أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

من لهذه الفتن حتى يُسقِطُ القناع عنها

د. أنس سليمان أحمد
لقد حذرنا الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتن، فقال لنا فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: ( ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يُشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذبه)- أخرجه البخاري – فهذا الحديث الصحيح يؤكد لنا أنها ستكون فتن في المسيرة الإسلامية العروبية الفلسطينية، وستصنف هذه الفتن الناس إلى قاعد فيها أو قائم أو ماشٍ أو ساعٍ، وستقع آثارها على الفرد والمجتمع والأمة والدولة، وإلى جانب الأصناف التي ستخوض فيها، ستبقى هناك فئة مؤمنة صادقة تنأى بنفسها عن الوقوع في هذه الفتن، وسيقع البلاء على الجميع بسبب هذه الفتن، كما قال الله تعالى: ” ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون”، مما يعني أن الجميع سيتأذى من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وهو وصف لإضطراب الأحوال وفقدان الأمن وانهيار منظومة العدالة الاجتماعية وشيوع المال القذر وفساد الذمم والرشوة وإستباحة الظلم والسرقة ونهب أموال الكادحين وإزهاق الأرواح ومصادرة أرزاق الناس وأتعاب عرقهم وثمار جهودهم، ومع شدة هذا الوصف إلا أن هذا البيان القرآني يؤكد لنا أنه ورغم قسوة هذه الظروف ستبقى فئة صابرة، لا تنحني أمام الفتن ولا تتاجر بثوابتها الإسلامية العروبية الفلسطينية ، ولا تعطي دنية في مواقفها بل تصبر في بحر الفتن ثم تصبر ثم تصبر ولسان حالها يقول ” إنا لله وإنا إليه راجعون” فهي ومحياها ومماتها ودنياها وقدراتها لله رب العالمين في المكره والمنشط وفي العسر واليسر وفي الكرب والفرج، بريئة من التلون في قولها وعملها وخطابها وأخلاقها وولائها وأهدافها. ولذلك لا عذر لأحدنا أن يقول عند وقوع فتن: لا حول لي ولا قوة وأنا منساق إلى مخاضة الفتن رغم أنفي!! بل علينا أن نعلم أنه إذا إثاقل الصالحون المصلحون إلى الأرض وقعدوا عن إصلاح مجتمعنا، وتسبب ذلك بغلبة الظلم على العدل، وغلبة أهل الفجور على دعاة الخير، وساد الناس الرويبضات، وبات الكاذب محترماً والصادق منبوذاً، وشُرعنت الخيانة بإدعاء الحنكة السياسية، وقاد الأرذال مسيرة الأمة، وصار الناس يتملقون الظالم والقاتل والديوث ويصفقون لهم، وفي المقابل صار الناس يسخرون من المؤمن والتائب والعابد والداعية والمصلح، تماماً كما هو الحال الذي نعيش فيه، إذا صرنا كذلك فقد غرقنا في الفتن من حيث ندري أو لا ندري، وقد استجمعنا كل أسباب عقوبات الفتن التي ستقع علينا تترى بلا توقف، حتى لتكاد أن تهلكنا، ولن يرفعها عنا وجود قلة من الصالحين فينا، بل لن يرفعها عنا إلا التحقق بقانون التغيير الذي يقول الله تعالى فيه : ” .. إنّ الله لا يُعيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال “ـ لذلك لمّا سألت أم سلمة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث)!! ودلالة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كثر الخبث) تشير أن أهل الباطل ظهروا على أهل الحق، وأن الفساد صاروا الأكثرية إلى جانب قلة من الصالحين مستضعفة ومطاردة ومشيطنة!! ولذلك يوم أن استشرى العنف في الداخل الفلسطيني، وصار الواحد يقتل أخاه أو أباه أو أمه أو زوجه أو جاره لأتفه الأسباب، بل لغير سبب في بعض الحالات، ثم تفاقم العنف وتشعب وصال وجال، وبات القاتل لا يعرف فيما قتَل، ولا المقتول فيما قُتل، بل بات البعض من قساة القلوب يقتات على القتل، بمعنى أنه صار قاتلاً مستأجرا تحت الطلب يقتل مقابل مبلغ مالي، وفجأة استيقظ البعض منا من سُباتهم وراحوا يعقدون المؤتمرات للوقوف على أسباب تفاقم العنف فينا!! وليتهم عرفوا أن تفاقم العنف فينا هو عقوبة ربانية لنا على ما غرقنا فيه من فتن الفساد وشرعنة الإباحية، ومناصرة الشذوذ الجنسي والوقوف على أبواب صناديق الدعم الأمريكية أم الإمبريالية العالمية كما كنا نصنفها في الماضي، ثم راح هؤلاء البعض الذين إستيقظوا يقيمون اللجان المختلفة بمسميات براقة مختلفة لمواجهة العنف، وليتهم عرفوا أن بداية مواجهة العنف تبدأ أولاً بتغيير أنفسهم والتخلص من قبح العنف الذي هم فيه، وإلا فإن عنيفاً لا يمكن له أن يواجه العنف، كما أنه لا يمكن لأعمى أن يقود الناس، إنما يقود الناس بصير، ومما يثير الشفقة على هؤلاء البعض الذين استيقظوا أنهم راحوا يتوسلون لصناديق الدعم الأمريكية كي تمدهم بالمال لمعالجة العنف الذي عصف بنا في الداخل الفلسطيني، وليتهم عرفوا أن هذه الجمعيات التي يتوسلونها هي بلحمها وشحمها وعظمها التي دعمت بمالها كل ناعق وناعقة لإفشاء الفتن فينا، بمعنى آخر فأن هذه الجمعيات هي التي تسببت بإنفجار آفة العنف فينا، فهي مصدر المرض وكيف لمصدر المرض أن يكون مصدراً للعلاج؟! ومما يثير السخرية من هؤلاء البعض الذين استيقظوا أنهم راحوا يستغيثون بالمؤسسة الإسرائيلية كي تنقذهم مما هم فيه من ويلات العنف، وليتهم عرفوا أن المؤسسة الإسرائيلية هي سهّلت إنتشار السلاح الأعمى فينا، وغضت الطرف عنه، كي تسهل على بعضنا أن يقتل البعض الآخر، فليس هكذا تورد الأبل، وليس هكذا نواجه غول العنف فينا، بل لا بد من العمل على تغيير أنفسنا أولاً، ثم لا بد من تخلصنا من كل مظاهر الفتن التي صنعناها بأيدينا ثانياً، ثم لا بد من توبة مجتمعية ترفع عنا العقوبات الربانية التي إستجلبناها بأيدينا ثالثاً، ثم ما أسهل بعد ذلك أن نواجه العنف، وأن نضرب على يد تاجر السلاح الأعمى وعلى يد القاتل المستأجر وعلى يد أبواق الفتن، وإلا بدون ذلك فسنبقى نضحك على أنفسنا ، وسنبقى نتلهى بجراح مجتمعنا، ونرقص عليها، ونتاجر بها ونتسول عليها، ونتوكأ عليها للطرق على أبواب صناديق الدعم الأمريكية، والمضحك المبكي أن جمعيات مناصرة الشواذ جنسياً والشاذات جنسياً قد تنطعت لمواجهة العنف في مجتمعنا، وراحت تدّعي أن إباحة الشذوذ الجنسي للرجال والنساء سيخفف من حدة العنف الذي عصف بمجتمعنا!! ولا أدري هل نسيت هذه الجمعيات أم تناست أن خطابها الشاذ الذي يدعو إلى مناصرة الشذوذ الجنسي هو ما أوهن قيم مجتمعنا، وجعل حصونه مهددة من الداخل، وأغرقه في الفتن، وجمع عليه أسباب العقوبات الربانية بسبب هذه الفتن وليت هذه الجمعيات قد سكتت لأن سكوتها خير لنا، وليتها لو رحلت عنا، لأن حالها بات كحال القائل: (وداوني بالتي كانت هي الداء)، ولأن حالنا بات شائكاً، واختلط فيه الحابل بالنابل، وبات المفسد يدّعي أنه المصلح فيه، وبات الحليم فيه حيرانا، فإني أنصح الفئة القليلة القابضة على الجمر الصابرة والفتن تحيطها كإحاطة الأسور للمعصم أنصحها أن تعض بنواجذها على كل ثوابتها الإسلامية العروبية الفلسطينية، وأن تواجه غول العنف في مجتمعنا كجزء من سعيها لتغيير ما بأنفس هذا المجتمع وكجزء من سعيها لإفشاء السلام فيه وكجزء من تنبيهه على ما هو فيه من فداحة الفتن وسوء عاقبتها، وكجزء من دعوته للتوبة إلى الله تعالى، والتخلص مما هو فيه من الذنوب كي يخلصه الله تعالى مما هو فيه من ويلات غول العنف، وعليه فإنني أواصل نصيحة هذه القلة القليلة الصابرة القابضة على الجمر أن تبقى على ما هي عليه، وألا يستفزها الذين لا يوقنون، وأن تتجنب الفتن، وتصبر على الصعاب، وألا تتعثر في إصلاح مجتمعنا بطريقة فيها: شراسة أو أذى أو إنحراف على مذهب خوارج العصر الذي باتوا يعرفون باسم ” داعش” أو بطريقة قد يُشتم منها رائحة التعالي والتخوين أو التكفير والتفسيق بغير دليل شرعي!! بل هي مطالبة أن تمضي في طريقها وألا تستوحش من طول الطريق حتى لو قلّ من حولها السالكون، وأن تواصل سيرها حتى لو كثرت فيه التضحيات، وألا تستعجل النتائج حتى لو طال ليل المفسدين وتجار الأعراض والراقصون على الجراح، وألا تتخلى عن رفع رايتها وأداء دورها والاعتزاز بانتمائها والتفاخر بطهر منهجها حتى تلقى رسول الله على الحض وهي ثابتة على ما هي عليه لا تقيل ولا تستقيل، ولا تصغي لصوت مساوم لها على ثوابتها، ولا تلتفت لجعجعة مهدد متوعد لها. عسى هذه القلة القليلة الصابرة القابضة على الجمر إذا ظلّت على ما هي عليه أن يجعل الله تعالى منها ملجأ الفارين الخائفين من الفتن التي قد أظّلتنا أو التي لم تطل بقرنيها بعد، وفي ذلك روى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس. فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال: هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ) وفي ذلك روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون فتنة صمّاء بكماء عمياء من أشرف لها إستشرفت له، وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف) وفي ذلك روى عبدالله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (… وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ..) . فمن لهذه الفتن حتى يسقط القناع عنها إلا هذه القلة القليلة الصابرة القابضة على الجمر؟! ومن للناس المساكين عند وقوع هذه الفتن حتى يقول لهم: ” إركب معنا ولا تكن من الكافرين” إلا هذه القلة القليلة الصابرة القابضة على الجمر التي قد يحقق الله تعالى فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه لنا ثلاثة وعشرون صحابياً بطرق شتى: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم كذلك) قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال: (في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى