أخبار رئيسية إضافيةمقالات

وعد بلفور ووعد نتنياهو والوعد الحق

الشيخ كمال خطيب

وعد بلفور

يوم أمس الخميس 2/11 كانت الذكرى السنوية المئوية الأولى لصدور الوعد الشهير وعد بلفور، والذي أشغل يومها منصب وزير خارجية بريطانيا والذي أرسل كتابًا إلى اللورد روتشيلد رئيس المنظمة الصهيونية العالمية ضمنه وعدًا بتسهيل تحقيق وطن قومي لليهود في فلسطين، وكان ذلك في العام 1917. إذا هي مائة عام منذ 1917 – 2017.

يقول الدكتور كامل محمود خُلّة في كتابه القيّم ” فلسطين والانتداب البريطاني 1922 -1939″ في صفحة 53: ( لاح للصهيونية العالمية أن انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى قد يفتح المجال أمامهم لاستعمار فلسطين على مجال أوسع كثيرا مما كان يظن ممكنا حتى ذلك الحين، ولذلك فقد عمل الزعماء الصهيونيون إلى وضع آرائهم في قالب مشروع نهائي لعرضه على حكومات الحلفاء عند أول فرصة ملائمة تسنح لهم. وعندما صحت النية على زحف الجيش البريطاني على فلسطين في فبراير 1917 فتح باب المفاوضات الرسمية بين الحركة الصهيونية وبين الحكومة البريطانية، وتلتها مفاوضات أخرى بين الحكومتين الفرنسية والإيطالية فتمت الموافقة رسميا على المشروع الصهيوني في باريس وروما كما لندن وأرجئ نشر هذه الموافقة رسميا حتى أواخر أكتوبر 1917 عندما ظهر أن انتصار الجنرال اللنبي في حملته أصبح أمرا محققا ). وهكذا كانت ظروف ولادة تصريح ووعد بلفور في 2/11/1917 ، وبعدها بشهر يوم 11/12/1917 كان دخول الجنرال اللنبي النهائي إلى القدس واحتلالها.

يجب أن لا ننسى المقولة المشهورة للجنرال اللنبي قائد الجيش البريطاني الذي احتل القدس من الجيش حينما قال: (الآن انتهت الحروب الصليبية )، أي أن الخلفيات والدوافع الدينية كانت حاضرة وأن الرجل لم ينس طرد وهزيمة ملك بريطانيا ريتشارد قلب الأسد من القدس وهزيمته في حطين كما سائر ملوك وأمراء أوروبا.

نعم لقد استغلت بريطانيا الظروف التي آل إليها حال الدولة العثمانية من ضعف وترهل جعلها عرضة لفرض اتفاقيات عليها تقتطع اجزاء غالية من أرضها وملكها كما تقتطع الأجزاء من الجسد الحي، فكانت اتفاقية سايكس بيكو 1916 التي سبقت وعد بلفور حيث أصبح للإنجليز يومها وصاية استعمارية على أرض فلسطين.

2/11/1917  كان ليس مجرد صدور الوعد من بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود، بل إنه كان يعتبر في نظري البداية الرسمية لإشراقة شمس المشروع الصهيوني والذي قاد إلى إقامة إسرائيل بعد 31 سنة من صدوره، أي في العام 1948 على حساب نكبة شعبنا الفلسطيني وجرحه الذي لم يندمل، بل والذي ما يزال يشخب دمًا.

هي ليست مجرد عبارة أن “وعد بلفور هو وعد من لا يملك لمن لا يستحق” يعتقد بها الفلسطينيون، وهي ليست مجرد عبارة أن “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” قالها الإنجليز وقد مهدت لصدور القرار الظالم.

وها هي رئيسة حكومة بريطانيا “تيريزا ماي ” تصرّ وبكل بجاحة على افتخارها بوعد بلفور، وتفتخر بأن لبريطانيا كان دورا في إقامة وطن قومي لليهود، بينما لا يرمش لها جفن لمأساة شعب فلسطين الذي ما يزال في شتات بعد نكبة ارتكبتها العصابات الصهيونية بدعم من الجيش البريطاني الاستعماري في فلسطين.

لقد وعد بلفور ووفى بوعده، وها هم يحتفلون بمرور مائة عام على ذلك الوعد الظالم.

وعد نتنياهو

وجود بنيامين نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل هو محصلة ونتيجة من نتائج وعد بلفور الذي قضى ونصّ على تسهيل تحقيق إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهذا ما كان. فإذا كان يوم أمس هو يوم الذكرى المئوية لوعد بلفور، فإن نتنياهو كان قد تحدث قبل ثلاثة أسابيع وخلال لقاء في بيته عن يوم الاستقلال المئوي الإسرائيلي والذي سيحل بعد ثلاثة عقود أي في العام 2048.

وفق صحيفة هآرتس التي أوردت خبر وتفاصيل الندوة الدينية بمناسبة عيد العرش التي عقدت في بيت رئيس الوزراء، فإن نتنياهو قد أبدى قلقه من مخاطر وجودية تنتظر إسرائيل خلال السنوات الثلاثين القادمة وأنه يعمل بشكل جاد للاستعداد لتلك المخاطر وذلك لضمان أن تستمر إسرائيل وتبقى لتبلغ المئوية الأولى.

لكن نتنياهو وفق الصحيفة العبرية قد قال بأن استمرار بقاء دولة إسرائيل ووجودها ليس بديهيا وليس مفروغا منه بسبب المخاطر الوجودية، ولكنه وعد بأنه سيبذل كل ما في وسعه لتجاوز تلك المخاطر.

اللافت أن نتنياهو كان قد استشهد بالتاريخ للتعبير عن رؤيته لما قال بأن أكثر دولة وكيان نشأ لليهود على مدار التاريخ لم يعمر أكثر من ثمانين سنة وكانت هي دولة الحشمونائيم التي قضى عليها الرومان، ولكأنه يقول سنحتفل في العام القادم بالذكرى السبعين لإقامة إسرائيل ولكن بيننا وبين الذكرى المئوية هي الذكرى الثمانينية لأطول دولة يهودية عمّرت. فهل سنصل إلى الذكرى المئوية لإقامة إسرائيل يا ترى أم لا ؟؟!!!

ولقد جاء خطاب رئيس الدولة العبرية ريفلين خلال افتتاح الدورة الشتوية للكنيست الإسرائيلي يوم الإثنين 23/10/2017 والذي بدا فيه متشائما مما أسماه ” الأفول الحضاري ” للكيان الصهيوني.

إن تخوف ريفلين وتشاؤمه لم يأت من فراغ، بل إنه جاء كمحصلة طبيعية لتراكم المعطيات والشواهد على أن الدولة العبرية بدأت تشيخ، وبدأت ملامح كثيرة لأفول نجمها علما أن ريفلين قد أبدى تخوفه من العوامل الداخلية.

هذا التخوف والتشاؤم من العوامل الداخلية قابله التخوف من العوامل الخارجية عند نتنياهو، أوصله لحد الإشارة أن استمرار بقاء إسرائيل لتبلغ المئوية الأولى ليس بديهيا ولا مفروغا ولكنه وعد بأن يعمل ليبلغ بها ذلك التاريخ.

إن إرهاصات المستقبل السوداوي لم يلحظها ريفلين رئيس الكيان ولا نتنياهو رئيس وزرائه، بل إنهم كثيرون من الباحثين والمتابعين والكتاب وحتى قيادات أمنية سابقة، منها هو الصحفي المشهور امنون ابراموفيتش قد قال خلال جنازة شمعون بيرس الرئيس السابق للكيان الإسرائيلي: ( هؤلاء الزعماء لم يأتوا للتعزية ببيرس، وإنما جاؤوا للتعزية بدولة إسرائيل ). وهذا رئيس جهاز الموساد السابق أفرايم هليفي فقد قال قبل سنة تقريبا وتحديدا يوم 30 /9/2016 : ( نحن على أبواب كارثة، إنه ظلام ما قبل الهاوية ).

لقد وعد بلفور بإقامة كيان صهيوني ووفى بوعده وها هي ذكراه يوم أمس، وها هو نتنياهو يعد بأن يحافظ على هذا الكيان حتى يبلغ المائة عام، فهل سيفي نتنياهو بوعده يا ترى؟؟!!!

الوعد الحق

إنه الفارق الكبير بين الوعد الحق وبين الوعد المفترى. أما الوعد المفترى فإنه وعد بلفور ومثله وعد نتنياهو، لانه امتداد لوعد بلفور. إنه الافتراء بأن فلسطين أرض بلا شعب فأعطوها لشعب بلا أرض، وإنه افتراء وأي افتراء بأن الحقوق تسقط بالتقادم، لأن الحق لا يموت ووراءه من يطالب به.

أما الوعد الحق والصدق فإنه وعد الله سبحانه الذي وعد في قرآنه بأن يظهر الإسلام على كل أعدائه { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا } آية 28 سورة الفتح. {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون } آية 9 سورة الصف.

وفهما لوعد الله سبحانه وتفسيرا وبيانا له، فإنه وعد رسول الله عليه وسلم بأن المستقبل للإسلام، وأن هذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذلّ ذليل، وليس فقط عز الإسلام المعنوي بل إنها دولة الإسلام القادمة ومجدها السامق في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك. قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”. وإنه صلى الله عليه وسلم الذي وعد بأن يتحقق وعد الله سبحانه بعز الإسلام وعودة خلافته الراشدة لما قال: ” تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت “!!!

وإنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يحدد مكان دولة الخلافة الإسلامية العالمية بل وعاصمتها، فقال صلى الله عليه وسلم: ” يا ابن حواله إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه إلى رأسك”.

إنه الوعد الحق وعد الله سبحانه الذي لا يخلف { وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون } آية 6 سورة الروم. إنه الوعد الذي سيكون حتما ويقينا، لأنه لا أوفى بالوعد من الله. فإذا كان بلفور قد وعد وأوفى، فإن الله جل جلاله أولى بالوفاء بالوعد الحق.

نعم قبل مائة عام بالتمام والكمال 2/11/1917 كانت شمس المشروع الصهيوني تشرق وتتألق، وكانت شمس المشروع الإسلامي تغيب وتتوارى. ظهر ذلك عبر صدور وعد بلفور يوم 2/11 /1917 وسبقه احتلال القدس على يد الإنجليز ولحقه سقوط وإلغاء الخلافة الإسلامية يوم 21/3/1924.

ها هي المئوية الأولى تكتمل وإذا بنا نعيش ونشهد كيف أن بريطانيا نفسها صاحبة الوعد الظالم والتي لم تكن الشمس تغيب عن مستعمراتها وملكها، وإذا بها تتراجع وينحسر نفوذها، لا بل إنها التي راحت تتقوقع داخل ذاتها بعد قرار انسحابها من الاتحاد الأوروبي، وأما الكيان الصهيوني الذي كان ثمرة الوعد الظالم والمفترى فها نحن نرى ملامح مستقبله عبر تخوف نتنياهو من أفول نجمه، ولعله لن يبلغ مئويته الأولى وأن استمراره ليس أمرا بديهيا، وهو الذي ترجمه رئيس الكيان الصهيوني ريفلين بالتخوف فوصفه بالأفول الحضاري.

نعم ها هي شموسهم تغيب وشمسنا تشرق بإذن الله. ها هي مشاريعهم راحت ينكشف زيفها وتتآكل بينما كل المؤشرات والملامح تدل على أن شمسنا راحت تشرق ومشروعنا الإسلامي المبارك هو وحده الذي راح ينطلق حتى وإن كانت أجزاؤه مبعثرة، لكن حتما ويقينا ستلتحم هذه الأجزاء المبعثرة لتعود وتتشكل هذه اللوحة الجميلة هي أمة الإسلام ودولة الإسلام. إنه وعد الله ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنّا للوعد الحق أن يقف في وجهه الوعد المفترى، فيا ابن الإسلام :

كبّر الله وجاهد كل أعداء الفضيلة

أنت ينبوع التحدي أنت بركان البطولة

أنت منصورٌ بدينٍ عزّ من يقفو سبيله

وبهذا الوعد حقا أرسل الله رسوله

ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا

وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون

رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى