أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

انتخابات الكنيست الصهيوني بين المراهقة السياسية والمال الأمريكي

الشيخ كمال خطيب
أنا أعلم مقدار الحساسية المفرطة وردود الفعل الهوجاء والعنيفة التي تصدر عن المشاركين في انتخابات الكنيست الصهيوني، والذين يذهبون بعيدًا إلى درجة الفجور في الخصومة واستعمال البذاءات والشتائم وتحويل الخلاف في المواقف السياسية والتباين في الآراء إلى عداوة شخصية، مع العلم أن هؤلاء هم أكثر من يرفع شعارات الحرية الفكرية والتعددية السياسية واحترام الرأي الآخر. وإن من يرجع إلى مواقف هؤلاء الشخصية أو أدبيات أحزابهم وحركاتهم في صحفهم ومنشوراتهم لسنين خلت، فإنه يجد أنها مليئة ومزدحمة بهذا القاموس الفريد من المصطلحات السوقية والبذاءات اللسانية.
وللتذكير فإنني لا أقصد في حديثي أصحاب صفحات الفيسبوك ورواد مواقع التواصل الذين يخوضون مع الخائضين الذين يتجندون في حفلات الشتم والبذاءات، وإنما أقصد الأشخاص الحزبيين والقياديين في حركاتهم وأحزابهم من الذين تنضح أقلامهم وألسنتهم بأحقاد حزبية يغلفونها بآراء سياسية.

# مراهقة سياسية
ما إن نكتب أو نعبر عن قناعاتنا التي ما عرف الناس منا غيرها، وهي موقفنا الرافض للمشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني. فهكذا كان موقفنا من يوم أن بدأ البعض يلمح ويسعى لمشاركة الحركة الإسلامية في انتخابات الكنيست الصهيوني منذ العام 1989 وحتى وصل الأمر إلى الانقسام في الحركة الإسلامية عام 1996، فلم يكن لنا موقف غير هذا الموقف.
بعد حظر الحركة الإسلامية يوم 17/11/ 2015 ومع التذكير أنه كان للحركة الإسلامية المحظورة اسرائيليًا ستة مندوبين في لجنة المتابعة، مثلنا مثل أكبر حزب من الأحزاب المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني، اعترافًا من كل مركبات المتابعة بثقل وشعبية وحضور الحركة الإسلامية حتى لو لم يكن لها مشاركة ولا تمثيل في الكنيست الصهيوني.
المضحك أنه وما أن نعبّر عن قناعاتنا ورفضنا وتشكيكنا بجدوى العمل البرلماني وأنه وطوال سبعين سنة، فإنه لا يزيد عن كونه أصفارًا متراكمة، وإذا ببعض مراهقي الأحزاب وقد يكونون قادة وأطباء ومحامين وووو. وإذا بهم يتوجهون بنداءات لرئيس لجنة المتابعة السيد محمد بركة يلومونه على وجودنا في المتابعة، بل ويحرّضون على مشاركتنا فيها، بل ويطالبون بفصلنا منها.
صحيح أن هؤلاء أقل بكثير من أن نردّ عليهم وعلى تفاهة أفكارهم، ولكن الشيء الوحيد الذي أقوله لهم، إن وجودنا في لجنة المتابعة ليست منّة ولا تفضلّا ولا إحسانًا ولا تكرمًا من أحد أيًا كان، ولا أن وجودنا هو وجودها هامشي ولا هو كرم حاتمي من أي من الأحزاب.
أما الذين “كلما دقّ الكوز بالجرّة” فإنهم يجردون أقلامهم الحاقدة وألسنتهم البذيئة، ويغرفون من قلوبهم الموبوءة، ويلوّحون بسيف الإقصاء فإننا ندعهم لأوهامهم وخيالاتهم وأمنياتهم تدغدغ أحلام اليقظة في رؤوسهم ونفوسهم المريضة.
وعليه فإننا نجدد دعوتنا وقناعتنا بضرورة الانتخاب المباشر للجنة المتابعة من قبل أبناء شعبنا ليكون التمثيل فيها صادقًا وواقعية لمن يخوضون انتخابات الكنيست الصهيوني ولمن يقاطعونها، وعند ذلك سيدرك كل من هؤلاء المزايدين حجمه وحضوره بين أبناء شعبنا.

# التحذير من التخدير
نعم لن نتردد باستمرار التأكيد على أن الكنيست هي ملهاة سياسية، وإن كانت بالنسبة للبعض هي مورد اقتصادي ومالي وشريان حياة وعصب وجود. ولن نتردد باستمرار التحذير من خطورة التخدير السياسي والفكري الذي يمارسه بعض القياديين، وجعل أبناء شعبنا يعيشون أوهام المساواة وأحلام التأثير السياسي من داخل الكنيست.
إن من روّجوا لأوسلو من الأحزاب العربية في الكنيست الصهيوني استجابة وتماثلًا مع قيادة السلطة في رام الله ليردوا بذلك جميل ومعروف الدعم المالي من عرفات أولًا ومن أبي مازن ثانيًا، إن على هؤلاء إن كانت مواقفهم صادقة وغير مرتبطة بالممول أن يعلنوا اعتذارهم بعد أن ثبت فشل أوسلو وأثرها الكارثي على شعبنا الفلسطيني، وأن يعلنوا لأبناء شعبنا بأن مواقفهم تلك كانت رهينة تمويلهم أو أنها كانت مراهقة سياسية غير محسوبة، أم أن هؤلاء ما يزالون يصرون على صواب أوسلو وأن فيها مصلحة لشعبنا وفق نظرية “عنزة ولو طارت”.
ومثلهم بل إنهم أنفسهم الذين خاضوا تجربة المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني، فإن عليهم اليوم وبعد صدور قانون القومية والإعلان عن صفقة القرن، وبعد انسداد الأفق في التأثير السياسي فإن عليهم الاعتراف بخطأ تجربتهم. وإنني هنا أتحدث عن حسن نيّتهم في خدمة شعبهم بعيدًا عن التشكيك لا سمح الله بنيّة أي منهم في الخدمة الصادقة، ولكن هذا لا يعني أبدًا أن حسن النيّة معناه الشيك المفتوح والفرصة التي لا تغلق لهؤلاء. لا وألف لا حيث أن عليهم الاعتراف بخطأ المشاركة في الكنيست الصهيوني، ولكن من لم يعترف بخطئه في دعم أوسلو والمراهنة عليها فإنه لن يعترف بفشل وعدم جدوى مشاركته في انتخابات الكنيست الصهيوني والمراهنة عليها.
وليس هذا فحسب، بل إن الذين أوصوا بعد انتخابات 17/9/ 2019 بغانتس ليكون رئيسًا للوزراء متجاهلين دمويته وعنصريته بدعوى أن الهدف هو إسقاط نتنياهو حتى لو كان البديل هو المجرم غانتس. إن هؤلاء وهم قادة المشتركة لم يعترفوا بخطئهم رغم إصرار غانتس المتكرر بأنه لن يشكل حكومة بدعمهم مهما كان الثمن، إلّا أن البعض يريد أن يبقي الباب مفتوحًا لاحتمال أن يعودوا للتوصية به وعليه بعد انتخابات 2/3/2020، ولعلّ هذا ما سيكون.

# أمريكا والمال “الكاشير”
ما أن يتم الحديث عن التمويل المشبوه للأحزاب العربية وأن من مصادره ليس فقط التمويل الحكومي، بل أن هناك تمويل من أبي مازن ومن بعض الدول الخليجية عبر قناة محمد دحلان والأخطر من ذلك فإنه التمويل من الجمعيات الصهيونية الأمريكية التي دعمت بملايين الدولارات. الغريب أنه ما أن يتم الحديث في هذا المال الذي حتمًا له أجندات تفرضها الجهات الممولة مما سينعكس سلبًا على أبناء شعبنا فكريًا وسياسيًا وأخلاقيًا، وإذا بقيادات تلك الأحزاب أو من يدورون بفلكهم ينهالون بالسباب والشتائم تضاف إلى تشكيكهم بأمانتنا المالية.
يا هؤلاء إننا لم ننكر يومًا أننا كنا نتلقى مساعدات لجمعياتنا الثقافية والصحية والتعليمية وغيرها، لكنها كانت دائمًا من مؤسسات خيرية عربية وإسلامية وليست أمريكية ولا صهيونية، وفي المقابل فإننا نقول وليسمع القاصي والداني أن بالأموال تلك بنينا مدارس ومستشفيات ورياض أطفال وعيادات ومراكز ثقافية، وبنينا ورممنا بيوتًا في عكا وحيفا ويافا. وأقمنا معسكرات التواصل في النقب فيها بنينا بيوتًا ومساجد وشققنا طرقًا وأوصلنا خطوط الماء، وغير ذلك مما يشهد به أهلنا في النقب وفي مدن الساحل الفلسطيني. وأما عن القدس الشريف وأحيائها فحدّث وبكل فخر عن ترميم عشرات بل مئات البيوت لتعزيز صمود أهلها ومشاريع الإعمار في المسجد الأقصى المبارك، ومشروع مسيرة البيارق وتيسير الحافلات والرباط ومصاطب العلم في ساحات المسجد الأقصى مما لا ينكره إلا جاحد ومكابر.
إننا وبالمقابل نسأل وبتحدٍ عن مشروع واحد مثل المشاريع التي قمنا بها قد قامت به أحزاب الكنيست سواء من أموال الدعم الحكومي لها أو من أموال الصناديق الأجنبية والصهيوأمريكية والخليجية، وهي تقدر بعشرات ملايين الدولارات في مواسم الحملات الانتخابية وفي غيرها.
لم يتردد السيد سامر سويد مدير مركز التخطيط البديل ومركز حملة 17/9 للترويج للمشاركة والتصويت في الانتخابات للكنيست الصهيوني، ويكتب على صفحته الرسمية بعد الانتخابات بأسبوع واحد 23/9/2019، وكتب بالأرقام عن مئات الشباب الذين تلقوا رواتب جرّاء مشاركتهم بالحملة وعن آخرين متطوعين كما ادّعى، وعن مئات المقرات الانتخابية، ولم يتردد بذكر أنه تلقى من خلال مركز التخطيط البديل الذي يرأسه عضو الكنيست السابق عن الجبهة حنا سويد دعمًا من أكثر من مئة مصدر قسم منها محلي كما ذكر والباقي طبعًا خارجي.
ولم يتردد السيد سامر سويد أن يسرد وبالأسماء المفصّلة للجمعيات التي كانت تعمل كمقاول ثان لمركز التخطيط البديل وتتلقى الأموال إياها، وهي تسع مؤسسات أربع منها تتبع للجبهة وهي مركز الطفولة، مركز دراسات، وجمعية الأمل البيئية ومركز التخطيط البديل. وأربعة أخرى تتبع للحركة الجنوبية وهي مؤسسة القلم، مؤسسة صمود، مؤسسة مهارات ومؤسسة جسور للفن والإبداع، فهل أصبح المال الصهيوأمريكي مالًا حلالًا “كاشير”؟؟؟
ومن أراد المزيد ليدرك حجم الأموال والدعم الخارجي من مصادر وصناديق صهيوأمريكية فليقرأ ويتابع التراشق السافر الذي يجري هذه الأيام على صفحات التواصل الاجتماعي بين مجموعة أيمن عودة في الجبهة والحزب الشيوعي وبين مجموعة أخرى داخل الجبهة ترفض هذا التمويل وتكتب بشكل واضح عن المال الصهيوأمريكي المشبوه الذي ينهال بكثافة في الحملة الانتخابية مشيرين إلى أن أيمن عودة هو من يقف خلف هذا المال.
وإذا قال قائل وما دخلك أنت بكل هذا وأنت لا تشارك في الانتخابات، فإن الجواب الواضح وغير المتلعثم هو أن واجبي الأدبي والأخلاقي النهي عن المنكر السياسي والفكري الذي يمارسه بعض القياديين في مجتمعنا، من الذين يرتكبون جرمًا بحق شعبنا وأبنائنا ومستقبلنا عبر التأثير الذي سيكون لهذا المال السياسي وأجندات الجهات الممولة.
نعم ستنتهي جولة الانتخابات 2/3/2020، وسيظل أعضاء الكنيست الصهيوني العرب على هامش الهامش مهما بلغ عددهم، وستتكشف أكثر وأكثر مصادر التمويل، ولن تكون محصلة هذه الانتخابات إلا مثل سابقاتها، ولن يجني أبناء شعبنا إلا الوهم والسراب.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى