أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

من المستحيل هدم المسجد الأقصى

د. أنس سليمان أحمد
المسجد الأقصى المبارك هو البقعة المباركة التي تقع في قلب القدس المباركة، وتبلغ مساحة هذه البقعة مائة وأربعة وأربعين دونما، وعلى هذا الأساس فإن كل متر من هذه البقعة المباركة هو جزء من المسجد الأقصى، وجزء من بركته، ويحمل كل الفضائل التي يحملها المسجد الأقصى والتي تحدث عنها القرآن الكريم والسنة النبوية، وليس شرطاً أن يقام بناء على أي متر من هذه البقعة المباركة حتى يُقال إنه من المسجد الأقصى، بل إن كل متر من هذه البقعة المباركة هو جزء من المسجد الأقصى سواء أقيم عليه بناء أو لا يزال أرضاً خالية من أي بناء، أو أصبح مزروعاً كما هو اليوم بأشجار الزيتون والصنوبر، لذلك من الضرورة بمكان أن نعلم أن قبة الصخرة والجامع القبلي المسقوف والأقصى القديم والمصلى المرواني ومصلى البراق وعشرات القباب والمصليات القائمة في هذه البقعة المباركة كلها جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى لأنها مبنية في هذه البقعة المباركة، وهذا يعني أن الثابت في تعريف المسجد الأقصى هو هذه البقعة المباركة، فهي التي كانت وستبقى بهذا الاسم: المسجد الأقصى حتى قيام الساعة!! وسيبقى كل بناء يُقام فيها جزء من المسجد الأقصى لأنه أقيم فيها!! مع الأخذ بعين الاعتبار أن أي بناء في هذه البقعة المباركة قد يطرأ عليه هدم أو توسعة أو إضافة أو ترميم، ولن يضير ذلك البقعة المباركة بل ستبقى هي المسجد الأقصى حتى قيام الساعة، وسيبقى كل ما حملت من مصليات وقباب ومآذن وبوائك ومصاطب وأبواب جزءاً لا يتجزأ من المسجد الأقصى، وستبقى كل هذه الأبنية قابلة للتجديد في بنائها، وستبقى البقعة المباركة هي الأصل الذي يحمل اسم المسجد الأقصى حتى قيام الساعة.
وإن من المعلوم من تاريخ المسجد الأقصى بداهة أن البناء الذي كان يُبنى على هذه الأرض المباركة كان يتعرض في بعض الأحيان لهدم كليّ أو جزئيّ نتيجة عوامل طبيعية أو بسبب الحروب ووقوع المسجد الأقصى في قبضة احتلال من تلك القوى الشريرة التي كانت وما أكثرها، والتي احتلت المسجد الأقصى وسعت في خرابه وتدنيسه، فهدمت ما قام عليه من أبنية هدماً كاملاً أو هدمت بعضها أو أحالتها إلى ذات أهداف صادمت قدسيتها كما فعل الصليبيون الأوروبيون حيث أحالوا الجامع القبلي المسقوف إلى فندق للنخبة من فرسانهم، وأحالوا المصلى المرواني إلى إسطبل لخيولهم، وأحالوا قبة الصخرة إلى كنيسة، ونصبوا صليباً ضخماً على أعلى نقطة في سقفها، وحفروا أسطوانة في الكتلة الصخرية التي تقع تحتها واستخدموها بمثابة مزراب لدماء خنازيرهم التي كانوا يذبحونها على تلك الكتلة الصخرية تحت سقف قبة الصخرة!! ومع كل مظاهر هذه المشاهد من الهدم الكلي أو الهدم الجزئي للأبنية التي أقيمت في هذه البقعة المباركة، ومع كل مظاهر تدنيس بعض هذه الأبنية التي أقيمت في هذه البقعة المباركة على مدار تاريخ المسجد الأقصى إلا أن كل هذه المظاهر والمشاهد الموجعة لم تنزع عن هذه البقعة المباركة اسم المسجد الأقصى، بل ستبقى هي الأصل التي تحمل هذا الاسم المسجد الأقصى وستبقى حتى قيام الساعة!! ولذلك مهما طرأ على أي بناء أقيم في هذه البقعة المباركة من مظاهر هدم أو بناء أو تدنيس في أية حقبة تاريخية مرّت على المسجد الأقصى، فستبقى هذه البقعة المباركة دائمة في وجودها حتى قيام الساعة!! لا بل إن مظاهر الهدم والبناء في المسجد الأقصى قد يقوم بها أهل المسجد الأقصى وليس أعداؤه، وستبقى هذه البقعة المباركة هي الأصل تحمل اسم المسجد الأقصى حتى قيام الساعة!! وعلى سبيل المثال هاكم الخلفاء المسلمون بعد الفتح العمري كأنهم تواصوا فيما بينهم على مواصلة إعمار أبنية المسجد الأقصى على مدار الألف وأربعمائة عام الماضية، وما من خليفة منهم إلا وترك بصمته على المسجد الأقصى، فمنهم من بنى في المسجد الأقصى قبة أو بائكة أو مصطبة أو مئذنة أو فتح باب أو أغلق بابا أو بنى حائطاً أو هدم حائطاً أو أضاف توسعة أو نقوشاً أو زخرفة، ولكن رغم هذه الحركة الدائبة المستمرة الطويلة بين بناء وهدم وتوسعة، ظلّت هذه البقعة المباركة هي الأصل وستبقى هي الأصل التي تحمل إسم المسجد الأقصى حتى قيام الساعة، وستقع ظاهرة البناء أو الهدم أو التوسع على الأبنية المقامة في هذه البقعة المباركة حتى قيام الساعة، ولن يزيل ذلك إسم المسجد الأقصى عن هذه البقعة المباركة.
وكلنا يعلم أن زلزالاً مدمرا ضرب كل فلسطين التاريخية في بدايات القرن التاسع عشر مما تسبب بهدم بضعة مصليات عملاقة كانت جزءاً من الجامع القبلي المسقوف القائم في مقدمة هذه البقعة المباركة، ولا تزال آثار هذه المصليات العملاقة التي هُدمت قائمة في هذه البقعة المباركة حتى الآن، فهل معنى ذلك أن المسجد الأقصى هُدم حاشا لله تعالى، بل سيبقى المسجد الأقصى قائماً حتى قيام الساعة، لأن هذه البقعة المباركة هي الأصل الذي يحمل إسم المسجد الأقصى وستبقى حتى قيام الساعة.
وفي الوقت الذي نحن مطالبون فيه أن نحافظ على هذه البقعة المباركة التي تحمل إسم المسجد الأقصى وأن نحافظ على كل ذرة تراب فيها لأنها جزء من المسجد الأقصى، وأن نحافظ على كل بناء فيها سواء كان سوراً أو حائطاً أو جامعاً أو قبة أو مصليا أو بائكة أو مصطبة لأنها كلها جزء من المسجد الأقصى، في هذا الوقت أقول: كم هو غبي الاحتلال الإسرائيلي الذي يظن إن بدّل اسم حائط البراق الذي هو جزء من المسجد الأقصى إلى اسم حائط المبكى، أو حفر أنفاقاً تحت المسجد الأقصى المبارك وفي محيطه، أو أرخى الحبل على غاربه لصعاليكه وصعلوكاته كي تواصل اقتحام المسجد الأقصى يومياً، أو وفّر الحراسة لهؤلاء الصعاليك والصعلوكات وهم يقومون بطقوسهم التلمودية في المسجد الأقصى، أو دندن على فرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، أو أغلق باب الرحمة الذي هو جزء من المسجد الأقصى، أو طمع بهدم قبة الصخرة التي هي جزء من المسجد الأقصى، أو ظنّ أنه سينجح بتفريغ المسجد الأقصى منا، او نصب قواته المدججة بالسلاح على كل بوابات المسجد الأقصى، أو صرّح تلميحاً أو تصريحاً عن نيته لبناء هيكل خرافي أسطوري على حساب المسجد الأقصى، كم هو غبي هذا الاحتلال إن ظنّ أنه بواسطة ذلك سيهدم المسجد الأقصى!! وليعلم هذا الاحتلال المغرور أنه إن نجح يوماً باقتلاع هذه البقعة المباركة التي هي الأصل والتي تحمل اسم المسجد الأقصى إن نجح يوماً باقتلاعها من الوجود فسينجح بهدم المسجد الأقصى، ولأنه من المستحيل أن ينجح باقتلاعها حتى قيام الساعة فلن ينجح بهدم المسجد الأقصى حتى قيام الساعة!! وحتى لو دفعه غروره المجنون في قادمات الأيام القريبة إلى نزع ولو حجر من أبنية المسجد الأقصى أو إلى هدم قبة فيه أو مصلى من مصلياته فليعلم أمرين: الأول أن هدمه ولو لجدار في المسجد الأقصى سيرتد عليه، والثاني إن ارتكابه حماقة هذا الهدم ولو كان مدماكا من أبنية المسجد الأقصى أو أكثر من مدماك لن يهدم المسجد الأقصى، بل سيبقى المسجد الأقصى حتى قيام الساعة اسم علم مبارك لهذه البقعة المباركة التي اسمها المسجد الأقصى، ثم سيبقى إسم علم لكل الأبنية القائمة في هذه البقعة المباركة، وهناك حديث نبوي شريف يحمل هذه الدلالة بوضوح لا ريب فيه ولا غموض :عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول الله: أفتنا في بيت المقدس!! فقال: “أرض المحشر والمنشر، إئتوه فصّلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره” قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه !! قال: ” فتهدي له زيتاً يُسرج فيه، فمن فعل ذلك فهو كم أتاه”، وعليه فإننا نأخذ هذا الحديث بكامل الاطمئنان لقوة سنده، ونلتزم بتكاليفه بكامل الثقة. والمقصود بمصطلح “بيت المقدس” في هذا الحديث هو المسجد الأقصى، وهذا يعني وفق هذا الحديث النبوي أن المسجد الأقصى هو أرض المحشر والمنشر، وما دام هو أرض المحشر والمنشر، فهذا يعني أن هذه البقعة المباركة التي هي الأصل والتي اسمها المسجد الأقصى ستبقى شامخة عصيّة على الهدم حتى قيام الساعة!! وهذا يعني أننا في صراع محسوم النتيجة مع الاحتلال، حيث سيبقى المسجد الأقصى، وسيزول الاحتلال رغم أنفه وغير مأسوف عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى