بعض الجمعيات النسوية وفلسفة الانحلال
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
عجيب أمر بعض الجمعيات النسوية التي تحاول أن تفلسف الانحلال، مدعية أن إنكار الشذوذ الجنسي على الشواذ جنسيا من الرجال أو على الشاذات جنسيا من النساء أو إنكار الزنا على من اختاروا لأنفسهم واخترن لأنفسهن الإباحية الجنسية، سيؤدي ذلك إلى شعور هؤلاء الشواذ جنسيا – رجالا ونساء- وهؤلاء الذين إختاروا الإباحية الجنسية- رجالا ونساء- أن مجتمعهم يطاردهم ولا يرغب ببقائهم فيه، وإذا نمى فيهم هذا الشعور بالمطاردة والعزل فسيدفعهم ذلك للخنوع للظلم الإسرائيلي والبحث عن ملجأ عنده وإلى الاستنجاد به لدرجة أن هؤلاء الذين باتوا يشعرون بالمطاردة والعزل قد يدفعهم ذلك إلى الانخراط في الأجهزة الأمنية الأسرائيلية، وإلى الحقد على مجتمعهم الذي قمعهم!! وبناء على هذه الهرطقات التي باتت تشيعها هذه الجمعيات النسوية، فقد خطت هذه الجمعيات خطوة أخرى وراحت تدَّعي بعد ذلك أن المطلوب حتى لا ندفع بهؤلاء الذين باتوا يشعرون بالمطاردة والعزل إلى أحضان الظلم الإسرائيلي أن نقبل بشذوذهم كعلامة تفهِّم لهذا الشذوذ وكعلامة رضا عن سلوكياتهم، بغض النظر عن كارثية هذا السلوك، وبغض النظر عن درك الانحطاط الذي قد يجر مجتمعنا إليه، وبغض النظر عن أن هذا السلوك هو مصادم أصلا لثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، ومصادم أصلا لهويتنا وانتمائنا وقيمنا وجذورنا الحضارية والتاريخية، ومع ذلك تحاول هذه الجمعيات النسوية إشاعة هذه الهرطقات هادفة أن تستدرج هذا الانحلال أنه أمر عادي لا غبار عليه، بل يندرج في خانة الحقوق الشخصية للرجال والنساء !! وهي فلسفة للانحلال أخطر على مجتمعنا من فلسفة الظلم الإسرائيلي الهادفة إلى شرعنة هذا الظلم الإسرائيلي وإلباسه ثوب القانون أو ثوب ضبط النظام أو ثوب محاربة الإرهاب، وهي فلسفة للانحلال أخطر علينا من فلسفة الاحتلال الإسرائيلي الهادفة إلى شرعنة هذا الاحتلال ومواصلة فرض سيادته الباطلة على القدس والمسجد الأقصى المباركين المحتلين، وعلى الضفة الغربية المحتلة، ومواصلة فرض حصاره برا وبحرا وجوا على قطاع غزة، لأن مردود إشاعة هؤلاء الجمعيات النسوية لفلسفة الانحلال في مجتمعنا هو إشاعة الفوضى في مجتمعنا وتدمير ضوابطه الاجتماعية وتفكيكه وقتل روح مقاومة الظلم والاحتلال فيه، وتركه هجينا بلا ثوابت وبلا هوية وقيم وانتماء، كيف ذلك؟!
إن قول هذه الجمعيات النسوية: إن إنكار مجتمعنا للشذوذ الجنسي والزنا ورفضهما قد يدفع الغارقين فيهما إلى أحضان الظلم الإسرائيلي والاحتلال الإسرائيلي، إن هذا القول سيشيع الفوضى في مجتمعنا، لأنه معنى هذا القول الملغوم هو ألا ينكر مجتمعنا تعاطي المخدرات والمتاجرة بها، وألا ينكر السرقة واقتحام البيوت والمحلات التجارية، وألا ينكر الميسر والقمار والربا الفاحش والسوق السوداء والخاوة، لأن إنكار مثل هذه السلوكيات المنحلة – وفق هرطقات هذه الجمعيات النسوية- سيشعر أصحاب هذه السلوكيات أن مجتمعنا يطاردهم ويرفضهم، وسيدفعهم هذا الشعور إلى الارتماء في أحضان الظلم الإسرائيلي والاحتلال الإسرائيلي !! فهل معنى ذلك أن مجتمعنا مطالب أن يظهر رضاه عن هذه السلوكيات المنحلة حتى لا يدفع بأهلها لهذا الارتماء الذليل في أحضان الظلم الإسرائيلي والاحتلال الإسرائيلي قياسا على ما تشيعه هذه الجمعيات النسوية في هرطقاتها الهادفة إلى فلسفة الانحلال؟! وهل محصلة ذلك إلا إغراق مجتمعنا في مستنقع فوضى آسن يتحول فيه كل حرام ومنكر وخبيث وفاسد إلى مباح ومشروع كأنه حق من الحقوق الشخصية؟!! بادعاء أن إنكار هذه الحزمة من الموبقات قد يدفع أصحابها – رجالا ونساء- إلى الارتماء في أحضان الظلم الإسرائيلي والاحتلال الإسرائيلي!! وهذا يعني تدمير مجتمعنا وتركه بلا ضوابط لسلوك أفراده وسلوك بيوته وسلوكه الجماعي، وما هي المحصلة؟! ترك مجتمعنا هجينا، لأن أي مجتمع لا ضوابط تحدد له ما يجوز وما لا يجوز هو مجتمع هجين، وإذا أصبح مجتمعا هجينا، فهذا يعني أنه أصبح مجتمعا بلا ثوابت ولا قيم ولا انتماء، وأصبح من شبه المستحيل تعريف هذا المجتمع، بل وأصبح سؤال السائل: (ما هو هذا المجتمع) سؤالا من الصعب الأجوبة عليه؟!
فكيف سيقال عنه ردا على هذا السؤال إنه مجتمع فلسطيني أو عربي أو إسلامي إذا أرادت له هذه الجمعيات النسوية أن يصبح مجتمعا هجينا بلا ثوابت ولا قيم ولا انتماء وهوية؟! وهل يميز أي مجتمع إلا هذه الأصول: الثوابت والقيم والانتماء والهوية؟! فإذا تعرَّى أي مجتمع عن هذه الأصول فقد أصبح تجمع ناس وليس مجتمعا، وهذا يعني تفكيك هذا المجتمع ووأد أرادته الجماعية، حتى لو تعرض لظلم فلن يقاوم هذا الظلم، ولو تعّرض لاحتلال فلن يقاوم هذا الاحتلال، وكيف يقاومه إذا ماتت فيه إرادته الجماعية؟! وهي القارعة قد حلت بهذا المجتمع!!
ولذلك فإن مردود هرطقات هذه الجمعيات النسوية هو مردود كارثي على مجتمعنا، بعيدا عن زخرف القول الذي تحاول أن توحي به هذه الجمعيات النسوية في نشراتها المختلفة، وهذا الذي أسميه أنا فلسفة الانحلال!!
ولذلك ليس عبثا أن نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذّرنا في حديث نبوي مشهور من صنفين من الناس: الصنف الأول نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت، والصنف الثاني رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس!! حيث أن الصنف الأول يرمز إلى الانحلال الاجتماعي، وأما الصنف الثاني فيرمز التحذير منه إلى التحذير من الاستبداد السياسي، ومن الواضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين التحذير من الانحلال الاجتماعي والاستبداد السياسي، لأن الانحلال الاجتماعي إذا تفاقم يتحول إلى تربة خصبة لنمو الاستبداد السياسي، وهي ظاهرة مثبتة في حركة التاريخ البشري على وجه العموم، وفي حركة التاريخ الإسلامي العربي على وجه الخصوص، والذي يتدبر قراءة التاريخ جيدا، يجد أن الظالمين والمحتلين حرصوا على مدار التاريخ إشاعة الانحلال الاجتماعي في المجتمعات، سواء كانت المظلومة أو المحتلة حتى يسهل عليهم مواصلة تخديرها وقتل إرادتها الجماعية التي إن دبت فيها الحياة فستقاوم ظلمهم ولن ترضى به حتى تقلعه من جذوره، وستقاوم احتلالهم ولن تستسلم له في يوم من الأيام.
ولكن حتى تبقى هذه المجتمعات مسلوبة القدرة على مقاومة الظلم والاحتلال فلا بد من قتل إرادتها الجماعية فلا بد من نشر الانحلال الاجتماعي فيها، حتى يصبح لسان حالها كما قال الشاعر: (ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النُوَّم) أو كما قال الشاعر: (ومن يُهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام).
وها هي حركة التاريخ حكم بيننا، وها هي حركة التاريخ الإسلامي العربي تؤكد لنا أن كل مرحلة ضعف سياسي مرت على حركة التاريخ الإسلامي العربي كان قد سبقها مرحلة انحلال اجتماعي، والأمثلة على ذلك واضحة وصارخة لمن يريد أن يبحث عن الحقيقة، ولأنه موضوع عميق دقيق فأنصح على عجالة بقراءة كتيب بعنوان: ( قادة الغرب يقولون دمِّروا الإسلام وأبيدوا أهله)، وأنصح بقراءة كتاب (هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس) وأنصح بقراءة سلسلة كتب المؤرخ الليبي المعاصر د.الصلابي الذي يتحدث فيها عن التاريخ الإسلامي العربي منذ العهد النبوي حتى الخلافة العثمانية!!
ولذلك لن تخدعنا في يوم من الأيام هذه الجمعيات النسوية في زخرف قولها، ولن تغرينا صناديق الدعم الصهيونية والغربية التي بمثابة المرضعة لهذه الجمعيات النسوية.