أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

(معادلة الخروج عن النّص، والتّغريد خارج السّرب)

بقلم: أحمد هاني مصطفى كيوان
في صبيحة اليوم الثاني من يناير عام 2020، نَــفَــقَ جنديّانِ من جنود الشيطان الأصغر؛ قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، على يديّ الشيطان الأكبر؛ أمريكا.
بعد اغتيال هذين الجنديّين، بدأت المناكفات المهترئة التي نعهدها منذ فجر الثورة الجعفريّة الخمينيّة الفارسيّة، والتي اتّخذت من قضيّة فلسطين مطيّة لمشروعها الاستعماري الفارسيّ في العالمين العربيّ والإسلامي، ونجم الشّعار الأصفر المهلهل “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل”، والذي اقترحنا على القيادة الفارسيّة، والأحزاب الشيعيّة الطائفيّة أن تستبدل هذا الشعار بشعار أكثر موضوعيّة وواقعيّة وصدقًا، وهو “الموز لأمريكا، الموز لإسرائيل”، في مقالة لنا بعنوان “الموز لأمريكا، الموز لإسرائيل” نشرت في صحيفة المدينة سابقًا. وكنّا على يقين أنّ إيران الفارسيّة لن تردّ على مقتل المجرم سليماني؛ إلّا في حدود ومساحة متّفق عليها مع الشّيطان الأكبر أمريكا، وجاء الردّ الفارسيّ الهزيل، والذي فاق كلّ تصوّر وتوقّع، فأرسلت بعض الصواريخ إلى قواعد أمريكيّة، بعد أن أُخليت من جنودها بتنسيق مع الأمريكان، وتمّ وضع نهاية لمسرحيّة هزليّة نعهدها منذ قدوم الخمينيّ، الذي يطارح الشيطان الأكبر الغرام ليلًا، ويسبّه نهارًا، وهذه شِنشنةٌ نعهدها من أخزم، كما قالت العرب في أمثالها.
(الخروج عن النّصّ والتّغريد خارج السّرب)
بعد أن تمّ تعيين هذا الهالك رئيسًا للحرس الثوريّ الإيرانيّ، وقائدًا لفيلق القدس عام 1998، كان هذا المجرم يعيث في الأرض فسادًا، مستغلًا القدس الشّريف مطيّة رخيصة قميئة من أجل نشر وتطبيق السياسة الفارسيّة التي تريد احتواء العالمين العربيّ والإسلاميّ؛ الأمر الذي جعله يعلن صراحة أنّ إيران الفارسيّة استطاعت أن تحتلّ أربع عواصم عربيّة تحت لوائها، فكانت بغداد الرّشيد معقلًا لانطلاقة هذا المدّ الفارسيّ الطائفيّ، بعد الغزو الأمريكيّ لبلاد الرافدين، بالتّنسيق المطلق بين الشيطانيْنِ؛ الأكبر والأصغر، وتسلّل هذا الأخطبوط إلى دمشق وبيروت وصنعاء؛ بالإضافة إلى أفغانستان التي احتلّت بتنسيق مطلق بين الفرس والأمريكان، فكان سليماني يتنقّل من بقعة إلى أخرى في العالمين العربيّ والإسلاميّ كيفما شاء، وأنّى شاء. والغريب في الأمر، أنّ تنقّلاته كانت على مرأى ومسمع الأمريكان دون قيد يواجهه، أو حاجز يمنعه؛ الأمر الذي يقودنا إلى القول إنّ الأمريكان كانوا يرسمون له خارطة التّنقّل، ويضعون تحت تصرّفه مساحة من الحريّة من أجل تطبيق مشروعه الفارسيّ البغيض؛ فلمّا جاءت الأحداث الأخيرة في بلاد العراق، وتمّ التعرّض للسفارة الأمريكيّة من قبل جنود سليماني، رأى الشيطان الأكبر أنّ شيطانه الأصغر قد خرج عن النّصّ المرسوم له، وأنّه لم يتقيّد بشروط التنقّل التي رسمتها أمريكا للكيان الفارسيّ، فتمّ التخلّص منه كي يكون عبرة لغيره ممّن يفكّرون في الخروج عن النّصّ، أو التغريد خارج السرب.
(قاسم سليماني والثّورة السّوريّة المجيدة)
عانى الشعب السوري كثيرًا من سليماني وجنوده في كافة المناطق، فقد ساهم بحصار عدّة مناطق وتهجير أخرى كما ارتكبت عصاباته مجازر بحق المدنيين، وفي عام 2011 ، تمت ترقية الجنرال الإيراني من رتبة عقيد إلى لواء، وتقول صحيفة “نيويوركر” الأمريكية، إنّ سليماني عندما “تولى قيادة فيلق القدس كان يعمل على إعادة تشكيل الشرق الأوسط لصالح إيران”.
(معركة القصير)
إنّ معركة السيطرة على مدينة القصير تمت بعد أن قتلت المليشيات التّابعة للمجرم سليماني، مئات المدنيين، ونكّلت بالمدينة كما أنها دمرت جزءًا واسعًا منها بعد حصار خانق للمدينة، وبدأ الناس نتيجة لاشتداد الحصار بمغادرة القصير ليلًا والتسلل عبر البساتين للهروب من جحيم القصف على المدينة وقراها. وتذكر تقارير أنّ المليشيات الإيرانية واللبنانية إضافةً إلى جنود النظام قتلوا وقتها نحو ثلاثة آلاف إنسان من أهل المنطقة. وهو رقم يُعدّ الأعلى في سورية كلها قياسًا إلى نسبة عدد السكان، حيث كانت الصواريخ تسقط بشدّة، ونتيجة للقصف الهائل والمستمر تم تدمير أكثر من 90% من المدينة. إنّ تهجير أهل القصير يعدّ من أكبر انتهاكات قاسم سليماني ومليشياته في سوريا، إذ أنّ مدنيي المدينة لم يعودوا إلى بيوتهم وبقي في المدينة بضع مئات من موالي النظام و”حزب الله”.
(تدمير حلب)
خرج قاسم سليماني مزهوًا بالسيطرة على مدينة حلب أواخر عام 2016، متجولًا على ركامها، راقصًا على دماء أهل السّنّة، وفرحًا بانتصار بلاده وحليفها الأسد بدعم جوي روسي، وميلشيات أفغانية عراقية لبنانية بالسيطرة على المدينة المهمة بكافة الأصعدة لكافة الأطراف، وتناقلت وسائل إعلام إيرانية صورًا مسربة لسليماني يتجول بين أحياء حلب المهدمة بفعل قصف قواته لها، وتدلّ التقارير أنّ سليماني وحلفاءه قتلوا من أهالي حلب عشرات الآلاف، كما نتج عن حربهم على المدينة أكبر عملية تهجير تحصل في سوريا.
انخرط القائد الإيراني في معارك المدينة وكان يقود مقاتلي المليشيات التي استطاعت حصار المدينة الذي أنهكها، مما أدى للسيطرة على المدينة وتهجير أهلها منها.
يتهم ناشطون وصحفيون سوريون سليماني بأنه المسؤول الأول عن الدمار الذي لحق بمدينة حلب ومرافقها وتهجير أهلها، ويذكر الناشط السوري عمر مدنية “من أفظع جرائم قاسم سليماني بعد قتل الصغير والكبير في سوريا، هو تدميره المسجد الأموي في حلب والذي تجاوز عمره ١٣٠٠ سنة هجرية”.
(تجويع مضايا)
منذ أن شاع نبأ مقتل قاسم سليماني، بدأ ناشطون يتذكرون حصار المليشيات الإيرانية التابعة لقاسم سليماني و”حزب الله” لمدينة مضايا بريف دمشق، ويقول أحدهم بتغريدة على توتير “للراغبين في كتابة سيرة قاسم سليماني.. لا تنسوا حصار مضايا من ضمن إنجازاته”. ويذكر أنّ هذا الحصار تسبب في وفاة عشرات المدنيين نتيجة لانقطاع الطعام والشراب من بينهم أطفال ونساء.
وأدت الحملة العسكرية على مدينة الزبداني عام 2015 للجوء معظم سكانها إلى بلدة مضايا المجاورة، وقامت قوات النظام حينها بقصف مضايا بالبراميل المتفجرة، وفرض على المدينة حصارًا محكمًا، ووصل الحال بالمحاصَرين إلى درجة أكل القطط والكلاب والحشائش وأوراق الأشجار لسدّ رمقهم جوعهم.
(مهندس التغيير الديمغرافي)
رحّب الأحرار في العالم أجمع، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بمقتل “قاسم سليماني”، وذلك لدوره فيما “وصلت إليه الأوضاع في سوريا، بعدما شارك نظام الأسد في قتل وتهجير ملايين السوريين الأبرياء”، والمعروف عن سليماني أنّه مهندس التهجير الديموغرافي في جُلّ المحافظات السورية، في كثير من المناطق وخاصة دمشق، وعقب الإعلان عن مقتل سليماني، غرد “هشام” وهو أحد المهجرين في سوريا، قائلًا: “بعد خمس سنين من النزوح. مات المسؤول المباشر عن تهجيري وعائلتي من قريتنا”.

(سليمانيّ الوحش)
لقد كان سليماني وحشيًا، بلا رحمة، ونافذًا بلا رحمة في أعماله، حيث كان يمضي بلا رحمة للهيمنة الإقليمية بالشرق الأوسط. ففي حين كان يخفق في تلمس طريقه عبر الطرق المدنية، فقد كانت لديه إمدادات لا نهاية لها من المجندين الشيعة الفقراء الذين تمَّ تجنيدهم بالقوة من أفغانستان وباكستان حتى يتمكن من إرسالهم إلى الخنادق في الهجمات التي تشبه الحرب العالمية الأولى حتى تمَّ كسر كلّ أشكال المقاومة، كيف لا؟! وحياتهم رخيصة بالنسبة له، تمامًا كما هو الحال بالنسبة لحركات الاحتجاج المدني التي سحقها سليماني. لذلك لم يكن من المفاجئ أن نرى مقاطع فيديو منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي لمحتجين عراقيين يرقصون في شوارع بغداد الليلة الماضية فرحين بنبأ مقتل الرجل الذي أزهق حياة المئات من إخوانهم. كما لم يكن مفاجئًا أن نرى الاحتفالات في إدلب، بسوريا، التي يقطنها 3 ملايين شخص، غالبيتهم العظمى من اللاجئين من حلب ودوما وداريا ومضايا وحمص وحماة ودرعا، وكل المدن والبلديات التي تعرضت للوحشية والحصار وتجويع قبل النزوح القسري من قبل سليماني.
يشير المدافعون عن سليماني إلى معارك التي دارت بين وكلائه وتحت قيادته وتنظيم “داعش” في جميع أنحاء العراق وسوريا. لكن المراجعة التاريخية تظهر أنّ الرجل الذي كان يؤوي تنظيم القاعدة في إيران كان يعمل في الوقت ذلك على مكافحة الإرهاب.
لقد كانت سياسات سليماني الوحشية في العراق مسؤولة عن تهيئة الظروف لغزو بوش الكارثي للعراق، حيث قامت قوات سليماني بأعمال وحشية لا يمكن تصورها ضد المدنيين في الأراضي التي كان يحتلها تنظيم “داعش” في هذه العملية.
هنا لا ينبغي لأحد أن يخدع نفسه في الاعتقاد بأن قرار ترمب باغتيال سليماني كان له أي علاقة بالعدالة لضحايا سليماني. لقد أثبت الرئيس الأميركي وحشيته تجاه المدنيين في الشرق الأوسط. لقد قُتل سليماني لأنه كان رجلاً عابثًا وأنانيًا وصدق نفسه. لم يكن قراره بإصدار أوامر إلى العناصر التابعة له باقتحام السفارة الأميركية في العراق يوم الثلاثاء إلا خطوة جريئة كصورته الشخصية المبتسمة، تلك التي كان يطل بها ويحاول إظهارها في جولاته، بكل بلدة ومدينة يزورها لتتحول فيما بعد إلى أنقاض بسوريا. ولكن، عندما كتبت الميليشيات التابعة له اسمه على جانب جدار السفارة الأميركية وقامت بتوجيه السباب العلني لترمب، كُتِبَ السطر الأخير في حياته على الرمال التي كان يعبر عليها للأبد.

(ليش يا حماس؟)
كم أحزنني وأغضبني وقوف إسماعيل هنيّة، على منصّة من منصّات طهران، وهو يصف الهالك سليمانيّ بالشّهيد!!!.
وكم أغضبني أن أرى القومجيّين واليساريّين والشيوعيّين يشيدون بموقف حماس الذي جعل من هذا المجرم الهالك، قدّيسًا شهيدًا.
وكم أفرحني موقف هؤلاء الذين خبرتهم واختبرتهم عبر شعاراتهم، فلم يكن في ردّة أفعالهم أيّ جديد غير متوقّع؛ كيف لا؟! وهم من أصحاب ركوب الموجات التي تتماهى مع أهوائهم، وتتواءم مع مصالحهم وعقائدهم الهدّامة المهترئة!!
ولكي أكون واضحًا وصريحًا، فإنّني أعلنها على الملأ قائلًا: نحنُ لا نتلقّى ديننا وعقيدتنا من أيّ تيّار إسلاميّ؛ مهما بلغت مكانته، وكبر شأنه وشأوه؛ وإنّما نحن من الذين يتلقّونَ عقيدتهم ودينهم من القرآن الكريم والسّنة المطهّرة؛ وعليه، فإنّ القدس والأقصى، والشعب الفلسطينيّ لا يريد نصرة من أيدٍ ملطّخة بدماء أخوتنا المسلمين في بلاد الشّام وبلاد الرافدين، ولا نقبل المساعدة المغموسة بدمائهم، وصيحات وصراخ استباحتهم واغتصابهم من قبل هذا المجرم الهالك سليماني؛ ومن جهة أخرى، فإنّ لحماس ظروفها التي قد تخفى علينا، فأهل مكّة أدرى بشعابها.
(رسالة إلى القومجيّين واليساريّين والشّيوعيّين)
ولكي أنهيَ مقالتي، وأغلق الأبواب أمام هؤلاء الذين يرقصون على دماء الشعب السوري، ويتشدّقون بشعارات مهترئة ظاهرها الرّحمة وباطنها العذاب؛ فإنّني أورد ما قاله شيخنا الفاضل؛ كمال الخطيب، في صفحته في الفيس بوك.
يقول شيخنا الفاضل:
“لم أرَ، ولم أسمع، ولم أقرأ في حياتي أكثر قدرة على التلون والتذبذب من أولئك الذين نراهم اليوم يتظاهرون بالتباكي والانتصار لإيران، بعد مقتل قاسمي سليماني على يد أمريكا.
إنّهم بقايا اليساريين والقومجيين والعلمانيين والشيوعيين، ممّن كانوا لا يتمتعون إلا بوصفنا في صحفهم الحمراء والصفراء ب“الخمينية“ مَـسَــبَّـــةً وشتيمةً لنا، وانتقاصًا يوم انتصرنا نحن لثورة الخميني عام ١٩٧٩،تعاطفًا مع شعاراتها الدينية، قبل أن نتبيّن حقيقة مشروعها.
أما هم، فقد عادوا إيران لأنها بالنسبة لهم تمثل مشروعًا قوميًا فارسيًّا في مواجهة مشروعهم القومي العربي .
لقد وقفوا يومها مع أمريكا، ومع الشيطان ضد إيران وضدنا، فقط لأنَّ إيران رفعت شعارات دينية؛ بينما هم اليوم يقفون مع إيران، فقط لأنها ترفع شعارات مذهبية، ولأنها ناصرت ودافعت عن قتلة ومجرمين، يدّعون الوطنية والقومجية والثورية والممانعة؛ أمثال بشار الأسد الطائفي النصيري الباطني.
المضحك في هؤلاء، أنهم حتى الأمس القريب كانوا يتهكَّمون من حماس، ويصفونها بالحركة الظلامية والرجعية (الموقف الذي لن أزايد عليه أبدًا، فأهل مكة أدرى بشعابها، وأهل غزة أدرى بحصارها)، وإذا بهم يلبسون قناعًا آخر، ويبدؤون بالمديح والتمجيد.
المضحك أكثر، أنَّ هذه المخلوقات العجيبة تنتمي إلى أحزاب تعمل تحت سقف الكنيست الصهيوني، بل إنها أعلنت عن دعمها لحكومة يترأسها مجرم الحرب غانتس، وقد قامت هذه الأحزاب في الانتخابات الأخيرة بتلقي أكثر من ١٥ مليون دولار من جمعيات صهيونية أمريكية. ألستم أنتم طفيليات تقتات على فتات دولارات أمريكا؟
وأكثر من ذلك، فإنَّ هذه الكائنات تمتاز بقدرتها العجيبة على التشكل والتلون، فإنهم يدّعون بأنهم لا يشمتون بأي شخص تقتله أمريكا، وبأنهم سيكونون دائمًا مع من هم ضد أمريكا، فلماذا إذا كنتم من الشامتين يوم قتل بن لادن، ويوم قتل البغدادي (مع علم الجميع بموقفي من كليهما) وهؤلاء قاتلوا وقتلتهم أمريكا. لا بل إنكم شمتم بقادة حماس الذين اغتالتهم إسرائيل بطائرات أمريكية .
يا هؤلاء، أنتم لم يكن في أدبياتكم، ولا منهجكم السياسي والفكري يومًا، أيّ علاقة ولا تأييدٍ للمقاومة، فلماذا المزايدة وركوب الموجة، ومن هم الذي زوّدوا العصابات الصهيونية بالسلاح لتهجير أبناء شعبنا وقتل المقاومين عام ١٩٤٨، فأنتم آخر من يحق له الحديث عن المقاومة، لكن يبدو أنّ ”اللي استحوا ماتوا ” .
واللهُ غالبٌ عَـلى أَمْرِهِ، وَلَكِـنَّ أَكْثَـرَ النّاسِ لَا يَـعْـلَـمُونَ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى