أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (12).. بين المزاعم وبيع الأوهام وبين الحقيقة

حامد اغبارية
تحديدا بسبب المزاعم والأوهام التي يسُوقها الذاهبون إلى مقصلة الكنيست على أنها مبررات حقيقية للسير في هذا الطريق، فإن ما يقولونه يؤكد العكس تماما، خاصة وأن الرصيد صفر!
في كتابه “ظل أزرق أبيض” يتحدث يائير بويمال عن “معالجة” المشروع الصهيوني والمؤسسة الإسرائيلية منذ سنوات الخمسين لملف فلسطينيي الداخل، والسياسات التي اتبعتها تلك المؤسسة منذ بن غوريون. وملخص الفصل السابع من كتابه ذاك، والذي جاء بعنوان “العرب في السياسة الإسرائيلية” أن النشاط السياسي للعرب في البلاد استغلته المؤسسة الإسرائيلية كأداة للسيطرة على فلسطينيي الداخل، مستعرضا الأساليب والوسائل التي انتهجتها المؤسسة الإسرائيلية بكل أدواتها، سواء الأحزاب الصهيونية أو أجهزة المخابرات، لاختراق المجتمع الفلسطيني، بهدف منعه من الخروج من دائرة السيطرة، وإبقائه تحت مجهر المؤسسة الرسمية. وكان من وسائل السيطرة جرّ العرب للتصويت للكنيست الصهيوني. هكذا باختصار. ويمكن لمن أراد أن يرجع للكتاب، ومثله كتب كثيرة خاضت في هذا الموضوع.
وها نحن نجد اليوم من يستقتل ويبذل الأموال والطاقات والأوقات من أجل الوصول إلى “الهدف” الذي صنعته لنا المؤسسة الإسرائيلية منذ الخمسينات، والذي اسمه “الكنيست”. ويزعم هؤلاء مزاعم كثيرة، يسوِّقون من خلالها أوهاما هي السراب بعينه. ولا يتورعون عن إلباس هذه المزاعم والأوهام عباءة العمل الوطني الذي لا يشق له غبار.
يزعم الزاعمون مسوِّقو الأوهام أن المشاركة في الكنيست الصهيوني هي وسيلة لمواجهة “تعاظم المدّ الصهيوني – اليهودي المتطرف الذي كشّر عن أنيابه العنصرية بشكل غير مسبوق”!! فهل المشاركة في الكنيست الذي يرقص على أنغام هذا المد المتطرف منذ 1949 وحتى اليوم هو البديل الذي يمكنه تنفيس بالون العنصرية؟ لماذا لا يكون لنا بديل آخر بعيدا عن هذه اللعبة الملوثة، التي ثبتَ بالواقع والأرقام والحقائق فشها فشلا ذريعا، وعدم جدواها أصلا، ناهيك عن أن الأصل هو الترك، وهو أن يدرك الفلسطيني أن هذه المؤسسة هي رمز أصيل في المشروع الصهيوني الذي قام على أنقاض شعب كامل، هو “بالصدفة” الشعب الذي ننتمي إليه.
ويزعم هؤلاء أن القائمة المشتركة هي تجسيد لوحدة حقيقية “ووحدة وعي وإرادة ورؤية والتفاف جماهيري حول ثوابتنا الدينية والوطنية واستعداد غير محدود للتضحية بكل غال وثمين في سبيل حماية الوجود والهوية…”!! لكن أصحاب هذه المزاعم لم يشرحوا للجماهير كيف يمكن للكنيست أن يحمي وجودنا وهويتنا وحقوقنا؟ ومنذ متى أصبح اللعب في ملعب السياسة الصهيونية الإسرائيلية رافعة للحفاظ على الثوابت الدينية والوطنية؟ ولم يسرد هؤلاء علينا ما هي التضحيات التي قدموها في الطريق إلى الكنيست. إن هذا لأمر عجيب!!
ويزعم هؤلاء أنه لا ينغّص هذا “العمل الوطني العظيم” المتمثل في المشاركة في الكنيست، سوى أصوات نشاز امتهنت صنعة التطاول ووضع العصي في عجلات المركبة الوطنية طمعا في لفت الانتباه، وتحقيق بعض المكاسب الأنانية التي تخدم أعداء مشروعنا وقضيتنا المقدسة!! قضيتنا المقدسة؟؟؟؟؟؟ في الكنيست؟؟؟!!! عذرا، لكنني لست أدري إن كان من يقول هذا الكلام قد قاله وهو في كامل وعيه.
بطبيعة المشهد نفهم أن المقصود بـ “أصوات النشاز” المعطِّلة لعجلات المركبة الذاهبة إلى الكنيست هم الداعون إلى مقاطعة تلك الانتخابات العبثية. لا يمكن أن يُفهم الأمر إلا بهذا الشكل.
أي أن نصف شعب أصحاب هذه المزاعم هم أصوات نشاز!! وهذه مذمة وإقصاء للرأي المخالف. فهل من حق هؤلاء اللهاث خلف خيار الكنيست، الذي أصبح في مقدمة بطولات العمل الوطني، وربما الوحيد، وليس من حق غيرهم حمل فكرة أخرى، تدعو إلى المقاطعة؟ هم فقط أصواتٌ نشاز!
ويزعم هؤلاء أن المشتركة هي تعبير عن الوحدة التي يريدها الشعب! أحقا؟!!
إنها واحدة من أكبر عمليات الخداع وسَحر أعين الناس بكلام لا علاقة له بالحقيقة ولا بالواقع. فالذين يقولون هذا الكلام يعرفون تماما أن اجتماع تلك الأحزاب في هذه القائمة لم يكن له سوى دافع واحد، هو رفع نسبة الحسم. وليس هناك أي دافع آخر. وإلا فإن ما عانيناه طوال سبعة عقود كان كافيا لدفع تلك الأحزاب، منذ وجدت، للدفع نحو وحدة حقيقية. لكننا نعلم، وهم أيضا يعلمون، أن الذي عطَّل الوحدة الحقيقية هي بالذات أحزابٌ أصبح الكنيست شغلها الشاغل، وهو الهواء الذي يتنفّسونه ولا يستطيعون العيش بدونه، فاكتفوْا بوحدة مزيفة قائمة على شفا جُرُف هار، رأيناه كيف انهار في انتخابات نيسان 2019 بسبب الخلاف على المواقع المتقدمة في تشكيلة القائمة، ولم يكتفِ قادة تلك الأحزاب بهذا، بل راحوا يكيلون التهم أحدُهم للآخر، حتى قال بعضهم في بعضهم أكثر مما قله مالك في الخمر. هل هذه وحدة؟!!
لو كنت مستشارا لأصحاب هذه التدبيجات الدونكيشوتية، لنصحْتُهم بالكف عن الحديث في هذا الموضوع، ولنصحتهم بأن يقولوا للناس إنهم اجتمعوا فقط لسبب واحد: كي يتمكنوا من الوصول إلى الكنيست. فربما لو صارحوا الجمهور نالوا احتراما أكثر، على الأقل من أجل صِدْقهم وصراحتهم. شعار الوحدة شعار ممجوج يكذّب نفسه بنفسه. والوحدة الحقيقية، لو أرادوا، يعرفون تماما أين يجدونها. وهي ليست في ملعب الكنيست الإسرائيلي. هذا عبث وتضييع للبوصلة. فالكنيست لا يمكن أن يكون دافعا للوحدة. بل هو عارٌ وطني على جبين من يؤمن بهذا، ولو تلميحا.
ثم يزعم هؤلاء أن المشتركة قدمت نموذجا للوحدة يستحق أن يُحتذى به فلسطينيا وعربيا. إن كانت هذه الوصفة العجيبة هي النموذج فأبشر بمائة سنة عجاف، لن تتذوق الأمة فيها طعم الوحدة الحقيقية، لأن تطبيق نظرية المشتركة في “الوحدة” عاشتها الأمة منذ الخمسينات، وتعرف حقيقتها وآثارها.
ويزعم هؤلاء أن المشتركة فرضت نفسها كقوة ثالثة في الكنيست بين الحزبين الكبيرين لأول مرة في تاريخها، وفرضت حضورها من جهة، وإرادتها على الحكومة والبرلمان من جهة أخرى، استطاعت من خلاله تحقيق إنجازات تجاوزت إنجازات الأحزاب العربية منفردة كما في الماضي.
أنا شخصيا- على الأقل كدارس للحالة الفلسطينية والإسرائيلية- لم أر أية إنجازات للأحزاب المنفردة في الماضي، ومثلي كثيرون يُعدُّون بمئات الآلاف. ولكن إذا كانت هناك إنجازات فعلا، منذ 2015، قفزا عن انتخابات نيسان، وحتى اليوم، فما هي هذه الإنجازات؟ لماذا لا يُصدر أصحاب هذه المزاعم بيانا مفصلا بتلك الإنجازات؟ أنهم لا يستطيعون، والسبب أنه ليست هناك إنجازات.
بل إن كل “الإنجازات” الوهمية نسبها نتنياهو إلى نفسه، في حفلة التطبيل على شاشة تلفزيون “هلا”- بسام جابر، دون أن يعترض أحد من أصحاب “الإنجازات”.
ثم يزعم هؤلاء أن تقوية شوكة المشتركة وزيادة عدد أعضائها سيحقق الكثير من الإنجازات، ويمنع الكثير من المفاسد والسياسات الإسرائيلية العنصرية.
عن “الإنجازات” تحدثنا؛ فما هي المفاسد التي ستمنعها المشتركة التي تطمح إلى زيادة أعضائها؟ حقا ما هي هذه المفاسد؟ هل ستمنع مثلا اقتحامات الأقصى؟ هل ستحول دون تهويد القدس؟ هل ستوقف الاستيطان؟ هل ستمنع هدم البيوت؟ هل ستجتث غول العنف؟ هل ستحقق انقلابا في منهاج التعليم العربي، وفي سلك التعليم بشكل عام؟ هل ستصطاد عصابات تدفيع الثمن التي تعيث فسادا في قرانا ومدننا ومساجدنا وكنائسنا؟ هل ستحقق توصيل الكهرباء والماء والمرافق الصحية إلى القرى غير المعترف بها في النقب مثلا؟ هل ستحل أزمة السكن والأزواج الشابة مثلا؟ ألف هل وهل تطرح نفسها بقوة، خاصة وأن الأنفاس العنصرية البغيضة تفاقمت تحديدا في عصر المشتركة الميمون. فأين كانت (مثلا) منذ 2015؟ وكيف يمكن أن تقنعني أن ما لم يتحقق حتى الآن سيتحقق بعد الآن، في ظل صفقة القرن، التي يزعمون أنهم هم، وفقط هم، الذين سيكونون السبب في تعطيلها؟
وربما نسأل هنا سؤالا صغيرا كبيرا: إذا كانت زيادة أعضاء الكنيست العرب ستحقق كل هذا، فماذا يقولون في تصريح رئيس المشتركة أيمن عودة من أنه حتى لو حققت المشتركة 17 عضوا فإنها لن تغير شيئا إلا بالشراكة العربية اليهودية؟ هل يجرؤ أصحاب بيع الأوهام على الإجابة ومصارحة الناس بحقيقة الموقف؟
ويزعم هؤلاء أيضا أنه مع تبكير الانتخابات علت الأصوات المثبطة والمخذّلة ذاتها لتبدأ معركتها من جديد تشويها للعمل الحزبي.
أولا هذا غير صحيح. فالمقاطعون، وأنا منهم، لم يسعوْا للحظة إلى تشويه العمل الحزبي. بل عملوا على بيان عيوب الذهاب إلى الكنيست، والفرق كبير. وهذا حق للمقاطع كما هو حق للمؤيد. العمل الحزبي نريده أن يصب فعلا في مصلحة مجتمعنا وفي خدمته. وحتى هذه اللحظة لم يثبت، حتى بالظن، أن الكنيست، الذي يُفترض أنه جزء من مجمل العمل الحزبي، قد حقق شيئا. عن هذا نتحدث. وهاكم الميدان أمامكم كي تثبتوا للناس حقيقة العمل الحزبي من خارج الكنيست. هذا هو الفرق.
ويزعم هؤلاء أن عدم التصويت سيؤدي إلى تفريغ الساحة البرلمانية من الصوت العربي المنغّص والمؤثر. هل هذا هو دورنا؟ هل دورنا أن ننغص على نتنياهو وغانتس وليبرمان ولبيد ودرعي وأردان عيشتهم؟ هل نمتهن مهنة التنغيص على هؤلاء، بينما يواصل المشروع الصهيوني تمدده المرعب في كل اتجاه، جغرافيا وتطبيعيا وفكريا وميدانيا.
ويزعم هؤلاء أن المقاطعة تعني الدفع بالمجتمع العربي إلى أحضان الأحزاب الصهيونية من جديد، بعد أن نجحت الجهود في تحرير الصوت العربي من الأحزاب الصهيونية، مما نعتبره إنجازا وطنيا من الدرجة الأولى.
حسنا!! دعونا نسير خطوة خطوة: إن تحرير الصوت العربي من الأحزاب الصهيونية هو فعلا عمل وطني، لكنه ليس من الدرجة الأولى، لأن الدرجة الأولى هي تحرير إرادة العربي الفلسطيني من التبعية للعبة السياسية الإسرائيلية، بدلا من “تحرير الأصوات” التي ستصل في نهاية الأمر إلى الكنيست، الذي هو – يا للمفاجأة- مؤسسة صهيونية أيضا. ثم لماذا لا تكون الحيلولة دون سقوط المجتمع العربي في أحضان الأحزاب الصهيونية، مهمة تربوية فكرية إيديولوجية، لا علاقة لها بالصراع المستميت على كل صوت؟ بمعنى أن يكون هناك مشروع لتربية الأجيال على حقيقة الأحزاب الصهيونية وأجنداتها التي تصب في خدمة لمشروع الصهيوني الكبير؟
ثم ملاحظة بسيطة: ألا يلاحظ أصحاب تسويق الوهم أن نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية في عهد المشتركة تحديدا قد ارتفع بنسب خيالية غير مسبوقة؟
أخيرا يستفزني توهم أصحاب تلك المزاعم، وسعيهم إلى إيهام الناس، أن المشتركة جاءت كرد فعل طبيعي على حالة التمزق والانحطاط الذي تعيشه منطقتنا، وأن هذه الوحدة المشتركة أعطت الأمل في إمكانية تغيير الواقع إذا ما أراد الشعب!!
عن حقيقة اجتماع (وليس وحدة) أحزاب المشتركة وكواليسها تحدثنا أعلاه، أما إرادة الشعب، فإنه لم يصل إلى أيدينا حتى الآن ما يدل على أن أحدا استشار إرادة الشعب عندما تشكلت المشتركة، كما لم يستشر أحدٌ هذه الإرادة عندما انشقت في نيسان الماضي، كما لم يستشره في التوصية على جانتس في انتخابات أيلول الماضي، ولا على نوايا المشتركة في الانتخابات القادمة. فلا تحدثونا عن “إرادة الشعب” الله يرضى عليكم!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى