أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

وماذا بعد؟

الشيخ كمال خطيب
يعلم الجميع أن موقفنا من انتخابات الكنيست الصهيوني هو موقف مبدئي وثابت، وليس موقفًا ارتجاليًا ولا مصلحيًا ولا موسميًا، كما أن موقفنا هذا ليس مناكفة في المشتركة ولا في أي من الأحزاب، قبل إذ تتجمع وتصبح مشتركة. لكن وبلا شك فإن تصادمًا وتعارضًا يحصل بين الموقفين في ظل أن لكل حزب من أحزاب القائمة المشتركة له قناعاته ومواقفه ورؤيته في القضايا المختلفة، ولمّا انضوى كل هؤلاء تحت لافتة القائمة المشتركة، ولظروف وأسباب نحن بل والجميع يعلمها، فإن هذا التعارض والتناقض بات واضحًا جدًا بين من يرون في المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني وسيلة من وسائل خدمة شعبنا وتحصيل حقوقه، وبين من يرى عكس ذلك، وأن المؤسسة الإسرائيلية هي المستفيدة من هذه المشاركة. أما وإن الانتخابات في جولتها الثالثة خلال العام المنصرم قد انتهت، فإنها جملة ملاحظات :
عليهُم عليهُم
في أجواء الفوز ونشوة الانتصار “الموهوم” فإنها السلوكيات والمظاهر والممارسات والمواقف والتصريحات غير المحسوبة، لأنها تأتي في ظل مشاعر متأججة ومنفعلة. وأن من كان يتابع ما يجري في شارع أنصار المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني، فإنه كان يصعب عليه تحديد هل مظاهر الاحتفاء هذه هي نكاية بنتنياهو وليبرمان، أم أنها نكاية بأبناء شعبهم الذين لهم موقف مغاير لموقفهم؟
لقد كان هجوم الرعاع الكاسح عبر كل الوسائل المتاحة بين أيديهم مستخدمين عبارات القذف والشتم والهمز، وصلت إلى حد أن يقول أحدهم “أنه يتمنى أن يهدم المسجد الأقصى ويجتاحه المستوطنون ليرى ماذا سيفعل المقاطعون للانتخابات من غير أعضاء الكنيست الصهيوني”.
بل وصل الأمر ببعضهم للنيل والتطاول بالشتم والاستهزاء بفضيلة الشيخ رائد صلاح القابع في حبس منزلي وإقامة جبرية، هي ضريبة مواقفه في الحفاظ على ثوابت شعبنا.
لقد قالها لي أحد الآباء الكبار وهو ابن ثمانين عامًا ويزيد، وصاحب ثقافة واسعة ومتابع سياسي جيد في تعقيبه على “هجوم العليهُم” الذي كان من أنصار القائمة المشتركة بعد صدور النتائج وفوزهم بخمسة عشر مقعدًا، وعدم فوز غانتس وفوز نتنياهو، وما كان من مصطلحات تخوين وإساءات، فقال: “لا أستبعد أن يتهموننا أننا السبب في نكبة 1948”.
أيها العقلاء، إن هذا التردي والانزلاق نحو الاستقطاب ليس في صالح أحد، إن عليكم مصارحة هؤلاء المندفعين بحقيقة إمكاناتكم على تحقيق الوعود الانتخابية. إن عليكم أن تنزلوهم عن شجرة الأحلام قبل أن ينفجروا في وجوهكم.
مع الأسف أن هذه النشوة والهبة المشاعرية بل وهستيريا الانتصار الموهوم، وأن فيروس الشتم والسخرية لم يصب قطاع الشباب المتحمس والمندفع، وإنما هو كان ثمرة وعدوى انتقلت إليهم من قياديين ومسؤولين في أحزابهم لم تعرف ألسنتهم يومًا إلّا البذاءات والانتقاص من الآخرين.
السكوت علامة الرضا
لم يتوقف خطأ بل خطورة طرح القائمة المشتركة أن هدفها هو إسقاط اليمين وإسقاط الليكود ونتنياهو، حتى أنه قد غاب السؤال عن شارعهم، إذًا فمن البديل؟ لأنه بات مسّلمًا به أن البديل هو غانتس الدموي، وهو حزب الجنرالات الذين نالوا رتبهم العسكرية بحسب الجرائم التي ارتكبوها بحق أبناء شعبنا.
أقول لم يتوقف خطأهم عند هذا الحد، وإنما وخلال الحملة الانتخابية وما بعدها فإنه الطرح الذي يقوده ويروّج له أيمن عودة عن اليسار الجديد الذي يسعى لتشكيله. واضح إنه اليسار المشكل من فلول حزب العمل وحزب ميرتس اللذين يوشكان على الانقراض من الحياة السياسية.
وفق منطق أيمن عودة وحزبه فإن هؤلاء هم أعداء تقليديون لحزب الليكود ولنتنياهو شخصيًا، وأنه هو السبب في اندثارهم، فإنه من الممكن استقطابهم في إطار سياسي جديد حيث يظن أيمن عودة أن شعبنا سينسى أن هؤلاء كانوا هم أساس البلاء الذي نزل بشعبنا منذ النكبة، وأن منهم الجنرالات ووزراء الحرب وقادة أجهزة الشاباك والموساد الذين فعلوا بشعبنا الأفاعيل.
نعم إن هناك طرحًا جديدًا وتوجهًا غير مسبوق في يقوده أيمن عودة في مشروع الأسرلة، وواضح جدًا أن حجم هذا الاندفاع بهذا التوجه هو بحجم تأثير الأموال الأمريكية وأموال أبو مازن الذي ما يزال يلهث خلف خشبة نجاة يتمسك بها عبر وجود تيار سياسي إسرائيلي يمكنه استمرار التفاوض معه، وبالنسبة لأبي مازن فإن أيمن عودة ومشروعه هو الحبل الذي يوصل إلى تلك الخشبة.
ليس الاستهجان من مشروع أيمن عودة وحزبه الذي يؤمن بالشراكة العربية اليهودية بأي شكل من أشكالها، ولكنه الاستهجان إلى درجة الحيرة من موقف وأداء وردة فعل بل وصمت وانخراس في باقي مركبات القائمة المشتركة على هذا الطرح. وإذا كان منطق “السكوت علامة الرضا” في سياسة الشراكة الزوجية، فهل هذا هو المنطق الذي أصبح مقبولًا في الشراكة السياسية بين مركبات القائمة المشتركة؟
بين حجاب إيمان وحجاب آية
لا بد من التأكيد بداية على احترامي لشخص كل امرأة وفتاة عربية وفلسطينية ومسلمة، ويزيد هذا التقدير ولا أخفي ذلك أبدًا لكل صاحبة حجاب. صحيح أنه لا توجد سابق معرفة بالأخت إيمان خطيب وإن كنا متقاربين في الجيل، ولم يقع هذا الاسم في أذني خلال مشواري في الحركة الإسلامية طوال أربعين سنة، حيث ذكرت هي خلال مقابلة إعلامية لها أنها انضمت للحركة الإسلامية الجنوبية منذ أربع سنوات فقط.
أعود للتأكيد على احترامي لشخصها الكريم، وما سأقوله لا يتعلق بشخص الأخت إيمان، وإنما بمن زجّوا بحجابها خلال الحملة الانتخابية تحت شعار “أول محجبة في الكنيست”.
إن الربط بين حجاب الأخت إيمان وبين وجودها في الكنيست وصل إلى حد تصوير أنها ستحقق خوارق ومعجزات، مع العلم أن هناك عضوات كنيست عربيات كنّ وما يزلن وهنّ لسن بمحجبات، ولا أظن أن الحجاب سيضيف نقلة نوعية إلى الإنجازات الموهومة في الكنيست الصهيوني.
ماذا أضاف يا ترى أول حجاب في الكونغرس الأمريكي صاحبته الأخت الصومالية “إلهان عمر” سوى الإعجاب والإنبهار والتقدير “للديموقراطية الأمريكية المزيّفة”، وهذا ما ستستغله أجهزة الإعلام الإسرائيلية بل حتى المسؤولون الإسرائيليون خلال مشروع الترويج والإشادة بالديمقراطية الإسرائيلية المزيّفة.
لم يتردد نتنياهو خلال خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في العام 2018 أن يتفاخر بأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وذكر بوجود أعضاء كنيست عرب في برلمان إسرائيل، وأنهم يعارضون سياساته بل إنهم يشتمونه من على منبر الكنيست.
فهل سيتردد نتنياهو أو غيره من استخدام حجاب الأخت إيمان للإشادة بديمقراطية إسرائيل في المحافل الدولية وهو ما سيساهم في تجميل وجه إسرائيل القبيح، ليس فقط بوجود عضوة كنيست عربية بل محجبة أيضًا!!!
في الوقت الذي ما يزال البعض يتحدث بهوس عن إنجاز إدخال أول محجبة للكنيست هي الأخت إيمان خطيب من مدينة عرابة، ففي نفس الوقت فإن هناك امرأة فلسطينية محجبة هي الأخت آية خطيب من قرية عرعرة تقبع في زنازين المخابرات الإسرائيلية قريبًا من شهر تحرم من أبسط حقوقها، وتحرم من مشاهدة طفليها، وتسعى أجهزة المخابرات الإسرائيلية لتلفيق تهم باطلة لها لتجرّم عملها الإنساني في خدمة أطفال شعبنا المرضى من غزة والضفة الذين يعالجون في المشافي الإسرائيلية. إنها إسرائيل إذًا التي “ستحترم” حجاب إيمان خطيب بينما هي تهين وتدنس حجاب آية خطيب.
لا بل إنهن الأخوات المرابطات والزائرات للمسجد الأقصى اللاتي يتم إبعادهن بل وضربهن بل وخلع حجابهن عنوة عند بوابات المسجد الأقصى من قبل رجال الشرطة الإسرائيلية، في دلالة واضحة على حقيقة قيمة الحجاب في المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها.
كان خطأً فادحًا الزج بحجاب الأخت إيمان في أتون الانتخابات للكنيست الصهيوني سعيًا لاستقطاب واستعطاف النسوة عامة والمحجبات خاصة إلى صناديق الانتخاب، ففي ذلك إساءة للحجاب وصاحبته، وتشويه للهوية الدينية والوطنية.
تجربه فريدة أم مولود معاق؟
طالما سمعنا وما نزال نسمع من يفاخر بأن القائمة المشتركة هي تجربة فريدة ورائدة، ويتمنى لو أن كل العرب وكل المسلمين والفلسطينيين يتعلمون من هذه التجربة لأنها الأولى فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا وعالميًا!!! وأنها استطاعت أن تذيب الفوارق بين الإسلامي والشيوعي وبين العلماني والمتدين وبين المسلم والمسيحي، في ديباجة أقرب أن تكون إلى الخيال والوهم.
مع الأسف فإنه وخلال نشوة الحديث فإن هؤلاء يريدون أن يغيّبوا عنا حقيقة أن هذا “المولود” قد رضع حتى الفطام من أموال أمريكية كانت دنسًا ورجسًا وشبهة حتى فترة قريبة، فإذا بها تصبح حلالًا زلالًا، لا بل إنني ما زلت أسأل وأتساءل عن أهداف وخلفية ليس زيارات البعض من قيادات الجبهة والحزب الشيوعي لأمريكا والالتقاء بقيادات من اليهود الأمريكيين، بل إنهم من غير الحزب والجبهة الذين ذهبوا إلى أمريكا وقضوا أسابيع فيها قبيل الانتخابات بقليل، ورجعوا دون أن يذكروا ماذا فعلوا هناك وهم نشطاء بارزون، ولعلّ نشاطهم هذا قد يقفز بهم إلى مواقع قيادية في أحزابهم وحركاتهم!!!
ولي أن أتساءل عن حقيقة الوحدة بين ومع من يسخر من الحجاب ولم يعتذر لمحجبات شعبنا، بل إنه بأصواتهن ومع الأسف وصل إلى الكنيست الصهيوني، إنه أيمن عودة، ولا مع الذين تقدموا بمشروع تجريم ومنع الزواج من اثنتين كما يبيح الشرع، ومن صرّحوا أنهم سيعلنون الحرب على هذا الفعل في النقب من خلال عملهم في رئاسة لجنة المرأة في الكنيست، المقصود السيدة عايدة توما سليمان. ولا مع الذين تقدموا ودعموا مشروع إباحة الشذوذ الجنسي وزواج الرجال من بعضهم، والنساء من بعضهن إنه زواج مشروع.
نعم إنهم اعتبروا الزواج من زوجتين جريمة، والزواج بين رجلين حرية شخصية، وهؤلاء هم من مركبات المشتركة “النموذج والمفخرة”. أم التحالف مع من دعموا مشروع نزع كثير من الصلاحيات من المحكمة الشرعية الإسلامية والسماح للمرأة المسلمة التقاضي للمحكمة المدنية وليس الشرعية فيما يتعلق بالخلافات الزوجية، فأي تحالف هذا بربكم وأي تجربة فريدة ورائدة هذه.
وماذا بعد
كنت على قناعة وما زلت أن مشاركة فلسطينيي الداخل في انتخابات الكنيست الصهيوني إنما يستفيد منها المشروع الصهيوني نفسه أكثر من أي فائدة موهومة لشعبنا، وأن التمثيل البرلماني ومهما كانت نسبته وعدد أعضائه فإنه سيظل على هامش الهامش.
كنتم يومًا 10 أعضاء ثم أصبحتم 13 عضوًا، وها أنتم اليوم 15 عضوًا، وخياراتكم كلها أصعب من بعضها البعض إلا أن تقوموا مجتمعين أو يقوم بعض مركباتكم بردة وطنية وأخلاقية ودينية لعلّ من مظاهرها ما سبق وسمعناه خلال الأيام الماضية عمّن لا يستبعد الحديث مع نتنياهو إذا قام بعرض مقبول وتحقيق مطالب يتم تقديمها له، ومع الأسف فإن مظاهر ومقدمات هذا قد تم افشاؤها وهي قد حصلت عقب انتخابات 9/4/2019 وانتخابات 17/9/2019، وها هي تتجدد هذه الأيام.
يبدو أن العربي والفلسطيني الجديد الذي يراد صياغته حيث كل همه فقط مطالب ومكتسبات معيشية بعيدًا عن المواقف الوطنية والقضايا العقائدية، فيبدو أن هذا العربي الجديد يمكن أن يفاجئنا إلى درجة الذهول في “مرونة وواقعية وبرغماتيته”.
وإذا كنتم لن تقدموا على هذه الردة فإن خياركم هو دعم حكومة يشكلها حزب الجنرالات وبدعم مباشر أو خارجي من ليبرمان، وإن هذا لن يكون أقل جرمًا من الخيار الآخر إن لم تكن هي الفضيحة الكبرى.
نعم وماذا بعد إذ وصلتم إلى ذروة إنجازاتكم وأنتم تعلمون الظروف التي اجتمعت وساهمت في هذه النتيجة، فماذا بعد؟! هل ستدعمون حكومة برئاسة غانتس ويدعمها ليبرمان؟ إنها فضيحة. هل ستدعمون حكومة برئاسة نتنياهو؟ إنها كارثة. هل ستبقون معارضة تصرخ على منبر الكنيست فقط، وماذا بعد؟!
حان الوقت للاعتراف أن العمل لخدمة شعبنا كما تزعمون من خلال الكنيست لم ولن يحقق ما تريدون، فالمطلوب هو استخدام قوة شعبنا ونحن قوة وعلى كافة المستويات لبناء مؤسساتنا الوطنية وهيكلة تنظيمنا من خلال لجنة المتابعة بعد أن يتم انتخاب مركباتها انتخابًا. بالنسبة لي هذا هو الجواب لسؤال وماذا بعد؟ ولا أعرف ماذا سيكون جوابكم أنتم على هذا السؤال.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى