أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ما هو سر تكامل المصالح بين أمريكا وإيران

د. أنس سليمان أحمد
نحن لا نعيش في المريخ بل نعيش في الأرض، ولا نعيش في غابات الأمازون من هذه الأرض، بل نعيش في أرضنا المباركة في الداخل الفلسطيني، وهذا يعني أننا نعيش في قلب العالم العربي والأمة الإسلامية، وهذا ما يتيح لنا رصد الأحداث بالتفصيل على صعيدها الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي، ولقد راكم رصد هذه الأحداث فينا قناعة لا ريب فيها أن هناك مسرحية تكامل مصالح بين أمريكا وإيران، وبتنا نتساءل فيما بيننا هل هي مجرد حالة تكامل مصالح بينهما قدرية أم هي مدبَرّة فيما بينهما؟ والذي راكم فينا هذه القناعة تصاعد سلوكيات إيران العدوانية ضد الامة الإسلامية والعالم العربي والتي باتت تحقق فيها مصالح المؤسسة الأمريكية والمؤسسة الإسرائيلية، وإليكم بعض الأمثلة:
تزامن قيام الثورة الخمينية في إيران مع تجذّر الصحوة الإسلامية في سوريا، ثم كان من بواكير عمل هذه الثورة الخمينية أن أقامت علاقة استراتيجية مع نظام البعث في سوريا وكان الرئيس يومها حافظ الأسد، ثم بعد أن اشتدت تلك العلاقة متانة قام حافظ الأسد بمجازره ضد شعبنا الفلسطيني في مخيم تل- الزعتر، وكان ذلك بمثابة هدية على طبق من ذهب لأمريكا ولإسرائيل، وظلت الثورة الخمينية رغم ذلك تشدّ على يديّ حافظ الأسد في الوقت الذي باتت تردد فيه شعارها الملغوم: “الموت لأمريكا… الموت لإسرائيل”!! ثم إلى جانب المجازر التي واصل حافظ الأسد ارتكابها في مخيم تل- الزعتر واصل كذلك إرتكابه المجازر الدموية ضد الشعب السوري في حماة وجسر الشغور وحلب وحمص وسائر المدن السورية، وكانت سرايا الدفاع التي كان يقودها رفعت الأسد في تلك الأيام كانت تخلع بالقوة حجاب كل امرأة مسلمة في مدن سوريا، وكان ذلك بمثابة هدية أخرى على طبق من ذهب لأمريكا وإسرائيل، وظلت الثورة الخمينية تعزز من علاقتها الاستراتيجية مع حافظ الأسد وتواصل ترداد شعارها الملغوم: “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل”!! ومن راقب تلك الأحداث في تلك الأيام حاول أن يلتمس عذراً للثورة الخمينية ظاناّ أنها لا تزال حديثة عهد في السياسة!! ولكن المفاجئ سلباً أن هذه الثورة الخمينية بعد ميلاد الربيع العربي في سوريا لم تكتف بالدعم المعنوي كما في السابق لبشار الأسد بل أرسلت قواتها على كافة تشكيلاتها إلى سوريا وأقامت جسراً من الإمدادات العسكرية لبشار وزبانيته منذ عام 2011م حتى الآن وإستنفرت عشرات التنظيمات العسكرية الموالية لها في لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان ودفعت بها إلى سوريا ثم راحت تهلك الحرث والنسل في سوريا وراحت تحرق الحجر والشجر فيها وتدّمر المنازل والمساجد فيها، وتهدم المدن السورية والمخيمات الفلسطينية فيها، وبعد مرور قرابة العقد من الزمن ها هي النتائج المروعة نراها بالبث المباشر: قتل قرابة المليون من الشعب السوري والفلسطيني، وتشريد أكثر من ستة ملايين من الشعب السوري والفلسطيني، وإعتقال وخطف وإخفاء قرابة المليون من الشعب السوري والفلسطيني، وهكذا اشتركت الثورة الخمينية وبشار الأسد في تقديم هدية على طبق من ذهب للمؤسسة الأمريكية والمؤسسة الإسرائيلية، ولا تزال الثورة الخمينية تردد : “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل”.
إنّ محصلة هذا الدور الدموي الذي قامت به الثورة الخمينية في سوريا إلى جانب دورها الدموي في العراق واليمن هو مواصلة إجهاضها للربيع العربي!! وهل هناك أثمن من هذا الدور وأغلى من هذه المصلحة في حسابات أمريكا؟! فهي الثورة الخمينية التي نابت عن أمريكا وقضت على ميلاد هذا الربيع العربي في هذه الدول في الوقت الذي كانت ستضطر أمريكا إلى إرسال جنودها بكامل عتادهم إلى كل هذه الدول بغية القضاء على الربيع العربي فيها، ولكن الثورة الخمينية أراحتها من كل هذه الجهود التي لو قامت بها أمريكا كانت ستغرق في الوحل السوري والوحل اليمني كما هي غارقة اليوم في وحل أفغانستان ووحل العراق!! وهكذا تكاملت مصلحة أمريكا وإيران بالقضاء على الربيع العربي الذي كاد أن يقف على قدميه في هذه الدول!! وهكذا تكاملت مصلحتهما برفع شعار القضاء على داعش من أجل مواصلة حرق العراق وسوريا واليمن، ومن أجل مواصلة تفويت الفرصة على نهوض المشروع الإسلامي الوسطي الراشد في هذه الدول!! حيث أن أمريكا التي تحكمها اليوم البروتستانتية- الصهيونية تحارب هذا المشروع الإسلامي الوسطي الراشد من منطلق صليبي غربي، وحيث أن إيران تحارب نفس هذا المشروع من منطلق فارسي باطني، فهي لا تزال تعتبر أن هذا المشروع هو الذي قضى على المملكة الفارسية قبل ألف وأربعمائة عام، ثم لو قام هذا المشروع واستوى على سوقه وساس الجماهير بوسطيته الإسلامية ورشده وعدالته لكشف عن حقيقة إيران التي تتستر اليوم بادعاء أنها ثورة إسلامية وجمهورية إسلامية وهي ليست كذلك.
ثم إن محصلة هذا الدور الدموي الذي قامت به الثورة الخمينية في سوريا إلى جانب الدور الدموي الذي قامت به المليشيات الموالية لها في العراق قد تسبب بقتل عشرات الآلاف من شعبنا الفلسطيني في كلا الدولتين، وتسبب بتدمير مُعظم المخيمات الفلسطينية في كلا الدولتين، وتسبب بتشريد من بقي حياً من شعبنا الفلسطيني في هاتين الدولتين، حتى يكاد ألا يبقى أي وجود للاجئين الفلسطينيين في هاتين الدولتين، مما أدى تلقائياً إلى إجهاض قسط كبير من حق العودة!! الذي طالما واصلت المؤسسة الأمريكية والمؤسسة الإسرائيلي بذل كل جهودهما ليلاً ونهاراً للقضاء على حق العودة كضرورة لا بد منها في حساباتهما للقضاء على قضية فلسطين!! وهكذا تؤدي إيران هذا الدور المشبوه نيابة عن أمريكا لتصفية القضية الفلسطينية من خلال تصفية حق العودة!! وهكذا تتحقق المصلحة الأمريكية والإسرائيلية بهذه الجهود الإيرانية!! وهكذا تحاول إيران الوصول إلى مرحلة تكون فيها هي الآمر الناهي على الصعيد الإسلامي والعربي والفلسطيني، ولا منافس لدورها من بين المسلمين والعرب. لذلك نعود ونتساءل مرة بعد مرة: هل هذا التكامل في المصالح الأمريكية والإيرانية هو مجرد حالة قدرية أم هي مسرحية متعوب على إعدادها وإخراجها؟!
في الوقت الذي أجهضت فيه الثورة الخمينية الربيع العربي في سوريا واليمن والعراق فإن أمريكا أجهضت الربيع العربي في مصر وليبيا وتحاول وأده في تونس ومنع ميلاده في الجزائر إما بواسطة دور أمريكي مباشر أو بواسطة القطاريز العرب الموالين لأمريكا، مما يعني في نهاية الأمر إجهاض ميلاد المشروع الإسلامي الوسطي الراشد، فهل هذه الحالة من تكامل الأدوار بين أمريكا وإيران هي مجرد حالة قدرية أم هي مسرحية متعوب على إعدادها وإخراجها؟!
ثم هي إيران اليوم التي لا تنقطع تهديداتها بإحتلال الخليج العربي، وفرض السيادة على باب المندب وعلى الخليج العربي وعلى المضائق العربية كما فرضت سيادتها على الأهواز العربية، وكما تواصل فرض سيادتها على العراق وسوريا واليمن، وهي التي تصرح أكثر من موال لها عن طمعهم بفرض السيادة الإيرانية على مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهي إيران التي صنعت بذلك الفرصة مجانا لأمريكا كي تنجح أمريكا بإتقان خداعها لحكام العرب بعامة وحكام الخليج بخاصة ومواصلة إدعائها الكاذب أنها هي الحامي الوحيد لهم من إيران!! وتحت سقف هذا الادعاء الكاذب ها هي أمريكا قد أقامت لها معسكرات الجيش العملاقة في كل دول الخليج العربي وفي بعض الدول الإسلامية والعربية الأخرى، وها هي أمريكا تواصل نهب ثروات الخليج العربي وثروات بعض الدول الإسلامية والعربية الأخر، فهل مواصلة إيران إطلاق تهديداتها مما أعطى فرصة لأمريكا لتمرير أكاذيبها على هذه الدول العربية والمسلمة، هل تكامل هذا الدور بينهما هو من قبيل الحالة القدرية أم هو مسرحية متعوب على إعدادها وإخراجها؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى