أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

بعض الجمعيات النسوية وشمَّاعة المجتمع الذكوري

أمية سليمان جبارين (أم البراء)
إن من يتدبر القرآن الكريم يجد أنه قد رفض سلفا آفة الذكورية التي تعني تمجيد الرجل وتمجيد دوره وتمجيد إرادته وسلطته على حساب تناسي المرأة وتجاهلها كأن الأسرة والمجتمع والأمة كلهم ذكور بلا إناث، وما كنا ولن نكون في يوم من الأيام بحاجة إلى أية جمعية نسوية حتى تفتل عضلاتها وتتبجح قائلة: جئت لأحرركم من آفة (الذكورية) و(المجتمع الذكوري) التي شلت حياتكم!! فهو قول باطل لا محل له من الإعراب ومردود على قائلاته سواء كن يتلقين دعما من صناديق غربية أو صهيونية أو غيرها.
وها هي عشرات الآيات القرآنية تؤكد لنا أن الحياة الكريمة لا يمكن أن تقوم إلا على الرجل والمرأة، ولا يمكن لأسرة أو مجتمع أو أمة أن ينهضوا إلا على جهد متكامل بين الرجل والمرأة، بل إن القرآن الكريم عندما تحدث لنا في سورة (الليل) وهي مكية عن آيات الكون التي تدل على عظمة الخالق، فقد جعل من ضمن هذه الآيات الكونية خلق الرجل والمرأة وليس الرجل فقط، وذلك في قول الله تعالى: ( والليل إذا يغشى -، والنهار إذا تجلى- وما خلق الذكر والأنثى) وعندما قرر القرآن الكريم حرية القول والأمر والنهي قررها للرجل والمرأة وذلك في قوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) التوبة:٧١-، وعندما قرّر المساواة في الأجناس والألوان والإنسان، قررها للرجل والمرأة وذلك في قوله تعالى: (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات- 13، وعندما قرّر الحق في الكسب والتملك قررها للرجل والمرأة، وذلك في قوله تعالى: (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)-النساء-٣٢- وعندما قرر الحق في صيانة الكرامة قررها للرجل والمرأة، وذلك في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب) الحجرات-١١- وعندما قرر مبدأ المسؤولية الشخصية التي يتحملها كل منا عن عمله قرر للرجل والمرأة، وذلك في قوله تعالى: (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب)-غافر-٤٠- وعندما قرر مبدأ حسن الجزاء على العمل الصالح، قرره للرجل والمرأة، وذلك في قوله تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقُتِلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب)- آل عمران:١٩٥-.
وعندما قرر الحق في الميراث قرره للرجل والمرأة وذلك في قوله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) – النساء ٧-. وعندما قرر مبدأ البر والنهي عن العقوق قرره للرجل والمرأة، وذلك في قوله تعالى: (وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين) – البقرة:٨٣.
فكما هو واضح لم يأت التعبير القرآني بلفظ (وبالوالد) الذي يعني الأب فقط أي الرجل فقط، بل جاء بلفظ (وبالوالدين) الذي يعني الأب والأم، أي الرجل والمرأة. وعندما قرر مبدأ الولاء الإيماني وصناعة البنيان المرصوص والجسد الواحد ببن المؤمنين، قرر للرجل والمرأة وذلك في قوله تعالى: (والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) – التوبة:٧١- وعندما قرر مبدأ الدفاع عن المستضعفين في الأرض، ذودا عن حرماتهم ودرءا للظلم عنهم، قرر للرجل والمرأة وذلك في قوله تعالى: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما -٧٤- وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليّا واجعل لنا من لدنك نصيرا-٧٥- النساء. وعندما دعا القرآن الكريم إلى بناء الأسرة المتماسكة والمجتمع المتماسك والأمة المتماسكة دعا الزوجين- أي الرجل والمرأة- أن يكونا في الصورة إثنين، وفي الروح واحدا، ولذلك سُمي كل منهما (زوجا) لأن كلا منهما يُعبّر عن صاحبه، وذلك في قوله تعالى: (أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) – آل عمران:١٩٥-. ودعا الزوجين – أي الرجل والمرأة – أن يبينا العلاقة بينهما على السكون النفسي والمودة والرحمة، ودعاهما إلى توسيع دائرة هذه العلاقة حتى تشمل كل الأسرة والأقارب والمجتمع والأمة، وذلك في قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) – الروم:٢١- ولهذا عَبَّر بهذا اللفظ في هذه الآية (وجعل بينكم) أي بين الزوجين والأسرة والأقارب والمجتمع والأمة. ودعا الزوجين أي الرجل والمرأة إلى الفرح إذا رزقهما الله تعالى مولودا سواء كان ذكرا أو أنثى، وذلك في قوله تعالى: (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور-٤٩- أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما)-٥٠- الشورى، والذي يلفت الانتباه في هذه الآية أن الله تعالى بدأ بِهبة الإناث قبل هبة الذكور، ولذا شاع بين المسلمين: خير النساء من بكرت بأنثى.
وكل ما كتبته أعلاه كتبته بإيجاز، وهو غيض من فيض الآيات القرآنية التي رفضت آفة الذكورية والمجتمع الذكوري منذ الآيات الأولى التي كانت تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة.
ثم هاكم التاريخ الإسلامي منذ العهد النبوي فصاعدا وأرجو استثناء مراحل الانحطاط في الفهم والسلوك التي تخالف القرآن الكريم ولا تمثله وهاكم الحضارة الإسلامية، فإن من يدرس هذا التاريخ وهذه الحضارة يجد أنهما قاما على أرفع وأروع وأنصع تكامل بين الرجل والمرأة في كل مناحي الحياة على صعيدها الأسري والاجتماعي والعلمي والاقتصادي والأدبي والسياسي والعسكري، ومن ينكر ذلك فهو بين احتمالين إما أن يكون سطحيا جاهلا بهذا التاريخ والحضارة، وإما أن يكون حاقدا على هذا التاريخ والحضارة.
ولذلك إذا كان الآخرون قد عانوا من آفة الذكورية والمجتمع الذكوري لدرجة أنهم كانوا يعتبرون المرأة شيطانا، وكانوا يحرمونها من كامل الحقوق بما في ذلك حق التملك وكانوا يتوارثونها كما يتوارثون المال والأرض والمتاع، فنحن لم نعان من ذلك إطلاقا، وإذا كانت هناك محطات انحطاط شذَّت عن منهج القرآن الكريم القيّم في جدلية العلاقة القيّمة بين الرجل والمرأة. فإن مرد تلك المحطات من الانحطاط هو الانحطاط في فهم منهج القرآن، وهو الانحطاط في السلوك المخالف لمنهج القرآن!!
وما دمنا نملك هذا المنهج القرآني ونحسن فهمه فهما سليما ونصدق بالالتزام به، فلن يكون فينا إطلاقا آفة الذكورية والمجتمع الذكوري التي اتخذت منها بعض الجمعيات النسوية شماعة لتدعو المرأة في مجتمعنا إلى التفلت من ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، وكأن هذا التفلت المدمر هو الذي سيقود إلى تحرر المرأة فينا من هذه الآفة!!
وهكذا بهذه الوسيلة تحاول هذه الجمعيات النسوية صناعة مبرر لوجودها، وصناعة مبرر لتلقيها المبالغ الطائلة من صناديق الدعم الغربية والصهيونية، لذلك أنا أم البراء أقول باسمي وإسم كل المجتمع النسائي في الداخل الفلسطيني، لسنا رهائن لدى هذه الجمعيات النسوية، ولسنا بحاجة إلى أية حلول مستوردة مشبوهة أو علاج مستورد ملغوم لكل قضايانا، لأننا نحن الذين نملك هذا العلاج في المنهج القرآني وفي ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى