أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرالضفة وغزة

المحميات الطبيعية: سلاح الاحتلال الجديد لنهب أراضي الفلسطينيين

مع تصاعد أعمال الاستيطان والضم المقنن والمبرمج للأراضي الفلسطينية عن طريق فرض الأمر الواقع خلال العامين الأخيرين، تبرز المحميات الطبيعية، التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي، في الضفة الغربية، كوسيلة جديدة يستخدمها لنهب أراضي الفلسطينيين.

ولا يخرج القرار الذي أصدره وزير دفاع الأمن الإسرائيلي، نفتالي بينت، الأربعاء الماضي، بإنشاء سبع محميات طبيعية جديدة، وتوسيع اثنتي عشرة محمية أخرى في أراضي الضفة الغربية، عن هذا المسار، مع توقّع خبراء فلسطينيين في مجال الاستيطان أن يفضي ذلك إلى مصادرة عشرات آلاف الدونمات مما تبقى من أراضي مناطق (ج) التي يسيطر عليها الاحتلال.
ويقدّر خبير الاستيطان خليل تفكجي، في حديث صفحي، مساحات المحميات الطبيعية بنحو نصف مليون دونم من أراضي الضفة الغربية، تقع غالبيتها في المناطق المصنفة (ج)، التي يسيطر الاحتلال عليها بالكامل، وينظر إليها على أنها رصيد استراتيجي للاستيطان في هذه المناطق.
ويبلغ عدد المحميات الطبيعية في فلسطين 51، منها 50 داخل الضفة الغربية، وتشكل ما نسبته 9 في المائة من أراضيها. ويبلغ عدد المحميات التي تسيطر عليها إسرائيل 36.

ويلفت تفكجي إلى الأمر العسكري رقم 373 لعام 1970 الذي يعطي صلاحية للقائد العسكري للضفة الغربية بالإعلان عن أراضٍ معينة حدائق عامة (كما الأمر رقم 363) بشأن المحافظة على المحميات الطبيعية، إذ خوّل القانون قائد الضفة الغربية، وأداته التنفيذية “الإدارة المدنية الإسرائيلية”، الإعلان عن منطقة ما محمية طبيعية بموجب أمر يصدره، علماً أن مساحة المحميات الطبيعية تصل إلى نصف مليون دونم، منها 12 ألف دونم تم الإعلان عنها في العام 1994، أي بعد اتفاقية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.

ويرى تفكجي أن التطورات السياسية الأخيرة، سواء في الولايات المتحدة أو في إسرائيل ذاتها، أدت دوراً كبيراً في هذا التصعيد الاستيطاني، الذي أبرز مظاهره تكثيف البناء الاستيطاني والإعلان عن رزمة كبيرة من مشاريع التوسع ونهب أراضي الفلسطينيين لصالح المستوطنات، ومن هنا يأتي قرار بينت الجديد بإقامة سبع محميات جديدة، وتوسيع القائمة باعتبارها كنزاً من الأراضي يخدم المشروع الاستيطاني الكبير، والذي عبّر عنه بينت بتصريحاته الأخيرة التي قال فيها “نمنح اليوم تعزيزاً كبيراً لأرض إسرائيل، ونواصل تطوير الاستيطان اليهودي في مناطق ج، بالأفعال والأقوال”. ويضيف “توجد في منطقة يهودا والسامرة (يقصد بذلك الضفة الغربية) مواقع طبيعية مدهشة، وسنوسع المواقع القائمة ونطور أماكن جديدة أيضاً”.

ويشدد تفكجي على أنه “من هنا جاءت شرعنة عمليات توسيع وسيطرة المستوطنات والبؤر الاستيطانية غير القانونية (قانون التسوية)، وإعداد مشاريع قوانين ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية واعتبار المستوطنين سكاناً قانونيين يخدمون الحلم الصهيوني. وقد بدأت اللجان الوزارية بالتعامل مع المستوطنين بهذه القوانين الجديدة، بدءاً بتعيين القضاة وانتهاء بقرار وزيرة المساواة الاجتماعية بتخصيص نصف مليون دولار لتوثيق تاريخ المستوطنين كخطوة قبل الضم”.

ويتابع “كما منحت دائرة الاستيطان عشرات القروض من أجل إقامة وتطوير البؤر الاستيطانية والمزارع، بحيث شمل التوسع الاستيطاني جميع الأراضي الفلسطينية بلا استثناء، بدءاً من المناطق الواقعة على الخط الأخضر (الكتل الاستيطانية) أو في المستوطنات المعزولة وسط الضفة الغربية. وأخيراً منطقة الأغوار التي تعتبرها إسرائيل جزءاً يجب المحافظة عليه لأسباب أمنية، لمنع أي تواصل جغرافي ما بين السلطة الفلسطينية والأردن”.

وتحتل منطقة غور الأردن مكانة استراتيجية في النظريات الأمنية الإسرائيلية، التي ترى فيها الحدود الشرقية للاحتلال، وأعلنتها الحكومة الإسرائيلية “أفضلية قومية” بتخصيص الأموال الضخمة للمشاريع الاستيطانية، سواء كانت زراعية أو سياحية، وبناء المزيد من المستوطنات وتقليص الضرائب عنها.

15 محمية سلمتها إسرائيل فقط

ووفقاً لسلطة البيئة الفلسطينية، فإن اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل نصّ على تسليم المحميات الطبيعية في الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية، لكنّ هذا ما لم يحصل بشكل فعلي، باستثناء 15 سلمها الاحتلال لوزارة الزراعة الفلسطينية في العام 1995. وعلى الخرائط هناك 19 محمية طبيعية من بين 50 تنتشر في الضفة الغربية، من بينها “راس جادر” في الأغوار الفلسطينية الشمالية، والتي حوّلها الاحتلال لاحقاً إلى ساحة تدريب لجنوده، ولم يعد بإمكان السلطة الفلسطينية ولا حتى مواطنيها الدخول إليها. في حين أن الاحتلال لم يسلّم من محمية “وادي جنات” في قرية بيتللو، قرب رام الله، سوى 200 دونم من مساحتها الإجمالية البالغة 3500 دونم. ووفقاً لتقرير لمركز أبحاث الأراضي في الضفة الغربية، صدر قبل أكثر من عام، فإن كل المحميات التي يسيطر عليها الاحتلال في الضفة الغربية ساهمت في تعزيز وتوسيع الاستيطان. ومن الأمثلة على ذلك، التوسعة الكبيرة لمستوطنة “إفرات” ومحيطها المقامة على أراضي محافظة بيت لحم، إذ أعلنت في البداية أنها محمية طبيعية، ومن ثم تحولت إلى مستوطنة، ثم مستوطنة “جبل أبو غنيم”، جنوب القدس، التي كان الاحتلال قد أعلن عن أراضيها محمية طبيعية لكنها ما لبث أن تحولت إلى مستوطنة تحمل اسم “هارحوما”، في حين تحولت المحميات المقامة في محيط المستوطنات إلى مناطق نفوذ وتوسع، كما هو الحال في وادي قانا بمحافظة قلقيلية، ما لبث الاحتلال بعدها أن شيّد ما مجموعه 13 مستوطنة فوق قمم جبال المحمية التي حرم أصحاب الأراضي هناك من الدخول إليها، أو البناء عليها وفي محيطها.

ووفقاً لما أعلنه بينت في قراره بشأن هذه المحميات، فإن المناطق التي شملها المشروع الاستيطاني الجديد، هي: مغارة سوريك، وتعرف أيضاً باسم كهف الحليمات العليا أو مغارة الشموع القريبة من قرية بيت سوريك الفلسطينية، ووادي المقلك عند المنحدرات الشرقية لجبل الزيتون في القدس، ووادي ملحة في غور الأردن، ومجرى نهر الأردن الجنوبي، و”بترونوت” في جنوب الضفة، ووادي الفارعة، ووادي الأردن، شمالي الأغوار. في المقابل، سيتم توسيع 12 محمية مقامة على قمم الجبال الواقعة غربي البحر الميت، وهي صرطبة الإسكندرون، جنوب شرق نابلس، وفصايل في غور الأردن، وأم زوكا في الأغوار، وعين الفشخة على البحر الميت، وقرية خروبة الفلسطينية المهجرة، شرقي الرملة، داخل الضفة، ووادي سيلفادورا، شمالي البحر الميت، وجبل غادير، شرقي طوباس، في الأغوار، وعيون قانا، شمالي البحر الميت، ووادي مالحة، وسط الأغوار، وقمران في منطقة أريحا.

محميات استيطانية في قلب القدس

هذا في الضفة الغربية، أما في القدس الشرقية المحتلة في العام 1967، فإن سلطات الاحتلال صادقت عام 2013 على إنشاء ما سمّته بـ”حديقتيْن وطنيّتيْن جديدتيْن”، الأولى أطلقت عليها اسم “مُورَدوت هار هتسوفيم” على منحدرات جبل المشارف، شماليّ المدينة (بين العيسويّة والطور)، والثانية تدعى “ناحَل رفائيم”، جنوب المدينة (على أراضي الولجة). وتنضمّ هاتان الحديقتان إلى حديقتي “عميك تسوريم” التي أُعلن عنها في العام 2000 عند سفوح جبل المشارف (بجوار الصوانة)، ومحيط أسوار القدس التي أُعلن عنها منذ 1974 على قسم كبير من أرجاء حيّ سلوان. وقد جرت المصادقة على هذه الحدائق الوطنيّة داخل منطقة النفوذ البلديّة لمدينة القدس، على أراضٍ بملكيّة فلسطينيّين وفي مناطق سكنيّة، أو مناطق تحدّها مناطق سكنيّة مبنيّة تابعة لأحياء أو قرى فلسطينيّة.

إلى جانب ذلك، تخطّط بلدية القدس لإقامة حدائق “وطنية” أخرى في شرقيّ المدينة، في جبل الزيتون والشيخ جرّاح وباب الزاهرة. وتم تحويل الصلاحيات إلى جمعية “إلعاد” الاستيطانية، التي تتمثل غايتها المعلنة في “تعزيز الرابط اليهودي مع القدس بكلّ فتراتها، عبر تنظيم الجولات والإرشاد والتوطين، وتقدم من ضمن ذلك الاستيطان اليهودي في عمق الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية”، وفق تقرير لمركز المعلومات الإسرائيلي “بيتسيلم”.
ويشير التقرير إلى أنّ الحجم الاستثنائيّ لعدد الإعلانات عن الحدائق “الوطنيّة” في القدس الشرقيّة، وموضعها في بعض الحالات في مناطق خالية من مبرزات أثريّة وقيم طبيعة هامّة، لا تهدف فقط لتعزيز الحفاظ على قيم الطبيعة والتاريخ والمناظر الطبيعيّة، بل إلى دفع أهداف وغايات سياسيّة، مثل الحفاظ على أغلبيّة يهوديّة في القدس، وإنشاء تواصل مناطقيّ من دون سكان فلسطينيّين، من البلدة القديمة وحتى منطقة المستوطنات المخطّطة في (E1 حديقة ضواحي الأسوار- عيمك تسوريم – منحدرات جبل المشارف)، وتكثيف الوجود اليهوديّ في شرقي المدينة، في مقابل تحديد وتقييد قدرة أصحاب الأراضي الفلسطينيّين على البناء في أراضيهم واستصلاحها كما يروْن، وبذلك تفاقم انتهاك حقوق السكان الفلسطينيّين بظروف الحياة اللائقة، التي تحتاج إلى تخطيط ملائم من أجل ضمانها. وبالاستناد إلى ما أورده تفكجي ومركز أبحاث الأراضي وسلطة البيئة الفلسطينية، فإن القاسم المشترك بين إنشاء المحميات الطبيعية وما يسمى بالحدائق الوطنية في قلب الضفة الغربية، بما فيها القدس، هو تعزيز الاستيطان في هذه المناطق ومضاعفة أعداد المستوطنين ليصل حتى العام 2030 إلى أكثر من مليون، فيما يُقدّر عدد المستوطنين في الضفة الغربية حتى نهاية العام 2019، بنحو 622670 مستوطناً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى