أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

صفقة العار

توفيق محمد
أنهى فريق المفاوضات بطرفيه الاسرائيلي واليهودي مساء الثلاثاء أعماله بالإعلان عمّا أطلق عليه اسم صفقة القرن، وهي الصفقة التي تسعى الى تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، وفوض الفريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعطاء ما لا يملك لمن لا يستحق، وفريق المفاوضات “المهني”! مكون من التالية أسماؤهم: جيرالد كوشنير اليهودي زوج إفانكا ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان وهو من كبار مؤيدي الاستيطان الصهيوني في أراضي الضفة الغربية وهو يهودي أيضا، كان دوره تمثيل مصلحة الاستيطان الصهيوني في المفاوضات، وجايسون غرينبلات وهو أيضا يهودي وكانت مهمته تحضير الأرضية لدى الدول العربية وفتح علاقات بينها وبين إسرائيل قبل الإعلان الرسمي عن صفقة القرن، وكان من ثمار مساعيه نقل العلاقات السرية الى العلن بين كل من الامارات والبحرين السعودية وبين إسرائيل، وأخيرا وريث غرينبلات آفي بركوبيتش وهو أيضا يهودي.
هذا هو الفريق الذي فاوض نتنياهو وحكومته والمستوطنين ووضع خطته التي أطلق عليها اسم صفقة القرن، وهي ليست سوى خطة لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا، وكما ترون فان الفريق المفاوِض والفريق المفاوَض هم نفس الفريق وهم نفس الجهة.
ورشة البحرين التي عقدت قبل أشهر في العاصمة البحرينية المنامة التي أقرت تجنيد مبلغ 50 مليار دولار تجندها الدول العربية المشاركة وعلى رأسها السعودية والامارات لصالح إقامة مشاريع في الأراضي الفلسطينية التي “سيتصدق” بها الفريق الشيطاني أعلاه على شعبنا الفلسطيني هي ورشة الرشوة التي يعتقد أصحابها انهم يمكنهم شراء فلسطين بالمال، فشرتم!!!
ما يثير التقزز والتقيؤ وليس الاستغراب هو الموقف السعودي والاماراتي والبحريني والمصري من صفقة العار هذه، هؤلاء الذين رحبوا بهذه الصفقة بل هم من استشارهم الفريق أعلاه في بنودها، والغريب العجيب هو أن هناك من أبناء شعبنا الفلسطيني المجمعين على رفض صفقة العار هذه، الغريب أن منهم ممن لا يزال يدعم هذه الأنظمة، وعلى رأسها النظام المصري الذي لم يوفر من خيانة قضايا الامة وبيعها بأرذل الأثمان إلا واقترفه، ومن كلام المديح شيئا لترامب وصفقته إلا وقاله.
أما المرفوض فهو الموقف القطري الذي وإن لم يكن كموقف مصر والسعودية والامارات والبحرين، فهو يرحب بكل ما من شأنه أن يضمن حلا للقضية الفلسطينية وفق الشرعية الدولية، لكنه في نفس الوقت لم يجد الكلمات المناسبة لإدانة الصفقة والإدارة الامريكية ورئيسها وفريقه اليهودي الذي هندسها، ولذلك فانه أيضا موقف ضعيف ومرفوض، فنحن في زمن وفي موقف لا تليق فيه المهادنة، ونحن أمام أم القضايا لا يليق معها الا الموقف الواضح.
قبل مائة عام أصدر بلفور وزير خارجية بريطانيا وعده للشعب اليهودي بإقامة دولة له على أرض فلسطين خلال ثلاثين سنة، وهو ما كان بالضبط، لكن منذ الوعد ومنذ تحقيقه بقي الفلسطيني متمسكا بحقه في أرضه ووطنه، وإن رحَّله الإبعاد القصري عن الوطن في أقاصي الدنيا، لكنه بقي محتفظا بمفتاح بيته يتوارثه أبا عن جد بانتظار ان يعود به الى بيته وأرضه ووطنه، ولذلك فان الذي يراهن على بيع فلسطين أو جزء منها مقابل ليس 50 مليار دولار بل مقابل كل مال الكون فهو مخطئ.
صفقة الثلاثي أعلاه (كوشنير، غرينبلات وفريدمان وكلهم يهود) المسماة صفقة القرن تأتي بمرور 100 سنة على وعد بلفور أي قرن، فاذا كان أبناء شعبنا الفلسطيني قد احتفظوا بمفاتيح بيتهم أي بحقهم التاريخي وبمعنوياتهم العالية وبأملهم الحقيقي بالعودة الفعلية طيلة هذا الزمن، فهل يعتقد ترامب وثلاثيته ان أبناء شعبنا الفلسطيني فيما تبقى لهم من قصير زمن سوف يسلمون مفتاحهم لقاء كل مال الدنيا.
في المدة الأخيرة اشتد تضييق الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى وعلى رواده وأهله، وتضاعفت أعداد المقتحمين له، حتى ان مشايخ المسجد وخطبائه كالشيخ الفاضل الدكتور عكرمة صبري الذي يمنع من دخوله والشيخ نور الرجبي كذلك، وفي فترة سابقة فضيلة الشيخ عبد العظيم سلهب ومئات المبعدين الاخرين من أحباب ورواد المسجد الأقصى، يبدو أن تنسيقا على أعلى الهيئات بين الثلاثي أعلاه ورئيسهم وبين الاحتلال الإسرائيلي وبين زعماء الذل العربي الذين صفقوا لصفقة القرن قد أقر ان القدس وفق صفقة العار ستبقى عاصمة لإسرائيل وأن تقسيما زمانيا في المسجد الأقصى سيتم، ولذلك يقوم الاحتلال بإبعاد كل من يعتقد أن له تأثيرا إيجابيا في الدفاع عن المسجد الأقصى وفي الوقوف في وجه صفقة العار.
ترامب ليس بدعا من الرؤساء الأمريكيين وليس وحيد زمانه، فقد سبقه كل من أوباما وبوش وكلينتون، وكلهم كانت لهم خطط وصفقات وان كانت بمسميات مختلفة، بل ان كلينتون كان عراب اتفاق أوسلو الذي نقضته حكومات إسرائيل المتعاقبة بندا بندا حتى أفرغته نهائيا ولم تبق منه إلا على التنسيق الأمني، الذي حول السلطة الفلسطينية الى سلطة لحدية، ولكن جميع “صفقاتهم” (الرؤساء الامريكيون أعلاه) ومبادراتهم كان مصيرها سلة المهملات ومزابل التاريخ، وكلهم كانوا يعقدون مؤتمراتهم الصحفية مع الأطراف المعنية أي مع ممثلين عن شعبنا الفلسطيني وممثلين للحكومة الإسرائيلية، وليس كترامب الذي عقد مؤتمره الصحفي مع نتنياهو ومع الثلاثي أعلاه، أي انه طرفا واحدا فقط وضع تصورا احتلاليا قمعيا جديدا لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، ويعتقد أن بإمكانه فرضه على أبناء شعبنا الفلسطيني، فاذا كان كل سابقي ترامب فشلوا في خططهم، فهل ينجح هذا؟!!.
اتفاق أوسلو كان قد أبقى 22% من مساحة فلسطين التاريخية هي الضفة الغربية وقطاع غزة لإقامة الدولة الفلسطينية عليها، وصفقة العار تسعى لمصادرة منطقة الغور والأراضي المقامة عليها المستوطنات اليهودية، وهي بذلك تبقي 15% من مساحة فلسطين التاريخية، إضافة للشروط المذلة الأخرى المرفقة بها فهل يعتقد ترامب وفريقه ان فلسطينيا ممكن يقبل بذلك.
كمحلل سياسي اعود الى عام 1988 يوم اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، فإن شعبنا الفلسطيني عندما انتفض كان قد وصل الى مرحلة انه ليس لديه ما يخسره ولم تتوقف الانتفاضة إلا بعد إذ أحضرت رئيس الحكومة الإسرائيلية شامير الى طاولة المفاوضات في مدريد، صحيح ان المفاوض الفلسطيني لم يتقن استثمار زخم الانتفاضة لتحصيل النتائج الفضلى لقضيته وشعبه، ولكن هذا يأتي في باب النتائج التي يمكن ان تعدل لاحقا ان رأى الشعب ان ظهره أصبح ملتصقا في الحائط ولا مجال أمامه الا التقدم نحو أي شيء، لكن في باب الأسباب أعتقد أنه لا الاحتلال الإسرائيلي ولا ترامب ولا أنظمة العار العربية يمكنها ان تفرض مثل هكذا صفقة على شعبنا الفلسطيني اذا ما هب ضدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى