أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ضاقت ثم استحكمت ثم فرجت هي ملخص الحكاية

الشيخ كمال خطيب

# الأفراح والليالي الملاح
إن كانت هي مناسبة الشفاء من مرض خطير أو شراء أو بناء بيت واسع جميل أو قدوم مولود جديد جاء بعد طول انتظار أو وصول حبيب بعد طول غياب أو زواج ابن أو ابنة. هذه كلها وغيرها من المناسبات اعتاد الناس أن يسعدوا بها ويفرحوا لها وأن يقيموا لأجلها الأفراح والليالي الملاح.
تأتي فرحة الشفاء بعد الآلام والأوجاع، وتأتي فرحة البيت الجديد بعد سنوات الكد والجهد والسهر ولعله التقتير على النفس من أجل توفير ما يتطلب لإكمال بناء البيت، وتأتي فرحة المولود بعد سنوات الحرمان ولوعة ومرارة وحشة البيت من غير أطفال، وتأتي فرحة عودة المسافر ورجوع الغائب بعد طول فراق وخشية أن يطول إلى الأبد، وتأتي فرحة زفاف وزواج الأبناء والبنات بعد سنوات من الرعاية والسهر والاستثمار لأجلهم في الوقت والمال. فكيف لا يفرح الأهل في يوم يصبح الابن فيه عريسًا وتصبح البنت عروسًا، وكلٌ سيبني له عشًا جديدًا مع شريك اختاره وارتضاه لنفسه.
مثل هذه الأفراح والمسرّات الجميلة تبقى هي أفراح ومسرّات تخص أفرادًا محدودين ومن هم في محيطهم الاجتماعي القريب والأقرب، حيث لا يقاس بهذه الأفراح وطعمها الفرح الكبير الذي سيتذوق طعمه أبناء هذه الأمة كلها وليس أفرادًا ولا شريحة منهم. إنه فرح الأمة الإسلامية من محيطها وليس إلى خليجها بل إلى محيطها الثاني من طنجة إلى جاكرتا يوم تتخلص من طواغيتها وجلّاديها ولصوصها، ويوم تحكم الأمة بشريعة الإسلام الذي ارتضاه الله لها وارتضته هي لنفسها {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} آية 5 سورة الروم. ولقد قال الاستاذ خالد أبو شادي فك الله أسره من سجون السيسي الطاغية: “أعظم الأفراح لا تأتي إلا بعد الهزات العنيفة، كما أن أطيب الثمار لا تسقط من الأشجار إلا بعد الهزّات القوية”.
وإن أمتنا لتمر في هذه الأيام بهزات عنيفة وصاخبة لا يختلف فيها ما يجري في سوريا وفلسطين عمّا يجري في العراق ولبنان والسودان وليبيا واليمن ومصر وإيران، وما يجري للمسلمين في الهند والصين وميانمار وكشمير وغيرها، ولكن حتمًا ويقينًا أن بعد هذه الهزّات العنيفة ستكون الأفراح والليالي الملاح فتتذوق الأمة حلاوتها كما يتذوق حلاوة الثمار الطيبة التي لا تسقط إلا بعد هزّ الشجرة هزًا عنيفًا يجد آثار ذلك تعبًا في يديه وجسده وتصبب عرقه. ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرًا”. إن الصبر والكرب والعسر كلها مظاهر مختلفة للألم والمعاناة ستتبدد وتزول وتنسى لأنها تحمل في طياتها وبين ثناياها لذة اليسر والنصر والفرج بإذن الله تعالى.

#أسباب الأرض وأسباب السماء
ومثلما أن الأفراح والليالي الملاح، فإن النصر يأتي بعد المعاناة وبعد الهزّات العنيفة، فإن النصر يأتي وبلذة خاصة ونكهة مميزة وطعم فريد عند انقطاع الأسباب الأرضية، وحينما لا تتعلق النفوس إلا بالله وحده وأن الأسباب الحاسمة في النصر لا تكون إلا من عنده سبحانه، وليس أصدق ولا أدلّ على ذلك من قول الله تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} آية 214 سورة البقرة.
إنه وحين يصل المسلم إلى قناعة في ظل الكرب والبلاء الشديدين اللذين تمر بهما الأمة وأنه ومع انقطاع حبل العباد فلا بد من التمسك بحبل الله المتين الذي لا ينقطع، وأنه مع إغلاق كل الأبواب في وجوهنا فإن علينا ألّا ننسى أن باب الله لا يغلق وأنه لا بد من أن نظلّ وبإلحاح نقف ونطرق بابه سبحانه، وفي هذا قال الشاعر:

واشدد يديك بحبل الله معتصمًا فإنه الركن إن خانتك أركان
ومن يتق الله يحمد في عواقبه ويكفيه شر من عزّوا ومن هانوا

وهكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدبه مع الله سبحانه لمّا كان يدعوه في كل كرب ونازلة، وحين كانت تنقطع عنه أسباب الأرض ويشتد البلاء ويعظم الخطب، فكان يرفع أكف الضراعة إليه سبحانه يطرق بابه ويلهج باسمه الأعظم، هكذا كان حاله يوم طرده أهل الطائف من قبيلة ثقيف فوقف يدعو الله بالقول: “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، وأنت رب المستضعفين، إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني، أو إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو يحلّ علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”.
وهذا الفاتح العظيم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله فكان يُرى ساهرًا مغتمًا ساجدًا لله داعيًا في سجوده بهذا الدعاء: “إلهٰي لقد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك ولم يبق إلا الإخلاء إليك والاعتصام بحبلك والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل”. يقول القاضي بهاء الدين: “ورأيته ساجدًا ودموعه تتقاطر على شيبته ثم على سجادته ولا أسمع ما يقول، ولم ينقض ذلك اليوم إلا ويأتيه أخبار النصر على الأعداء”.
وإن من أعظم البلاء الذي وقع به بعض أبناء الأمة، في ظل حالة الضعف والذل والهوان الذي نرى فإنهم راحوا يبحثون عن سبل الخروج من الحال فتعلقوا بأسباب الأرض ونسوا أسباب السماء، وليست هي أسباب الأرض القوية المتينة وإنما هي الهشّة الضعيفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. لقد خطفت أبصارهم الشعارات البرّاقة والصخب المدوي الذي يأتيهم من زعماء يستترون بالدين أو بالقومية وبالوطنية وإذا بهم في حقيقة أمرهم أشد كيدًا وعداء من الأعداء أنفسهم.
أما وقد تناوشتنا السهام من كل جانب، أما وقد أغلقت دوننا الأبواب ، أما وقد تنكر لنا ذوو القربى، أما وقد استقوى علينا أراذل الخلق، أما وقد انقطعت عنا أسباب الأرض فما أحرانا وما أجدرنا أن نتصل بأسباب السماء فإنها الركن إن خانتك أركان.

# ملخص الحكاية
مجمل الصراع أيًا كانت مركباته ومواقعه وأسماء وعناوين أطراف ذلك الصراع، فإنه الصراع بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الإيمان والكفر، بين الهدى والضلال، بين الفضيلة والرذيلة، بين النور والظلام، بين القبح والجمال، بين الاستقامة والانحراف. إنه الصراع بين إبراهيم والنمرود، وبين موسى وفرعون، بين محمد صلى الله عليه وسلم وأبي جهل لكنه الصراع التي تجاوز الأشخاص ليصبح صراعًا ضد الأفكار والقناعات، فهكذا كانت قريش تقول على لسان كبرائها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم” إنه الصادق الأمين”.
إنه الصراع بين نبي يقول لقومه {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} آية 80 سورة الأعراف. فيقول له قومه {أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} آية 82 سورة الأعراف، وبين نبي يقول لقومه {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} آية 85 سورة الأعراف، فيقول له قومه {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} آية 88 سورة الأعراف وبين نبي يقول لقومه {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ} آية 59 سورة الأعراف، أو نبي يقول لقومه “قولوا لا إله إلا الله تفلحوا” فيكون جواب قومه {أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} آية 62 سورة هود.
فهذا هو ملخص الصراع وهذا ملخص الحكاية، فيزيد الكرب والبلاء والمعاناة والظلم والقهر من الطغاة وأعوانهم مهما اختلفت أسماؤهم وراياتهم وبلدانهم وسنوات حكمهم حتى يضيق الحال وتستحكم الحلقات وحتى يظن المظلوم أنها الحلقات التي لن تنكسر والظلم الذي لا ينقطع
ولرب نازله يضيق بها الفتى ذرعًا وعند الله فيها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظن أنها لن تفرج

إنه ملخص حكاية وفصول الصراع بين الحق والباطل، أنها يمكن أن تشتد وتشتد حتى تصل إلى الحد الذي يظن فيه أهل الحق أنهم قد خذلوا ولكن ولثقتهم بربهم سبحانه ويقينهم بنصره فإنها تجعل قلوبهم تبتسم لرؤية النصر الوشيك وسط المعاناة والقهر، بل وسط المجزرة التي ارتكبها أهل الباطل بأهل الحق {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} آية 110 سورة يوسف.
نعم إنه ملخص حكاية الصراع بين الحق والباطل، بين الإسلام وبين أعدائه. إنها تضيق وتضيق حتى يأتي الفرج. ولسنا الآن في منتصف الطريق في هذا الضيق، ولسنا في عتمة منتصف الليل بل إننا في عتمة ما قبل الفجر الذي يوشك أن يبزغ بإذن الله تعالى.

# فرعون الكبير والفراعنة الصغار
يوم غد السبت 25/1 هو يوم ذكرى نجاح ثورة الشعب المصري البطل الذي خرج إلى الشوارع ضد حكم الطاغية حسني مبارك متأسيًا بشقيقه الشعب التونسي، الذي سبقه وخرج إلى الشوارع في باكورة ثورات الربيع العربي عام 2011 ونجح قبله بعشرة أيام، أي يوم 14/1 /2011 بإسقاط نظام الطاغية زين العابدين بن علي.
لقد حملت ثورات الربيع العربي كل معاني المفاجأة التي أذهلت المراقبين والباحثين ودوائر الاستخبارات الغربية والإسرائيلية، وقبلها دوائر استخبارات الطواغيت بحيث أنهم أعلنوا عدم استشعارهم لأي مظهر أو إشارة تدل على جاهزية الشعوب المقهورة للثورة.
وإن حال هذه الأنظمة في إمساكها لكل الخيوط أمنيًا وإعلاميًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا إلى حد يمكن وصفها بما وصف الله به الفرعون الكبير في مصر لمّا قال الله عنه {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} آية 10 سورة الفجر. إنه التعبير القرآني الدقيق في تصويره لصعوبة اقتلاع الباطل وتغلغله في المجتمع وتجذره.
لكنه الله سبحانه، ليس أنه قد اقتلع فرعون من جذوره، بل إنه بشّر بحسرة فرعون المرتقبة وهو يرى ملكه يتهاوى لمّا قال سبحانه {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} آية 6 سورة القصص. بل هو يعيش لحظات الغرق في البحر ويستنجد بموسى لكي ينقذه في مظهر من مظاهر الاذلال لفرعون الطاغية المتأله {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} آية 38 سورة القصص.
لقد سقط نظام حسني مبارك واختار الشعب المصري من يحكمه، وهو الرئيس الشهيد محمد مرسي الذي قام الانقلابي السيسي بالغدر به والانقلاب عليه يوم 3/7/،2013، ولم يكتف السيسي بالانقلاب فقط وإنما اعتقل عشرات آلاف المصريين وفي مقدمتهم الرئيس محمد مرسي في ظروف قتل بطيء حتى تحقق لهم ذلك يوم 17/6/2019.
ها هي ذكرى 25 يناير تهلّ على الشعب المصري غدًا، تحمل في طيّاتها كل معاني الأمل واليقين في أن الفراعنة الصغار أمثال السيسي لن يكون حظهم أفضل من حظ الفرعون الكبير، ولا أن إمكاناتهم وتجذّرهم هي أعمق من تجذّر فرعون الكبير الذي حقّ عليه وعد الله سبحانه، بل جعله للناس آية وعبرة.
كما حملت آيات القرآن الكريم قصة سقوط الفرعون الكبير، فإن صفحات التاريخ ستحمل سقوط الفراعنة الصغار السيسي وبشار وحفتر وابن زايد وابن سلمان وكل من سار في ركبهم، لا لشيء إلا لأن هؤلاء الطواغيت يصادمون نواميس الكون الغلّابة وإرادة الله النافذة ويظنون أن الأمور بأيديهم، وأنهم منتصرون في كل جولة إلى الأبد.
هي قادمة السنوات غير البعيدة ستحمل إلينا، بل ستنعش بإذن الله مشاهد تهاوي وسقوط الفراعنة الصغار الذين لن يكونوا بدعًا ولا طرازًا فريدًا من فراعنة سبقوهم انتهى بهم الأمر إلى مزابل التاريخ، وستعيش الأمة كل الأمة الأفراح والليالي الملاح. نعم إنها ضاقت واستحكمت لكنها يقينًا ستفرج، وهذا ملخص الحكاية، وإن غدًا لناظره قريب.
نحن إلى الفرج أقرب، فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى