون
ولعلهم يتذكرون رسالتي ولعلهم يسترشدون وينقذون

لا لن يطول حزنكما ولا أسركما أيها المسجدان الشقيقان، المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وشقيقكما الثالث المسجد النبوي. يقينًا وحتمًا سينتهي هذا الحال، وسيجتمع الشمل بإذن الله، وقريبًا إن شاء الله {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} آية 6 سورة الروم.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا..
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى