صفقة القرن: لا تحسبوه شرا لكم

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
أخيرا، كشف طرامب وبحضور نتنياهو ومعه جمع من اليمين الديني الإسرائيلي المتشدد ولفيف من الانجيليين، مساء الثلاثاء، عن معالم خطته التي عُرِفت بصفقة القرن. خلاصة هذه الصفقة منح الاحتلال شيك على بياض لتحويل احتلاله لثلاثين بالمئة من أراضي الضفة الغربية والاغوار والقدس والبلدة القديمة، الى مناطق إسرائيلية تفرض عليها السيادة والقانون الإسرائيلي. عمليا الصفقة لم تأت بجديد فكل ما ذكره طرامب، الثلاثاء، كان قد تمَّ تسريبه الى وسائل الاعلام أكثر من مرة وعلى جرعات.
من المعالم الأساسية لهذه الصفقة منح الاحتلال السيادة المطلقة على 30% من أراضي الضفة الغربية وشرقي القدس-القدس داخل الجدار- بما فيها البلدة القديمة واعتبارها عاصمة إسرائيل الأبدية، واعتبار المسجد الأقصى، مكانا يمكن للجميع التعبد فيه مع حفظ حق الأردن بالوصاية عليه وضمان مطلق لأمن إسرائيل ومحاربة ايران والفصائل الفلسطينية المقاومة، ومنح الاحتلال السيادة المطلقة على الاغوار وشمال البحر الميت وضم المثلث للضفة الغربية (السلطة الفلسطينية) ومنح السلطة أراض في النقب مقابل الأراضي التي ستصادر منها- لن تكون هناك عملية توافقية ومتساوية في قضية الأرض – وسيادة الاحتلال على الأماكن المقدسة اليهودية في الخليل وبيت لحم، ونزع سلاح المقاومة وإلزام السلطة بالاعتراف بيهودية الدولة .
هذه الصفقة في حقيقتها وجوهرها جمع لشتات أفكار مراكز أبحاث اليمين الإسرائيلي في البلاد والولايات المتحدة وتلكم المحسوبة على اللوبي الصهيوني والمؤسسات الصهيونية-المسيحية الانجيلية.
إذا كان وعد بلفور خلاصته منح من لا يستحق ما لا يملك فقد جاءت هذه الصفقة لتتم هذا الوعد ولكن على صيغة منح من يحتل ما لا يحق له.
واضح ان هذه الصفقة جاءت في ظل مساءلات ومحاكمات يتعرض لها الزعيمان، لكنَّ الاستعجال في طرحها دون وجود طرف فلسطيني لم تُلجئ طرامب للتريث أو لإحداث تغيير في معالم الصفقة التي طرحها، بل سارع بطرحها لعدة أسباب تتعلق به شخصيا سواء تعلق الامر بمحاكمته أو بضغوطات الانجيليين عليه او بضغوطات اللوبي الصهيوني او لطمعه بالعودة الى البيت الأبيض من خلال الفريق الإنجيلي -الصهيوني ولا أستبعد أنه يطمع أن يترك بصمته ويذكره التاريخ كما يذكر بلفور وترومان ودورهما في قيام إسرائيل على ارض فلسطين.
ما لفت النظر في المؤتمر الصهيو-أنجيلي عدة أمور منها على سبيل المثال لا الحصر: خطاب طرامب مملوء بالملامح الدينية اليهودية، ومؤسس على زعمه محاربة الإرهاب الإسلامي وتخليص المنطقة منه وانه قام بصفقة على غرار صفقات رجال الاعمال.
في هذه الصفقة تحرى طرامب وفريقه اليهودي كل ما فيه مصلحة إسرائيل وفقا للرؤية اليهودية-الصهيونية الإسرائيلية المتشددة وتعاطى مع الفلسطينيين على انهم اشتات يجب أن يخضعوا لعمليات ضغط مستمر تجعلهم مجموعة من الأذلاء. وطبعا لفت نظر جميع المشاهدين شراكة البحرين والامارات وعُمان في هذا المؤتمر وشكر كل من طرامب ونتنياهو لهم وردود الفعل من مختلف قطاعات عالمنا العربي والإسلامي على هذه الصفقة ومن تورط فيها من حكام العرب.
هذه الصفقة عَرَت العرب جميعا ووضعتهم جميعا أمام المرآة وكشفت حقيقتهم جميعا فمصر فُضحَ أمرها فضلا عن السعودية وحتى الأردن بخطاب وزير خارجيتها وكذلك السعودية وهكذا يمكن القول ان الدول الرجعية العربية التي تدور في فلك واشنطن ان تخرج عن بيت طاعة الرئيس طرامب وتضعنا كفلسطينيين امام أنفسنا ولذلك فالشعب الفلسطيني وقيادته أمام لحظات تاريخية ليس لأن الفلسطيني بكل مكونه الشعبي والسياسي والمقاوم رافض لهذه الصفقة فحسب بل لأنه اليوم بدأ صراعا حقيقيا ليس فقط مع المحتل الإسرائيلي بل ومع كل من يدور في فلك واشنطن-تل ابيب وهذا معناه اننا أمام أكثر من تحد قادم من أثر من جهة عربية وأجنبية.
لا شك ان نتنياهو سيستغل هذه الصفقة لصالح انتخابه مجددا وسيعمل على ابراز نفسه كقائد تاريخي يدخل سجل الخالدين في تاريخ الحركة الصهيونية كهرتسل وفايتسمان وبن غوريون..
لو وافق كل من في الأرض على صفقة القرن ورفضها الشعب الفلسطيني فهي بحكم الملغية وإن نفذها الاحتلال بحذافيرها، إذ الدرس المستفاد الأول من هذه الصفقة انه ما حاك جلدك الا ظفرك، وأن القوة هي الأساس الذي يرسم السياسات وليس القانون الدولي وأن حكام العرب خاصة من يسبحون في الفلك الأمريكي متماهون الى حد الثمالة مع الموقف الأمريكي-الإسرائيلي. فنحن امام لحظة تاريخية تكشف فيها كل شيء ووضع السلطة الفلسطيني والمقاومة تحت طائل الامتحان كما وضع السلطة امام سؤال فك العلاقة الأمنية مع الاحتلال أذ لا يمكن لسلطة رام الله ان تنادي برفض صفقة القرن وهي ما زالت تمارس كل أنواع التعاون الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.
لقد تبين لنا في هذه الصفقة الرشد من الغي وتكشفت حقيقة الأنظمة العربية والواجب تحقيق سبيل الرشاد للوقوف امام صفقة يدعمها في المقدمة أنظمة عربية آثرت الاحتلال الإسرائيلي والاستعمار الأمريكي على الموروث الإسلامي والوطني والقومي والإقليمي فالمهم عندهم حفظ أنظمتهم وليحدث من بعدهم الطوفان والحقيقة تقوا أنَّ لا يلدغ من جحر مرتين.
عمليا الذين صاغوا بلفور وشرعنوا الاحتلال وصل قطارهم الى نهاياته الأولى وتعيش المؤسسة الإسرائيلية لحظاتها النرجسية الأولى بعدئذ اعلن طرامب حماية مطلقة لإسرائيل ومنحها كل ما خطته يد اليمين الإسرائيلي من سياسيين ومفكرين، وسنشهد قريبا مرحلة العد التنازلي لفرض السيادة والسيطرة على الأماكن التي يرونها مقدسة بالنسبة لهم وفي قدمتها المسجد الأقصى المبارك بيد أن هذه السلوكيات الاحتلالية يجب ان لا تُذهلنا عن رفض هذه الصفقة وفضح خيوط العاملين فيها وصلتهم المباشرة بنتنياهو وسُبل التخلص منها والعصي اذا تجمعت لا تُكسرُ واذا تفرقت تُكسر آحادا.



