أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

على ضوء انتخابات ثالثة: نتـــنياهو يقود التغيير..

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
يعتبر نتنياهو أكثر رئيس وزراء حَكم في تاريخ إسرائيل، وستصل أيام حكمه مطلع آذار القادم 5186 يوما، متجاوزا رئيس الوزراء المؤسس لهذه الدولة دافيد بن غوريون، ومراكما تجربة سياسية واضحة المعالم جعلت منه الشخصية السياسية الأقوى والأكثر تأثيرا وأثرا على الساحة الإسرائيلية منذ عام 2009 والى هذه اللحظات.
هذه الشخصية بما تتمتع به من صفات قيادية، جعلته الأكثر تأثيرا على المشهد السياسي الإسرائيلي بل وعلى مفاصل هذا المشهد برمته.
ومع اقتراب انتخابات الكنيست تُلحظ حركة يقظة داخل الهيئات السياسية الإسرائيلية لخلق تكتلات كبرى لتجاوز المأزق السياسي الذي تمر به المؤسسة الإسرائيلية، على أمل أن تكون هذه الانتخابات حاسمة بالذات لتيار اليمين الذي يجمع شتاته طمعا بتشكيل حكومة يتم من خلالها الاستمرار بمشروعه الطموح الساعي لتغيير معالم الدولة، نحو أن تكون دولة تجمع متناقضات الدين والمدنية والليبرالية والاشتراكية، ضمن إيقاعات يقوم بكتابتها وفرض نصوصها، مجموعات من الايديولوجيين اليمينيين الليبراليين والمتدينين سواء كانوا في إسرائيل أو الولايات المتحدة الامريكية.
في المقابل مما ذكرت، يعاني اليسار الإسرائيلي حالة من المنبوذية السياسية، وقد قارب أفوله وفقا لكافة استطلاعات الرأي، بل ولا أبالغ إذا قلت أنه بات يلفظ أنفاسه الأخيرة مع ظهور التكتلات السياسية العابرة للأيديولوجيا والتي ينظر اليها هذا اليسار على أنها ورقة التوت الأخيرة التي تستر سوأته السياسية، بعد فشل مشاريع التسوية برمتها وهذا معناه أن اليسار الإسرائيلي، لغة وأيديولوجيا، سيكون من نصيب القائمة المشتركة، حتى لو نجح كل من ميرتس والعمل والخضر، بتجاوز نسبة الحسم.
الخارطة السياسية ككتل تتشكل حتى كتابة هذه السطور، راهنا، من اليمين وفي مقدمته حزب الليكود، والمركز وجيشر وحزب العمل، ويقوده تجمع كحول لافان، واليسار القائمة العربية المشتركة والى جانبها حركة ميرتس.
تاريخيا تشكلت الخارطة السياسية الإسرائيلية من أحزاب وحركات دينية حاريدية ودينية صهيونية، وأحزاب يمينية ومن أحزاب المركز، واليسار حُسِبَت الأحزاب العربية ولم تتبدل هذه الصورة عبر تاريخ انتخابات الكنيست بدوراته الاثنتان والعشرون.
ثمة اتهامات توجه لنتنياهو تتعلق بإلحاقه الضرر الفادح في معنى وروح الديموقراطية الإسرائيلية كإجماع صهيوني تم اختياره مبكرا وكنظام سياسي، تم كذلك الاتفاق عليه منذ فترة الييشوف وكأجهزة مؤسسة نابعة من هذا النظام دفعت خلال العقود الخالية على جعل الديموقراطية الإسرائيلية راسخة.
نتنياهو يهدد الديموقراطية الإسرائيلية بما هي عليه اليوم، وقد يسعى مستقبلا لديموقراطية رئاسية للنظام، يتبعها تغييرات في أدوات الحكم وذلك للحفاظ على هذه الديموقراطية، فالمجتمع الإسرائيلي يؤمن بالقوة والشخصية القوية ويمنحها صوته ويطمئن اليها، ونتنياهو من مثل هذه الشخصيات كما يراه عموم المجتمع الإسرائيلي، وهو الذي نجح ولا يزال بإلهاب مشاعر العامة من الإسرائيليين، وهو الذي دفع حزبه واليمين لاستغلال الديموقراطية للوصول الى مآرب غير ديموقراطية، بل وتهدد المجتمع الإسرائيلي ونسيجه الهش أصلا، ولذلك فهو حقيقة يهدد الديموقراطية الإسرائيلية ولعل قانون القومية يعتبر المسمار الأول الذي دقه نتنياهو في جسد الديموقراطية الإسرائيلية.
كشف الحقائق الغائبة
نتنياهو بسياساته التي تستهدف المكونات السياسية الرافضة لنهجه، واتهامه إياها باليسار والاعتماد على العرب لتشكيل الحكومة، كما فعل في حملات انتخابه الأخيرة منذ عام 2013 والى هذه اللحظات، كشف عن حقيقتين لطالما سعى أرباب الحكم في هذه الدولة لتغيبيهما تحسبا من الموقف الدولي، خاصة وأن إسرائيل تعتبر نفسها دولة ديموقراطية غربية. الحقيقة الأولى الغائبة اننا لسنا جزء من النسيج السياسي الإسرائيلي ومشاركتنا في انتخابات الكنيست بغض النظر عن اللافتة التي يتم تحتها الانتخاب، ليست سوى ذر للرماد في العيون ولأجل مخاطبة الغرب لا الفلسطيني في الداخل الفلسطيني، فهو دائما متهم ويشكل خطرا أمنيا، والحقيقة الثانية أن المجتمع الإسرائيلي مشبع بهذه الحقيقة وتأسس عليها بعدُّ نفسي يقضي أن جدل العلاقة القائم بيننا وبينهم مبني أساسا على مصالح مادية مشتركة، من مثل العمل ولا تتجاوزها، فالعربي الفلسطيني في هذه الدولة، لا يزال بنظر اليمين والمركز وحتى اليسار خارج الاجماع الصهيوني، وهو وفقا لهذه النفسية ليس مقبولا به .
بعد مقتل رابين عام 1995 وجّه العديد من المحللين والناشطين السياسيين التهمة مباشرة الى كتلة اليمين عموما، والى نتنياهو تحديدا، فهو لا يرعوي عن التهديد والتشنيع واتهام خصمه السياسي بأقذع الاقوال وهو ما دفع الى ظهور ظاهرة أشرت اليها في المقالة السابقة: ظاهرة الولاء لنتنياهو وليس للدولة ولا لمؤسساتها.
تشير استطلاعات الرأي الصادرة عن معهد إسرائيل للديموقراطية إلى ارتفاع مستمر في نسبة المتخوفين على مستقبل الديموقراطية الإسرائيلية ففي المسح الأخير للمعهد كشف أنَّ 29% من المصوتين لليمين يعتقدون أن الديموقراطية الإسرائيلية في خطر ويرى 68% من مصوتي المركز كذلك فيما ترتفع النسبة الى 84% لدى المصوتين لأحزاب اليسار وهذا المعطى بحد ذاته مؤشر يقلق ارباب القرار السياسي.
من الواضح أن القلق يعتور اليسار الإسرائيلي الذي بات الانتماء إليه سُبَةُّ وعار ُّ لا يجرؤ الا القليل من الإسرائيليين التصريح بهويتهم الأيديولوجية، وهذا اليسار كان ولا يزال منذ النشأة الأولى للحركة الصهيونية يمثل فيها أقلية عددية وأيديولوجية وإن كان له دور كبير في بناء هذه الدولة فكريا وعسكريا، ومع ذلك فمنذ عام 2009 ونحن نلحظ أن نتنياهو يعمل على ضعضعة هذه المجموعة وإنهاء وجودها السياسي إسرائيليا، وإبقاء هذا الوسم بحق القوائم العربية حتى يبقى يعمل على تحقيق حالة من الفصام بين مجموعة أساس من النسيج القومي الديني اليهودي الصهيوني، وأخرى خارج كلية عنه يمكنه من خلالها رفع كافة مشاكله وتحدياته على مشغبها وبهذه العملية تكون القوائم العربية/ القائمة المشتركة من حيث تدري أو لا تدري جزء من المشهد السياسي الصهيوني. وهذا يحدث في الوقت الذي يشير فيه مؤشر الديموقراطية الإسرائيلية الصادر عن المعهد المذكور سابقا الى أزمة ثقة حادة من طرف الجمهور الإسرائيلي بالمؤسسات السياسة وفي مقدمتها الأحزاب والكنيست والحكومة، إذ يكشف التقرير أنَّ 86% من الناخبين اليهود لا يثقون في الأحزاب و80% من الناخبين العرب وهذا المعطى بحد ذاته هو محل دراسات أمبيريقية “الدراسات المبيريقية: الدراسات الامبيريقية، تعتمد الخبرة والواقعية والتجربة وتهتم بالسلوكيات التي يمكن ملاحظتها وإخضاعها للقياس الكمي، وتنهض هذه الدراسات على ثلاثة مقومات: المقوم المفاهيمي الذي يحول المفهوم النظري الى إجرائي، والمقوم السببي الذي يفحص العلاقة السببية بين المؤشرات، والمقوم التجريبي الذي يفحص العلاقة بين المتغيرات التي هي محل الدراسة…ص/ ل”، حول صيرورات (بالصاد وبالسين) الانتخابات وكيف تصل الى اكثر من 70% المصوتين في ظل عديد الإحصائيات التي تؤكد تراجع الثقة بالأحزاب والانتخابات وهوما يدفع الى طرح مسألتي الكريزما والمعرفة لدى القادة السياسيين الذين يستطيعون التأثير على الناخبين، ولو كانوا سلبيين ومن الواضح أن نتنياهو من هذه الشخصيات النادرة في مسرح السياسة الإسرائيلية.
نتنياهو يقود التغيير..
نتنياهو يقود التغيير في هذه الدولة سواء كان هذا التغيير نحو دولة أكثر يهودية من ديموقراطيتها أو نحو دولة تؤثر النظام الجمهوري او نحو دولة دينية، تعتمد الفلسفة الدينية أساسا لقوانينها ولحكمها من خلال منظورهم لقانون القومية.
الواضح أن نتنياهو إذ يقود دولته نحو مستقبل يُظَنُّ أنه وردي، إلا ان الحقائق الغائبة في ثناياه، تقول إن حرب القبائل الداخلية قادمة وإن لحظة التغول في النيوليبرالية التي يؤمن بها هو والكثير من المنظرين القادمين من المدرسة الامريكية الذرائعية، ستحطم الكثير من منجزات هذه الدولة، وسيكون أول المتضررين أولئك الذين يرون به المسيح والمخلص، فسياسات التطرف والشَغَبُ على كل مخالف، والتآكل المستمر بثقة الإسرائيلي بالمؤسسات الحاكمة التي جاء خطاب نتنياهو ليؤكدها، مؤشرات للمرحلة القادمة التي سيكون عنوانها الفاشية السياسية والتطرف الديني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى