بين اكتشاف أيمن عودة واكتشاف عايدة توما
صحيفة المدينة
مضت الأيام الخوالي التي اعتادت فيها صحيفة الإتحاد (الناطق الرسمي بلسان الحزب الشيوعي والجبهة) التي كانت تتحدث فيها عن الزيارات المتواصلة التي كان يقوم بها أعضاء وقيادات وطلاب من الحزب والجبهة للاتحاد السوفييتي، والمعسكر الاشتراكي الأممي الذي وقف سدا منيعا أمام زحف رأس المال الأمريكي والإمبريالية الأمريكية والاستعمار الأمريكي كما كانت تروّج لذلك طوال الوقت صحيفة الإتحاد وأقلامها المختلفة، ولم يكن يمر أسبوع على صحيفة الإتحاد إلا وكانت تحدثنا فيه عن وقائع زيارة وفد من الحزب والجبهة لروسيا الإشتراكية أو لرومانيا الاشتراكية أو لبلغاريا الاشتراكية أو لكوبا الاشتراكية أو لتيشكوسلوفاكيا الاشتراكية.. إلخ، وفي المقابل كانت صحيفة الاتحاد تواصل وبحق نعت أمريكا بعدوة الشعوب ومصدر الشر والإرهاب واستغلال طبقة العمال والكادحين ودعامة المشروع الصهيوني والرجعية العربية على حساب نكبة فلسطين، وبطبيعة الحال لم تكن صحيفة الاتحاد تتردد بوصف من لا يروق لها من أشخاص وأحزاب وحركات بأنهم عملاء لأمريكا ويتلقون دعما ماليا من أمريكا ولهم ارتباط مع السفارات الأمريكية في بلادهم، وظلت صحيفة الاتحاد على هذا الحال لسنوات طويلة.
ثم ماذا حدث؟! قام السفير الأمريكي بزيارة بلدية الناصرة عندما كان رئيسها رامز جرايسي وهو العضو البارز والناشط في الحزب والجبهة، وقفزت صحيفة الإتحاد عن تلك الزيارة وقال الجميع هي زيارة رسمية لرئاسة بلدية الناصرة بغض النظر عن اسم رئيسها، وتقبل الجميع ذاك التبرير ولم يحاسبوا صحيفة الاتحاد على ماذا كانت تكتب عن الذين كانت تشنّ عليهم هجومها اللاذع لوجود ارتباطات لهم مع السفارات الأمريكية ثم عصفت رياح التغيير بالإتحاد السوفييتي وتفكك إلى شظايا بعكس ما كانت تبشر به حتمية كارل مردخاي ماركس التاريخية وحتمية دكتاتورية البلوريتاريا، فكان أن اختفت زيارات وفود الحزب والجبهة لمنظومة الاتحاد السوفييتي الاشتراكية الأممية، وكان أن توقفت صحيفة الاتحاد عن كتابة أخبار جديدة عن زيارات تلك الوفود لأن صحيفة الاتحاد التي نذرت نفسها لمواصلة إعلان الحرب على أمريكا وعلى من يدور في فلك أمريكا وعلى صناديق الدعم الأمريكية ها هي خلال السنوات الأخيرة وتحديدا منذ ان برزت (نجومية!!) أيمن عودة لا تتوقف عن كتابة أخبار مطوّلة ومفصّلة عن زيارات أيمن عودة لأمريكا وكأن أمريكا تحولت من أمريكا الرأسمالية إلى أمريكا الاشتراكية، ومن أمريكا الإمبريالية إلى أمريكا ناصرة الشعوب، ومن أمريكا الاستعمارية إلى أمريكا داعمة قوى التحرر العالمية، ولا نكتب ذلك مبالغة ولا سخرية، فهي صحيفة الاتحاد التي كتبت عن زيارات أيمن عودة للمباني الرسمية الأمريكية مثل الكونغرس الأمريكي، وهي التي كتبت عن عقد أيمن عودة لقاءات متواصلة مع أعضاء أمريكيين رسميين في مجلس النواب الأمريكي وفي مجلس الشيوخ الأمريكي، وهي التي كتبت عن انطباعات أيمن عودة عن أمريكا وكيف كان يعود منبهرا بأمريكا بعد كل زيارة!!
ثم أجبر أيمن عودة صحيفة الاتحاد أن تخطو خطوة أخرى حيث كتبت عن مشاركة أيمن عودة في مؤتمر المنظمة الصهيونية الأمريكية (جي ستريت) الذي عقد في أمريكا حيث شارك أيمن عودة في ذاك المؤتمر الصهيوني الأمريكي وألقى كلمة فيه، وكان حال صحيفة الاتحاد مثل حال (بالع المنجل) كما يقول مثلنا الشعبي، فهو أيمن عودة ابن الحزب والجبهة ويجب أن تحسن الظن فيه، ويجب أن تكتب عن زياراته لأمريكا بلغة رقيقة وحذرة بعيدة عن مظنة النقد حتى لو كان غمزا!!
وها هو ثابت أبو راس عضو مركزي في الجبهة يعترف بالفم الملآن وبالبث المباشر في قناة (هلا) أن القائمة المشتركة التي يرأسها أيمن عودة قد تلقت دعما ماليا طائلا من صناديق دعم أمريكية وصهيونية، وكانت المفاجأة أن سكتت صحيفة الاتحاد عن ذلك الخبر، وكأنها ما عادت هي صحيفة الاتحاد المهاجم الشرس لكل من كانت تظن أنه على علاقة مع أمريكا أو يتلقى دعما ماليا من صناديق دعم أمريكية، ولم يقف الأمرعند أيمن عودة، فها هي صحيفة الاتحاد تكتب بتاريخ 24/1/2020 خبرا مطولا استهلك أكثر من نصف صفحة من صفحاتها عن زيارة عضو الكنيست عايدة توما لأمريكا، وهي توما العضو البارز والناشط في الحزب والجبهة، وكم كان عنوان ذاك الخبر الذي اختارته صحيفة الاتحاد مثيرا، حيث كتبت بالبنط العريض هذا العنوان لذلك الخبر: (توما سليمان: في الولايات المتحدة الأمريكية أصوات جديدة لم نسمعها من قبل) وكتبت صحيفة الاتحاد تحت هذا العنوان الشيء الكثير، وهذا بعض ما كتبت: (وأكدت سليمان في لقائها مع عضو الكونغرس بيتي ماكولم على أهمية الاقتراح الذي تعمل عليه- أي ماكولم- والذي يشترط استمرار الدعم المالي الأمريكي لحكومة إسرائيل بتوقف الأخيرة عن اعتقال الأطفال الفلسطينيين، وأن اقتراح القانون الشجاع رغم كوننا نرى خطورة استمرار الدعم المالي والعسكري الأمريكي إلا أنه (القانون) يثير نقاشا واسعا في الرأي العام الأمريكي..).
وهكذا تعتبر عايدة توما أن اقتراح (ماكولم) الذي يشترط استمرار الدعم المالي الأمريكي لحكومة إسرائيل بتوقف الأخيرة عن اعتقال الأطفال الفلسطينيين، تعتبره (اقتراح قانون شجاع) كما كتبت هذا الوصف على لسانها صحيفة الاتحاد، ثم أضافت تذييلا على هذا الوصف لاقتراح (ماكولم) كما هو واضح في النص المقتبس من صحيفة الاتحاد، ولكن رغم هذا التذييل يبقى اقتراح (ماكولم) في نظر عايدة توما (اقتراح قانون شجاع) ونرى من الواجب أن نقول للقارئ أن عايدة توما تتحدث عن اقتراح قانون أمريكي حتى لا يغفل القارئ ويظن أنها تتحدث عن الاتحاد السوفييتي!!
وكتبت صحيفة الاتحاد في هذا الخبر عن زيارة عايدة توما لأمريكا: (وعلى صعيد القائمة المشتركة وعملها تطرقت لذلك توما- سليمان خلال محاضرة قدّمتها في مبنى الكونغرس..) والمقصود كما هو واضح، الكونغرس الأمريكي وليس كونغرس الاتحاد السوفييتي، ثم كتبت صحيفة الاتحاد في نفس هذا الخبر: (ويذكر بأن الجولة- أي جولة عايدة توما- تخللت لقاءات أخرى مع مسؤولين عن حملات مرشحي الرئاسة- أي الرئاسة الأمريكية- أمثال مات داس مسؤول السياسة الخارجية للسناتور اليساري والمرشح بيرني ساندرز، وطواقم العمل لدى أبرز أعضاء مجلس الشيوخ ومديري اللجان البرلمانية)!!
وهكذا تكشف عايدة توما أن هناك مرشحا يساريا للرئاسة الأمريكية ويدعى (بيرني ساندرز)!! وهكذا تصبح أمريكا على وشك ان تتحول إلى أمريكا الإشتراكية!!
وإذا كان أيمن عودة قد اكتشف إمكانية التحالف مع الجنرال العسكري غانتس، فإن عايدة توما قد اكتشفت أمريكا من جديد واكتشفت فيها وجود مرشح يساري للرئاسة الأمريكية، ووجود (اقتراح قانون شجاع)، ويبدو أن أموال الدعم التي قدّمتها 6 صناديق صهيونية أمريكية للقائمة المشتركة، قد فعلت فعلتها!!
ثم أن الغريب بعد كل ذلك أن د.عفو اغبارية رئيسحزب الجبهة والذي كان عضو كنيست عن الحزب والجبهة يبدو أنه لم يقف على التطورات الأخيرة في مسيرة الرفيق أيمن عودة والرفيقة عايدة توما، فها هو يكتب في تغريدة له قبل أيام ما يلي: (الثلاثي الدنس عدو الشعوب: الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية..) فماذا عن تحركات عودة وتوما يا د.عفو في أمريكا التي باتت أم الاستعمار؟! وماذا عن توصية عودة وتوما بغانتس رئيسا للحكومة وهو أحد شقي المعسكرات الصهيونية؟! وماذا عن تلقي عودة وتوما كجزء من القائمة المشتركة أموال دعم طائلة من ستة صناديق صهيونية أمريكية؟! وماذا عنتلقيهما كجزء من القائمة المشتركة دعما ماليا طائلا من محمد بن زايد أمير الرجعية العربية عبر خط دحلان- الطيبي؟!
ليعلم الجميع أن جماهيرنا الكادحة في الداخل الفلسطيني لن ترضى لنفسها أن تعيش مخدرة مضللة كأنها تحت تأثير تنويم مغناطيسي!!
ولا يزال فيها الصوت الحر الذي يصدع بالحق صارخا: لا للعبة الكنيست العبثية!! ولا لتصديع رؤوسنا بين اكتشاف أيمن عودة واكتشاف عايدة توما.



